ما هي الأدوات المعرفية والآليات المنهجية المساعدة لقراءة القرآن؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
الكتاب: تنوير المقدّس.. مقاربات في كلام الله
الكاتب: د. الأسعد العيّاري
الناشر: الأمينة للنشر و التوزيع تونس، الطبعة الأولى ـ مارس 2022.
(207 صفحة من القطع الكبير)
مثل النص الديني مجالا خصبا للإبداع الفكري على مدار العصور، حيث لم يخل عصر من العصور من اجتهادات فكرية وفلسفية تحوم في مجملها حول النص الديني، وعلاقة المقدس منه بالدنيوي.
ولعله من اللافت للانتباه أن تشهد تونس حركة فكرية متراكمة جعلت من النص الديني مدارا لها، وربما كان من اللافت أيضا أن جزءا من هذه الحركة الفكرية ذهب بعيدا ليس في فهم النص الديني وتشريحه فحسب، فتلك كانت واحدة من أهم المعالم الفكرية التي تأسست لها جامعة الزيتونة، التي كانت واحدة من أهم منارات العالم الإسلامي في مجال التنوير، وإنما أيضا في محاولة المقارنة بين التراث والحداثة أو قل بين الغيبي والمادي العيني..
الكاتب والإعلامي التونسي توفيق المديني، يقدم نموذجا عينيا لهذا السجال الدائر في تونس حول النص الديني وعلاقته بالإنسان وبالحداثة.. من خلال قراءته لكتاب "تنوير المقدّس.. مقاربات في كلام الله"، للكاتب والباحث التونسي الأسعد العياري وهو متخصص في الدراسات المقارنة في الحضارة وعلم الأديان، ثم في إجراء مقارنة بينه وبين الكاتب التونسي يوسف الصديق، وكلاهما له اجتهادات مختلفة في قراءة النص الديني..
وهذا هو الجزء الرابع من هذه القراءة:
موقع العقيدة في المشروع الحداثي
إن الجدل الذي كان وما زال قائماً في الفكر الحداثي العربي يتعلق أساساً بمفهوم العقيدة وموقعها في كيان الإنسان، فلئن ذهب الفكر الإسلامي إلى القول بأن العقيدة وشكل الارتباط الوثيق بين السائس والمسوس تحت ظل المدينة ـ الدولة؛ نقطة لارتكاز الاجتماع الإنساني وتشريعاً إيديولوجياً يعقدان الصلة بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني صرف، ومنهما تفرّعت إشكاليات الدولة أو أنظمة الخلافة أو الحكم بتفويض إلهي، وطفت على السطح معضلة الإنسان كائناً أنطولوجياً من الناحية الإبستيمية والمعرفية، ولكل حالة مستجدة في الطبيعة أو الواقع تأثيراتها بالسلب أو الإيجاب على كيانه المعرفي ووضعه الأنطولوجي، مما يعسر التأقلم أو قدرة الاحتمال.
وجب التمييز بين مفهومين هما مفهوم (السياسة المدنية) بما يحتويه من سياسة شرعية ومفهوم (السياسة الطبيعية) بما يتضمنه من رؤية تكميلية وتوجيهية لما هو فعل مدنيلقد انتبه الكاتب لهذه التداعيات النفسية وجزأها إلى مقومات أخلاقية مطلوبة في نشأة الدولة للمحافظة على مركزية الموقف الإنساني من الاجتماع البشري، فالناظر في الأبعاد النصية الخلدونية مثلاً يلاحظ بجلاء تركز مفاهيم اجتماعية ومصطلحات سياسية تفصحان عن وعي بالسياق التاريخي وبالمرحلة التي عاشها (ابن خلدون) رجلاً للسياسة وعاملاً في البلاط أكثر من كونه مفكراً اجتماعياً منتمياً إلى ثقافة إسلامية، لذلك وجب التمييز بين مفهومين هما مفهوم (السياسة المدنية) بما يحتويه من سياسة شرعية ومفهوم (السياسة الطبيعية) بما يتضمنه من رؤية تكميلية وتوجيهية لما هو فعل مدني حيث تتخذ بعدها الطبيعي عن طريق القوة التي ينعتها (بالموازعة) أو (الرادعة) بل ويلزم وجوب وجودها للحد من طبيعة الإنسان التي جبلت على التسلط وحب التملك والطمع عندما يقول: (وكانت أحكام الله في خلقه وعباده إنما هي بالخير ومراعاة المصالح كما تشهد به الشرائع..).
