رقم هاتف السنوار وحرب الصورة والدعاية الإسرائيلية الفاشلة.. الملثم يكسب المعركة
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حاول المندوب الإسرائيلي جلعاد أردان لفت الأنظار بلقطة مسرحية على منبر الأمم المتحدة رافعا رقم الهاتف المحمول يحيى السنوار، والذي تبين أنه لا علاقة له برئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وردت الحركة مباشرة بنشر رقم الهاتف المحمول لأردان نفسه، فانهالت عليه المكالمات والرسائل التي لم ترق له من مختلف أنحاء العالم.
أثارت لقطة أردان سخرية واسعة داخل اجتماع الجمعية العامة وخارجه، ولم تكن سوى نموذج من إدارة الحرب النفسية ومعركة الوعي القائمة على قوة الصورة والإقناع وكسر السرديات، والتي نجحت فيها حركة حماس إلى حد بعيد، كما تثبت الوقائع والتحليلات الإسرائيلية ذاتها.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4كل هذه الجرائم الإسرائيلية.. لماذا تتعطل بوصلة حقوق الإنسان الغربية في غزة؟list 2 of 4بين “كيدون” و “نيلي”.. عقود من الجريمة المنظمة للموسادlist 3 of 4الصدمة التي أنتجت الورطة.. إسرائيل بين "صورة النصر" والهزيمةlist 4 of 4“العار” الذي لحق بإسرائيل.. الحصون المتساقطة يوم السبت الأسودend of listأدركت حركة حماس والمقاومة أن الداخل الإسرائيلي مشتت في ظل حكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي تواجه وضعا داخليا متوترا ومنقسما بشدة بطبعه ثم رافضا للحرب، وقد وجدت هذه الحكومة نفسها أيضا أمام رأي عام عالمي غير مقتنع ثم مشكك فرافض في أغلبيته للسرديات الإسرائيلية، ولم تستطع دعايتها المكثفة والمرتبكة أن تسند أيا من هذه السرديات، بل وقعت بدورها في الكثير من الأخطاء الساذجة والتزييف والسقطات الإعلامية.
في المقابل، استطاعت حركة حماس النفاذ من خلال نقاط ضعف إسرائيلية كثيرة لإعادة تشكيل الرأي العام الإسرائيلي والعالمي المستهدف.
ويقول جال يافيتز -من قسم علوم الاتصال بجامعة بار إيلان الإسرائيلية- لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن "حماس كانت تعرف وتتفهم نقاط ضعف إسرائيل وتستخدمها بطريقة ساخرة ومتلاعبة".
أسهمت الحرب النفسية المخطط لها بعناية لحماس والمقاومة منذ ضربة "طوفان الأقصى" ولاحقا الاستثمار الفعال لموضوع الأسرى والمحتجزين والخسائر العسكرية الإسرائيلية في تقويض هذه السرديات، وأسندت ذلك باستثمار دقيق للصور ومقاطع الفيديو المركبة بحرفية، مع الظهور المتواتر والمؤثر للناطق باسم كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس أبو عبيدة الذي أصبح في حد ذاته أداة وظاهرة اتصالية شديدة التأثير.
وبشكل استثنائي، شكل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على غلاف غزة صدمة عسكرية ونفسية للمجتمع الإسرائيلي ساعدت حركة حماس والمقاومة بشكل كبير في تحديد مسار الحرب النفسية واستلام قصب السبق في هذا السياق.
وتمكنت الحركة من التحكم في تدفق المعلومات ومقاطع الفيديو للعملية التي تظهر ضعف الجيش الإسرائيلي وارتباك قياداته، بهدف تفكيك الصورة النمطية وإحلال صورة الجيش المهزوم والعاجز عن حماية المجتمع الإسرائيلي نفسه.
وأحكمت المقاومة لعبة الاتصال منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى عبر ظهور قائد أركانها محمد الضيف ثم المواد المصورة للإعلام الحربي التابع لكتائب القسام، ثم بروز الناطق باسمها أبو عبيدة عبر حسابات تطبيق تليغرام حين شهدت الساعات الأولى نشر نحو 50 منشورا على التطبيق المتاح (مع الحظر المفروض على التطبيقات أخرى)، ثم الظهور المتدرج والمحسوب لقادتها بالخارج، وكانت هذه السياسة الاتصالية ناجعة وناجحة، خصوصا مع الارتباك الكبير للحكومة الإسرائيلية.
