البعد الثقافي والفكري في التوجهات الاستراتيجية العمانية
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
لا يمكن بناء صورة ذهنية حقيقية عن سلطنة عُمان في معزل عن تاريخها الطويل، ومنجزها الثقافي والفكري، والمساهمة الكبيرة في الحضارة الإنسانية عبر عشرات الآلاف من المخطوطات والكتب في مختلف صنوف المعرفة.. وما راكمته عبر قرون طويلة من مبادئ وقيم هي اليوم مكون أساسي ضمن مكونات العمانيين وضمن مكونات الدولة العمانية.
وانطلاقا من هذا الطرح، فإن سلطنة عمان تضع دائما في اعتبارها خلال التخطيط لمشروعاتها المستقبلية أن تكون المشروعات الثقافية حاضرة وبقوة.. فرغم توجهات الدولة نحو إعطاء الجوانب الاقتصادية زخما كبيرا عبر التأسيس لاستثمارات عملاقة في مختلف المجالات إلا أن هذا لم يوقف المشاريع المعنية بالثقافة وتعظيم المنجز الحضاري والتاريخي لسلطنة عمان.. وفي هذا العام على سبيل المثال افتُتح متحف «عمان عبر الزمان» الذي يعدّ أحد أضخم المتاحف في المنطقة، ويرصد تاريخ أرض عمان ومنجزها الإنساني والحضاري عبر ملايين السنين، وهو بحق أحد أهم الوجهات السياحية في سلطنة عُمان التي تستثمر في التراث والتاريخ وتوثق تاريخ الإنسان عبر مختلف الحقب الزمنية.
وأمس وقع صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب اتفاقية إنشاء مجمع عُمان الثقافي، الذي يعدّ أحد أضخم المشروعات الثقافية في سلطنة عمان، ويضم المكتبة الوطنية التي طال انتظارها إضافة إلى المسرح الوطني وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وبات هذا المجمع/ الحلم على مرمى البصر حيث نصت الاتفاقية على ألا تتجاوز المدة الزمنية للإنشاء ثلاث سنوات.
وهذا المشروع الثقافي من شأنه أن يسهم في حفظ الكثير من مفردات الإرث الحضاري العماني، حيث ستستقر فيه مئات الآلاف من الوثائق والمخطوطات والمحفوظات العمانية الشاهدة على تفاصيل التاريخ العماني العريق، وما حققه العمانيون من منجزات في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والفكرية والاجتماعية، إضافة إلى ما يمكن أن تضمه المكتبة الوطنية من الكتب المطبوعة والمخطوطة والتي ينتظر أن تكون علامة بارزة من علامات سلطنة عمان وملتقى ثقافيا وفكريا إلى جوار المسرح الوطني.
إن مثل هذه المشروعات الثقافية والفكرية من شأنها أن تسهم في حفظ التراث والتاريخ إضافة إلى دورها في بناء وعي معرفي يرقى بأجيال عُمان.
وإذا كان مشروع متحف عُمان عبر الزمان قد فتح أبوابه ومشروع مجمع عُمان الثقافي في الطريق وكذلك مشروع متحف عُمان البحري الذي ينتظر أن تعلن تفاصيل جديدة حول مساره، فإن هذه المناسبة تستحق التذكير بمشروع لا يقل أهمية عن مجمع عمان الثقافي وهو مشروع يمكن أن يحمل اسم «مركز السلطان هيثم للبحوث والدراسات الاستراتيجية»، ويمكن أن يتضمن مشروعا للترجمة من مختلف لغات العالم الحية التي تنتج علما ومعرفة، فما أحوج عُمان لمثل هذا المشروع الذي تتجاوز أهميته عُمان وحدها، ولكنه يمكن أن يكون منارة علمية عربية ينبثق نورها من سلطنة عمان ليضيء العالم العربي في هذه اللحظة التاريخية المهمة من عمر العالم الذي يشهد تحولات جذرية كبرى في مختلف المجالات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان فی مختلف سلطنة ع یمکن أن
إقرأ أيضاً:
المجلات الثقافية.. بين الحبر والخوارزمية
هزاع أبو الريش (أبوظبي)
أخبار ذات صلةرغم التحولات الرقمية الكبرى، وهيمنة الذكاء الاصطناعي على المشهد الإعلامي، لا تزال المجلات والصحف الثقافية الإماراتية تسجل حضوراً متماسكاً ومؤثراً، يوازن بين جماليات الورق، وديناميكية النشر الرقمي. وفي ظل هذا التداخل، تتنوع التجارب وتتعاظم التحديات، لكن الإصرار على البقاء يتغذى من إيمان المؤسسات بقيمة الثقافة واحتياجات القارئ المعاصر.
