حكم الدعاء بـ «رب إن ابليتني فاجعلني صابرا».. عالم أزهري يوضح
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
حكم الدعاء بـ «رب إن ابليتني فاجعلني صابرا» أمر بينه الدكتور مختار مرزوق العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، ردا على سؤال: هل يجوز أن يدعو المسلم بهذا الدعاء (رب إن ابليتني فاجعلني صابرا، وإن أنعمت علي فاجعلني شاكرا )؟
حكم الدعاء بـ «رب إن ابليتني فاجعلني صابرا»وقال مرزوق في بيانه حكم الدعاء بـ «رب إن ابليتني فاجعلني صابرا»: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم عليه أن يعزم المسألة في الدعاء بالخير، حيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له) صحيح البخاري كتاب الدعوات باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له رقم 5980 .
أما عن سؤال الإبتلاء فقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحث على سؤال العافية، جاء عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ [ أي أجهده المرض حتى صار مثل ولد الطير ] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هل كنت تدعو بشيء؟ أو تسأله شيئا؟ قال نعم كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سبحان الله لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) قال : فدعا الله له فشفاه. صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا رقم 7011 .
وشدد على أنه يتضح من ذلك أن السنة سؤال العافية، مختتمًا بهذا الحديث الذي ورد عند الإمام أحمد في حديث طويل عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( سلو الله المعافاة أو العافية ، فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة ) المسند حديث رقم 5 ، وقال الشيخ الأرناؤط : اسناده صحيح .
الدعاء للمريض عند زيارته، وهو في الأصل مأمور به على كلِّ حالٍ؛ قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55]، وقال سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي في "مسنديهما"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وصحح الحاكم إسناده في "المستدرك".
وقد رغَّب الشرع الشريف في خصوص دعاء المسلم لأخيه، وبيَّن أنه مستجاب؛ فعن عبد الله بن يزيد قال: حدثني الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "إن دعاء الأخ لأخيه في الله عزَّ وجلَّ يستجاب" أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والبخاري في "الأدب المفرد"، وابن المبارك في "الجهاد"، والدولابي في "الكنى والأسماء".
وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1526، ط. دار الفكر): [قيل: كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة ليدعو له الملَك بمثلها، فيكون أعون للاستجابة] اهـ.
فإذا كان الدعاء في الأحوال والأوقات والأمكنة الفاضلة تأكَّدَ استحبابه وزادت فضيلتُه، ورُجِيَ قبولُه وإجابتُه، ومن هذه الأوقات والأماكن: وقت زيارة المريض ومكانه.
فقد أخرج الترمذي في "سننه" عن أبي فَاخِتَةَ قال: أخذ عَلِيٌّ كرم الله وجهه بيدي، قال: انطلق بنا إلى الحسن رضي الله عنه نعوده، فوجدنا عنده أبا موسى رضي الله عنه، فقال علي: أَعَائِدًا جئت يا أبا موسى أم زائرًا؟ فقال: لا، بل عائدًا، فقال عليٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ».
ومعنى "الصلاة من الملائكة": الدعاء للزائر؛ قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1134): [الغُدْوَةُ: بضم الغين: ما بين صلاة الغدوة وطلوع الشمس.. والظاهر أن المراد به أول النهار ما قبل الزوال، (إلا صلَّى عليه) أي: دعا له بالمغفرة، (سبعون ألف ملك حتى يمسي) أي: يغرب؛ بقرينة مقابلته، وأغرب ابن حجر فقال: أي: حتى ينتهي المساء، وانتهاؤه بانتهاء نصف الليل.. (وإن عاده): نافية بدلالة إلا، ولمقابلتها ما (عشية) أي: ما بعد الزوال أو أول الليل (إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له) أي: للعائد في كلا الوقتين (خريف في الجنة) أي: بستان، وهو في الأصل الثمر المجتنى، أو مخروف من ثمر الجنة] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دعاء رسول الله صلى الله علیه وسلم حکم الدعاء بـ رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
ننشر.. نص خطبة الجمعة اليوم بعنوان توقير كبار السن وإكرامهم
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم، 28 نوفمبر 2025 الموافق 7 جمادى الآخرة 1447، بعنوان: "توقير كبار السن وإكرامهم".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على خمس عشرة دقيقة للخطبتين الأولى والثانية.
الحمد لله العزيز الحميد، القوي المجيد، وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من نطق بها فهو سعيد، سبحـانه هدى العقول ببدائع حكمه، ووسع الخلائق بجلائل نعمه، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، شرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن توقير كبار السن وأهل الفضل منهج إلهي منزل، وميراث نبوي مشرف، تسمو به الأرواح الصافية، وترتقي به النفوس الطيبة، فهو علامة فارقة على نبل الأصل، وسمو النفس، وحسن التصرف، وصفاء الوجدان، فهم بركة للزمان، وحسنة للأيام، فبتبجيلهم واحترامهم، تتدفق البركات، وتنزل الرحمات، وتستقر المجتمعات، فالمجتمع الذي ينسى كباره، قد قطع صلته بمستقبله واستقراره، لذلك كان البيان المعظم الذي فيه سر بقاء المجتمعات والأوطان: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا».