كانت السياسة الاتصالية لحركة حماس والمقاومة عبر الخطابات والمنشورات ومقاطع الفيديو والتدخلات الإعلامية تركز على أهداف ذات أبعاد نفسية تستهدف بنية المجتمع الإسرائيلية، ويمكن اختزالها في التالي:
استغلال الانقسام الداخلي في إسرائيل للنفاذ بقوة الصورة والإقناع. تعميق هذا الشرخ والانقسام لتعميق الأزمة السياسية. إظهار صورة الجيش الضعيف والمهزوم. إظهار ضعف وأخطاء نتنياهو وحكومته. إظهار القوة والبأس العسكري للمقاومة والقدرة على التخطيط والتنفيذ. زرع الخوف والإحباط في المجتمع الإسرائيلي وضرب نظرية الأمن الإسرائيلية.وفي هذا السياق، يقول الباحث في حرب المعلومات بجامعة حيفا الدكتور يانيف ليفيتان لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن " الحرب النفسية من الأسلحة الرئيسية في ترسانة حماس، لأنها تسمح للحركة بتحقيق إنجازات كبيرة بتكلفة منخفضة للغاية".
من جانبه، يرى الباحث الإسرائيلي في شؤون الحرب النفسية رون شلايفر في تقرير للصحيفة ذاتها أن هدف حماس كان إقناع الآخرين بأنها على حق، لذلك كانت تعرض مقاطع فيديو مزعجة تسبب لإسرائيل إحباطا وعجزا كبيرين".
وتشير صحيفة هآرتس في تقرير لها إلى أنه طوال فترة الحرب "حاولت حماس وحركة الجهاد الإسلامي استثمار الجدل العام الدائر في إسرائيل بين من يؤيدون شن هجوم عسكري واسع النطاق ومن يريدون تأمين إطلاق سراح الأسرى البالغ عددهم نحو 240 رهينة قبل قصف غزة".
في المقابل، كانت الضربة الدعائية الرئيسية للاحتلال والتي تصور أنها ستستوعب وتبرر كل الممارسات الوحشية اللاحقة في غزة اعتماد سردية قطع المقاومة رؤوس الأطفال والاغتصاب، وتمرير مقولات "الوحشية" و"الإرهاب" والتشبيه بـ"داعش"، ثم تصديرها للداخل الإسرائيلي وللغرب المتعاطف أو المؤيد.
ولم تصمد هذه السردية طويلا رغم تبنيها من الغرب الرسمي وقياداته ومؤسساته الإعلامية في البداية، وتم تفنيدها من الإعلام الإسرائيلي نفسه، وهكذا بقيت وحشية جيش الاحتلال عارية وعرضة للسقوط الأخلاقي الذي كان صارخا ومستفزا بقوة الصورة ومقاطع الفيديو وممارسات جنود الاحتلال وضباطه المنحرفة وغير المنضبطة وفق مقتضيات السلوك العسكري.
وفي المحصلة كانت إسرائيل قد خسرت حرب الصورة في الساعات الأولى لطوفان الأقصى، وكل ما جرى بعد ذلك محاولة لاستدراك الهزيمة وإعادة بناء ما تهشم في النفسية والمخيلة الجمعية للمجتمع الإسرائيلي ومحاولة استحضار الصورة النمطية القديمة للجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات المتفوقة على الجميع.
في حرب يوليو/تموز 2006 كان مشهد دبابات "الميركافا 4" (فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية) وهي تقع في كمين محكم للمقاومة وشراك الكورنيت غير مسبوق وباهرا عسكريا، لكن صورة هذه الدبابات بعد اقتحام المقاومة غلاف غزة ومستوطناتها وثكناتهتا وقد اعتلاها حشد من الغزيين يلوحون بالأعلام الفلسطينية مثّلت ضربة نفسية قاسية أكبر من أن يتم تلافيها.
لسنوات طويلة ظلت الترسانة العسكرية -ومنها الميركافا- في صلب الدعاية الإسرائيلية للترويج لصورة "الجيش الذي لا يقهر"، وبالتالي تحقيق الردع النفسي وترسيخ الهزيمة المعنوية المسبقة، ولذلك كانت صور وفيديوهات الميركافا المدمرة (رمز التفوق) والتي يلهو فوقها الغزيون ومشهد الجنود الذين يسحبون منها الأكبر تأثيرا والأكثر دلالة على الهزيمة، وإحراجا للجيش الإسرائيلي والتي لن تمحى مفاعيلها النفسية والعسكرية.
وساعدت الصور ومقاطع الفيديو هذه، وتلك التي تعرض الكمائن والمواجهات المباشرة مع الجيش الإسرائيلي في تدمير الصورة الذهنية النمطية لذلك الجيش "الذي لا يقهر"، خاصة لدى الجمهور الإسرائيلي الذي كان يعتبر المؤسسة العسكرية والأمنية صمام الأمان وضمانة الاستقرار والبقاء.
وبمفاعيل الحرج والرغبة في الانتقام ارتكن الجيش الإسرائيلي إلى رد الفعل الانفعالي الذي لا يحتكم إلى أعراف وقوانين الحرب والضوابط العسكرية، وكانت شدة الهجمات الوحشية على المدنيين والمستشفيات والمدارس ومصادر الحياة الرئيسية في غزة محاولة يائسة لإعادة بناء تلك الصورة الذهنية القديمة للرأي العام المحلي والعالمي لذلك الجيش غير القابل للكسر والسلاح الذي لا يهزم، لكن النتائج كانت عكسية.
