موقف اليابان من الحرب على غزة
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
هناك عدة دول ما زالت تُراقب الوضع المأساوي في غزة الصامدة بالرغم من تتابع الهجمات البربرية التي تقوم بها الدويلة الصهيونية المارقة ضد المدنيين الفسطينيين والاستمرار في الإبادة الجماعية لأبناء فلسطين، كما إن المؤسسات المدنية هي الأخرى تتعرض للنسف والمحو منذ أكثر من 36 يومًا في إطار هذه الحملات البربرية اليومية وقتل وسفك للدماء الطاهرة من خلال الهجمات الجوية على الأبرياء والمرضي في المستشفيات ومراكز الإيواء والمدارس والمساجد والكنائس والعمارات التي تضم بين جنباتها الأطفال والناس والشيوخ والشباب لتمحوها مع ساكنيها.
ومن بين تلك الدول التي تُراقب هذه الأوضاع المأساوية وبقلق شديد، هي دولة اليابان التي تُعد واحدة من الدول التي تقع في المحور الأمريكي، إلّا أنها تسعى لوقف هذه الحرب على جميع أطراف الصراع؛ سواء على الفلسطينيين أو الإسرائليين، وتطالب بضرورة الالتزام بالقوانين والشرعية الدولية. وفي خضم هذه الأزمة، أجرت وزيرة خارجيتها يوكو كاميكاوا قبل أيام مضت اتصالًا مع السيد بدر بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية بهذا الشأن؛ حيث أكد الجانبان على إعطاء الأولوية القصوى لضرورة وقف الهجمات على الأبرياء والتوقف عن قصف البنية التحتية المدنية، والعمل على تحقيق هدنة عاجلة لتمكين الناس من الحصول على المستلزمات الضرورية للحياة من مأكل ومشرب ووقود وأدوية والمستلزمات الطبية المختلفة، وتمكين وصول مختلف الاحتياجات الإنسانية الإغاثية للسكان بصورةٍ أكبر وأسرع، ووقف سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الذين يصل عددهم الآن إلى 12 ألف شهيد نصفهم من الأطفال والنساء.
يتضح مما سبق أن اليابان حريصة على تغليب لغة الحوار في إيجاد حلٍّ نهائيٍّ ودائم للقضية الفلسطينية على أساس حلِّ الدولتين والقانون منذ احتلال فلسطين، وإنشاء دولة الاحتلال في عام 1948.
في هذه الحرب الدائرة على غزة، يرى المراقبون أن موقف اليابان لم يكن محايدًا في هذا الشأن كما اعتدنا أن نراه في الكثير من مواقفها فيما يتعلق بالحرب العربية الإسرائيلية في المنطقة؛ حيث كانت اليابان ضمن 4 دول صوتت ضد مشروع قرار قدمته روسيا لمجلس الأمن في بداية الحرب يدعو إلى إيجاد هدنة إنسانية في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس؛ حيث صوتت اليابان إلى جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على رفض مشروع القرار، بينما أيدته كل من روسيا والصين والغابون وموزمبيق ودولة الإمارات، وامتنع بقية أعضاء المجلس عن التصويت وهم البرازيل ومالطا وألبانيا وسويسرا وإكوادور وغانا. وكان يمكن لها أن تمتنع عن التصويت كالمعتاد باعتبارها دولة محايدة.
كما إن المسؤولين اليابانيين سارعوا لزيارة إسرائيل والسلطة الفلسطينية في رام الله على غرار ما قام به رؤساء بعض الدول الأوروبية المعروفة في مواقفها العدائية لفلسطين، إلّا أن وزيرة خارجيتها يوكو كاميكاوا طلبت من إسرائيل وقف قتالها ضد حركة حماس الفلسطينية وفق ما ذكرته وزارة الخارجية اليابانية.
وفي اجتماعات الدول السبع التي احتضنتها اليابان مؤخرًا أعلنت الوزيرة اليابانية أنها تراقب الوضع بقلق فيما يجري من انتهاكات في غزة، وأنها تعتزم تقديم مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار للمدنيين في غزة، مشيرة إلى وجود 900 مواطن ياباني بإسرائيل والأراضي الفلسطينية.
