-وزير الطاقة:

وقفة جادة نحو التحول إلى الطاقة المتجددة وإيجاد طرق أكثر كفاءة لنقل الهيدروجين

خطط تم تسليمها من مؤسسات حكومية أوصلتنا تقريبا إلى منتصف الطريق

-وكيل الخارجية:

الاهتمام بالبيئة والتغيرات المناخية أولوية الحكومة والمشاركة فرصة لعرض التجربة العمانية

-مدير عام هيدروجين عمان:

سعي جاد وحثيث لبناء مستقبل مستدام اقتصاديًا من خلال إنشاء نظام هيدروجين متكامل

-دورين بوسمان:

تحقيق ممر لتصدير الهيدروجين بين سلطنة عمان والموانئ الأوروبية بفضل تنوع الطبيعة

-مدير عام الأرصاد الجوية:

مشاريع وطنية قادمة لتطوير منظومة الإنذار المبكر من المخاطر المتعددة

أعلنت سلطنة عمان عن خططها لتأسيس بنية تحتية مشتركة لتصدير الهيدروجين الأخضر، عقب توقيع اتفاقية دراسة مشتركة(JSA) بين وزارة الطاقة والمعادن وشركة هيدروجين عمان (Hydrom) مع ميناء أمستردام وشركة زينيث لتشغيل محطات الطاقة وجاسلوغ للتعاون على تطوير مسار الهيدروجين السائل لسوق الهيدروجين الأخضر المنتج في سلطنة عمان.

ويؤكد الاتفاق الذي تم بمقر جناح سلطنة عمان لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" المقام حاليا بدبي على تطلعات الأطراف الموقعة لإنشاء أول مسار تجاري للهيدروجين السائل في العالم، حيث تم توقيع الاتفاقية بحضور معالي المهندس سالم بن ناصر العوفي وزير الطاقة والمعادن والمبعوث المناخي لمملكة هولندا الأمير خايمي دي بوربون دي بارم.

وتركز الاتفاقية بين سلطنة عمان وشركة هيدروجين عمان (Hydrom)، وميناء أمستردام، وشركة زينيث لتشغيل محطات الطاقة، وجاسلوغ على دراسة فرص تطوير سلسلة إمداد الهيدروجين الأخضر العماني وتصديره إلى ميناء أمستردام ومنها إلى أوروبا، وأكد معالي المهندس سالم بن ناصر العوفي وزير الطاقة والمعادن في تصريح له على هامش توقيع الاتفاقية أن سلطنة عمان تقف وقفة جادة نحو التحول إلى الطاقة المتجددة، من خلال الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها سواء من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وحجم المساحات التي منحت للهيدروجين الأخضر، والمشاريع التي تم توقيعها، وآلية الدخول في تلك المشاريع، وهناك أرقام ومؤشرات تدل على ذلك، وفرص واعدة، ستصل للعالم أجمع.

إيجاد طرق أكثر كفاءة

وأشار معالي الوزير إلى أن الاتفاقية تهدف إلى إيجاد طرق أخرى أكثر كفاءة لنقل الهيدروجين خلاف الطرق المستخدمة حاليا من تحويل تلك الطاقة إلى أمونيا أو الميثانول، مؤكدا أن اتفاقية الدراسة هذه تؤكد على أهمية البحث عن طرق أخرى تصل إلى المستهلك النهائي، خاصة المستهلك الأوربي الذي يتحفظ على عنصر الأمونيا في ميناء أمستردام – أحد أطراف الاتفاقية - والذي يقع في منطقة سكنية، ويعتبر شبه محظور لديهم، وبالتالي فإن هذه الدراسة ستبحث عن طرق بديلة لنقل الهيدروجين الأخضر من سلطنة عمان إلى ميناء أمستردام، وإذا تحقق سوف يرفع ذلك من كفاءة إنتاج الهيدروجين الأخضر والتوسع في التعامل مع موانئ أخرى.

