الحركات المسلحة بين خيارات الانحياز وسيناريوهات تقسيم السودان
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
بقلم: عثمان نواي
ان موقف الحركات المسلحة الدارفورية فى الايام الماضية قد اضاف إلى تعقيدات المشهد العام ولم يؤدى إلى حسمه فى اتجاه معين كما يظن البعض . الحركات موقفها كان صعبا منذ اول يوم للحرب. ولكن هذا الموقف ازداد سوءا مع السيطرة شبه الكاملة للدعم السريع على دارفور. وربما لم تكن الحركات تنتظر سقوط دارفور فى يد الدعم السريع لتحدد موقفا ،ولكنها كانت تنتظر حسم معركة الخرطوم.
الأمر الذى أدى إلى مواجهة الحركات المسلحة لخيارات صعبة بين الخضوع لسيطرة الدعم السريع على الإقليم الذى يجب ان يكون تحت سيطرتها اذا ما كانت الدولة المركزية ممثلة فى الجيش مسيطرة على البلاد حسب اتفاق جوبا، او التمرد على سيطرة الدعم السريع و الانحياز للجيش. وهنا يجب توضيح ان تخلى بعض الحركات عن الحياد مؤخرا لا يعد انحياز مطلق للجيش ولكن هو انحياز للموقع السياسي الذى يمنحه لها وجود الجيش باعتباره يمثل دولة السودان المركزية التى وقعت اتفاق جوبا مع الحركات. واذا لم يعد لتلك الدولة المركزية والجيش سلطة على دارفور، فإن سلطة الحركات فى الإقليم تسقط عمليا مع سقوط الإقليم فى يد قوة أخرى وهى الدعم السريع.
وبشكل استراتيجي فإن حياد الحركات المسلحة كان موقفها الاستراتيجي. فكلا طرفى الحرب هما اعداء تاريخين وحلفاء تكتيكيين. فبحكم اتفاق جوبا هناك تحالف اجبارى مع الجيش لانه الضامن لاستمرار الاتفاق. وهو التحالف الذى ظهر جليا فى موقف الحركات من انقلاب ٢٥ أكتوبر. فى المقابل فإن الدعم السريع هو عدو تاريخى ولكن حليف أيضا، فمنذ حرب أبريل انتهى تحالف الدعم السريع مع الحركات فى إطار اتفاق جوبا. لان الدعم السريع نفسه لم يعد يمثل الدولة او اى جزء منها بشكل رسمى. ولكن التحالف بين الحركات والدعم السريع هو تحالف مصالح مشتركة تاريخية متعلقة بعدو مشترك وهو الدولة المركزية فى الخرطوم. وانهاء الدولة المركزية بشكلها القديم وتكوين سودان جديد هو هدف استراتيجي لكل الحركات المسلحة فى دارفور وجبال النوبة و النيل الأزرق ،ولكن اختلفت السبل لتحقيقه. فبينما تسعى حركات المقاومة المسلحة للوصول لتفاهمات سياسية لتقسيم الثروة والسلطة وتدير معارك داخل اقاليمها سواء دارفور او جنوب كردفان او النيل الأزرق ،فإن الدعم السريع اختار مسارا دمويا لانهاء الدولة القديمة بالهجوم على الخرطوم و ارتكاب فظاعات ضد المدنيين زادت من معاناة كل السودانيين. ومع انهيار الدولة المركزية بعد حرب أبريل، فإن الحركات المسلحة فى موقف يجعلها تقف فى انتظار حسم معركة السيطرة على الخرطوم حتى تتحدد أرضية التوافق السياسي على حسب نتائج معركة السيطرة على العاصمة.
ولكن يبدو أنه فى ظل فشل الجيش فى حسم معركة الخرطوم حتى الآن، فقد تبنى تكتيك نقل الصراع إلى الأطراف. ان تكتيك نقل الحروب المتعلقة بمصير الدولة المركزية فى السودان إلى الأطراف هو تكتيك قديم للجيش السودانى عبر تاريخ نخبة الحكم في السودان. كما أن سياسة فرق تسد التى يتم ممارستها بشكل ممنهج لتفكيك القوى المناهضة للدولة السودانية المركزية التاريخية هى أيضا سياسة قديمة. ولكن الزمن قد تغير كثيرا، واصبحت كثير جدا من هذه السياسات مفهومة للاعبين السياسين فى أطراف السودان. كما أن هشاشة السلطة المركزية الان تجعل المقدرة على السيطرة على أوضاع الفوضى فى الأطراف شبه مستحيلة. مما يهدد أمن الدولة المركزية حتى ان انتصر الجيش فى معركة الخرطوم.
ومن هنا تبرز سيناريوهات التقسيم.
ولكن حتى خيارات التقسيم لن تكون فى صالح الدولة المركزية السودانية على المدى القصير والطويل. فلن تكون كل الانفصالات التى يسعى لها الكيزان تحديدا سهلة وسلسة مثل انفصال الجنوب. كما أن خيارات سكان اقاليم الأطراف لا تسير نحو الانفصال عن السودان المركزى، بل كما نرى الان عبر الحرب فى الخرطوم، فإن الخيارات تتعلق بإمكانيات السيطرة على الدولة المركزية نفسها وليس الانفصال عنها.