نرى أن اليابان لا تستطيع القيام بأي خطوات في ضوء الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول التي تقع في محورها؛ حيث أمريكا هي التي تدير هذه الحرب العنيفة على أبناء غزة بعد انهيار الحكومة الإسرائيلية ومخابراتها في تتبع ما جرى منذ السابع من أكتوبر الماضي.
أما اليابان فمن جانبها قلقة من هذا الصراع في المنطقة العربية، وتحذّر من احتمالات تأثيراته على اقتصاد بلادها خاصة فيما يتعلق بقطاع الطاقة وارتفاع أسعارها باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم يعتمد على معظم الواردات النفطية القادمة من المنطقة الخليجية. وما يجري اليوم في المنطقة يترك الكثير من التأثيرات السلبية على الشعوب والمؤسسات الأخرى في العالم ومن بينها الشعب الياباني وعلى الأفراد والأسر والمؤسسات اليابانية فيما يتعلق باستهلاكها ووضع شركاتها، خاصة وأن اسم اليابان أصبح اليوم يرد ضمن الدول والشركات الأجنبية الأخرى التي تؤيد الدولة الصهيونية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى لمقاطعة منتجاتها وخاصة من السيارات والإلكترونيات وغيرها من السلع الأخرى.
وعمومًا.. إن الحرب الدائرة على غزة سوف تترك تأثيرات سلبية على بعض الاقتصادات، إلّا أنها تترك آثارًا سلبية كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينهار يوميًا من جراء استمرار آلتها الحربية في قتل أبناء غزة، إضافة إلى التأثيرات الكبيرة على اقتصادات المنطقة والعالم في الكثير من القطاعات الاقتصادية والمصرفية والمالية وغيرها، وأن الأيام المقبلة سوف تكشف عن المزيد من هذه الخسائر الفادحة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عنوان ما بعد الحرب العدوانية؟
بينما تتصاعد حالة التفاؤل بقرب التوصّل إلى اتفاق، تصعّد دولة الاحتلال حربها الإبادية بكلّ الأشكال والوسائل المعتمدة، لحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح. التصعيد الإسرائيلي الذي تتجاوز ضحاياه الـ 100 يومياً، ومئات المصابين لا علاقة له بالمفاوضات تحت النار، وإنّما هو تعبير عن عقلية الانتقام، وجزء من محاولات دولة الاحتلال لتقليل عدد سكان قطاع غزّة إلى أدنى حدّ ممكن.
البعد الديمغرافي يشكّل واحداً من أهمّ هواجس السياسة الإسرائيلية وبأفق تهجير مئات الآلاف من القطاع، وأكثر منها في الضفة الغربية، بما يؤدّي على الأقل وفي المدى القريب إلى الإخلال الفادح بالميزان الديمغرافي على أرض فلسطين.
إذا حاولنا الوقوف مبدئياً على تطوّرات المشهد الديمغرافي، فإنّ الوقائع تشير إلى أن القطاع فقدَ حتى الآن ما يقرب من 300 ألف من سكانه، نحو 100 ألف غادروه، و200 ألف تقريباً بين شهيد ومصاب، وإذا توقّفت الإبادة وفُتح المجال لتلقي المصابين العلاج في الخارج، ومع مرافقيهم فإن العدد قبل الحديث عن هجرة أعداد أخرى، سيتجاوز نصف المليون.
في الضفة تواصل دولة الاحتلال تدمير المخيمات على نحو منهجي، للتخلص من أي مؤشرات واقعية للجوء الفلسطيني واستكمال تقويض دور «الأونروا»، وقد تجاوز عدد المهجّرين فيها الـ 60 ألفاً. غير أنّ هذه مجرّد مؤشّرات على ما ينتظر القضية الفلسطينية، فيما يُعرف بخطّة «اليوم التالي» للحرب العدوانية. في واقع الأمر لا يوجد عملية تفاوضية على خلفية صفقة التبادل، فالولايات المتحدة تتفاوض مع نفسها، ووفق خطّتها التي تتجاوز موضوع الإفراج عن الرهائن، ووقف الحرب الدموية إلى ما يتصل بالترتيبات المقبلة في الإقليم.
في أميركا يتصدّر دونالد ترامب المشهد التفاوضي والإعلامي وينتظر خضوع الأطراف، مع نافذة محدودة، لتعديل بعض البنود التي ينقلها الجانب القطري نيابةً عن حركة حماس.
