مسرحية "سجن باركود" .. رؤية إبداعية لقضايا التنمر والعنف
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
الشارقة - الوكالات
كان جمهور معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 42، التي انطلقت تحت شعار "نتحدث كتباً" على موعدٍ مع أضخم عمل مسرحيٍّ استعراضي إماراتي لعام 2023، على خشبة مسرح المعرض.
المسرحية التي امتدت على مدار ثلاث ساعات متواصلة، حملتْ عنواناً مثيراً للتساؤل وهو "سجن باركود"، الذي سيعرف الجمهور طوال مدة العرض قصة هذا السجن العجيب.
المسرحية من إخراج مروان عبد الله صالح، وبالتعاون مع المؤلفة الإماراتية ميرة المهيري، وبطولة باقة من الممثلين الإماراتيين اللامعين: موسى البقيشي، وعبد الله الباهتي، وسلطان بن دافون، وهيفاء العلي، وهيا القايدي، وريم الفيصل، وسارة السعدي، وغيرهم من الممثلين ذوي الطاقات التمثيلية الكبيرة، الذين قدموا أداءً مميزاً، جعل جمهور المسرح الغفير لا يتوقف عن متابعة كل ن لحظة ومشهد من العرض.
جذبُ انتباه الجميع من الثواني الأولى
بشكل مثير للإعجاب والدهشة، استطاع عرض "سجن باركود" أن يأسر الجمهور من أول ثانية، فعندما حان موعد العرض، أظلمت القاعة، وبدأت السينوغرافيا في ممارسة ألاعيبها على الحضور، أضواء تومض وتنطفئ، صوتٌ بشريُّ غليظ يتحدث عن جزيرةٍ يقول عنها: مكان لعزل البشر، وبينما هو يتحدث يظهر خيال أربعة أشخاص في الظلام، نعرف أنهم على جزيرة نائية تدعى "باركود" وهم مسجونون في سجنٍ على اسم الجزيرة، وتهمتهم هي التنمر، كلّ واحدٍ فيهم يتنمر بطريقةٍ معينة، فهناك الذي يتنمر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك المتنمر على الشخصيات المشهورة، وهناك المتنمرة على زميلاتها اللواتي يخالفنها في القناعات، كلهم متنمرون متسلسلون، ويجب على السلطات أن تبعدهم عن الناس الطبيعيين، فلا أمل فيهم.
تجربة مسرحية جريئة
أكثر ما يميز مسرحية "سجن باركود" ليست قصتها التي جاءت بلا حبكة مركزية، وكأننا إزاء مشاهدة عملٍ من المسرح العبثي، يذكرنا بمسرحيات صمؤيل بيكيت، لكن الجميل هي الحوارات المكتوبة للممثلين، المتشبعة بالكوميديا السوداء الساخرة، وعلى الرغم أن الغرض الأساسي للسخرية إسعاد الناس، إلا أن القصد الخفي منها خلق وتشكيل وعي تجاه قضايا مجتمعية حساسة، كالتي تطرقت إليها المسرحية، مثل قضية التنمر وخطورته حين يستشري في المجتمع، والعنف ضد المرأة.
تميّز أداء الممثل مروان صالح في دور آمر السجن، فالمشاهد لا يعرف من أدائه هل هو شخصية حقيقية في المسرحية، أم شخصية متخيّلة، يكتبها أحدٌ داخل المسرحية، أم هو متهم مثلهم ومتنمر مسجون مثلهم، أم هو كلّ هذه الشخصيات المركبة، وبالفعل استطاع بحرفية أن يؤدي كل هذه الشخصيات ويقنع المشاهد أنه الثلاثة في واحد، ويترك الجمهور في نهاية العرض مندهشاً بأدائه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مهاجرات الخليج .. بين العمل والعنف
خمس نساء من خمسة بلدان مختلفة، وطبقات اجتماعية مختلفة يجدن أنفسهن يعشن ويتنقلن في شبه الجزيرة العربية في رواية مو أوجرودنيك الأولى، وعنوانها «الخليج». تطرح الرواية نظرة عاطفية وإن تكن غير منصفة إلى العنف المادي والعاطفي الذي تتعرض له المهاجرات في منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، حيث يعيش اليوم ملايين من الأيدي العاملة المهاجرة. للأسف، تبدو الفرضية التي تحاول الربط بين أولئك الشخصيات فرضية هشة، فتنتج للنساء في الشرق الأوسط صورا اختزالية، بل تنميطية في بعض الأحيان.
هنالك (دنيا) المتزوجة حديثا من إمبراطور السكك الحديدية السعودي، والتي تنتقل قسرا من جدة إلى قصر جديد منيف في «المجمع الصناعي المهجور» برأس الخير، وهي مركز ثروات في المنطقة يشهد تحديثا سريعا ويغص بمواقع بناء أشبه بالمتاهات، هي خريجة جامعية مثقفة كانت فيما مضى تحلم بالانضمام إلى إمبراطورية حميها الذي رأى «قدراتها» فيما يتجاوز البيت، لكن وفاته المفاجئة تتركها شاعرة بأنها «متعفنة عديمة القيمة» حبيسة دور الزوجة الحبلى.
