يستنزف القطاع الخاص في اليمن آخر طاقاته في مواجهة التحديات الكبيرة التي فرضها الانقلاب الحوثي والحرب، رغم أنه أثبت صلابته خلال 9 أعوام من مواجهة التعسف وانهيار المؤسسات الرسمية أمامه، حيث باتت بيئة الأعمال تعيش وضعاً بالغ الهشاشة، وتنزف اقتصادياً واجتماعياً جراء التعسف الحوثي.

منذ أيام دانت الحكومة اليمنية إقدام الجماعة الحوثية على محاصرة منزل رجل الأعمال توفيق الخامري، بثلاثين سيارة محملة بالمسلحين، بقيادة القيادي في الجماعة ناصر العرجلي، متهمة الجماعة بتنفيذ مخطط لتجريف القطاع الخاص والقضاء على البيوت التجارية المعروفة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لصالح شركات ومستثمرين تابعين لها.

وتعد هذه الواقعة واحدة من وقائع متكررة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، دفعت عديداً من أصحاب الاستثمارات ورجال الأعمال إلى نقل رؤوس أموالهم خارج اليمن أو خارج مناطق سيطرة الجماعة، في حين اضطر آخرون إلى التعايش مع التحديات والتكيف معها، وهو الأمر الذي يشيد به باحثون اقتصاديون.

ويرى هؤلاء الباحثون أن كبريات الشركات والبيوت التجارية أسهمت، بصمودها في وجه تحديات الانقلاب والحرب وتعسفات الجماعة الحوثية، بدور كبير في تغطية الفجوة التي تسبب بها تغييب المؤسسات الرسمية عن أداء خدماتها، وسهّل من وصول كثير من هذه الخدمات، وإن كانت بمستوياتها الدنيا إلى ملايين السكان.

يشير الباحث اليمني عبد القادر المقطري، إلى مساهمة القطاع الخاص في تسهيل حركة المواد الأساسية والضرورية إلى المستهدفين، وتمكينه المنظمات الإغاثية الدولية من الحصول على خدمات لوجيستية مثل التخزين والنقل والتوزيع، وإلى جانب كل ذلك فإن القطاع الخاص حافظ على وجود فئة من اليمنيين تمتلك مداخيل شهرية بعد انقطاع رواتب الموظفين منذ 7 أعوام.

بيئة طاردة

في آخر تقاريره حول اليمن؛ قدّر البنك الدولي خسائر القطاع الخاص المباشرة وغير المباشرة خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية الموالية لإيران بنحو 27 مليار دولار، بعد أن اضطر ما نسبته 25 في المائة من إجمالي عدد الشركات في اليمن إلى الإغلاق.

وشهد اليمن، طبقاً للتقرير، انخفاضاً في مبيعات الشركات التجارية بنسبة أكبر من 80 في المائة، وفقاً لتقرير «المذكّرة الاقتصادية القطرية لليمن» معللاً ذلك بالقضايا الأمنية في مناطق الصراع، والخراب الاقتصادي، والركود المالي، وتدمير أصول الشركات، ومعاناة الشركات الناجية من تلك الأضرار، من انقطاعات الخدمات الرئيسية وتناقص قواعد عملائها.

دفعت تلك الظروف الشركات إلى خفض أعداد العاملين بها، ونقل ما نسبته 20 في المائة من الشركات عملياتها إما إلى مناطق داخل اليمن أو إلى الخارج.

يفيد المقطري «الشرق الأوسط» بأن البيئة التي خلقها الانقلاب والحرب في اليمن منعت المؤسسات الرسمية وغير الرسمية من الحصول على بيانات دقيقة حول الوضع الاقتصادي في اليمن، والتدهور الحاصل في مختلف القطاعات، منبهاً إلى أن النسب التي يطلقها الباحثون أو المؤسسات تبقى تقديرية غالباً، إن تم الحصول عليها بأعمال مسح غير دقيقة أو مكتملة.