ثوب معاصر
ندى الزرعوني، مدير تحرير مجلة المقطع، الصادرة عن الأرشيف والمكتبة الوطنية، ترى أن «إصدار مجلة ثقافية في زمن الهيمنة الرقمية كان تحدياً أقرب للمستحيل»، لكنها تصف التحول بالقول: «لم يكن من الصعب أن أجد نفسي أحاول أن أفتح كوة صغيرة في هذه المؤسسة العريقة، أنقل عبرها لجميع المهتمين حكايات من التاريخ حول عظمة هذه الدولة، باعتماد كلي على ما نحتفظ به من وثائق وصور وفيديوهات وتاريخ شفاهي». وتؤكد الزرعوني أن التفاعل الجماهيري الكبير مع المجلة فاق التوقعات: «اكتشفنا بعد فترة وجيزة من انطلاق المجلة أننا نواجه طلبات لا تنتهي لنسخ المجلة ونرفع نسبة الطباعة مع كل عدد».
خادم لا خصم
من جهته، يوضح الدكتور وليد الساعدي، رئيس تحرير مجلة المنارة الإماراتية، أن الدولة «من الدول المتقدمة جداً في مجال الذكاء الاصطناعي، ما انعكس على مختلف أوجه الحياة، ومنها الإعلامية والثقافية».
وأشار إلى أن المجلات الثقافية الإماراتية واكبت هذه الطفرة بذكاء، حيث «أسهم الذكاء الاصطناعي في إتمام المهام الروتينية مثل التدقيق اللغوي، تحليل البيانات، وتوقع اتجاهات القراء».
ويختم بالدعوة إلى التوازن: «على الجهات والمؤسسات المعنية أن توازن بين الإبداع واستخدامات الذكاء الاصطناعي حتى نصل لنتيجة مرضية».
القاعدة الجماهيرية
أما الشاعر والكاتب خالد العيسى، مؤسس ورئيس تحرير صحيفة هماليل الأدبية، فيصف المشهد الإعلامي بأنه قائم على استراتيجيات «واعية ومهنية عالية المحتوى والمضمون»، مؤكداً أن النجاح في الإعلام يعني مجاراة الواقع، فيقول: «من أساسيات الإعلام مجاراة الواقع، والسير على الطريق الذي يوصلك إلى الجمهور، ويسهل عليك إيصال الرسالة».
ويكشف العيسى عن أن صحيفة هماليل تبنت هذا النهج منذ انطلاقتها: «حظيت الصحيفة بالعديد من المشاركات الثقافية في المحافل والمعارض الدولية، التي جعلتها تثبت وجودها بجدارة». ويضيف بثقة: «نحن حالياً بصدد التواجد بشكل جديد ومختلف يواكب المرحلة الراهنة، كما تتطلبه التحديات».
أرض الواقع
تُثبت هذه التجارب أن المجلات الثقافية الإماراتية لم تركن إلى الماضي، بل استخدمت أدواته، ودمجتها برؤية معاصرة تتجاوز الهيمنة الرقمية، وتسعى للحفاظ على الهوية الثقافية في زمن السرعة والتقنية. بين الورق والذكاء، تظل الكلمة الأصيلة سيدة الحضور، وتظل المجلة نافذة لا تغلق.