عقب انتخاب أوزغور أوزيل رئيسًا جديدًا لحزب الشعب الجمهوري، وزعيمًا للمعارضة التركية، اعتقد البعض أنه سيمضي فترة رئاسته الأولى في إعادة هيكلة الحزب، ووضع الإطار العام لسياسات إدارته خلال المرحلة المقبلة استعدادًا للانتخابات المحلية المقرَّرة في مارس/ آذار المقبل، لكن يبدو أنَّه قرر أن تكون البداية أكثر قوّة وأسرع في تحصيل نتائجها على الساحة السياسية، وقطف ثمارها شعبيًا.

وهل هناك أفضل من الدخول في صراع محتدم مع الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، في هذه المرحلة الحساسة؛ استغلالًا للأزمة القضائية التي تعيشها تركيا حاليًا؛ نتيجة الخلاف الذي اندلع بين كل من محكمتي النقض والدستورية العليا؛ بسبب تباين موقفيهما من استمرار حبس النائب جان أتلاي، بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في شهر مايو/ أيار الماضي، ودخول الرئيس أردوغان طرفًا فيها؟

دون شكّ هي فرصة للرجل لتسويق نفسه جماهيريًا، وتوضيح نهجه، وإيصال رسالة لكل من يهمه الأمر، يفصح فيها عن ما ستكون عليه توجّهات المعارضة التي يقودها خلال المرحلة المقبلة، عنوانها الرئيس لا تصالح ولا مهادنة.

من هو جان أتلاي النائب السجين؟

تنطلق القصة التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ بنهايتها، منذ تم ترشيح جان أتلاي- وهو محامٍ متخصص في قضايا الحريات- الذي اعتقل عقب مشاركته في تنظيم احتجاجات ضد الحكومة عام 2013 بمشاركة رجل الأعمال عثمان كافلا وآخرين، والمعروفة باحتجاجات "غزي بارك"، ووُجهت له تهم بالمساعدة في "محاولة قلب نظام الحكم"، وفق نص المادة 312 من قانون العقوبات، ليحكم عليه في أبريل / نيسان 2022 بالحبس لمدة 18 سنة، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف، إلا أن محكمة النقض لم تفصل فيه، ما جعله حكمًا غير نهائي، الأمر الذي سمح بترشيحه لعضوية البرلمان من جانب حزب العمال عن ولاية هاتاي جنوب شرق تركيا، وهو في محبسه يقضي عقوبته؛ ليفوز في الانتخابات، ويبدأ حزبه برفع دعوى قضائية يطالب فيها بالإفراج عن نائبه، كونه أصبح يتمتع بالحصانة البرلمانية وفق نص المادة "83 " الفقرة " 2″ من الدستور، التي تنص على أنه" لا يجوز القبض على النائب الذي يتهم بارتكاب جريمة قبل الانتخابات أو بعدها أو استجوابه أو توقيفه، أو محاكمته دون موافقة البرلمان، وتصويت ثلاثة أخماس عضو من أعضائه على هذا".

لذا أمرت المحكمة الدستورية بالإفراج عنه، مؤكدة في حيثيات حكمها أن سجنه ينتهك حقه في الأمن والحرية، وفي ممارسة مهامه كعضو في البرلمان، لكن محكمة النقض رفضت قرار المحكمة الدستورية، وأصدرت قرارًا يلزم المحاكم الأقل درجة بعدم الالتفات إلى قرار الدستورية.

ليتصاعد الخلاف بين المحكمتين بعد طلب النقض إجراء تحقيق جنائي مع أعضاء المحكمة الدستورية الذين أيدوا قرار الإفراج عن أتلاي، في سابقة تعد الأولى من نوعها داخل تركيا.

المفارقة هنا أنه وَفقًا للقانون، فإن قضاة المحكمة الدستورية لا يمكن محاكمتهم إلا أمام المحكمة الجنائية العليا، وهي نفسها المحكمة الدستورية، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدًا، ويشير إلى تصاعد الأزمة وارتفاع حدتها.

بيان الدستورية العليا واصطفاف الرئيس ضدها

ردت الدستورية العليا على قرار محكمة النقض في بيان تم تداوله إعلاميًا بأن عدم التزام المحاكم الأقل بالأحكام الصادرة منها يمثل انتهاكًا خطيرًا للدستور، مشددة على ضرورة الإفراج عن النائب المذكور، وإعادة مقعده البرلماني إليه، ومطالبة المحكمة الجنائية العليا بتنفيذ أحكامها.

وأوضحت في بيانها أن المادة "153" في الدستور تنص على ضرورة التطبيق الكامل لقرارات المحكمة الدستورية، وأن عدم الالتزام بذلك يعد انتهاكًا للدستور، مطالبة البرلمان بإعادة مقعد جان أتلاي في البرلمان، واتخاذ إجراءات تتسق وقرارات المحكمة، داعيةً كلًا من البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين لتحمل مسؤولياتهم الدستورية وحماية القانون.