وأثبتت صور المعارك على الأرض التي بثتها كتائب القسام وفصائل المقاومة أن الجيش الإسرائيلي غير قادر فعليا على المنازلات الميدانية المباشرة، وهو يحترف القصف والتدمير المنهجي للمرافق المدنية مستثمرا القوة النارية العمياء الهائلة، وقد عملت المقاومة على ترسيخ ذلك من خلال مقاطع الفيديو الكثيرة لتدمير المركبات والدبابات والمدرعات الإسرائيلية من المسافة صفر.
كان تدفق الصور عن تدمير المستشفيات والمدارس والمنازل بذريعة وجود أسلحة وأنفاق ومقاتلين من المقاومة -والتي ثبت زيفها بقوة الصورة أيضا- يتم على مرأى الرأي العام العالمي الذي كان يراقب السقوط الأخلاقي للجيش الإسرائيلي بقيادته وجنوده، فيغير مواقفه وقناعاته من الصراع.
وفي هذا السياق، تقول درور سادوت المتحدثة باسم منظمة بتسيلم الإسرائيلية التي ترصد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين "إن التجرد من الإنسانية في رأس السلطة يمتد ليصل إلى الجنود".
وقعت إسرائيل مرة أخرى في فخ عقدة المتفوق و"جنون العظمة"، حيث فاتها أنها لم تعد -مثل كل القوى الكبرى- تحتكر إنتاج الصورة أو تزييفها وتسويقها والتلاعب بالحقائق واحتكار إستراتيجيات الردع النفسي، فقد أصبحت أدوات السيطرة على الصورة وسرعة إنتاجها وبثها وحتى تدقيقها سهلة ومتاحة للجميع.
كان من اليسير بالنسبة للرأي العام معرفة الزيف والدعاية الإسرائيلية الفاضحة في الفيديو الذي نشرته إسرائيل عمن وصفتهم بالمقاتلين وهم يستسلمون شبه عراة ومع ذلك يرفعون رشاشاتهم عاليا، وأصبحت هذه المقاطع مثار سخرية.
ووسط التعتيم الإسرائيلي كان من اليسير للمتابعين أيضا معرفة الأعداد الحقيقية لقتلى وجرحى جنود الاحتلال من خلال رصد لوائح المستشفيات الإسرائيلية وأعداد الجنازات التي تنشرها الصحافة الإسرائيلية ووسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها تلك التابعة للأذرع الإعلامية للمقاومة.
وهكذا بدت المعلومات ومقاطع الفيديو والصور التي بثتها حركة حماس والمقاومة للمعارك الميدانية أكثر مصداقية وموثوقية من الجانب الإسرائيلي الذي حاول بشكل ارتجالي بائس وفاضح مثلا الإيحاء بأن مستشفى الشفاء في غزة كان مركز عمليات لكتائب القسام، وذلك بتصوير أسلحة رشاشة ونفق تحت المستشفى يمكن الاستدلال بوضوح على أن إسرائيل هي التي شيدته، وهو ما كان مثار سخرية واسعة حتى من الإسرائيليين أنفسهم.
ويلحظ أيضا أن الجيش الإسرائيلي نشر ثم حذف كثيرا من الصور ومقاطع الفيديو لأنها كانت مزيفة بشكل فاضح، كما كان بعضها يكشف بوضوح عن أن الجيش الإسرائيلي هو الذي قتل الكثير من المستوطنين والجنود خلال محاولته التصدي لعملية "طوفان الأقصى".
كان من اليسير للرأي العام العالمي المقارنة واستخلاص العبر من صورتين: صورة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين الذين أطلقتهم حركة حماس في كامل عافيتهم ولباس لائق ونظيف، وصورة الجيش الإسرائيلي وهو يسوق مختطفين فلسطينيين عراة في شاحنة.
وقد وظفت حماس مسألة الأسرى والمحتجزين بشكل لافت، وهي تعرف أهمية هذا الملف بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي والرأي العام العالمي ومدى الإحراج الذي يسببه لبنيامين نتنياهو.
وكان إطلاق الأسرى على مراحل (حلقات تابعها ملايين الإسرائيليين) مع التغطية الواسعة والصور ومقاطع الفيديو وردود أفعال الأسرى وتصريحاتهم ضربة اتصالية شديدة الأهمية في سياق الحرب النفسية.
ويشير الباحث الإسرائيلي يانيف ليفيتان إلى أن الورقة الأقوى في يد حركة حماس هي الأسرى، لذلك استخدمت الحركة مقاطع الفيديو التي يظهر فيها الأسرى على 3 مراحل، أولاها عملية الأسر نفسها، و"التي نقلت تلك المقاطع إلى المشاهد الإسرائيلي رسالة مفادها أنه لا مكان آمن حتى لو كان داخل منزله".