يستشهد الكاتب في هذا الفصل بالنص الذي قدمه المفكر التونسي يوسف الصديق (هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها).
لقد ظل النص القرآني المؤسس للدين الإسلامي منذ نزوله وإلى يومنا هذا، متأرجحاً بين محاولات الفهم الحرفي الضيّق من جهة وبين من تفطّنوا إلى أن هذا النص إنما هو صيرورة تاريخية محمولة على انفتاح الدلالة وتجدد معانيها الأصلية، فتنبّهوا إلى أن الإسلام ليس واقعة تاريخية محكومة بلحظة الوحي الأولى وأن القرآن في تحول معانيه وتبدلها بحسب السياق الزمني ليس محض ظلال ولا انحراف على صراط الدلالة المستقيمة ولا هو تزييف للأصول وجب الخلاص منه.
استحال النص القرآن إذن، في مستوى القراءة وتدبر مقاطعة بنية لغوية ودلالية خاضعة إما لمقياس النقل المعبر المؤكد تعدد القراءات المحتملة للنص في إطار علاقة التواشج بين الإسلام والقراءة العقلية لنصوصه الدينية.
في هذا النسق العقلاني الذي جلب معه نقداً مباشراً وصريحاً لمختلف الأنساق السابقة، بداية من مزاعم الشيعة التي صادرت مصحف عثمان بدعوى المحو المتعمّد الذي طرأ على نصوصه الدالة على إمامة علي بن أبي طالب وعلى فضل أهل البيت على العرب وعلى المسلمين كافة في تأسيس مرتكزات دولة الإسلام الأولى، مروراً أيضاً بالنسق الأشعري الكلامي وما حفّ به من نزعات صوفية عرفانية وفلسفية إشراقية ثارت عليها فيما بعد ذهنية النسق الاعتزالي الكلامي والنسق العقلي الفلسفي، وهو المشروع الحداثي الذي بدأت ركائزه مع ابن الرواندي والفارابي وابن رشد، ليطفو فيما بعد مع مؤلفات علي عبد الرزاق وطه حسين وزكي نجيب محمود ومحمود أمين العالم، ليطلّ لاحقاً في مؤلفات قاسم أمين ونصر حامد أبو زيد وخليل عبد الكريم والطاهر حداد.
إذن، في هذا النسق العقلاني يمكننا أن ندرج كتاب الفيلسوف التنويري والباحث التونسي يوسف الصدّيق (هل قرأنا القرآن؟ على قلوب أقفالها)، وذلك لما تميزت به فصول الكتاب من أدوات تحليلية وآليات منهجية متعالية عن السردية الإنشائية وعن التوتر المعرفي والخطابية الوعظية، فصول هذا الكتاب تطرح متونها عديد المداخل المربكة لنظام القراءات التراثية، وتخترق كل المسلمات التي أنتجتها القراءات المعاصرة ذات الطابع المدرسي في سياق تناولها للنص القرآني بالقراءة والتحليل والتأويل، فهذا الكتاب يعيدنا إلى النقطة الصفر في قراءة القرآن وكأن شيئاً لم يكن، وكأن لم تكن هناك تراكمات دلالية وسيمائية سابقة قد قرأت القرآن من قبل وتركت موروثاً معرفياً تفسيرياً لهذا القرآن.
