ميناء صلالة.. موقع استراتيجي ريادي على مسار خطوط الشحن العالمية
تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT
يحتل ميناء صلالة موقعا استراتيجيا مهما على مسار خطوط الشحن العالمية التي تربط الشرق بالغرب، وقد تأسس الميناء عام 1998، وأحدثت النقلة النوعية لتحويل «ميناء ريسوت» من محطة بضائع عامة إلى «ميناء صلالة» تطورا ملموسا في السنوات الأخيرة مع تأسيس البنية الأساسية للميناء، وتطور الميناء مع جهود الحكومة العمانية لإيجاد الشريك الاستراتيجي المناسب، حيث قامت الحكومة بتوقيع اتفاقية امتياز مع «شركة أي.
واستطاع ميناء صلالة خلال سنوات وجيزة أن يرتقي بخدماته ليتم تصنيفه من بين أفضل محطة حاويات في العالم، كما تمكن من اجتياز الرقم العالمي في الإنتاجية مرتين، حيث حاز الميناء على جوائز محلية ودولية في التنمية الاقتصادية وفي الصحة والسلامة وفي الابتكارات والمبادرات المتعلقة بالبيئة في السنوات الماضية.
ويعد الميناء من أفضل الموانئ العالمية في مناولة الحاويات، ويتمتع الميناء اليوم ببنية أساسية متينة مما جعل منه جزءا من شبكة تضم أكبر خطوط الشحن في العالم والتي تنتقل مباشرة عبر الممرات التجارية الرئيسية في آسيا، وأوروبا، والأسواق الناشئة في شرق أفريقيا، وشبه القارة الهندية، والخليج العربي ويعد الميناء من أكثر موانئ العالم نموا، حيث احتل هذا العام المرتبة الـ 45 عالميا في مناولة الحاويات ضمن أكبر 100 ميناء في العالم، ويعد ميناء صلالة أكبر ميناء في العالم مصدّر للجبس الخام.
لقد شهد الميناء توسعا وتحديثا كبيرا في السنوات الأخيرة بما يتماشى مع التطورات في صناعة الموانئ على مستوى العالم، ويشمل ذلك مجموعة الخدمات المقدمة، والأتمتة، وتحديث المعدات، والرقمنة، والاستدامة، والتدريب والتطوير، ورضا العملاء. وتقوم إدارة الميناء حاليا بإجراء ترقية في قدرات مناولة الحاويات مما سيؤدي إلى رفع القدرة الاستيعابية من 5 ملايين حاوية نمطية إلى 6.5 مليون حاوية نمطية بحلول الربع الثاني من عام 2025، كما يعمل الميناء حاليا على تنفيذ خطط تطويرية لمحطة الشحن العام، وفي عام 2022 قامت محطة الحاويات بمناولة 4.5 مليون حاوية نمطية، كما قامت محطة البضائع العامة في الميناء بمناولة أكثر من 18 مليون طن خلال عام 2022.
ومن أجل استقطاب المزيد من سفن الحاويات الحديثة والكبيرة جدا، تم العمل على زيادة قدرات الميناء في عمليات المناولة والتوسعة في الإمكانيات، وذلك من خلال استئجار 10 رافعات بحسب ما تم الإعلان عنه مؤخرا، حيث إن هذه الرافعات تتيح للميناء التعامل بكل كفاءة مع أحدث أنواع السفن، كما يجري العمل على تطوير وزيادة مختلف الخدمات والإمكانيات لمواكبة التطورات الجارية في سفن الشحن على مستوى العالم.
كفاءة وتميز
وفي عام 2022 حقق ميناء صلالة إنجازا جديدا من خلال احتفاظه بمركزه المتقدم عندما حقق المركز الثاني من بين أكثر موانئ الحاويات كفاءة في العالم لمدة عامين على التوالي، جاء ذلك في تقرير مؤشر أداء موانئ الحاويات (CPPI) لعام 2022 الذي نشره البنك الدولي ووكالة ستاندرد آند بورز جلوبال، كما احتل ميناء صلالة المرتبة الأولى على مستوى منطقة غرب ووسط وجنوب آسيا.