فربما يكون وقت أفضلية وضع خيارات الانفصال نفسها قد انتهى بالنسبة للدولة المركزية. فان الانفصال يتم بين دولة ثابتة وأخرى تريد أن تتكون. ولكن لا يتم ابدا الانفصال بين دولة منهارة وأخرى تتشكل. لذلك فإن الحديث عن انفصال دارفور او تقسيم السودان يمكن أن يقرا بشكل اخر كنعى للدولة المركزية بنفسها لنفسها. ولكن الأهم هو ان التقسيم الذى يتم الحديث عنه الان ربما يكون أقرب إلى سيناريوهات تقسيم يوغسلافيا السابقة. حيث أن الحدود الجغرافية تمر بتداخلات اثنية ودينية معقدة. ولكن فى إطار السودان لن يكتب النجاح لعملية تقسيم كهذه فى دولة فقيرة ومتخلفة وتحظى بجوار غير مستقر وله مطامع فى البلاد.
لذلك فإن التقسيم فى السيناريو السودانى الراهن لن ينهى الحروب ولن يجعل اى من الدوليات المنقسمة تعيش بأمان فى اطارها الحدودى. ولذلك يبرز التساؤل حول ما اذا كانت نفس القوى التى تسعى الى التقسيم مستعدة للجلوس لحوار من أجل تقسيم البلاد جغرافيا، لماذا لا تجلس ذات القوى لتقسيم السلطة بينها وصناعة اسس حقيقية لبناء تعايش مشترك؟ فحتى حدود الدول لاتمنع الحروب، فى حالة وجود اغبان تاريخية لم يتم تصفيتها. لذلك فإن الحديث عن اى حلول لا تحاول علاج ازمات الماضي لكى تتجنب مزيد من الحروب فى المستقبل لن تكون حلول بل ستكون لبنة جديدة للازمات المستقبلية سواء كانت بين دويلات جوار او اقاليم داخل دولة واحدة. التقسيم لن يكون حلا، بل بناء السلام على أسس عميقة من العدالة الانتقالية التى يتبناها ويرتضيها أصحاب المصلحة هى الحل الوحيد على المدى الطويل والقصير.
osman.habila@gmail.com
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدولة المرکزیة الحرکات المسلحة معرکة الخرطوم الدعم السریع السیطرة على فى الخرطوم اتفاق جوبا حسم معرکة
إقرأ أيضاً:
حكومة السودان والدعم السريع يتبادلان الاتهام بالهجوم على قافلة غذاء
الخرطوم - تبادلت الحكومة السودانية و"قوات الدعم السريع" الثلاثاء، الاتهام بالهجوم على قافلة إغاثية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور غرب البلاد الاثنين.
وأعربت الحكومة في بيان أصدره مكتب متحدثها عن "استهجانها وقلقها العميق إزاء الحادثة الخطيرة التي وقعت مساء الاثنين، والتي تعرضت خلالها سيارات الإغاثة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لهجوم غادر باستخدام طائرات مسيّرة هجومية تتبع لميليشيا الدعم السريع المتمردة، وذلك في منطقة الكومة".
وقال البيان: "جاء هذا الاعتداء في محاولة متعمدة لقطع الطريق أمام الفرق الإنسانية وتعطيل مهمتها في إيصال المساعدات إلى المواطنين المحاصرين في مدينة الفاشر ومعسكرات النازحين".
وأوضح أن الهجوم أسفر عن مقتل "عدد من الحراس والسائقين والمواطنين وإصابة عدد من أفراد الحماية المرافقة للقافلة فضلا عن تدمير عدد من الشاحنات التابعة للأمم المتحدة".
وعدت الحكومة الهجوم "انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، وتقويضا مباشرا ومتعمّدا للجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المدنيين المحتاجين والمتأثرين بالحرب".
من جانبها، قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر (لجنة شعبية): "في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الانتهاكات المتصاعدة، أقدمت قوات الدعم السريع على احتجاز قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، كانت في طريقها إلى مدينة الفاشر قبل ثلاثة أيام، وذلك في مدينة الكومة، ثم قامت يوم أمس بإحراقها بالكامل".
وأكد بيان التنسيقية أن "استهداف المساعدات الإنسانية ليس فقط جريمة حرب، بل هو أيضا اعتداء مباشرا على أبسط مقومات البقاء لملايين المدنيين الذين يعانون من الجوع والنزوح والانهيار الشامل في الخدمات، في ظل صمت دولي مخزٍ وتواطؤ داخلي لا يقل إجراما عن الفعل ذاته".
في المقابل، اتهمت "قوات الدعم السريع" الجيش السوداني بشن هجوم بطائرة على قافلة إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في منطقة الكومة بشمال دارفور.
وقالت في بيان الثلاثاء: "أسفر الهجوم عن مقتل 4 أفراد من القافلة وإصابة اثنين آخرين، وتدمير سبع سيارات بشكل كامل، وذلك بحسب الإحصائيات الأولية".
ومنذ 10 مايو/أيار 2024 تشهد مدينة الفاشر اشتباكات عنيفة بين الجيش و"الدعم السريع" رغم التحذيرات الدولية من خطورة المعارك في المدينة التي تُعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
كما تتهم السلطات السودانية منذ فترة قوات الدعم السريع بشن هجمات بطائرات مسيّرة على منشآت مدنية، من بينها محطات كهرباء وبنية تحتية في مدن شمال وشرق البلاد، دون تعليق من "الدعم السريع".
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.