يشعر قارئ هذا الكتاب منذ العنوان بأنه إزاء كتاب مُقلق ومستفزّ، يسائله العنوان عن إمكانية قراءة القرآن، هل قرأنا القرآن؟ وهو سؤال إنكاري سرعان ما تتجلى الإجابة في الجزء الثاني من العنوان أم على قلوب أقفالها، وهو تصريح ضمني بأن القرآن لم يقرأ من قبل وأن كل التراكمات المعرفية السابقة لم تبلغ في قراءتها للقرآن مبلغ العلمية والموضوعية لأنها قراءات محكومة بخلفيات إما عقائدية أو سياسية أو عنصرية، فكانت القلوب مغلقة بأقفال الأيديولوجيات الفكرية والدينية، حتى لكأن هذا الكتاب هو عود على بدء يسائل القرآن من جديد ليعيد ترتيب أفكاره ومعانيه ترتيباً جديداً خارجاً عن التقسيم المكي والمدني لسور القرآن وباحثاً عن السلالة الأولى للكلمة وللفكرة وفق دلالة كل منهما وموقعها في أزمان غواية النص.
طبيعة الكتاب
يقول الكاتب: "نشير في ما يتعلق بطبيعة الكتاب إلى أمرين، يتمثل الأول في أن هذا الكتاب قد صدر باللغة الفرنسية سنة 2004 تحت عنوان (Nous n avons jamais lu le coran) وانتقل إلى المكتبة العربية سنة 2013 بعنوان مغاير (هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها؟) والسؤال البديهي في هذه الإشارة الأولى إلى الكتاب هو لماذا عمد الكاتب يوسف الصديق إلى تغيير العنوان حين نقله للكتاب من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، من عنوان مبني على صيغة تقريرية يعلن فيه صاحب الكتاب جازماً أننا لم نقرأ القرآن أبداً، إلى عنوان قائم على صيغة استفهامية يسائلنا فيها الكاتب عن إمكانية قراءتنا للقرآن؟ فهل يعزى هذا التغيير في صيغة العنوان وإحالاته الدلالية إلى خشية الكاتب من ردود القارئ العربي الذي استقر في ضميره الإسلامي الجمعي اقتناع عميق بجدارة القراءات التراثية للقرآن وقداسة متونها وجدوى مضامينها؟ وبالتالي الخوف من ردود دينية قد تكون مزعجة، خاصة وأن الكاتب ينتمي إلى شارع ثقافي وسياسي مشغول آنذاك بالسؤال عن الدين بعد وصول التيار الإسلامي إلى الحكم وتنامي ظاهرة السلفية في المشهد التونسي، وهو ما أجبر الكاتب على تجنب إلحاق الذنب بالمسلمين ومؤسساتهم الفكرية والفقهية لعجزهم عن صياغة قراءة للقرآن تستجيب للشروط العلمية والتاريخية.
أما الأمر الثاني فيتعلق بالسؤال عن أسباب اختيار الكاتب للغة الفرنسية حتى تكون لغة الكتاب في نسخته الأولى والحال أن يوسف الصديق ينحدر من عائلة تونسية عربية من أقصى الجنوب التونسي (1943)، انشغل منذ الصغر بحفظ القرآن والإلمام بالتراث العربي وكتب الفقه الإسلامي ومراجعه الأساسية، فهل متن الكتاب في نظر الكاتب كان موجّهاً أساساً وبالدرجة الأولى إلى القارئ الغربي الذي لا يجد حرجاً في قراءة كتاب يهدم كل البديهيات التي تتعلق بمنظومة عقدية مغايرة لعقيدته الدينية والفكرية؟ بل لعله يشعر بالانتشاء وبغلبة عقيدته الدينية حين تفكك أمامه كل المنظومات الفقهية والتفسيرية المتعلقة بدين آخر يرى فيه عدواً لديانته؟ فهل كان الكاتب يوسف الصديق يجرؤ على تأليف كتاب مماثل في المتن والمحتوى يذنّب فيه أهل التوراة والإنجيل دون استثناء لأنهم لم يقرؤوا الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد أبداً؟ ثم لماذا قام يوسف الصديق بتعريف الكتاب في فترة زمنية عربية وتونسية 2013 تشهد صراعاً حاداً بين التوجهات السلفية بنصوصها التراثية وموروثها الفقهي والديني والتوجهات الحداثية بإنتاجاتها المعرفية الجريئة ومشروعها التنويري؟(صص 176-177).