أيها المكرمون: ألم يكن تعامل الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم مع أهل الشيبة والفضل منهجا للرحمة والوفاء؟ ألم يكن من حاله الشريف أنه كان يقوم لبعضهم من مجلسه تكريما؟ ألم يكن من يوميات النبوة أن حضرته كان يتفقد الشيبة من أصحابه ويسأل عن أحوالهم؟ فتعامله صلى الله عليه وسلم مع أكابر الأمة كان درسا عمليا في استجلاب الخير، فعندما نرفع قدرهم، ونعلي منزلتهم، ونتفقد أحوالهم، ونقضي حوائجهم، ونواسي مريضهم، ونعين مبتلاهم، فإننا بذلك نحقق أصل الإجلال الذي أمر به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم».
أيها المكرم: تحر مواطن الوصال وتجلي الإجلال، فمعرفة القدر لأهل الفضل والعمر فرض أدبي وديني، فتحين الأدب مع الكبير في كل مقام وحركة، واستثمر كل موقف وجلسة، اجعل بشاشتك عنوانا للاحتفاء وسفيرا للود، وألق سلامك مقرونا بتمام التبجيل، وانتق أزهى الألقاب وأسماها، واجعل نبرة صوتك همسا مهذبا فهي مرآة لأدب الروح ونضجها، وفي مرافقته ومسيره اجعل موضعك على يمينه، وقدمه على نفسك في كل معبر، فهذا دليل على شرف مكانته وعلوها، وفي أثناء الحوار كن مستمعا منصتا، وامنح الكبير أفضلية البدء والإفاضة دون مقاطعة أو ملل، وإن دعا الحال للمراجعة أو إبداء الرأي، فلتكن مناقشتك ممزوجة باللطف لا ميدانا للنزاع، وتوشح بثوب السكينة والبيان الرقيق، واغضض صوتك ليظل جوهر حديثك دافئا ممزوجا بالاحترام، وتذكر هذا النداء الإلهي المرغب في احترام الوالدين خاصة، وكبار السن عامة: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾، وتلمس رحمة الله في توقيرهم وتبجيلهم، فقد جاء البيان النبوي المعظم مؤكدا على هذا المعنى، يقول سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه: «جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده بعض أصحابه، فطافت بهم فلم تجد مكانا، فأوسع لها رجل، فقام فجلست فقضت حاجتها ثم قامت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتعرفها؟ " قال: لا. قال: "أفرحمتها؟! رحمك الله" ثلاث مرات».
سادتي الكرام: إن سوء التعامل مع أصحاب الفضل ينزع البركة، فالجفاء يذهب بالرخاء، ويزيل التيسير، ويغلق الأبواب المفتوحة، فينشأ جيل يرى في الضعف مهانة، وفي الخبرة عائقا، وفي تلمس حكمة الكبار رجعية، أعيدوا لذوي الشيبة هيبتهم ومكانتهم، احموهم من موجة التنمر والسخرية والانتقاص من قدرهم، ارفعوا عنهم ذل الحاجة والسؤال، املأوا الكون من حولهم حنانا وبرا ولطفا، استمدوا من حكمتهم نورا، ومن تجاربهم عبرة، خففوا عن كاهلهم ثقل الأيام، ومرارة العيش، اجعلوا صدوركم لهم مستراحا، وقلوبكم مأوى لهم من كل ضيق ووبال، لا تقابلوهم بالضجر والسأم، ولا تجاوزوا فضلهم بالنكران والإهمال، ذكروهم بجميل ما صنعوا، وبما قدموه للوطن والأجيال، ليعلموا أنهم لم يزالوا القادة، وأن قدرهم باق لا يمسه زوال، ولتكن أفعالكم شاهدة على التوقير، والبركة التي تأتي معهم على كل حال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البركة مع أكابركم».
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا رسول الله عبده ورسوله، وبعد:
عباد الله: تذكروا أن بركة الحياة مخبأة في طيات الماضي الحي؛ وأن كبار السن هم عمر الزمن ونبض الحياة، فابحثوا عن الكنز المفقود في خبراتهم، فهم كنوز حية من الحكمة والتجارب التي لا تقدر بثمن، حيث يجلس أجدادكم وجداتكم في انتظاركم، لا يطلبون مالا أو طعاما، بل يطلبون دفء الوجه المألوف، وصدق الاستماع، ووصل الانتماء، واعلموا أن إكرامكم لشيخ اليوم هو استثمار في بركة حياتكم، وضمان لأن يقيض الله لكم من يكرمكم عندما تدور دائرة الحياة وتصلون إلى سنهم، فامنحوهم جزءا من وقتكم، لتحصدوا منهم بركة الدعاء وعبرة السنين، قال تعالى: ﴿وفي ذٰلك فليتنافس المتنافسون﴾.
أيها الأبناء: يا من أخذتكم الحياة، متعللين بالانشغال أو بضيق الوقت، إننا ندرك شواغل الدنيا، ولكن هل نسيتم حق والديكم؟ هل غفلتم أن الله تعالى أمركم بالإحسان إليهما، وأن يكونا في كنفكم وتحت رعايتكم المباشرة، تذكروا أنكم اليوم تسطرون قصة سيرتكم الذاتية التي سيقلدها أبناؤكم غدا، لا تحرموا أنفسكم بركة الرعاية، ولا تحرموا والديكم من أنسكم، فالساعة التي تقضونها بجوارهم، خير لكم من ألف قنطار من الصدقات، ألا يستحقون منكم مزيدا من الاحترام والتوقير والإكرام؟ تتبعوا مواطن رضاهم، وحاديكم في ذلك هذا البيان المحمدي: «رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين».
اللهم بارك فيهم كما ربونا صغارا، وأنزل عليهم الخير مدرارا، واجمعنا بهم في جنات وأنهار.