أما المرحلة الثانية -بحسب ليفيتان- فتتمثل في شهادات الأسرى التي كسرت السردية الإسرائيلية عن "الوحشية" المفترضة للمقاومة، وجاءت مقاطع إطلاق سراحهم في المرحلة الثالثة، ويؤكد ليفيتان أن مقاطع هذه المرحلة الثالثة والأخيرة لإطلاق الأسرى سمحت لحماس بالسيطرة على الأجندة الإسرائيلية بالكامل.
كانت "الصورة الأخلاقية" غير المفتعلة للمقاومة التي عبر عنها من أطلق سراحهم وامتنانهم للمعاملة الجيدة التي تلقوها ومقابلة بعضهم رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار بشكل مباشر وما وجدوه من تطمينات منه بمثابة تغير مفصلي في الرأي العالمي تجاه الحملة الإسرائيلية على غزة وما رافقتها من سرديات إسرائيلية مشوهة عن المقاومة.
تعد الحرب النفسية من الأسلحة الرئيسية في ترسانة حماس، لأنها تسمح للحركة بتحقيق إنجازات كبيرة بتكلفة منخفضة للغاية
وقد حققت هذه الصور والشهادات ومقاطع الفيديو أهدافا رئيسية للمقاومة تمثلت في كسر الدعاية الإسرائيلية ضدها وتغيير اتجاهات الرأي العام العالمي وتأكيد زيف السرديات الإسرائيلية وإظهار كتائب القسام كجيش منظم ومنضبط يلتزم بالهدنة ويعمل وفق مبادئ وأعراف الحرب ويلتزم بالقوانين الدولية الإنسانية.
ويشير الباحث يانيف ليفيتان إلى أن مقاطع الفيديو عن إطلاق الأسرى التي بثت بشكل واسع في إسرائيل وتابعها الملايين مثلت استعراضا دعائيا يمجد حماس التي خلقت ظروفا جعلت فيها منتجاتها الدعائية تعرض عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية"، مضيفا "يمكن القول إن حماس حولت قنوات اتصالنا إلى أسلحة مصوبة نحو رأس إسرائيل".
وشكّل تعميق الأزمة السياسية داخل إسرائيل وإدانة نتنياهو وحكومته المتطرفة هدفا رئيسيا لحماس وفقا للباحث الإسرائيلي إيلان مانور الذي يقول إن "المختطفين (الأسرى) يوجهون حديثهم إلى نتنياهو ويلومونه بشكل مباشر (الأسيرة دانييل ألوني)، وحماس مطلعة جيدا على الساحة الإسرائيلية ويعلم قادتها بالنقاشات الساخنة حول مسؤولية نتنياهو، ويحاولون من خلال تلك المقاطع أن يصموا القيادة الإسرائيلية بالعار حتى لا تتمكن من مواصلة الحرب".
يمكن القول إن حماس حوّلت قنوات اتصالنا إلى أسلحة مصوبة نحو رأس إسرائيل.
بواسطة يانيف ليفيتان
كرجع صدى لمعارك الصورة -خصوصا خلال حيثيات ومفاعيل إطلاق الأسرى والمحتجزين- باتت إسرائيل تفقد بسرعة الكثير من مؤيديها في الساحة الدولية، خاصة في الدول الغربية التي تدعمها تقليديا، كما أصبح الرأي العام الإسرائيلي أكثر احتقانا ورفضا لحكومة نتنياهو ولمجريات الحرب برمتها.
تبقى الاستدارة التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن وانتقاده الصريح والواضح لممارسات نتنياهو وحكومته في غزة أبلغ دليل على ترنح السرديات الإسرائيلية برمتها وتعثر معارك الصورة التي مارستها رغم الإسناد الذي وجدته من الغرب في مرحلة ما.
وكان الموقف المستجد لبايدن -الذي أيد إسرائيل سابقا في كل خطواتها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وصرح بكونه "صهيونيا"- نابعا من ضغوط الوحشية الإسرائيلية وبشاعة ما تقترفه في غزة وتخوفه من تأثير ذلك على حظوظه في الانتخابات المقبلة مع تراجع شعبيته بشكل مطرد، وهو نابع أيضا من ضغوط الرأي العام الأميركي والعالمي والتبدلات في المواقف الدولية التي توصلت إلى أن ما تقوم به إسرائيل في غزة يعد سلسلة جرائم حرب متعددة الأوجه والأركان.
ويبرز انقلاب الصورة أيضا في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 ديسمبر/كانون الأول بالأغلبية على قرار يطالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة بأغلبية 153 دولة، من بينها فرنسا واليابان وكندا وأستراليا وامتناع ألمانيا وبريطانيا -وكلها حليفة تقليدية لإسرائيل- من بين 21 دولة أخرى امتنعت عن التصويت.
ويشي ذلك بالتراجع الكبير الذي يشهده الدعم الدولي لإسرائيل في حربها على غزة، إذ زاد عدد الدول المؤيدة لقرار وقف النار من 120 إلى 153، وانخفضت الأصوات المعارضة من 14 إلى 10 مقارنة بقرار مشابه جرى اعتماده في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد فعل تحت وقع المجازر الإسرائيلية المادة 99 من الميثاق الأممي، مشيرا إلى أن الحرب في غزة أصبحت تهدد السلم والاستقرار العالميين، في إشارة أيضا إلى الصبر الدولي قد بلغ مداه على إسرائيل.