في موضوع الكتاب وبنيته
تناول يوسف الصديق في كتابه (هل قرأنا القرآن؟) في نسخته العربية التي يقول عنها الكاتب بأنه لم يغيّر شيئاً في الترجمة إلى العربية عدا بعض الهوامش في شارع ثقافي مكتظّ بالأسماء والعناوين بعد سنوات من التضييق، فضلاً عن تخيّره لعنوان آخر مغاير لعنوان النسخة الفرنسية، لعله أقل استفزازاً للقارئ العربي الذي يعاني من حجاب أفق القراءة الذي كرّسته القراءات (المتجلدة) على حد تعبير يوسف الصدّيق الذي عُرف بمقارباته للذين الإسلامي وخصوصاً في مرحلته المحمدية التأسيسية.
هذا الكتاب يقوم على مساءلة النص المتعالي الذي تحوّل في ما بعد إلى نص المؤسسة الدينية ومتنها هو كتاب يطرح فيه الكاتب مجموعة من الإحراجات التي يجادل بها مدرسة النقل ويحاجج بها القراءات التراثية التي كبلت العقل العربي بقيود الجمود وسجنت الذهنية العربية في حدود المقولات السلفية القادمة من أعماق التاريخ وصفحاته الأولى غير مكترثة بأصوات الحداثة ومكتسباتها العلمية والمعرفية والمنهجية، وإن مزيّة هذا الكتاب تكمن في ما يطرحه من تصورات فلسفية تسعى إلى مراجعة الصيرورة التاريخية لمنجز القرآن الذي تقدمه كتب السيرة ومصنّفات التفسير على أنه فعل لغوي ارتبط منذ نهاية الوحي على النبي محمد بنهاية الأحداث واستوفى بموته كل الفهم والتفسير.
إن السؤال الجوهري الذي يمكن أن يكون مدخلنا إلى هذا الكتاب هو، كيف يمكن أن نقرأ القرآن اليوم؟ وما هي جملة الفرضيات الجديدة التي يمكن أن نقع من خلالها إلى خفايا هذا النص وخباياه؟ ثم ما هي الأدوات المعرفية والآليات المنهجية التي ستكون عمدتنا في هذا السبيل إلى هذه القراءة الجديدة؟يستند هذا الكتاب في مادته الأولية على الخطاب القرآني الذي استُهلّ بفعل (اقرأ) الذي أعلن ذات يوم من سنة ميلادية نزول الوحي على ابن الأربعين حولاً محمد ابن عبد الله الذي يجهل فعل القراءة أو هكذا على الأقل تروي لنا كتب السيرة ومجلّداتها هذه الحكاية متجاهلة بهذه الرواية أمجاد الآلهة التي سبقت الإسلام تاريخياً، وهو ما يدعو الدارس للنص القرآني والمتمعن في دلالاته ومضامينه إلى الانطلاق من فرضيات جديدة مغايرة للمألوف من القراءات قصد إعادة النظر في ما أنتجته مؤسسة السلف وذهنية النقل من موروث فقهي وديني حول هذا الكتاب المبين ذي المصدر الإلهي، وهو مشروع قراءة بشّر بها يوسف الصديق لا تكتفي فقط بقراءة الحواف المحيطة بالقرآن وإنما تستوجب أيضاً النظر في مختلف الظروف التاريخية والاجتماعية والنفسية التي رافقت منشأة جميع مقاطع القرآن ومن إليه توجهت في تلك اللحظة التاريخية الفارقة.
إن السؤال الجوهري الذي يمكن أن يكون مدخلنا إلى هذا الكتاب هو، كيف يمكن أن نقرأ القرآن اليوم؟ وما هي جملة الفرضيات الجديدة التي يمكن أن نقع من خلالها إلى خفايا هذا النص وخباياه؟ ثم ما هي الأدوات المعرفية والآليات المنهجية التي ستكون عمدتنا في هذا السبيل إلى هذه القراءة الجديدة؟
يوجّه الباحث يوسف الصدّيق منذ العنوان مجموعة من الاستفهامات الجديدة في شأن كتاب مقدّس على وجه الإنشائية المألوفة نقلته مؤسسة القرار للخلفية الثالث عثمان بن عفّان الذي ينتمي لقبيلة الرسول محمد ولكنه ينحدر من عشيرة منافسة لعشيرة الرسول.