وهنا تزداد الأزمة، وتتّسع الفجوة بين الدستورية والنقض بعد اصطفاف الرئيس أردوغان إلى جوار قرار محكمة النقض، موجهًا لومًا شديد اللهجة للمحكمة الدستورية، معربًا عن أسفه لارتكابها أخطاء متتالية في الآونة الأخيرة، ومطالبًا بالتروي في مسألة سرعة الإفراج عن أتلاي، خاصة أن احتمال رفع الحصانة عنه مستقبلًا سيستغرق وقتًا طويلًا، وهي الثغرة التي ساهمت سابقًا في هروب العشرات من المتهمين إلى خارج البلاد، مشيرًا إلى أن وضع دستور جديد للبلاد أصبح أمرًا ضروريًا لمنع ظهور مثل هذا النوع من الأزمات.

أوزيل يرفض موقف أردوغان وينحاز للدستورية

وجّه رئيس البرلمان التركي بدوره انتقادات لاذعة لبيان الدستورية، الذي اعتبره بمثابة بيان سياسي، موضحًا أنه ليس من مهام المحكمة الدستورية إصدار مثل هذا البيان، معتبرًا توجيهها للبرلمان، بشأن ما يجب عليه عمله، انتهاكًا صارخًا لسلطاته، مؤكدًا أنهم بصدد إعداد بيان مكتوب للمحكمة الدستورية بشأن حيثيات قرارها.

وقد انحاز أوزغور أوزيل رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة لصف المحكمة الدستورية، معتبرًا قرار محكمة النقض ضدها بمثابة " محاولة انقلاب ضد الشخصية الاعتبارية للمحكمة الدستورية"، مصنفًا قرار النقض ضد أتلاي بالمجحف ليس لشخصه فقط، ولكن لكل المواطنين الذين صوتوا له في محافظة هاتاي، بل وللبرلمان ذاته، واصفًا ما تفعله محكمة النقض بمحاولة هدفها إلغاء الدستور.

متهمًا أردوغان بـ " الانقلابي"، وبأن تصريحاته زادت من حجم الأزمة القضائية، وأشعلت فتيل الفتنة القانونية داخل البلاد، مرجحًا أن يكون هذا محاولة من جانب الرئيس والحكومة تستهدف تقويض النظام الدستوري في البلاد لصالح دستور جديد يحوي بنودًا ترفضها أحزاب المعارضة، كونها توجهًا دينيًا لا يتناسب مع علمانية الدولة المنصوص عليها في الدستور، في إشارة إلى رغبة العدالة والتنمية في تحصين حرية ارتداء الحجاب دستوريًا.

زعيم المعارضة يهدد بالنزول إلى الشوارع والاحتماء بالميادين

زعيم المعارضة هدد في حال استمر النزاع القضائي فإنه سيدعو أنصار حزبه والهيئات النقابية والجمعيات الحقوقية للنزول إلى الشوارع والاحتماء بالساحات والميادين لمقاومة هذه المحاولة الانقلابية القانونية.

وهو الموقف الذي أيدته نقابة المحامين، التي اعتبرت هذه الأزمة أزمة دولة، ومحاولة حقيقية للقضاء على الدستور، رافضة اتهام المحكمة الدستورية- التي تنوب عن الشعب التركي- بمحاباة التنظيمات الإرهابية، ومطالبة بالتحقيق مع كل من أساء لها.

لم تفوّت المفوضية الأوروبية الفرصة لتدخل على الخط، معتبرة ما يحدث بمثابة تراجع صارخ لأنقرة فيما يرتبط بمعايير الديمقراطية، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وحقوق الإنسان.

تداعيات تحول الأزمة من قضائية إلى سياسية

وفي محاولة استهدفت تقويض الأزمة، وإنهاء الصراع بين النقض والدستورية، أعلن وزير العدل أن اختلاف وجهات النظر بين المحكمتين يمكن النقاش حوله، وإزالة أية غموض قد أحاط ببعض بنود القانون.

إلا أن تحول الأزمة من قضائية إلى سياسية، وتوظيفها من أجل استقطاب أكبر شريحة ممكنة من المواطنين لخدمة استحقاقات انتخابية مقبلة، من شأنه تقويض محاولات الوصول إلى صيغة تفاهمية ترتكز على التقدير والاحترام المتبادل بين المحكمتين، وينذر بتدهور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة بعد أن رفض العدالة والتنمية دعوة الشعب الجمهوري لعقد اجتماع برلماني استثنائي لبحث هذه الأزمة.

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

حازم إمام: هذه المراكز التي تحتاج للتدعيم بالموسم الجديد.. واستراتيجية لجنة التخطيط في ملف كرة القدم

أكّد الكابتن حازم إمام، عضو لجنة التخطيط بنادي الزمالك، أن بطولة كأس مصر قد تكون ختام الموسم الحالي للفريق الأول، مشيدًا بالجهود الكبيرة التي يبذلها المدير الفني أيمن الرمادي وجهازه المعاون في هذه المرحلة الصعبة. وأشار إلى أن الرمادي قبل المهمة في توقيت دقيق للغاية، يستحق عليه كل التقدير، مؤكدًا أن مجلس الإدارة هو من يدير النادي، ويجب احترام ذلك.