عندما توظف (دنيا) عاملة فلبينية تدعى (فلورا) لتكون خادمة ومربية لديها، تكون (فلورا) هذه في غمرة حزنها على وفاة ابنها الرضيع إثر إعصار في وطنها، تشرح دنيا نظام الكفالة الاستغلالي الذي يرقى إلى مستوى «عقود العمل غير المأجورة» بقولها: إن «صاحب العمل في دول الخليج يكون أقرب إلى الراعي، أو الكفيل». وفي غمار تعرضها لاكتئاب ما بعد الولادة، والهوس، والبارانويا، تصادر (دنيا) جواز سفر (فلورا) وهاتفها وتشرع في معاملتها بقسوة متزايدة.
في الوقت نفسه، تنتقل (جوستين) أمينة متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك، إلى أبوظبي مع ابنتها المراهقة (رين) للإشراف على معرض للصقور في متحف جديد، مستسلمة لغواية ما تعد به وظيفتها الجديدة من أمن مالي ومغامرة، وهناك تجد المغتربة الأمريكية المرموقة نفسها متورطة على نحو كارثي مع المراهق الإثيوبي (إسكيدار) الذي سافر إلى الإمارات العربية المتحدة بأوراق مزورة.
يتعلق الخط الأخير بـ(زينة)، وهي طالبة جامعية سورية أرغمها أبواها على الزواج بمقاتل من داعش -«برغم أن بنات الرّقة كن يشربن السم ويقدمن على الانتحار هربا من الزواج بمقاتلي داعش»- راجين من هذا الزواج أن يحميها من العنف الذي أفضى إلى اختطاف شقيقها وقتله، بعد تظاهره ضد نظام بشار الأسد. يشجعها زوجها عمر على الانضمام إلى «لواء الخنساء» وهو أقرب إلى «شرطة أخلاق نسائية» تعد المجندات الجديدات بـ«الحرية، ولو في مقابل مراقبة الآخرين».
تكتب، مو أوجرودنيك، السينمائية والأستاذة التي سبق لها التدريس في جامعة نيويورك بأبوظبي، مشاهد هذه الرواية متنقلة بين هذه المناظير الخمسة، ولعل سرعة الإيقاع هي السبب في أن بطلات أوجرودنيك يبدون أقرب إلى صور نمطية للضحية والجلاد منهن بشخصيات حقيقية من لحم ودم؛ فـ(دنيا) على سبيل المثال تفكر وهي تستولي على كل ما يربط خادمتها بالعالم الخارجي في أن «فلورا طيبة، لكنها طيبة مثيرة للغضب، وبدا لها أنه لا بد من تدمير تلك الطيبة»، و(زينة) ليست أصلا بمهاجرة أو مقيمة في أي دولة خليجية، ولا يكاد حضورها يضيف شيئا إلى الرواية عدا إكمال الصورة النمطية لأي قصة عن الشرق الأوسط بأن تحتوي بطريقة أو بأخرى على إرهابي، وبالانضمام إلى لواء الخنساء، تقع بسهولة فريسة للسادية فتأمر بالتعذيب العلني لمن يخالفن الشريعة من النساء، وتصف أوجرودنيك اضطرابها الداخلي بقسوة: «كانت تشعر بإحساس قوي بالأخوة والقرابة مع أولئك النساء، لكنها كانت تشكك في طبيعة ذلك الشعور، فلعله ناجم عن أشياء كثيرة: وحدتها، صدمتها، العنف الذي وقع على أخيها، وأسرتها، ومدينتها».
وقد لا يسلم الحوار أيضا من نبرة مباشرة، فصديقة (رين) الأمريكية تفضح ثيمة الرواية صراحة: «تقول أمي إن المستشفيات ممتلئة بعاملات حاولن الهرب، نساء مكسورات الكواحل قفزن من طوابق عليا، في الشهر الماضي ماتت امرأة وهي تسير في عرض طريق سريع رافعة يديها، بيع الكثير منهن بيعا».
قد تكون لهذا التسطيح غاية، ولدمج مناطق متباعدة في سردية واحدة، وفي اختزال حيوات كاملة إلى رموز إما للنعيم أو الشقاء، ولكن انتهاك النساء ليس محدودا بجغرافيا أو بطبقة، ولكي تدب الروح على الورق، فلا بد من النأي بالشخصيات والأماكن الروائية عن التعميمات.
ماي-لي تشاي هي مؤلفة، من أحدث أعمالها مجموعتا القصص القصيرة «عبارات مفيدة للمهاجرين» و«غدًا في شنغهاي». وهي عضوة في مجلس إدارة دائرة نقاد الكتاب الوطنية
عن نيويورك تايمز