وعلّق معاليه على آليات التحول إلى الحياد الصفري الكربوني، قائلا: "إن الخطط التي تم تسليمها من المؤسسات المعنية كوزارة الطاقة والمعادن ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أوصلتنا تقريبا إلى منتصف الطريق، والمشاريع تم تحديدها وتحديد أثرها، وفي قادم الوقت نحتاج إلى عمل أكبر لتحديد كلفتها الاقتصادية والاجتماعية وتكون إيجابية أكثر من كونها سلبية، وتتبقى الـ 50 % والتي لا تزال قيد الدراسات، ولو كانت لدينا مشاريع للوصول إلى الحد المنشود وهو صفر، لأصبح الهدف بسيطا جدا، وعليه نحتاج إلى معرفة نوع المشاريع التي تساهم في الوصول إلى هذا الحد، وهناك مشاريع كثيرة تحتاج إلى طاقة، ونحن نعمل على إنتاج طاقة نظيفة من الهيدروجين، والهدف الأساسي هو تخفيض الكلفة بحيث يكون مقبولا لدى الصناعات المحلية كبديل للغاز، وهو تحدٍ يواجه الكل وليس فقط سلطنة عمان، ولكن نحن أفضل عن باقي الدول بحكم أن الإنتاج محلي وليس مستوردا".

تعويض الخسائر

وعرج العوفي إلى الحديث عن آلية تمويل صندوق تعويض الخسائر، حيث أشار إلى أنه يعد المحور الأساسي في كل الاجتماعات المقامة في قمة المناخ بدبي، وهناك بعض المبادرات من بعض الدول فيما يتعلق بتقديم مساهمات جادة وحقيقية تم تسجيلها في هذا المؤتمر، والمحور الآخر آلية التعامل مع التغيرات المناخية، وأكد "مشاركاتنا كوفد عماني تركز على إظهار ما تمتلكه سلطنة عمان من إمكانيات محلية في عملية التعامل منها منظومة الإنذار المبكر، وكيفية التنبؤ بها، وطرق الحد من التأثيرات سواء كانت الإنسانية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو ما شابه ذلك".

وأكد معاليه أن مشاركات سلطنة عمان لاسيما الاجتماعات الرئاسية تطرح نفس التوجهات العالمية، وكيف نستطيع أن نصل إلى الهدف الأسمى للحد من ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية في الاحتباس الحراري، ومساهمات الدول في هذا الجانب.

وأشار إلى أن جناح سلطنة عمان يهدف إلى إشهار الأعمال والمشاريع التي تنفذها السلطنة على مستوى المؤسسات الحكومية والخاصة، وتقييم ذلك لاحقا من المؤسسات الدولية كمؤشرات حقيقية والسعي الجاد الذي تطمح له كل دولة من العالم، خاصة وأن كل الأعمال لن تظهر ما لم يتم إظهارها وإشهارها بالشكل المناسب، لاسيما مشاريع التحول في الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والاستزراع، وتخفيف الانبعاثات الكربونية من الصناعات، وإدخال السيارات الكهربائية والشواحن، والمدن الذكية وما شابه ذلك، للحد من الانبعاثات.

تبادل التجارب والرؤى

وأوضح وزير الطاقة والمعادن أن سلطنة عمان تهدف وتسعى إلى التعرف على التجارب والرؤى والأفكار من الدول المشاركة، والاستفادة من تجربة الشركات المصنعة للتكنولوجيا خاصة فيما يتعلق بتخفيف الانبعاثات المتعلقة باستهلاك الطاقة وما يرفع الكفاءة.

لقاءات ثنائية

من جهته أكد سعادة الشيخ خليفة بن علي الحارثي وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية أن الاهتمام بالبيئة والتغيرات المناخية يعتبر أولوية للحكومة، والمشاركة في مؤتمر المناخ هو تعبير عن ذلك الاهتمام، وتوفر هذه المشاركة فرصة لعرض التجربة العمانية من خلال الجناح العماني في المعرض المصاحب للمؤتمر وأيضا التعرف على تجارب الآخرين، وقد تم على هامش المؤتمر عقد عدد من اللقاءات الثنائية مع الوفود المشاركة الحكومية وكذلك القطاع الخاص المهتمين بما يمكن أن تقدمه عمان في مجال الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.

إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر

يشمل الاتفاق المبرم إجراء تقييم مفصل لمتطلبات تطوير مرفق لتكثيف وتخزين وتصدير الهيدروجين في سلطنة عمان، بالإضافة إلى توفير سفن متخصصة لنقل الهيدروجين السائل يتم تطويرها حاليًا بواسطة شركة جاسلوغ، ويهدف الاتفاق بشكل رئيسي إلى إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر بين سلطنة عمان وهولندا، مع شركة زينيث للطاقة كوجهة للاستيراد والتسييل والتوزيع الأمثل للهيدروجين بسلطنة عمان في ميناء أمستردام، وكذلك في أوروبا، إذ سيتيح وصول الهيدروجين إلى مرافق التكثيف في الموانئ الأوروبية من استكشاف ممرات التصدير الاستراتيجية للهيدروجين من حيث الوجهة والتكلفة إلى الأسواق العالمية الأخرى.

وتستند هذه المساعي على مستهدفات رؤية عمان 2040 التي تركز على تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، بالإضافة إلى أهداف استراتيجية بعيدة المدى لتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2050.

وقد اتخذت سلطنة عمان خطوات استراتيجية للاستفادة من الهيدروجين عبر مواردها الطبيعية المتاحة (الرياح والشمس) والبنية التحتية الصناعية والموانئ وعلى موقعها الجغرافي وانفتاحها على الأسواق الأوروبية والآسيوية.

وتعمل شركة هيدروجين عمان على تنمية قطاع الهيدروجين بالتخطيط الاستراتيجي وإدارة تخصيص الأراضي الحكومية لمطوري الهيدروجين ومراقبة تنفيذ المشاريع، وسيمكن مرفق التكثيف المفتوح هذه المشاريع، ليكون الهيدروجين السائل مصدرا قابلا للاستخدام من قبل المشاريع الفردية للتصدير.

بناء مستقبل مستدام

وقال المهندس عبد العزيز بن سعيد الشيذاني، مدير عام شركة هيدروجين عمان: "تعمل سلطنة عمان بشكل جاد وحثيث على بناء مستقبل مستدام اقتصاديًا من خلال إنشاء نظام هيدروجين متكامل، بجهود مشتركة مع ميناء أمستردام وشركة زينيث في تشغيل محطات الطاقة وجاسلوغ وذلك للاقتراب أكثر من هدفنا المشترك".

وأشار الشيذاني إلى أن توقيع اتفاقية سابقة بين سلطنة عمان وهولندا نظرًا لإمكانات سلطنة عمان وموقعها الفريد لهولندا كبوابة إلى السوق الأوروبية. حيث هدفت مذكرة التفاهم التي وقعت خلال قمة COP27 إلى تعزيز التعاون الثنائي لدعم الشركات في إنشاء ممرات الاستيراد والتصدير، وتعزيز فرص التعاون والاستثمار في منشآت الاستيراد والتصدير للهيدروجين النظيف المنتج محليا؛ لذلك يشكل الاتفاق الموقع في نسخة هذا العام من 28COP محطة جديدة في العلاقات العمانية الهولندية، حيث ستعمل سلطنة عمان وهيدروجين عمان، وميناء أمستردام، وشركة زينيث (لتشغيل محطات الطاقة) وجاسلوغ على تحقيق الممر المتوقع للاستيراد والتصدير.

من جهته قالت دورين بوسمان، الضابط التنفيذي الرئيسي في ميناء أمستردام: "عمان وهولندا على وجه الوضوح في طليعة تطوير سوق الهيدروجين العالمي. فالتكامل بين البلدين يوفر أساسًا متينا للتعاون الجاد، كما هو موضح في مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومتينا خلال cop27 نحن فخورون بأن يتمكن ميناء أمستردام، بالتعاون مع شركة زينيث لتشغيل محطات الطاقة وجاسلوغ، أن يتخذوا الخطوات التالية الآن، في هذه النسخة من 28COP، نحو تحقيق ممر لتصدير الهيدروجين بين سلطنة عمان والموانئ الأوروبية، وبفضل تنوع الطبيعة في عمان والقيادة الملتزمة لمعالي وزير الطاقة والمعادن في مجال الهيدروجين الأخضر، حيث تعد وزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان وشركة هيدروجين عمان (هايدروم) شركاء مناسبين ونتطلع إلى تأسيس ميناء أمستردام كبوابة للهيدروجين الأخضر المنتج في سلطنة عمان إلى السوق الأوروبية".