وتبعا لمفاعيل الصورة والخطاب الإعلامي والحرب النفسية تشير استطلاعات للرأي نشرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى تراجع حاد في شعبية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حيث اعتبر أن 26% فقط من الإسرائيليين أنه جدير بالمنصب.
في المقابل، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نتائج استطلاع للرأي بين الفلسطينيين أجراه المركز الفلسطيني للدراسات البحثية والمسحية من 22 نوفمبر/تشرين الثاني إلى الثاني من ديسمبر/كانون الأول، وأظهر أن 44% من المستطلعين في الضفة الغربية يؤيدون حركة حماس، ارتفاعا من 12%، فيما أيد 42% الحركة في غزة، ارتفاعا من 38% في استطلاع مماثل أجري في سبتمبر/أيلول 2023.
وتشير الاستطلاعات على المستوى العالمي أيضا إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة تلقى رفضا دوليا شعبيا متناميا، إذ يرفض 67% من الشباب الأميركيين ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما و52% من النساء الهجمات الإسرائيلية على القطاع وفق استطلاع لمعهد غالوب، في إشارة إلى أن الصورة التي تروجها إسرائيل لم تعد هي الغالبة.
ولا تبدو إسرائيل مهتمة كثيرا بانقلاب الصورة وسقوط سردياتها دوليا وظهورها بصورة "المجرم" الذي يقابل بنفور متزايد في كل مكان، وهي تمضي في حربها الوحشية على غزة، لكن الصورة التي طالما روجت لها تهشمت، والهزيمة السياسية على المدى الطويل قد حصلت.
وفي هذا السياق، يقول مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز السياسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن جون ألترمان إن حماس "تسعى إلى استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمة إسرائيل نفسها، إن قوة إسرائيل تسمح لها بقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس، وكل هذه الأمور تعزز أهداف حماس على المدى الطويل".
وبينما تكبدت إسرائيل خسائر فادحة عسكريا ولم تحقق أهدافها المعلنة من الحرب تشير مجلة "ذا نيشن" في تحليل لها إلى أنه "على الرغم من العنف الذي أطلقته إسرائيل على الفلسطينيين في غزة فإنها فشلت في تحقيق أهدافها السياسية".
وتشير المجلة إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر عام 1969 عطفا على حرب فيتنام 1969عندما قال "لقد خضنا حربا عسكرية وخاض خصومنا معركة سياسية، سعينا للاستنزاف الجسدي، وكان خصومنا يهدفون إلى إنهاكنا النفسي، وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: إن حرب العصابات تفوز إذا لم تخسر، والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حرکة حماس والمقاومة الرأی العام العالمی المجتمع الإسرائیلی الأسرى والمحتجزین الجیش الإسرائیلی نتنیاهو وحکومته الإسرائیلیة فی ومقاطع الفیدیو الجمعیة العامة الحرب النفسیة مقاطع الفیدیو کتائب القسام إطلاق الأسرى غلاف غزة الذی کان من خلال الذی لا على غزة فی غزة فی حرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
عاجل. حصري: تفاصيل الخطة الإسرائيلية المحتملة لحكم قطاع غزة بعد حماس
وتكشف وثيقة اطلعت عليها يورونيوز عن أحد السبل الممكنة التي يمكن لإسرائيل استكشافها لإنشاء كيان جديد في غزة بعد حماس، مع التركيز على إعادة الإعمار ونزع سلاح القطاع. اعلان
كشفت وثيقة اطلعت عليها "يورونيوز" مؤرخة في ديسمبر/كانون الأول 2023، أن الحكومة الإسرائيلية وضعت على الطاولة مقترحًا بشأن إنشاء كيان جديد في غزة بعد هزيمة حماس.
الاقتراح، الذي جاء في شكل ورقة أكاديمية من 32 صفحة بعنوان "برنامج الأمن والتعافي في غزة، كيف ينبغي أن يبدو في اليوم التالي"، أعده منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي - وهو مجموعة تضم أكثر من 35,000 جندي احتياط في قوات الأمن الإسرائيلية - ومؤسسة بحثية تدعى "مركز القدس للشؤون العامة".
وقد تم إطلاع الحكومة الإسرائيلية على هذه الدراسة في وقت ما بين تاريخ إعداد الوثيقة والوقت الحالي، وهي تمثل أحد الخيارات المستقبلية التي تدرسها الدولة العبرية حاليًا بالنسبة لقطاع غزة، وفقًا لمسؤولين تحدثوا إلى يورونيوز.