دولة الاحتلال وافقت على ما يسمّى بـ»ورقة ويتكوف» ولكنها لم تعلن رسميا عن موافقتها، وهي تكتفي بإعلان ترامب عن موافقتها بعد محادثات مع الوزير الإسرائيلي رون دريمر.
قبل وصوله إلى أميركا، كان دريمر قد حصل على موافقة بنيامين نتنياهو وأغلبية وزراء حكومته، بعد أن اتضح للقاصي والداني، أنه ورئيس حكومته لا يملكون القدرة على معارضة ترامب.
ويتضح أن ترامب يدير الحرب الإبادية، ويدير «السلام»، وفق ما يخدم الرؤية والمصلحة الأميركية، وأنه لا يترك مجالاً حتى لأقرب حلفائه، فرصة إفساد رؤيته وأهدافه.
بالنسبة للفلسطينيين لا يتمتّع ترامب بالحدّ الأدنى من المصداقية، ولا يمكن المراهنة على ضمان أي اتفاق يتعارض ولو جزئياً مع رؤيته. في تصريح نادر قال الأخير إنه يسعى لوقف دائم للحرب، وأن إسرائيل لا يمكنها بعد ذلك العودة إلى القتال.
نتنياهو حاول المراوغة وكسب المزيد من الوقت وربما تجنُّب الظهور على أنه خضع لأوامر ترامب، إذ كان يرغب في أن يؤجّل زيارته للبيت الأبيض حتى نهاية الشهر، لكنه لم يفلح أمام استعجال ترامب، الذي لا يهتم لأية مشاعر يبديها نتنياهو.
سيحتفل الرجلان في البيت الأبيض، بتحقيق «النصر» في إيران للتغطية على الفشل في غزّة، ولإقناع نتنياهو بأنه يحقق «انتصاراً» تاريخياً، انطلاقاً بما ستحمله مرحلة ما بعد توقّف القتال في قطاع غزّة.
الصحافة الإسرائيلية تضجّ بنشر المخطّطات التي جرى ويجري تحضيرها لما بعد الحرب الهمجية على القطاع.
لو حاولنا قراءة المشهد العام للاضطراب في المنطقة، فإن نتائج الحرب على إيران، لا تعطي لأي طرف حقّ الادعاء بتحقيق الانتصار، على الرغم من أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي لا يتوقّفان عن الاحتفال بالنصر.
تلقّت الدولة العبرية ضربات موجعة لم تعهدها في تاريخها، وتلقّت إيران، أيضاً، ضربات موجعة وخسائر هائلة، لكن النظام الإيراني صمد، ومشروعه النووي باقٍ رغم الأضرار الكبيرة ومنظوماته الصاروخية باقية وتأكّدت فعاليّتها.
أعتقد أن أميركا، لم ترغب ولم تعمل جدّياً من أجل إسقاط وتفكيك النظام الإيراني، وهي لا تزال تبالغ في خطورة ما تملكه إيران. السبب خلف ذلك، هو أن بقاء النظام الإيراني، واستمرار رغبته في تطوير قدراته النووية سيشكّل الذريعة لتخويف دول المنطقة، وتبرير الوجود الأميركي وإقامة التحالفات، التي تشكل حاجة ماسّة ووجودية لحماية أنظمة الخليج العربي، طبعاً ثمّة أسباب أخرى، من نوع عدم استدراج الصين وروسيا إلى الصراع عن قرب إلى المنطقة.
اليوم يجري الحديث عن «درع ابراهام»، واستعداد عدد من الدول العربية لـ»تطبيع» علاقاتها مع دولة الاحتلال.
«درع ابراهام» يتجاوز «التطبيع» إلى التدرُّج في إقامة حلف على غرار «الناتو»، بقيادة أميركا ومشاركة فاعلة لدولة الاحتلال. إقامة هذا الحلف ينطوي على أبعاد إقليمية ودولية خطيرة، في إطار صراع أدوار بعض دول المنطقة، وأيضاً الصراع والتنافس الدولي على قيادة النظام الدولي، وبالتأكيد على القضية الفلسطينية، التي تتعرّض إلى حصار مختلف وعملية تقزيم. باختصار، ما بعد الحرب العدوانية ثمّة اضطرابات واسعة في الإقليم.
الأيام الفلسطينية