وفي سياق متصل، قال عبدالله بن راشد الخضوري مدير عام الأرصاد الجوية العمانية: "تأتي مشاركة هيئة الطيران المدني ممثلة بالمركز الوطني للمخاطر المتعددة في قمة المناخ 2023 بدبي في استعراض التجربة الناجحة والرائدة لمنظومة الإنذار المبكر في سلطنة عمان وهذه المنظومة تم الاستثمار فيها من قبل الحكومة وتطويرها بعدة مشاريع سابقة، وبالتالي الهدف الرئيسي لهذه المنظومة وهذا المركز هو التعامل المبكر مع المخاطر والأنواء المناخية والمخاطر التي يمكن أن تنتج من هذه الأنواء المناخية مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير الشديدة، طبعا الأعاصير والأنواء المناخية هي نتيجة لتغير المناخ، ومعظم دول العالم سعت إلى تطوير وتقوية مراكز الإنذار المبكر في دولها".

وأشار إلى أن سلطنة عمان سعت لتطوير هذه المنظومة للتخفيف من آثار تغير المناخ من خلال تقليل الكُلَف الاقتصادية والخسائر في الأرواح البشرية، لذلك جاءت فكرة ترقية المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة وتزويده بكافة المعدات والأدوات اللازمة لممارسة هذا العمل بأفضل الطرق والوسائل من عام 2008 وبعد إعصار جونو في 2007 إلى اليوم وبسبب هذه المنظومة بدأت تقل الخسائر المالية المصاحبة للأعاصير وتكون محدودة وكذلك الخسائر في الأرواح، على سبيل المثال في جونو كانت خسائر الأرواح أكثر من 70 شخصا وأكثر من 3 مليارات دولار خسائر اقتصادية، وهذه الأرقام انخفضت بشكل كبير جدا بسبب تطوير الإنذار المبكر ومنظومة الإنذار المبكر من المخاطر المتعددة واللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة، وعلى سبيل المثال إعصار شاهين الذي أثر على سلطنة عمان في عام 2021 انخفضت خسائر الأرواح البشرية إلى أقل من 5 وكذلك الخسائر الاقتصادية انخفضت إلى أقل من 100 مليون ريال وكذلك إعصار مكونو في عام 2018 في ظفار كانت الخسائر البشرية والاقتصادية محدودة.

مشاريع وطنية قادمة

وعلق الخضوري على المشاريع الوطنية القادمة لتطوير منظومة الإنذار المبكر من المخاطر المتعددة، حيث قال: "قامت هيئة الطيران المدني بإنشاء برنامج استراتيجي اسمه برنامج "مزن" الاستراتيجي، وهو برنامج معني بتطوير منظومة الإنذار المبكر خلال 4 سنوات قادمة من 2023 إلى 2026، هذا البرنامج الاستراتيجي فيه مشاريع استراتيجية متعددة تم تنفيذها هذه السنة، وسيتم تنفيذها أيضا خلال السنوات القادمة، هذه المشاريع الاستراتيجية منها منظومة إقامة رادارات الطقس وعددها 6 رادارات على كافة مناطق السلطنة، في محافظة مسندم، وفي محافظة مسقط، وفي فهود، وفي الدقم، وفي رأس الحد وآخر في صلالة، بحيث تغطي هذه الرادارات الستة كافة مناطق وأجواء السلطنة، وهناك أيضا مشروع استراتيجي يتم تدشينه في السنة القادمة وهو تطوير منظومة الأقمار الاصطناعية بحيث تكون هذه المخرجات القادمة من الأقمار الاصطناعية حديثة تواكب الجيل الثالث لمخرجات الأقمار الاصطناعية.