يصور المقترح ما يجب أن يبدو عليه "اليوم التالي" في حال تحقق سيناريو سقوط حماس. وينص على إعادة الإعمار الاقتصادي، وبناء البنية التحتية، وكما يقول معدو الدراسة، "اقتلاع الأيديولوجية القاتلة"، والتي توصف أيضاً بعملية "اجتثاث النازية".
وجاء في الوثيقة: "من أجل الاستعداد للواقع الجديد، رغم أن نتائج العملية العسكرية لم تُحسم بعد، من الضروري وضع خطة منظمة للسيطرة على قطاع غزة بعد سقوط حركة حماس".
Relatedترامب: سأكون فخورًا بتدخل أمريكي في غزة يُحوّلها إلى "منطقة حرية"خطة المساعدات الأمريكية لغزة: ماذا نعرف عنها؟ ومن يتولى تنفيذها؟تصاعد الجدل داخل إسرائيل حول غزة: بين إعادة الاحتلال وإنهاء العمليات العسكريةتستبعد الخطة بشكل صريح أي دور للسيادة الفلسطينية، أي للسلطة الفلسطينية تحديدًا، كما تستثني وجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كمصدر للمساعدات الإنسانية.
وجاء في الوثيقة: "لا تقلّ خطورة الفكرة المتهورة المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية في غزة".
ومع ذلك، لم تُشر الوثيقة إلى ما إذا كانت إسرائيل تعتزم ضم قطاع غزة، رغم تأكيدها بشكل واضح رغبة قوات الأمن الإسرائيلية في لعب دور أكبر في الإدارة العامة لشؤون القطاع.
وقد أكد أحد كبار المسؤولين الحكوميين، في تصريح لـ"يورونيوز" طالب فيه بعدم الكشف عن هويته تفاديًا للتأثير على عمل الحكومة، صحة الوثيقة. كما أكّد صحتها أيضًا أوهاد تال وسيمخا روثمان، وهما عضوان في الكنيست عن الحزب الديني القومي اليميني المتطرف، المشارك في الائتلاف الحاكم.
وأكد المسؤول الحكومي الرفيع لـ"يورونيوز" أن "المضامين الواردة في هذه الوثيقة تُشكّل جزءًا من الخطط التي تناقشها الحكومة، وهي مطروحة حاليًا على الطاولة".
وأشار المسؤول إلى أن الوثيقة ليست "خطة نهائية"، لكنها "بالتأكيد تُعدّ جزءًا من السيناريوهات المطروحة على الطاولة".
ومن جانبه، أكد تال أيضًا أن "هذه الخطة مطروحة على الطاولة وتنسجم مع التوجّه الذي تسلكه الحكومة حاليًا".
وقال روثمان لـ"يورونيوز" إن الخطة، رغم كونها لا تزال "هدفًا متحركًا"، فإن المعايير الواردة في الإطار، مثل "القضاء على حماس، وعدم وجود السلطة الفلسطينية في غزة، ورفض إقامة دولة فلسطينية، واستبعاد وكالة الأونروا"، تتماشى مع نهجه الشخصي، و"بحسب معرفتي، مع نهج الحكومة أيضًا".
وقد تواصلت "يورونيوز" مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحصول على تعليق بشأن هذه الوثيقة، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر التقرير.
تقول الوثيقة إن الكيان الجديد، الذي سيديره الجيش الإسرائيلي في البداية، يجب أن ينشئ آلية جديدة لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية وإدارة المساعدات و"إعادة تثقيف" المجتمع في غزة.
قد تسير بعض أجزاء الاقتراح الذي حصلت عليه يورونيوز وإجراءات الحكومة الإسرائيلية التي أعلنت عنها في بداية شهر مايو في نفس الاتجاه.
في 5 أيار/مايو، أعطت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي لبدء عملية واسعة النطاق للسيطرة على غزة بأكملها. وجاء هذا القرار بعد وقت قصير من إعلان الجيش عن تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط.
وفي اليوم نفسه، أعلن نتنياهو في اليوم نفسه أنه من المتوقع نزوح المزيد من سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة نتيجة للعمليات البرية الضخمة التي بدأت.
وتعود الدراسة التفصيلية إلى ما يقرب من شهرين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما هاجم مقاتلو حماس التجمعات الإسرائيلية على الحدود مع غزة، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل نحو 20,000 مقاتل من حماس، في حين يقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل نحو 3,000 شخص من مقاتلي حماس، بينما يبلغ أيضًا عن سقوط نحو 3,000 قتيل وجريح في صفوف جنوده.
ولا يوجد في الاقتراح أي إشارة إلى الرهائن الإسرائيليين.
وتسبب هجوم حماس الإرهابي في اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في القطاع، والتي راح ضحيتها 52,000 فلسطيني، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة، والتي لا تفرق بين القتلى المدنيين والمقاتلين.
ومع ذلك, أكد مصدران مطلعان على الوثيقة، تحدثا إلى يورونيوز شريطة عدم الكشف عن هويتهما، أن تصور الدراسة سبق هجوم حماس في 7 أكتوبر، لكن تم تصورها للضفة الغربية أكثر من غزة.