وأوضح إمام  في تصريحات لبرنامج "زملكاوي" على شاشة قناة الزمالك، أن الزمالك بحاجة لتغيير في الأفكار من أجل بناء الموسم الجديد بالشكل الأمثل، مؤكدًا أن الرؤية الحالية تعتمد على تعيين مدير رياضي وإنشاء قسم متخصص للجنة التعاقدات، ضمن خطة لإرساء أسس ثابتة في النادي، بعيدًا عن الأسماء، وبما يخدم النادي على المدى البعيد.

وأضاف أن لجنة التخطيط تعمل على إنشاء إدارة رياضية متكاملة تتولى مسؤولية الشراء والبيع، وفق رؤية فنية، مشيرًا إلى أن الفكر الإداري الجديد يقوم على تشكيل لجنة خاصة لملف التعاقدات والصفقات، بما يتماشى مع طموحات الجماهير التي لا تقبل إلا بالصفقات المميزة.

أيمن الرمادى يتدخل لحسم ملف تجديد عقد عبد الله السعيد مع الزمالك 4 ملفات هامة على طاولة اجتماع مجلس الزمالك في غياب لبيب

وأكد وجود تنسيق مستمر بين مجلس إدارة النادي ولجنة التخطيط في ما يخص ملف التعاقدات، كاشفًا عن حاجة الفريق للتدعيم في مراكز الجناح الأيمن والجناح الأيسر، بالإضافة إلى مركز رأس الحربة، ولاعبي خط الوسط في مركزي 6 و8.

وأشار إلى أن العمل داخل الزمالك يجري بشكل علمي، وهناك توليفة يتم إعدادها تجمع بين الصفقات القوية والعناصر الواعدة من المواهب الشابة. وأكد أن تطوير قطاع الناشئين يمثل أولوية كبرى، ويُعد من الملفات المهمة التي تحظى باهتمام كبير.

وفيما يخص اللاعبين، أشار إلى أن النادي في تواصل مستمر مع عبدالله السعيد لتجديد عقده، وأن اللاعب سيكون جاهزًا لخوض نهائي كأس مصر، بينما أبدى حسام عبد المجيد رغبة في الاحتراف الخارجي، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الزمالك سيحافظ عليه لأطول فترة ممكنة. كما أوضح أن محمد السيد من اللاعبين الذين تسعى الإدارة للحفاظ عليهم ضمن صفوف الفريق.

ولم يُخفِ إمام وجود عقبة تتعلق بالمديونيات الخاصة بمستحقات اللاعبين، لكنه أكد أن إدارة النادي تعمل على إيجاد حلول لتلك الأزمة، في ظل السعي لعقد صفقات قوية حسب الإمكانيات، وبما يتناسب مع ظروف النادي الحالية.

واختتم حازم إمام تصريحاته بالإشادة بأداء اللاعبين في مباراة بتروجيت، مؤكدًا أنهم قاتلوا على كل كرة، وقدموا صورة مشرفة للفريق، قبل أن يسترجع واحدة من أهم لحظات مسيرته، قائلًا: "لن أنسى يوم 25 مايو، ليلة اعتزالي في نهائي كأس مصر، حين هتفت الجماهير وزملائي في المدرجات: لا للاعتزال يا حازم، ستظل لحظة خالدة في ذاكرتي".

مقالات مشابهة

  • سوريا.. رئيس منظمة الإنقاذ يكشف لـCNN كيف تختلف المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد عن مناطق المعارضة وكيف ستزدهر البلاد؟
  • الصغير: لو كنت مكان البرلمان لطلبت من مترشحي الحكومة تشخيص أسباب الأزمة ومعالجاتهم لها
  • الحزب الحاكم في فنزويلا يحتفظ بالسيطرة على البرلمان وسط انقسام المعارضة
  • المحكمة العليا في بنجلاديش تبرئ زعيمًا إسلاميًا حُكم عليه بالإعدام
  • بعدما أعلن حرب أبدية على غزة.. من هو رئيس الشاباك الجديد؟
  • وكالة الريفي التي تبيض ذهباً ولا يراقبها أحد.. التنمية الفلاحية تحت مجهر البرلمان
  • تعديلات الإيجار القديم| الصيادلة بين الطرد وزيادة القيمة.. هل ينهي البرلمان الأزمة ؟
  • حازم إمام: هذه المراكز التي تحتاج للتدعيم بالموسم الجديد.. واستراتيجية لجنة التخطيط في ملف كرة القدم
  • المحكمة الدستورية .. إنجاز وطني في حماية الدستور والرقابة على القوانين
  • المبروك: تحركات الرئاسي قد تُفاقم الأزمة وتدفع نحو فراغ دستوري أو صدام