فمثلاً، تقدر جهات عدة نسبة تسريح العمال في القطاع الخاص بنسبة تقارب 55 في المائة، بينما يمكن أن يكون الرقم أكبر من ذلك بكثير، خصوصاً أن كثيراً من الشركات أوقفت أنشطتها تماماً، وأخرى قلصت ساعات عملها، ورافق ذلك تخفيض في أجور العمال، إلا أنه وفي المقابل نشأت شركات أخرى بديلة من اقتصاد الحرب الذي يصفه بـ«الاقتصاد الأسود»، واستقطبت إليها جزءاً من تلك العمالة المسرّحة.

لكن تلك الشركات الجديدة نشأت في تخصصات بسيطة ومعتادة، ولم تنشط في مجالات تخصصية نوعية، وهو ضرر آخر لحق بالاقتصاد اليمني، حيث ستلجأ البلاد إلى مضاعفة استيراد السلع والخدمات النوعية، في حين أن العمالة ذات التأهيل العالي ستهاجر بدورها، أو سيلجأ أفرادها إلى مزاولة مهن لا تتناسب مع تخصصاتهم.

صعود «الاقتصاد الأسود»

تزعم الجماعة الحوثية أن إجراءاتها ضد بيئة الأعمال والاستثمار تحمي وتشجع المنتج المحلي، عبر استخدام السياسات المالية الضريبية والجمركية الملائمة، وتحد من هجرة الأموال المحلية، وتمنع المنافسة غير العادلة للمنتج المحلي، في تناقض واضح مع ما تسببت به إتاواتها من هلاك للقطاع الخاص، وإلزامه بخدمة مشروعها، والتبعية الكاملة لقياداتها، والانحسار التام أمام صعود اقتصادها الخاص القائم على حساب اقتصاد الدولة.

يصف الباحث الاقتصادي عادل شمسان، المواجهة التي يخوضها رجال الأعمال والبيوت التجارية اليمنية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بـ«الشجاعة»، والوقوف بحجم التحديات المفروضة عليها من قيادات الانقلاب، فاستمرارية هذه البيوت التجارية ساعد في محاولات إنقاذ الاقتصاد والتنمية في اليمن، موضحاً أنها تحملت كثيراً من تبعات الحرب والانقلاب.

ويتحسر شمسان، خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»، على استمرار التعسفات الحوثية على الشركات والبيوت التجارية، وحتى المشروعات الاستثمارية والتجارية الصغيرة، بما سيدفع في المحصلة إلى انهيار القطاع الخاص وتدهوره تماماً لتحل مكانه الشركات التي ينشئها الانقلابيون باستمرار، مؤكداً الحاجة إلى تدخلات سريعة وعاجلة لمنع هذا الانهيار وتلافي مخاطره.

وتواصل الجماعة الحوثية، طبقاً لشمسان، «بناء اقتصادها الأسود القائم على تجارة الممنوعات، والمضاربة بالعملات الأجنبية، ونهب إيرادات مؤسسات الدولة، وابتزاز الشركات التجارية بوتيرة عالية، ولا توجد قوة حقيقية تقف في وجه هذا التغول سوى القطاع الخاص المجرد من أي حماية».

ويرى الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «القطاع الخاص يحتاج إلى بيئة حماية صحية لنموه واستعادة دوره»، ويعول في هذا الاتجاه على «دور الحكومة الشرعية في تأمين المناطق المحررة، وتمكين الشركات ورجال الأعمال من الدخول في شراكة مع الحكومة في توفير الخدمات التي تعاني من العجز، مثل الكهرباء».

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

الشرقية توفر 1500 فرصة عمل جديدة في مصانع القطاع الخاص

أشاد المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية بجهود مديرية العمل في دعم الشباب وتوفير فرص عمل حقيقية لهم داخل منشآت القطاع الخاص بمركزي بلبيس والعاشر من رمضان، وذلك بعد نجاح المديرية في توفير 1500 وظيفة شاغرة داخل 19 مصنعًا وشركة، مما يسهم في تمكين الشباب اقتصاديًا وتحسين جودة حياتهم، انطلاقًا من رؤية الدولة في توفير حياة كريمة للمواطنين وفتح مسارات جديدة للتشغيل.