ويعد ميناء صلالة أحد أكثر الموانئ كفاءة في العالم لأهمية موقعه الاستراتيجي الذي يساعده على تحسين القدرة التنافسية لسلسلة التوريد لمنتجات وخدمات العملاء من خلال أقل تكلفة لسلسلة التوريد وسرعة الوصول إلى الأسواق، كما يمكّنه موقعه الاستراتيجي من سهولة الوصول إلى الأسواق الناشئة في منطقة شرق أفريقيا والبحر الأحمر وشبه القارة الهندية واليمن.
وتعد إمكانية الربط هي الأساس لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية مما يؤدي بالتالي إلى دفع النمو الاقتصادي، ولقد قام ميناء صلالة بزيادة قدرته على الربط بمعدل 3.9% سنويا منذ عام 2006 وهو أحد أعلى المعدلات في المنطقة.
وبدأ مؤخرا ميناء صلالة بالتعاون مع المنطقة الحرة بصلالة ومطار صلالة تحت اسم «عرض قيمة صلالة» -حيث صار ميناء صلالة ومطارات عمان الشريكين المفضلين لشركة ميرسك- في إطلاق حل مبتكر يعمل على تعزيز الحلول اللوجستية المتكاملة للعملاء مع تحقيق التوازن الدقيق بين وقت العبور (الترانزيت) والتكلفة.
وقد نجحت شركة إيه بي مولر- ميرسك (ميرسك)، بالتعاون مع ميناء صلالة وشركة مطارات عمان وبدعم من إدارة الجمارك بشرطة عمان السلطانية ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، في تنفيذ حل لوجستي بحري جوي عبر سلطنة عمان لنقل البضائع من كولومبو بسريلانكا، إلى القاهرة في مصر.
وكانت عملية الشحن التجريبية من خلال الحل البحري-الجوي عبارة عن شحنة من بضائع التجزئة والبضائع السلعية اليومية من كولومبو في سريلانكا إلى القاهرة في مصر، حيث تم تنفيذ المرحلة الأولى من النقل على متن سفينة تابعة لشركة ميرسك من كولومبو إلى صلالة، وتم في ميناء صلالة تفريغ الشحنة ونقلها إلى مطار صلالة باستخدام ممر جمركي، ولدى وصولها إلى صالة الشحن بمطار صلالة، خضعت الشحنة لإجراءات الحصول على التصريح الأمني وتم شحنها جوا إلى القاهرة.
ويتميز الحل البحري-الجوي بالعديد من المزايا لعملاء ميرسك، حيث يمكن أن يساعد على تقليل أوقات العبور على طرق التجارة التقليدية من الشرق إلى الغرب بنسبة 20-40% مقارنة بالنقل البحري البحت وتحقيق وفورات في التكلفة بنسبة 10-20% مقارنة بحل الشحن الجوي البحت.
توسع إقليمي
إن تعاون ميرسك القوي مع جميع أصحاب العلاقة المعنيين يعني أن العملاء ستكون لهم الأولوية في الحصول على الحجوزات والتحميل والتخزين والتخليص ونقل البضائع جوا، وإلى جانب التوفير الواضح في الوقت والتكلفة فإن الموقع الاستراتيجي لميناء صلالة ومطار صلالة يتيح لشركة ميرسك تقديم خدمات متعددة، بما في ذلك الحل المحوري لربط الأسواق الجديدة والناشئة مما يجعل عُمان بوابة مثالية لبقية العالم.
إن التسهيلات التي يتيحها ميناء صلالة ومطار صلالة قادرة على دعم مختلف البضائع والسلع بدءًا من البضائع العامة وحتى المنتجات المتخصصة مثل الأدوية والمنتجات القابلة للتلف، وستكون هذه البوابة أيضًا فرصة فعالة لدعم حركة المساعدات وشحنات الإغاثة إلى البلدان التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الربط الجوي لاستكمال التوزيع.
كما أطلق ميناء صلالة في عام 2021 مجموعة من الخدمات اللوجستية المتكاملة عبر المنطقة الحرة بالمزيونة كجزء من استراتيجية الميناء للتوسع الإقليمي، حيث قام بالتعاون مع شركة ميرسك بإطلاق هذه الخدمات بهدف دعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان واليمن وجذب المستثمرين الجدد، وذلك في خطوة لتسهيل خدمات النقل الداخلية بين البلدين، حيث تشمل الخدمات أيضا الخدمات الجمركية وخدمات التأمين لنقل الشاحنات إلى مراكز المناطق الحرة بصلالة والمزيونة عبر النقل البري، وتسهم هذه الخدمات في تقليل المدة الزمنية للمناولة وتسهيل الوصول إلى عدد من الأسواق العالمية.