وأكد عبدالله الخضوري أن هناك مشروعا آخر وطنيا هو مشروع تنفيذ مؤشر الفيضانات، ففي عام 2024 ستقوم هيئة الطيران المدني بتدشين مشروع مؤشر الفيضانات، ومشروع التنبؤ بالفيضانات، وسوف يكون أيضا نقلة نوعية في الاسترشاد بمجاري الأودية خلال فترة الأمطار والأعاصير، كما أن هناك مشروعا وطنيا آخر وهو نمذجة الملوثات الهوائية ومعرفة الكتل الهوائية ومسارها، وهذا مشروع يتم تدشينه وتنفيذه في 2024 وهناك مشروع وطني أيضا في النمذجة العددية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وزیر الطاقة والمعادن للهیدروجین الأخضر لتصدیر الهیدروجین الهیدروجین الأخضر بین سلطنة عمان فی سلطنة عمان تطویر منظومة هذه المنظومة شرکة زینیث مدیر عام أکثر من من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

د. ثروت إمبابي يكتب: التحول الأخضر في الزراعة المصرية.. دور الطاقة المتجددة لتحقيق الاستدامة

في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه مصر، لا سيما في قطاع الزراعة، برزت الطاقة المتجددة كأحد الحلول الواعدة لتحقيق التنمية المستدامة. إن اعتماد مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح في العمليات الزراعية لم يعد رفاهية، بل ضرورة ملحّة لمواجهة ندرة المياه، وارتفاع تكلفة الوقود، وتغير المناخ. 

ومن واقع اهتمامي الشخصي بالقضايا البيئية، أرى أن دمج الطاقة المتجددة في الزراعة يمثل نقطة تحول استراتيجية نحو مستقبل زراعي أكثر أمنًا وكفاءة واستدامة. يعاني القطاع الزراعي في مصر من عدة مشكلات مزمنة، أبرزها ندرة المياه نتيجة الاعتماد شبه الكامل على نهر النيل، وارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب أسعار الوقود المستخدمة في تشغيل ماكينات الري والنقل، إضافة إلى ضعف البنية التحتية التكنولوجية، وتأثيرات التغير المناخي التي تهدد الإنتاجية الزراعية وتُخلّ بتوازن النظم البيئية. 

ومن هنا، تأتي أهمية البحث عن حلول بديلة وفعالة. تتمتع مصر بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية التي توفر أكثر من 3,000 ساعة سطوع شمسي سنويًا، والطاقة الريحية في مناطق مثل خليج السويس وسيوة، إلى جانب إمكانية الاستفادة من الكتلة الحيوية عبر تحويل المخلفات الزراعية إلى مصادر طاقة. إن إدخال هذه التقنيات في العمليات الزراعية يمكن أن يُحدث تحولًا نوعيًا؛ إذ يمكن استخدام أنظمة الري بالطاقة الشمسية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتشغيل البيوت المحمية بالطاقة النظيفة، فضلًا عن توليد الكهرباء من المخلفات الزراعية وتخزين المنتجات الزراعية في وحدات تبريد تعمل بالطاقة المتجددة، وهو ما يسهم في تقليل الفاقد وتحسين جودة المنتجات.

ومن التجارب التي أتابعها باهتمام، هناك مشروع تركيب أنظمة ري تعمل بالطاقة الشمسية في بعض قرى الصعيد، بتمويل مشترك بين الدولة وبعض المنظمات الدولية، وقد ساهم في تقليل استهلاك الديزل، وزيادة ساعات تشغيل المضخات دون الحاجة إلى وقود خارجي. هذا النوع من المشروعات لا يوفر فقط الطاقة، بل يمنح المزارع الصغير شعورًا بالاستقلالية ويقلل من اعتماده على دعم حكومي دائم. كذلك، فإن الطاقة المتجددة تسهم في تمكين المرأة الريفية، حيث إن وجود مصدر طاقة موثوق ومستدام داخل المزارع والمنازل الريفية يساعد في تحسين جودة الحياة، وتمكين النساء من الدخول في مشاريع صغيرة مثل إنتاج الأغذية المصنعة أو إدارة وحدات تبريد وحفظ المنتجات، ما يفتح آفاقًا اقتصادية جديدة في المجتمعات الزراعية. 