وأكد المحافظ أن مديرية العمل تبذل جهودًا ملموسة في التواصل المستمر مع أصحاب الأعمال والمصانع، بهدف رصد احتياجات سوق العمل وتوفير فرص تتناسب مع تطلعات الشباب وقدراتهم، بالإضافة إلى العمل على توفير فرص عمل مناسبة لذوي القدرات والهمم، بما يضمن دمجهم في المجتمع وإتاحة مسارات ملائمة لهم تراعى حالاتهم الصحية وقدراتهم المهنية.

 وأوضح أن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتشجيع القطاع الخاص على الإسهام في توفير فرص التشغيل المباشر، بوصفه شريكًا رئيسيًا في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة.

وفي هذا السياق، أوضح خالد الشيخ وكيل الوزارة ومدير مديرية العمل بالشرقية أن الإدارة العامة لبحوث العمالة بالمديرية قامت خلال الفترة الماضية بتنشيط قنوات التواصل مع عدد كبير من المصانع والشركات في القطاع الخاص بمركز بلبيس ومدينة العاشر من رمضان، للعمل على توفير وظائف تلائم مهارات الشباب ومؤهلاتهم الدراسية.

 وأضاف أن جهود المديرية أسفرت عن توفير 1500 وظيفة شاغرة تتنوع ما بين وظائف فنية، وإدارية، وإنتاجية، وهندسية، وخدمية، بما يتيح مجالات متعددة أمام الراغبين في العمل.

وأشار الشيخ إلى أن المديرية تعمل وفق استراتيجية واضحة تعتمد على ربط الباحثين عن العمل باحتياجات المصانع والشركات، من خلال تحديث قواعد البيانات أولًا بأول، وتنظيم لقاءات مع مسؤولي الموارد البشرية، والتأكد من مناسبة فرص العمل المتاحة لمؤهلات الباحثين. 

كما أكد حرص المديرية على متابعة المقبولين في تلك الوظائف لضمان استقرارهم المهني، والعمل على حل أي مشكلات قد تواجههم خلال مراحل التعيين.

وأوضح أن الوظائف المتاحة تشمل فرصًا للشباب من مختلف المؤهلات، سواء الجامعية أو المتوسطة أو الفنية، فضلًا عن فرص خاصة لذوي القدرات والهمم، في إطار التزام المديرية بتطبيق قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشجيع دمجهم في سوق العمل بما يليق بقدراتهم وخبراتهم.

كما دعا الشيخ جميع الشباب الراغبين في التقدم للوظائف المتاحة إلى التوجه إلى مقر مديرية العمل بالإدارة العامة لبحوث العمالة، والكائنة بالدور الرابع علوي داخل برج البريد بجوار بنك الإسكندرية خلف مجلس مدينة الزقازيق، وذلك للاطلاع على شروط التقديم واستكمال البيانات المطلوبة، مؤكدًا أن جميع الوظائف المتاحة داخل القطاع الخاص وتوفر دخلاً ثابتًا يساعد الشباب على بناء مستقبل مهني مستقر.

وأكدت محافظة الشرقية أن توفير فرص العمل يأتي على رأس أولوياتها، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بضرورة دعم الشباب وتوفير فرص تشغيل تساعدهم على تحقيق الاستقلال الاقتصادي والمشاركة الفاعلة في المجتمع.

مقالات مشابهة

  • انتشار عسكري متصاعد للمليشيات في المهرة
  • تصاعدت بشكل لافت...كيف تستفيد مليشيا الحوثي من قضايا الثأر في اليمن
  • الشرقية توفر 1500 فرصة عمل جديدة في مصانع القطاع الخاص
  • القطاع الخاص يقود دفة النمو
  • مؤسسة النفط تستعرض الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأوروبية وسبل تطويرها
  • تحديد عطلة القطاع الخاص بمناسبة رأس السنة الميلادية
  • الحكومة تتفاوض مع IFC لطرح مطار الغردقة أمام القطاع الخاص «انفوجراف»
  • اليمن.. واشنطن تطالب بالإفراج الفوري عن جميع «الموظفين» المحتجزين
  • فرص عمل وظيفية في القطاع الخاص بجنوب الباطنة
  • نزيف مستمر لقيادات القاعدة في اليمن: اغتيالات متكرّرة تفضح تفككًا داخليًا