هذا الخليفة عثمان بن عفان نقل القرآن في ظروف تاريخية ملتبسة، اختلفت فيها المواقف حول مبادرة هذا الخليفة بكتابة مقاطع متفرقة لنص هتفت به السماء، وأسالت هذه الاختلافات العميقة في لحظتها التاريخية تلك، سيلاً جارفاً من الدماء، وهو ما جعل الكاتب يتساءل عن الأسباب التي جعلت القرآن غير قابل للقراءة المأذونة إلا بوساطة رجال الدين، فمن الذي أعطى لرجل الدين سلطة التعهد بقراءة القرآن والأمر بترديد ما وقف عليه والاكتفاء به؟
هل قرأنا القرآن؟ كتاب يجيب على مثل هذه الأسئلة المركزية التي تجعل من القرآن كتاباً مقروءاً بمعزل عن وساطة رجال الدين بعد ما ينزع عنهم احتكارهم للصلاحية التي كانت تخوّل لهم وحدهم قراءة القرآن وتلاوته، ولعله المشروع التنويري الذي حاول الكاتب يوسف الصديق أن يقطع من خلاله وبه مع كل المسلمات اليقينية ليهديه إلى (شباب تونس وشاباتها أملاً في أن يغيّروا هم ما بأنفسنا وأن يفتحوا على مصراعيه باب القراءة، قراءة العالم والنص كما يقرأ الفلكي صفحة السماء)، وقد استوجب هذا المشروع في القراءة جملة من المستويات المعرفية توزعت في هذا الكتاب إلى فصول خمسة وردت بعد الإهداء ومقدمة المؤلف للنسخة العربية وتصدير موزع على قسمين، أولهما وليّ الأمر وأول دروسي في القراءة، وثانيهما خطيئة قارئ القرآن الأولى، وفق الترتيب التالي:
ـ الفصل الأول: أوهام في القراءة (من الصفحة 39 إلى الصفحة 72).
ـ الفصل الثاني: أن يطاح بالتفسير فتحلّ القراءة (من الصفحة 73 إلى الصفحة 114).
ـ الفصل الثالث: الفطرة المؤسسة (من الصفحة 115 إلى الصفحة 154).
ـ الفصل الرابع: منسيات (من الصفحة 155 إلى الصفحة 192).
ـ الفصل الخامس: لنقرأ (من الصفحة 193 إلى الصفحة 234).
وقد أتبعت هذه الفصول الخمسة بخاتمة نهائية للكتاب.
ـ انطلاقاً من هذه المفاهيم الجديدة والرؤى عمد يوسف الصديق في كتابه إلى إنتاج نمط من القراءة الفلسفية والتاريخية للنص القرآني قائم على اتجاهات مفتوحة من التأويل بل من التفسير كذلك، وهو ما مكّنه من الوقوف على موروث فلسفي يوناني مضمر داخل النص القرآني ومسكوت عنه في مصنّفات التفسير القديمة.
إقرأ أيضا: كيف تفاعلت الحداثة مع المقدس الإسلامي؟ قراءة في كتاب
إقرأ أيضا: من محورية الله إلى مركزية الإنسان.. كتاب في قراءة الفكر الديني
إقرأ أيضا: سجال الدين والسياسة بين أسئلة الواقع ومحنة القداسة.. قراءة في كتاب
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب تونس تونس كتاب نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قراءة القرآن یوسف الصدیق هذا الکتاب إلى الصفحة من الصفحة الکتاب فی فی قراءة فی کتاب ـ الفصل یمکن أن کتاب فی فی هذا وهو ما
إقرأ أيضاً:
الصناعات الحرفية العُمانية.. تحديات التمويل وندرة الأدوات المتخصصة تواجه المُبدعين
◄ الخروصية تقترح إنشاء قرية حرفية سياحية متكاملة
◄ السابعية: قلة المعدات وعدم توفر الأدوات المتخصصة من أبرز التحديات
◄ الراشدي: الإقبال على الأعمال اليدوية محدود.. ونحتاج إلى تعزيز الوعي بالفن الحرفي
الرؤية- سارة العبرية
يقول عدد من أصحاب الحرف التقليدية إن الصناعات الحرفية العُماني تُمثل رابطًا حيًّا بين الماضي والحاضر لأنها تحمل هوية المجتمع وروحه، لافتين إلى أنه على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها أصحاب الحرف إلا أنهم متمسكون بموهبتهم لأن الحرف العُمانية تُشكّل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والاقتصادية، إلى جانب كونها مصدر دخل لهم.
يأتي ذلك في ظل الجهود المبذولة من قبل المؤسسات الوطنية مثل هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لدعم الحرفيين عبر برامج التمويل والتدريب، بهدف تعزيز استدامة هذه الحرف ورفع كفاءتهم الإنتاجية، حيث أطلقت الهيئة مؤخرا البرنامج الوطني للصناعات الحرفية "حرف عُمان"، كأحد البرامج الوطنية الاستراتيجية الهادفة إلى النهوض بالقطاع الحرفي في سلطنة عُمان، وتفعيل دوره في دعم الاقتصاد الوطني، وتمكين الحرفيين العُمانيين، وتعزيز الهوية الثقافية العُمانية على المستويين المحلي والدولي.
وتوضح الدكتورة رحمة بنت سليمان الخروصية من "أكاديمية الذكاء الاصطناعي"، أن الأكاديمية نفذت برنامج مُبتكر للحرفين لمدة 6 أشهر، بهدف توعيتهم حول قيم ورسالة المؤسسة الحرفية، وأهمية الابتكار في المجال الحرفي، وتدريبهم على التسويق الرقمي والعلامة التجارية واستخدام التقنيات الحديثة في الصناعة الحرفية لزيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة التشغيلية للمنتج، والإدارة المالية وإدارة المشاريع ودراسة الجدوى، وغير ذلك من المحاور.
وتضيف: "تمكن المتدربون من صناعة الدلة العُمانية بتكامل مجموعة من الخشبيات والفضة والسعف، وإدراج مقترح بوضع الحلوى العُمانية بها أو البخور العُماني، وكانوا مبدعين حقا في البرنامج، وكان لديهم حرص كبير على الحضور والتعليم وقطعوا مسافات طويلة بهدف التعلم، ومثل هذه البرامج تعزز المهارات الفنية للحرفي وتعزز لديه الابتكار وإدارة المشروع بأسلوب علمي، واتخاذ القرار الصحيح في النمو والتوسع".
وتشير الخروصية إلى أن هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحرص على تنفيذ الدراسات البحثية للتوصل إلى الطريقة المثلى لتحسين بيئة العمل في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومن بين هذه الدراسات كانت دراسة حول تعزيز قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في النفاذ إلى الأسواق العالمية وزيادة قدرتها على التصدير باعتماد منهجية النظم الناعمة، وكان جزأ منها في القطاع الحرفي.
وبينت: "أظهرت نتائج الدراسة مجموعة من العوامل المؤثرة على قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومنها جودة المنتج العُماني، وأهمية مشاركة الحرفيين في المعارض الدولية لنفاذ المنتجات الحرفية للسوق الخارجي".
وحول التحديات التي تواجه الحرفيين تقول: "هذه الفئة تواجه مشكلة في رسوم الشحن والتصدير خاصة فيما يتعلق بالخشبيات مثل الأبواب والطاولات الخشبية، ومن أهم العوامل السلبية المؤثرة على المؤسسات الحرفية أن بعض المؤسسات الحكومية تتأخر في تسليم قيمة المشتريات للمؤسسات الحرفية ما يزيد عن 3 أشهر، وهذا يتسبب بأزمة مالية للمؤسسة الحرفية؛ إلى جانب أنه لا يوجد محلات تبيع سبائك الفضة، وكذلك الكثير من المؤسسات الحرفية هي فردية وورش منزلية".
وتقترح الخروصية تأسيس قرية حرفية سياحية لتكون مشروعا متكاملا يحمل طابع التراث، والمشغولات الحرفية، مع ورش تدريبية تفاعلية وفعاليات للقرية، وبعد ذلك تخصيص سوق المنتجات الحرفية والمشغولات اليدوية".
وتلفت الدكتورة رحمة بنت سليمان الخروصية الدكتورة رحمة بنت سليمان الخروصية إلى ضرورة الاستفادة من الحصون والقلاع الصغيرة المغلقة في المحافظات، إذ يمكن استثمارها كقرى حرفية سياحية، إذ إنها ستساهم في نشر ثقافة الصناعات الحرفية وزيادة الشغف للعمل في هذا المجال، خاصة لطلاب المدارس، كما أنها ستكون بمثابة قرى حية تفاعلية للسياح، وستزيد من فرصة زيادة المبيعات، لأن الطبيعية البشرية عند زيارتك موقع أثري تحرص على شراء منتجات كذكرى من المكان.
وحول التكاملية بين المؤسسات، تؤكد الخروصية ضرورة تنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية لتقليل الهدر في الموارد الطبيعية، مبينة: "على سبيل المثال وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه والبلديات المسؤولة عن المسالخ، وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من المهم أن تعمل هذه المؤسسات على إيجاد مشروع للاستفادة من جلود الأبقار والغنم والماعز والصوف؛ لأن هذه الأشياء تعتبر مواد خام لحرفة الجلود بالسلطنة، كذلك مشروع المليون نخلة لتوفير الخوص للسعفيات، ودراسة الاستفادة من باقي الخشب في النخلة، كذلك يجب التوجه إلى زراعة الغابات التخصصية مثل السمر والغاف لتوفير بيئة لمناحل العسل وفي نفس الوقت الخشب لحرفة الخشبيات، كما يجب أن تكون الزراعة بأسلوب لا يؤثر على المناحل في فترة قطع السمر والغاف، وعليه يمكن تطبيق مفهوم كل شجرتين تزرع متقاربتين، عند قطع أحدهما تبقى الثانية للمنحل وهكذا، وهذه الغابات يمكن أن تكون أيضا سياحية وتعليمية".
مشروع "صَوْلَج"
من جانبها، تقول جميلة بنت زايد السابعية مؤسسة مشروع "صَوْلَج": "بدايتي كانت بدافع الشغف؛ حيث كنت أهوى مشاهدة صنع الحلي وتنسيق الإكسسوارات، ومع مرور الوقت تطورت هذه الهواية إلى شغف حقيقي أرغب في تنميته بشكل احترافي؛ ولهذا التحقت بدورة تدريبية متخصصة في مجال صياغة الفضة نظّمتها الهيئة العامة للصناعات الحرفية (سابقا)، واستمرت لمدة سنتين؛ فكانت تجربة غنية وفادتني كثيرًا على المستوى المهني والشخصي".
وتضيف: "لاحقًا حرصت على تطوير مهاراتي أكثر، فبدأت أدمج بين الفضة ومجالات حرفية أخرى مثل النسيج، والجلد، والخياطة بخيوط الفضة، في محاولة لتقديم تصاميم فريدة تمزج بين الأصالة والابتكار".
وترى السابعية أن الحرف التقليدية لا تزال تحظى باهتمام من الجيل الجديد، وربما بشكل متزايد في الفترة الأخيرة، خاصة مع ارتفاع الوعي بأهمية المحافظة على التراث الثقافي، موضحة أن كثير من الشباب أصبحوا يدركون قيمة هذه الحرف، ليس فقط كوسيلة للتعبير الفني؛ بل أيضًا كمصدر دخل وفرصة لريادة الأعمال، والسر في استمرار هذا الاهتمام هو أن الحرف التقليدية تحمل هوية المجتمع وروحه، وهي تُمثل رابطًا حيًّا بين الماضي والحاضر، ومع تطور الأدوات ووسائل التسويق، صار بالإمكان تطوير هذه الحرف وتقديمها بشكل عصري يلامس أذواق الجيل الجديد.
كما تشير إلى حرصها على الدمج بين الأصالة والتجديد في منتجاتها، إلا أنها تواجه العديد من التحديات مثل عدم توفر المعدات والأدوات المتخصصة أو تكون أسعارها مرتفعة جدًا، مضيفة: "اعتمدت في التسويق على وسائل التواصل الاجتماعي مثل سناب شات وانستجرام وتيك توك، وقد حققت من خلالها انتشارًا جيدًا وساعدتني في الوصول إلى جمهور أوسع والتعريف بمنتجاتي".
شروع "ميس"
وفي السياق، يذكر المؤيد بن سعيد الراشدي- مهتم بمجال الأعمال الفنية من الأخشاب الطبيعية ومؤسس ورشة "ميس"- أن شغفه بهذا المجال بدأ من حبه لتفاصيل الطبيعة الساحرة، وخاصة خراطة الأخشاب العُمانية، لما تحمله من جمال يلامس الحواس، موضحا أنه يسعى من خلال لمساته الفنية إلى إبراز هذا الجمال ومشاركته مع الناس ليشعروا بقيمة هذه الخامة النبيلة.
ويتابع قاتلا: "بداياتي في هذا المجال تعود إلى عام 2019؛ وحينها كنت مهتما بطيور الزينة، ولكن مع انتشار جائحة كورونا وإغلاق المحلات والمصانع، تعذّر شراء قفص للطيور فقررت صناعة القفص بنفسي مستخدمًا بقايا الأخشاب من بعض قطع الأثاث، واستغرقت مدة صناعة أول قفص قرابة 30 يومًا بسبب صعوبة توفر المواد الخام والمعدات الأساسية، لكن هذه التجربة كانت الشرارة التي دفعتني للتعمق في مجال النجارة وصناعة الأثاث الخشبي".
ويبيّن الراشدي أنه مع الوقت بدأ في تنفيذ قطع أثاث متنوعة مثل الكراسي والطاولات وملحقات الحدائق المنزلية، لكن نقطة التحول جاءت بعدما تعرضت ولايته التي يعيش فيها إلى أنواء مناخية وتساقطت الأشجار بسبب جريان الأودية، ولذلك قرر إعادة تدوير أخشاب تلك الأشجار وتحويلها إلى أعمال فنية مستوحاة من البيئة العُمانية.
وعن أبرز تحدياته، يوضح أنها تتمثل في صعوبة الحصول على التمويل اللازم لشراء المعدات وتجهيز الورش، بالإضافة إلى ندرة التدريب المتخصص، وارتفاع أسعار المواد الخام أو محدودية توفرها، مضيفا أنه واجه تحديات أخرى مثل تعلّم أساسيات التعامل مع الخشب، مما دفعه للسفر خارج السلطنة على نفقته الخاصة للمشاركة في دورات تدريبية متخصصة.
ويؤكد الراشدي أن الإقبال المجتمعي على الأعمال الفنية لايزال محدودًا، وهناك حاجة لتعزيز الوعي والتقدير للفن الحرفي المحلي، مشيرًا إلى ضرورة تنظيم أمسيات فنية وفعاليات تثقيفية تسهم في رفع مستوى الوعي وتعريف الجمهور بقيمة الصناعات اليدوية.
ويبين أنه يسوق لأعماله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة في المعارض والمؤتمرات، كما يخطط لافتتاح صالة عرض تُتيح للجمهور معاينة أعماله على أرض الواقع، إلى جانب إنشاء موقع إلكتروني خاص بمشروعه، مقترحا بأن يتم إنشاء موقع متكامل يجمع الحرفيين ويوفر لهم بيئة مجهزة تضم ورش عمل ودورات تدريبية ومواقع مهيأة للإنتاج والتسويق، إذ سيساهم هذا المشروع في تطوير الحرف اليدوية وتدريب جيل جديد من الحرفيين، كما يمكن أن يتضمن مرافق جذب مثل المطاعم والمقاهي والمتاجر وألعاب الأطفال بطابع حرفي فريد".