وينقسم الاقتراح إلى ثلاث مراحل مختلفة، حيث تعتبر المرحلتان الأوليان الأكثر أهمية، حيث من المتوقع أن يستولي الإسرائيليون على القطاع ويديرونه بشكل واسع، ويخلقون كيانًا جديدًا من الصفر.
على الرغم من أن الوثيقة تتوخى مرحلة ثالثة طويلة الأمد، حيث يتم فيها ترك مساحة لتقرير مصير سكان القطاع، إلا أن ذلك لن يحدث إلا بعد الانتهاء من محو كامل لشبكة غزة الحالية التي تديرها حماس.
تقول الوثيقة: "سيكون من الخطأ وضع العربة قبل الحصان، وسيكون من الخطأ بالمثل أن نحدد مسبقًا لسكان غزة وقيادتها مستقبلها السياسي"، لأن التركيز بالنسبة لإسرائيل ليس تقرير مصير الفلسطينيين بل "إنهاء حكم حماس".
في سيناريو سقوط حكم حماس، ، يخطط الجيش الإسرائيلي لفرض سيطرة مؤقتة على كامل قطاع غزة، بما يشمل حرية التحرك البرّي والسيطرة الكاملة على الحدود الجنوبية مع مصر، التي تمتد لمسافة 12 كيلومترًا، بما فيها معبر رفح.
وقد شرع الجيش الإسرائيلي بالفعل في تنفيذ أجزاء من هذا المقترح، إذ أنشأ منطقة عازلة على امتداد بعض المناطق الحدودية. ومنذ مطلع نيسان/أبريل، بات يسيطر فعليًا على نحو نصف مساحة قطاع غزة.
ولتمكين توسيع المنطقة العازلة، عمد الجيش الإسرائيلي إلى تدمير البنى التحتية بشكل منهجي، ما أدى إلى تحويل هذا الجزء من قطاع غزة إلى منطقة غير صالحة للسكن.
وجاء في الوثيقة ضرورة إنشاء "منطقة عازلة على طول الحدود مع إسرائيل"، على أن تكون منطقة يُمنع فيها "أي تحرك للفلسطينيين".
في هذه المرحلة الأولى، تنص الوثيقة على أنه "قد يكون من الضروري فرض الأحكام العرفية"، حيث يتولى الجيش الإسرائيلي إدارة جميع الشؤون المدنية في القطاع، إلى حين إنشاء "آلية" جديدة للإدارة. وتشير الدراسة إلى أن هذه الفترة قد تمتد من عدة أشهر إلى عام كامل.
في المرحلة الثانية، تقترح الخطة أن تُنشئ الحكومة الإسرائيلية خمسة مجالس إدارية للحكم الذاتي، تحمل تسميات جغرافية وفقًا لتوزيع المناطق: "شمال قطاع غزة، مدينة غزة، وسط قطاع غزة، خان يونس، ورفح".
وستتولى هذه المجالس مسؤولية إدارة الشؤون المدنية في غزة، وذلك بعد استيفائها جملة من الشروط المسبقة، من بينها عدم وجود أي ارتباط لها بـ"الفصائل الفلسطينية الإرهابية"، والاعتراف بدولة إسرائيل، والمشاركة في خطة لإعادة التثقيف تُعرف أيضًا باسم عملية "اجتثاث النازية".
وتشكل الرقابة على قطاع التعليم محورًا أساسيًا في الخطة، إذ يُفترض أن تمارس المجالس الإدارية "رقابة فعلية" على ما يجري داخل الصفوف الدراسية، إلى جانب الأنشطة اللامنهجية، التي سيكون لإسرائيل دور أكبر في الإشراف عليها وتوجيهها.
كما تعتزم إسرائيل إنشاء مديرية إدارية دولية (IMD) تتولى مهام المساعدة في إعادة الإعمار، والإشراف على عمل المجالس الإدارية.
ولن يقتصر تشكيل هذه المديرية على الحكومة الإسرائيلية، التي ينبغي أن تكون "اللاعب الرئيسي" فيها، وفقًا لما ورد في الوثيقة.
وجود دولي مُعقدضمن أحد أبرز الأجزاء وأكثرها تعقيدًا في المقترح، من المقرر أن يضم المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) الولايات المتحدة وعددًا من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا، إلى جانب "دول سنية براغماتية" تشمل مصر، الإمارات، البحرين، وربما السعودية، وذلك في إطار خطوة أوسع نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة.
واقترحت الوثيقة أن تتولى وزارة الخارجية الإسرائيلية حصريًا مهمة تقديم المساعدات للمجالس الإدارية المحلية، بحيث تكون الجهة الوحيدة المخولة بذلك. وستشمل هذه المساعدات، مثل "التمويل المباشر للنمو الاقتصادي وإعادة إعمار البنى التحتية"، على أن تكون مشروطة بتنفيذ معايير محددة، من بينها الالتزام بخطط إعادة التأهيل.