ومن الجوانب التي لا يمكن إغفالها كذلك، أن استخدام الطاقة المتجددة في الزراعة يحد بشكل كبير من الأثر البيئي السلبي الناجم عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. فالمحركات التي تعمل بالديزل تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة، مما يسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. أما التحول إلى الطاقة الشمسية والرياح، فهو يقلل من البصمة الكربونية للأنشطة الزراعية، ويحافظ على نقاء الهواء والتربة والمياه.

وهذا أمر بالغ الأهمية، خاصة في المناطق الزراعية التي تعتمد على مصادر المياه الجوفية والسطحية، إذ أن تقليل التلوث يعني الحفاظ على جودة الموارد الطبيعية وضمان استدامتها للاستخدام البشري والزراعي على حد سواء. ومن ناحية أخرى، فإن إدخال الطاقة المتجددة في الزراعة له أثر اقتصادي مباشر على المزارع الصغير. 

فخفض تكلفة تشغيل المضخات ووحدات التبريد والتخزين ينعكس على خفض تكلفة الإنتاج، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في الأسواق المحلية والدولية. كما أن التخلص من تقلبات أسعار الوقود يعني استقرارًا أكبر في ميزانية المزارع، ما يشجعه على الاستثمار والتوسع، ويقلل من مخاطر الديون والاعتماد على التمويل الخارجي. ومن وجهة نظري، لا يكفي الحديث عن الطاقة المتجددة كحل تقني فحسب، بل يجب أن يكون هناك إرادة سياسية قوية واستثمار طويل الأمد في البنية التحتية، إلى جانب رفع وعي المزارعين بأهمية الطاقة النظيفة. إنني أؤمن بأن مستقبل الزراعة في مصر سيكون مرهونًا بمدى قدرتنا على استيعاب هذا التحول الأخضر، لا بوصفه خيارًا بيئيًا فحسب، بل كحل اقتصادي استراتيجي يحافظ على الأمن الغذائي ويخلق فرص عمل جديدة في الريف. 

كما أرى ضرورة أن تتكامل الجهود بين وزارات الزراعة والكهرباء والبيئة والتعليم، لتنشئة جيل جديد من المزارعين على أسس المعرفة التكنولوجية والاستدامة. 

وفي ضوء ما سبق، يتضح أن للطاقة المتجددة دورًا محوريًا في إنقاذ الزراعة المصرية من التحديات المتفاقمة التي تواجهها. ومع أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن الخطوات الأولى قد بدأت، وما علينا إلا أن نسرّع هذا المسار برؤية واضحة وتعاون جاد بين الدولة والمجتمع والمزارعين أنفسهم. إن الزراعة المستدامة ليست حلمًا بعيدًا، بل مشروعًا واقعيًا يبدأ من ألواح شمسية في حقل صغير، وينتهي بمنظومة زراعية حديثة تضمن الأمن الغذائي للأجيال القادمة.

طباعة شارك الزراعة الطاقة التنمية المستدامة

مقالات مشابهة

  • السفير الفرنسي بمسقط: ندعم جهود السلام العمانية.. ولا بدّ من إنهاء مأساة غزة
  • د. ثروت إمبابي يكتب: التحول الأخضر في الزراعة المصرية.. دور الطاقة المتجددة لتحقيق الاستدامة
  • الإصلاح الاقتصادي يقود سلطنة عمان إلى الجدارة الاستثمارية والاستقرار المالي
  • الملكية الفكرية أداة فعّالة لدعم منظومة الابتكار في سلطنة عمان
  • 67.7 مليون طن إجمالي إنتاج سلطنة عمان من الخامات المعدنية خلال 2024
  • عاجل| وفاة 3 مواطنين إماراتيين بحادث سير في سلطنة عمان
  • وفاة 3 إماراتيين وإصابة 9 بحادث سير في سلطنة عمان
  • رجال الأعمال: حجم الاستثمارات المصرية في سلطنة عمان تتخطي 2.5 مليار دولار
  • السياسات المتوازنة تمكن سلطنة عمان من الحفاظ على استقرار إنتاج النفط والغاز
  • إعفاء مواطني دولة عربية من تأشيرة دخول روسيا