ومن خلال هذه المبادرة وبالتعاون مع ميرسك، سيسهم ميناء صلالة في ترسيخ الموقع الريادي لصلالة كبوابة رئيسية لتقديم الخدمات إلى السوق اليمني، من خلال انسيابية حركة سفن الشحن وتوفير خدمة النافذة الواحدة للعملاء حتى وصولها لموقع التسليم النهائي. وستتيح الخدمة الجديدة للزبائن تقديم مجموعة خدمات رقمية متكاملة، كما أن ميناء صلالة يوفر قدرات استيعاب استثنائية لعمليات الشحن التي تشمل الحاويات والتعامل الأمثل للمناولة، خصوصا للشحنات التي تحتوي على مواد سائلة أو جافة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: میناء صلالة فی العالم من خلال عام 2022
إقرأ أيضاً:
من الهواية إلى العالمية.. كيف تحوّلت الألعاب الإلكترونية إلى صناعة كبرى تتصدر المشهد وتُصنع في السعودية مستقبله
البلاد (الرياض)
من بداية بسيطة على أجهزة بدائية في نهايات السبعينيات، إلى ملاعب رقمية يُشهدها الملايين ويتنافسن فيها نخبة المحترفين حول العالم، حيث قطعت الألعاب الإلكترونية رحلة مذهلة تحوّلت فيها من وسيلة ترفيه فردية إلى صناعة عملاقة تُنتج مليارات الدولارات سنويًا، وتحظى باعتراف دولي ورياضي وثقافي، وصولًا إلى تنظيم بطولات عالمية تُقام لها احتفالات رسمية وتُخصّص لها جوائز كبرى، مثل “كأس العالم للرياضات الإلكترونية”.
وبدأت الحكاية بشاشات بسيطة وأفكار عبقرية، حين ظهرت الألعاب الإلكترونية تجاريًا لأول مرة في مطلع السبعينيات، وكانت لعبة “Pong” من أوائل التجارب الناجحة، التي مهّدت الطريق لجيل جديد من الترفيه المنزلي، ومع التقدّم السريع في تقنيات الحوسبة، بدأت منصات مثل “Nintendo”، و“Sega”، و“Atari” تطرح مفاهيم جديدة، لتحوّل الألعاب من مجرد تجربة بصرية إلى بيئة تفاعلية قائمة على التحدي، والخيال، والذكاء.
وتنوّعت الألعاب الإلكترونية مع مرور الوقت وبحسب طبيعتها وأسلوب اللعب ووظيفتها، ولم تعد مجرد تسلية، بل أصبحت وسيلة لتفريغ الطاقات وصقل المهارات الذهنية، وظهرت ألعاب القتال مثل “Street Fighter” و”Tekken”، إلى جانب ألعاب التصويب مثل “Call of Duty” و”Valorant”، ثم انتشرت ألعاب الرياضة مثل “FIFA” و”NBA 2K”، ولاحقًا تعمّق اللاعبون في عوالم ألعاب تقمّص الأدوار مثل “Final Fantasy” و”The Witcher”، كما فرضت ألعاب الإستراتيجية مثل “Age of Empires” حضورها، فيما أبهرت ألعاب العالم المفتوح والمحاكاة مثل “Minecraft” و”Grand Theft Auto” اللاعبين بإمكاناتها اللامحدودة، قبل أن تفرض ألعاب الجوال مكانتها كأحد أكثر قطاعات السوق نموًا وانتشارًا على مستوى العالم.
هذا التنوع لم يُثر فقط اهتمام المستخدمين، بل جذب شركات تقنية كبرى، وفتح الباب أمام ابتكار اقتصادي واسع النطاق، شكّل نواة لصناعة رقمية عالمية ضخمة.
وبحلول الألفية الجديدة، ومع انتشار الإنترنت عالي السرعة، بدأت تظهر مسابقات تنافسية بين اللاعبين، وتطورت لاحقًا إلى بطولات احترافية تُبث مباشرة عبر منصات رقمية ويتابعها ملايين المشاهدين.
ومع ظهور منظمات مثل “ESL”، و”MLG”، و”LCS”، أصبح هناك تصنيف عالمي للاعبين، ونشأت بيئة احترافية حقيقية تُمنح فيها عقود ورعاية ورواتب، وتُبرم فيها صفقات انتقال بين الفرق.
وجاء التحول الأهم حين بدأ الاعتراف الرسمي بالرياضات الإلكترونية كمسابقات عالمية تُنظّم لها بطولات قارية، وتُدرج ضمن برامج التظاهرات الرياضية الكبرى، حتى ظهرت في عام 2024 النسخة الأولى من “كأس العالم للرياضات الإلكترونية”, التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-, وذلك خلال”مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة”، الذي استضافته المملكة خلال شهر أكتوبر عام 2023, لتكون البطولة الحدث الأكبر من نوعه على مستوى العالم، وتنظمه المملكة في الرياض سنوياً ابتداءً من صيف العام 2024م, لتشكل منصة مهمة تسهم في الارتقاء بقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، الذي يشهد نمواً متزايداً, وترسخ مكانة المملكة كوجهة رائدة لأبرز المنافسات الرياضية والعالمية, وتُسجّل لحظة فارقة في تاريخ هذا القطاع المتسارع، إذ لم تقف هذه الجهود عند هذا الحد, بل استمرت وصولًا لصياغة حضور إستراتيجي فاعل، انطلاقًا من قناعة بأن صناعة الألعاب لم تعد مجرد ترفيه، بل أصبحت جزءًا من مكونات الثقافة والاقتصاد والتأثير الدولي.
وباتت الرياضات الإلكترونية ركيزة من ركائز الاستثمار الثقافي، الرياضي، والتقني، من خلال الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية، وبدعم من برامج رؤية المملكة 2030، لتسعى المملكة من خلالها إلى تنويع اقتصادها، وتمكين شبابها، وبناء مستقبل قائم على الابتكار الرقمي.
وتُجسّد هذه الرؤية اليوم من خلال تنظيم وإقامة المملكة للنسخة الثانية من البطولة العالمية “كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025”، في “بوليفارد رياض سيتي”، في حدث عالمي يضم مشجّعين من مختلف أنحاء العالم، ويجمع قرابة (2000) لاعب محترف، و(200) نادٍ من أكثر من (100) دولة، يتنافسون في أكثر من (24) لعبة إلكترونية، للفوز بجوائز مالية تتجاوز (70) مليون دولار، وهي أعلى قيمة جوائز في تاريخ الرياضات الإلكترونية.
وامتدت المشاركة السعودية إلى تطوير اللاعبين السعوديين، ودعم الشركات الناشئة في مجال تطوير الألعاب، وإنشاء أكاديميات تدريبية ومسارات مهنية في مجالات البث، التحكيم، البرمجة، الإدارة الرقمية، وحتى التصميم البصري.
وتؤكد تقارير شركة Newzoo المتخصصة بتحليلات سوق الألعاب الإلكترونية، أن إيرادات هذه الصناعة قد تجاوزت (180) مليار دولار في عام 2024، متفوقة بذلك على صناعتَي الموسيقى والسينما مجتمعتين، وباتت البطولات تُباع لها التذاكر، وتُبرم فيها شراكات ورعايات كبرى، وتحولت إلى بيئة اقتصادية مكتملة الأركان.
وتشكّل الألعاب الإلكترونية اليوم جزءًا من الثقافة الحديثة، ومنصة للتعبير، ومجالًا وظيفيًا مفتوحًا لجيل المستقبل، بل إن الدول باتت تتنافس على حضورها في هذا السوق العالمي، والمملكة تضع نفسها في طليعة هذه المنافسة، لا كمستضيف فقط، بل كمصنع للفرص، ومحفّز للابتكار، وقائد إقليمي في بناء صناعة متكاملة ترتكز على الشغف والمعرفة.
وتحولت الألعاب الإلكترونية إلى جانب الترفيه لمنظومة اقتصادية، ثقافية، إبداعية متكاملة وبآفاق لا حدود لها، لتبرز المملكة كمركز دولي يحتضن التغيير، ويقود الطموح، ويُعيد تعريف مستقبل الألعاب، والرياضة، والترفيه، بلغة يفهمها العالم، ويلعب بها الجيل القادم.