وجاء في الوثيقة: "في جميع الأحوال، ستُقدَّم المساعدات وتُنفّذ عمليات إعادة الإعمار بما يتماشى مع المبادئ الأساسية للخطة، ولا سيما عملية نزع التطرف ونزع السلاح من النظام التعليمي والإعلامي والمجتمعي".
وكانت إسرائيل قد اقترحت سابقًا، بشكل علني، تولي إدارة تدفّق المساعدات إلى غزة، وهو ما تؤكده بالتفصيل الوثيقة التي اطّلعت عليها "يورونيوز".
ومنذ 2 آذار/مارس، توقّف تدفّق المساعدات إلى سكّان غزة، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه، ووصفت الأمم المتحدة هذا الوضع بـ"الكارثي".
وفي مطلع نيسان/أبريل، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الوضع في القطاع بالقول: "غزة أصبحت ساحة قتل، والمدنيون عالقون في حلقة موت لا نهاية لها".
وانتقدت الأمم المتحدة المقترح الإسرائيلي بشأن السيطرة على المساعدات الإنسانية في غزة من خلال توجيهها عبر مراكز يشرف عليها الجيش، محذّرة من أن هذا النهج سيعرّض المدنيين وعمال الإغاثة للخطر، ويؤدي إلى عزل الفئات الضعيفة عن المساعدات، ويزيد من معدلات النزوح القسري.
واتّهمت إسرائيل مرارًا مقاتلي حركة حماس بإساءة استخدام تدفّق المساعدات الإنسانية، لتحقيق مصالح شخصية وتعزيز القدرات العسكرية للحركة.
وتضمّن الاقتراح الإسرائيلي دعوة إلى إعداد قائمة سوداء بالمنظمات التي "يجب ألا تتلقى مساعدات" أو يُمنع عليها ممارسة أي نشاط داخل قطاع غزة.
وتُعدّ الأمم المتحدة من بين المنظمات الحكومية الدولية التي لا ترغب إسرائيل بتواجدها داخل قطاع غزة. ومع ذلك، تترك الوثيقة الباب مفتوحًا لاحتمال السماح بوجود مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كبديل محتمل عن وكالة الأونروا.
وتشير الوثيقة إلى أن إسرائيل تفضّل نشر فريق على غرار قوة "حفظ السلام متعددة الجنسيات" في سيناء، وهي بعثة أُنشئت عام 1982 بدعم من الولايات المتحدة، بهدف مراقبة تنفيذ عملية نزع السلاح في شبه جزيرة سيناء، بموجب معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.
وبعد الانتهاء من تنفيذ المراحل السابقة، يُطرح في المقترح ما يُعرف بالمرحلة الثالثة، التي يُفترض أن يُمنح فيها الفلسطينيون حق تقرير مصيرهم، إلا أن الوثيقة لا تتضمن أي تفاصيل محددة حول طبيعة هذه المرحلة أو آليات تنفيذها.
وتنص الوثيقة على أن "الخطة المقترحة لا تشكّل أي عائق فعلي أمام قدرة الفلسطينيين على تحقيق تقرير المصير، شريطة أن يعترفوا بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، ويتخلّوا عن نهج الإرهاب".
وتُشير إلى إنه سيكون من السابق لأوانه تحديد المستقبل السياسي لغزة، حيث أن أولوية إسرائيل هي إنهاء حكم حماس وليس تقرير مصير الفلسطينيين.
يُعدّ الاتحاد الأوروبي "المانح" الرئيسي للفلسطينيين، وهو يدعم رؤية لمستقبل غزة تكون فيها تحت إدارة السلطة الفلسطينية بعد إجراء إصلاحات داخلها، وبوجود مستمر لوكالة الأونروا.
يُوجّه المقترح انتقادات حادّة للاتحاد الأوروبي بسبب مواقفه، ويؤكد أنه لا ينبغي أن يكون طرفًا في جهود إعادة إعمار قطاع غزة.
وجاء في الوثيقة: "لا توجد نية لإشراك الاتحاد الأوروبي، بل فقط عدد محدود من الدول الأوروبية. ونوصي بإشراك الدول الأوروبية الأكثر نفوذًا والتي تُبدي دعمًا لإسرائيل في حربها ضد حماس، مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا".
وتذهب الوثيقة إلى أبعد من ذلك، إذ تؤكد أن تنفيذ الخطة لا يتطلب تعاونًا دوليًا، وإن كانت الإشارة واردة إلى أن مثل هذا التعاون قد يُسهّل عملية التنفيذ.
وجاء في الوثيقة: "هذه الخطة لا تستند إلى الاعتراف أو التعاون الدولي. بإمكان إسرائيل تنفيذها في غزة بشكل منفرد، أو بالتعاون مع عدد محدود من الشركاء و/أو الداعمين. ومع ذلك، فإن الاعتراف والتعاون الدولي الواسع من شأنهما أن يُسهما دون شك في تسريع تنفيذ الخطة وجعلها أكثر فعالية".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة