الإمارات وقطر.. محطات جديدة في التضامن الخليجي
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
أحمد مراد (القاهرة)
تشهد العلاقات بين الإمارات وقطر محطات جديدة في التعاون المثمر والتضامن الخليجي، في ظل الزيارات المتبادلة على أرفع المستويات والتي توجت في أكتوبر الماضي بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لدولة قطر، حيث شهد سموه افتتاح المعرض الدولي للبستنة «إكسبو ـ الدوحة 2023 للبستنة»، الذي دشنه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة تحت شعار «صحراء خضراء.
كما قام الشيخ تميم ين حمد آل ثاني أمير دولة قطر بزيارة أخوية إلى الدولة في نوفمبر الماضي، وكان في مقدمة مستقبليه، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حيث بحث الطرفان العلاقات الأخوية ومختلف مسارات التعاون والعمل المشترك في جميع المجالات بما يحقق المصالح المتبادلة للبلدين الشقيقين ويعود بالخير والازدهار على شعبيهما.
وتعزز اللقاءات والمشاورات رفيعة المستوى بين البلدين العمل على تنسيق التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك خليجياً وإقليمياً ودولياً.
وقبل نحو عام من الآن، وتحديداً في 5 ديسمبر 2022، أجرى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أول زيارة رسمية إلى قطر بعد توليه رئاسة الدولة في منتصف العام الماضي.
وشكلت هذه الزيارة خطوة مهمة نحو تعزيز التضامن الخليجي، وترسيخ مسار التعاون والتكامل والتنسيق.
وبعدها بأيام قليلة، وتحديداً في 18 يناير 2023، استضافت أبوظبي قمة سداسية جمعت قادة قطر وسلطنة عُمان والبحرين ومصر والأردن تحت عنوان «الازدهار والاستقرار في المنطقة»، وجاءت بهدف ترسيخ التعاون بين الدول الست في جميع المجالات بما يخدم التنمية والازدهار والاستقرار في المنطقة ككل، عبر مزيد من العمل المشترك والتعاون والتكافل الإقليمي.
وبحث القادة مختلف مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات التي تخدم تطلعات شعوبهم إلى مستقبل تنعم فيه بمزيد من التنمية والتقدم والرخاء، مشددين على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك في التعامل مع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها المنطقة، بما يكفل بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً لشعوب المنطقة كافة.
وفي 9 نوفمبر الماضي، وصل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى الإمارات في زيارة أخوية، بحث خلالها مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مختلف مسارات التعاون والعمل المشترك في جميع المجالات، وسبل تعزيز العمل الخليجي المشترك بما يحقق مصلحة شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتطلعاتها نحو التنمية ومواصلة التقدم.
ولم تقتصر قائمة اللقاءات الإماراتية القطرية التي جرت خلال العامين الماضيين على مستوى القادة، حيث جمعت العديد من اللقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، ففي يونيو من العام الجاري 2023 اجتمع معالي صقر غباش، رئيس المجلس الوطني الاتحادي، مع معالي حسن بن عبد الله الغانم، رئيس مجلس الشورى القطري، وبحث المسؤولان سبل تفعيل العمل المشترك عبر الدبلوماسية البرلمانية، وأكدا على أهمية تعزيز منظومة العمل البرلماني الخليجي المشترك والارتقاء بها لآفاق أرحب على الأصعدة كافة.
وشدد الجانبان على أهمية تبادل الزيارات الثنائية بما يخدم المصالح المشتركة، وتعزيز التعاون البرلماني، ودعم الدور البارز لدولة الإمارات ودولة قطر في ضمان الأمن والاستقرار، وتحقيق التقدم والازدهار ونشر السلام وخدمة الإنسانية في دول المنطقة والعالم.
وترتبط الإمارات وقطر بروابط أخوية قوية حرص الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» منذ الإعلان عن قيام دولة الإمارات في 2 ديسمبر 1971 على تقويتها.
وتعززت العلاقات الثنائية بين الإمارات وقطر من خلال تأسيس عدة لجان مشتركة، أبرزها اللجنة العليا الإماراتية القطرية التي تأسست خلال عام 1998 من منطلق حرص البلدين على تطوير وتعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات، وسعت هذه اللجنة على مدى ما يقارب 25 عاماً إلى تعميق التعاون المشترك بين البلدين في مجالات الطاقة، والصناعة، والمالية، والاقتصاد، والتجارة، والشباب والرياضة، والمواصلات والنقل، والطيران المدني، والأرصاد الجوية، والتعليم العالي والبحث العلمي، والبلدية والزراعة، والخدمة المدنية، والأشغال العامة، والإسكان.
خبراء: قوة العلاقات انعكست على القطاعات المختلفة
ذكر نائب رئيس المركز العربي للدراسات، الدكتور مختار الغباشي، أن الإمارات وقطر ترتبطان بعلاقات وثيقة وراسخة منذ عشرات السنين، وقد تعاظمت هذه العلاقات بشكل كبير مع وجود العديد من الروابط الاجتماعية والثقافية والدينية التي تجمع بين الشعبين الإماراتي والقطري، فضلاً عن العادات والتقاليد المشتركة التي تنشأ عليها الأسر والعائلات والقبائل في البلدين الشقيقين.
وقال الغباشي لـ«الاتحاد»: «إن الإمارات وقطر تربطهما علاقات راسخة تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهذه العلاقات مدعومة بالإرث الثقافي والاجتماعي والإنساني المشترك، وهو الأمر الذي أتاح ترسيخ علاقات قوية انعكست على العديد من القطاعات المختلفة، لا سيما المجالات الاقتصادية والثقافية والإبداعية».
وفي الرابع من ديسمبر عام 2007، صدر إعلان الدوحة بشأن قيام السوق الخليجية المشتركة، وسارعت الإمارات وقطر إلى توحيد وتكثيف تعاونهما المشترك من أجل إنجاح هذه التجربة الاقتصادية الخليجية التي تسهل حركة انتقال السلع بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية إلى مدى العمق والتقارب الذي تتسم به العلاقات التاريخية بين الإمارات وقطر، وهو الأمر الذي يجب البناء عليه من أجل العمل على تعظيم أوجه التعاون بين البلدين في مختلف القطاعات والمجالات، ومن أجل العمل على تحقيق الرخاء والازدهار للشعبين الشقيقين، ومن ثم الدفع بعجلة العمل الخليجي المشترك نحو الأمام.
ومع انطلاق معرض إكسبو 2020 دبي في أكتوبر 2021، جاءت المشاركة المتميزة لدولة قطر في فعاليات المعرض الدولي، وعكست المشاركة القطرية المتميزة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، ووقع جناح قطر داخل منطقة الاستدامة على مساحة 920 متراً مربعاً، وضم معرضين رئيسين، ومساحات عرض تسرد تاريخ قطر وثقافتها.
بناء اقتصاد معرفي
شدد الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، السفير جمال بيومي، على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الإمارات وقطر التي شهدت تطوراً ونمواً مستمراً على مدى العقود الماضية في ظل وجود العديد من القواسم الاقتصادية المشتركة التي تجمع بين البلدين، أبرزها الحرص على التوجه نحو بناء اقتصاد معرفي يقوم على تنوع مصادر الدخل، وخفض الاعتماد على صادرات النفط والغاز، وهو الأمر الذي أحدث تطوراً ملحوظاً في مختلف القطاعات الاقتصادية في البلدين.
وأشار الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب إلى أن الإمارات وقطر يمتلكان العديد من مقومات القوة الاقتصادية التي تجذب استثمارات خارجية بعشرات المليارات من الدولارات، ومن ثم يجب العمل على تعزيز التحالفات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، والاستفادة من جميع الفرص المتاحة، لا سيما في ظل قرب المسافة الجغرافية بينهما، حيث يفصلهما نصف ساعة جوية فقط، الأمر الذي يتيح فرصة متابعة المشاريع بسهولة، والارتقاء بحركة التبادل التجاري بينهما.
وبحسب التقديرات الرسمية، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وقطر خلال عام 2022 نقلة نوعية في مختلف القطاعات، مدعومة بزيادة حجم المبادلات التجارية بين البلدين، ونمو الاستثمارات المشتركة، خاصة في قطاعات السياحة والنفط والطاقة، وقد بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 نحو 22.6 مليار درهم، مقابل 9 مليارات درهم لنفس الفترة من عام 2021.
بيانات
أظهرت البيانات ارتفاع الواردات الإماراتية من قطر خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 إلى 6.2 مليار درهم، مقابل 4 مليارات درهم لنفس الفترة من عام 2021، كما ارتفع إجمالي الصادرات غير النفطية إلى 16.4 مليار درهم، مقابل 5.5 مليار درهم خلال فترة المقارنة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات قطر الخليج محمد بن زايد فی جمیع المجالات العمل المشترک بین البلدین رئیس الدولة ملیار درهم الأمر الذی المشترک فی حفظه الله العدید من على أهمیة العمل على فی مختلف دولة قطر من عام
إقرأ أيضاً:
أبرز محطات العلاقات التركية الباكستانية سياسيا وعسكريا واقتصاديا
ترتبط تركيا وباكستان بعلاقات تاريخية ممتدة، تطورت على مدى عقود لتشكل شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد، تستند إلى أسس ثقافية ودينية مشتركة، فضلا عن تقاطع في المصالح السياسية والاقتصادية.
وتقوم العلاقات الثنائية بين البلدين على 3 ركائز أساسية، تتمثل في التعاون العسكري والتنسيق السياسي والدبلوماسي والتكامل الاقتصادي، ويُعد التعاون الدفاعي، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية، من أبرز ملامح هذه الشراكة.
ويتبادل البلدان الدعم في قضايا إقليمية مثل كشمير وقبرص، وتجمعهما رؤى متقاربة إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما القضية الفلسطينية، ويسعيان إلى توسيع نطاق هذا التعاون داخل المحافل الإقليمية والدولية، بما يعزز مواقفهما ويخدم مصالحهما المشتركة.
وقد أثار هذا التحالف قلق دول عدة، في مقدمتها الهند وإسرائيل، إذ تخشى الأولى من أن يسهم التعاون الدفاعي والتنسيق السياسي بين أنقرة وإسلام آباد في ترجيح كفة الأخيرة في النزاع على كشمير، بينما تنظر إسرائيل بقلق إلى تنامي التنسيق بين باكستان وتركيا في دعم القضية الفلسطينية، وإمكان حصول الأخيرة على سلاح نووي بدعم من باكستان.
العلاقات التاريخيةتعود العلاقات الثنائية بين تركيا وباكستان إلى فترة الاستعمار البريطاني للهند، قبل نشأة الدولة الباكستانية، حين كانت الدولة العثمانية تمثل رمزا للوحدة الإسلامية العالمية بالنسبة لمسلمي الهند، وقد كان ارتباط مسلمي شبه القارة الهندية بدولة الخلافة وثيقا إلى حين إلغائها عام 1924.
إعلانوفي حروب القرم والبلقان أواخر القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، قدّم مسلمو الهند دعما سياسيا وماليا للدولة العثمانية، وأطلقوا "حركة الخلافة" في الفترة بين عامي 1919 و1924 للضغط على الحكومة البريطانية بهدف الحفاظ على السلطان العثماني واستمرار الخلافة الإسلامية.
وبعد استقلال باكستان عام 1947، سارعت تركيا إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها معترفة بها دولة مستقلة، وداعمة لاستقرارها السياسي، فقد ساندت انضمامها إلى الأمم المتحدة، وأسهمت في طباعة عملتها الوطنية.
وتعمقت العلاقات الثنائية بين البلدين منذ خمسينيات القرن الـ20، وتميزت هذه الحقبة بتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك، شملت المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب التعاون في القطاعين الأمني والعسكري.
وقد وقع البلدان أول اتفاقية صداقة وتعاون بينهما عام 1951، تبعتها اتفاقية تعاون أخرى عام 1954. وفي العام الذي تلاه، انضم الطرفان إلى حلف بغداد.
وتطورت العلاقات في ستينيات القرن الـ20، حين أسس البلدان -إلى جانب إيران– "منظمة التعاون الإقليمي من أجل التنمية" عام 1964، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي والتقني بين الدول الأعضاء.
العلاقات السياسيةحافظت تركيا وباكستان على علاقات سياسية متينة منذ استقلال الأخيرة عام 1947، وقد تميز هذا المسار بعقود من التعاون المستمر في المجالات السياسية والدبلوماسية، وقدّم كل طرف دعما للآخر في قضاياه الوطنية، مع تبني مواقف متقاربة في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، وقد ساعدت الروابط الثقافية والدينية، إلى جانب المصالح الجيوسياسية المشتركة، في تعزيز هذا التقارب الثنائي.
ومع ذلك، شهدت تسعينيات القرن الـ20 تباينا نسبيا في مواقف البلدين تجاه بعض الملفات، لا سيما ما يتعلق بالوضع في أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفياتية عام 1989، ففي حين أيّدت أنقرة "الجبهة المتحدة الإسلامية" أو ما يعرف بـ"التحالف الشمالي"، دعمت إسلام آباد لاحقا حركة طالبان انسجاما مع مصالحها الأمنية والإستراتيجية في المنطقة.
إعلانوقد قدمت كل دولة في هذه الفترة أولوياتها الإقليمية، إذ ركزت باكستان على الأوضاع في أفغانستان، بينما وجهت تركيا اهتمامها نحو الجمهوريات الناشئة التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي السابق، مما عكس اختلافا في أولويات السياسة الخارجية لدى كل منهما.
ومثّل العقد الأول من القرن الـ21 نقطة تحول في العلاقات الباكستانية التركية، على خلفية التغيرات التي طرأت على القيادات السياسية في كلا البلدين.
ففي عام 2001 تولى برويز مشرف رئاسة باكستان، وكان ينظر بإعجاب إلى النموذج التركي للدولة الحديثة، بينما صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002، وكان حريصا على تعزيز علاقات أنقرة مع دول العالم الإسلامي، بما في ذلك باكستان.
وانعكست هذه التحولات الداخلية في كلا البلدين إيجابيا على مسار العلاقات الثنائية، وكُثّفت الزيارات الرسمية وتبادل اللقاءات رفيعة المستوى، كان من أبرزها زيارة الرئيس التركي نجدت سيزر إلى باكستان عام 2001، وزيارة الرئيس مشرف إلى أنقرة عام 2004.
وقد شهد البلدان مزيدا من التعاون الدبلوماسي مع زيارة وزير الخارجية التركي آنذاك عبد الله غل في مايو/أيار 2003، ثم زيارة رئيس الوزراء (آنذاك) رجب طيب أردوغان في يونيو/حزيران من العام نفسه.
وتناولت المحادثات الثنائية بين الجانبين طيفا واسعا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، شملت ملفات الأمن والدفاع والاقتصاد، إلى جانب التطورات الإقليمية والدولية.
وفي عام 2004، وأثناء زيارته إلى أنقرة، ألقى الرئيس الباكستاني خطابا أمام البرلمان التركي أكد فيه التزام بلاده بتوسيع الشراكة في مختلف المجالات، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي والدفاعي، وتطوير قطاعات الصحة والمصارف.
وتواصلت اللقاءات الدبلوماسية على أعلى المستويات، حتى أصبحت زيارات أردوغان إلى باكستان متكررة ومنتظمة، وزارها أكثر من 10 مرات، وألقى خطابات رسمية أمام البرلمان الباكستاني في ما لا يقل عن 4 مناسبات.
إعلانوأسهم هذا النشاط الدبلوماسي في ترسيخ الثقة السياسية بين البلدين، وتُوّج بتأسيس "مجلس التعاون التركي الباكستاني رفيع المستوى" عام 2009، الذي أفضت دوراته الأربع الأولى لتوقيع أكثر من 50 وثيقة تفاهم، شملت مجالات متعددة.
وقد شكّلت هذه العلاقات السياسية ركيزة دعم دبلوماسي متبادل بين البلدين في عدد من القضايا الحساسة، فقد دعمت باكستان الموقف التركي في ملفات عدة، أبرزها قضية قبرص. كما أدانت سريعا المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرضت لها تركيا عام 2016، وأعلنت تضامنها الكامل مع الحكومة التركية.
وقد اتخذت إجراءات ملموسة ضد الكيانات المرتبطة بجماعة فتح الله غولن، ومنها رفض تجديد تأشيرات موظفي المدارس التابعة لها في باكستان، ثم تسليم إدارتها إلى "مؤسسة المعارف التركية" عقب إعلان المحكمة العليا الباكستانية جماعة غولن "تنظيما إرهابيا" عام 2019.
وأيدت باكستان التدخلات العسكرية التركية في منطقة شمال شرق سوريا، بما في ذلك "عملية نبع السلام" عام 2019 التي استهدفت وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وفي المقابل، وقفت تركيا إلى جانب باكستان في قضية كشمير، ودعمت موقفها في المحافل الدولية، وأيدتها في نزاعاتها مع الهند عام 1965، وانتقدت توسيع الأعمال العدائية الهندية خارج المناطق المتنازع عليها.
وساندت أنقرة إسلام آباد دبلوماسيا وعسكريا في أزمة انفصال بنغلاديش عام 1971، ولم تعترف تركيا بهذه الدولة الجديدة إلا بعد اعتراف باكستان بها.
وبعد إلغاء نيودلهي المادة 370 من الدستور عام 2019، التي كانت تعطي وضعا ذاتيا لمنطقتي جامو وكشمير المتنازع عليهما مع الهند، وهو ما أثار حفيظة الباكستانيين، كانت تركيا واحدة من الدول القليلة التي انتقدت هذه الخطوة.
وفي العام نفسه، أعرب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن استيائه من عدم إيلاء المجتمع الدولي اهتماما كافيا للصراع في كشمير.
إعلانوتضامنت تركيا مع باكستان في أعقاب عملية السندور العسكرية التي شنتها الهند ضد باكستان في مايو/أيار 2025 ردا على هجوم دام شنه مسلحون في الجزء الخاضع لسيطرة الهند في كشمير، وهو ما أدى إلى تراجع العلاقات الهندية التركية.
العلاقات الاقتصاديةبدأت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وباكستان بمستوى محدود من التبادل التجاري في خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الـ20، غير أن وتيرة هذا التعاون اتخذت منحى تصاعديا مع تأسيس "منظمة التعاون الإقليمي من أجل التنمية" عام 1964 التي ضمت كلّا من تركيا وباكستان وإيران، وأنشأت إطارا مؤسسيا لتطوير مشاريع اقتصادية مشتركة بين الدول الأعضاء.
وقد أسهمت المنظمة في إطلاق عدد من المبادرات الاقتصادية بين تركيا وباكستان، من أبرزها مشاريع للتنقيب عن النفط، ومشروع مشترك لطباعة الأوراق النقدية، إضافة إلى توسيع نطاق التعاون ليشمل قطاعات الزراعة والصناعة والعلوم والتكنولوجيا والطيران.
وفي عام 1985، أُعيدت هيكلة "منظمة التعاون الإقليمي من أجل التنمية" تحت مسمى "منظمة التعاون الاقتصادي". وأوائل التسعينيات، توسعت بانضمام 7 دول إقليمية أخرى.
وضمن هذا الإطار، وُقعت اتفاقية ثنائية بين تركيا وباكستان عام 1985 تهدف إلى إلغاء الازدواج الضريبي، بما يعزز الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين. وفي التسعينيات، نفذت عدد من الشركات التركية مشاريع بنية تحتية كبيرة في باكستان، شملت إنشاء شبكات طرق وأنظمة إمداد بالمياه، إضافة إلى المساهمة في بناء أحد السدود الحيوية.
وتسارع التعاون الاقتصادي بين تركيا وباكستان بشكل ملموس عقب زيارة أردوغان إلى إسلام آباد عام 2003، ورافقه فيها وفد يضم أكثر من 100 رجل أعمال بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية، وتعزز هذا التوجه أثناء زيارة الرئيس التركي عام 2010، بتوقيع نحو 18 مذكرة تفاهم، مما دفع التبادل التجاري والاستثماري إلى مستويات متقدمة.
إعلانوقد استثمرت الشركات التركية بشكل كبير في القطاع الخاص الباكستاني لا سيما مشاريع البنية التحتية، وامتد التعاون إلى قطاعات الطاقة وتعدين الموارد الطبيعية، إضافة إلى برامج تدريب الموارد البشرية التي وفرتها تركيا.
وفي عام 2019، أدرجت باكستان تركيا ضمن الدول المعفاة من التأشيرة، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأعمال والسياحة. وضمن الاجتماع السادس لمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى عام 2020، وُقعت 13 وثيقة تعاون، بما في ذلك "الإطار الاقتصادي الإستراتيجي" المصمم لتوسيع التجارة والتعاون في مجموعة واسعة من القطاعات الحيوية.
وواصل البلدان تعزيز التعاون عبر توقيع 6 مذكرات تفاهم عام 2022، شملت إدارة الدين وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة والإسكان والنقل والصحة وتخطيط السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ووجهت الحكومة الباكستانية دعوة للمستثمرين الأتراك لاستكشاف فرص في قطاعي الطاقة الكهرومائية والمتجددة.
وفي العام نفسه، أُبرمت اتفاقية التجارة التفضيلية التي عملت على تعزيز التبادل التجاري، عبر منح امتيازات جمركية متبادلة، وسمحت أنقرة بوصول منتجات باكستانية إلى أسواقها عبر 261 بندا جمركيا، في حين قدمت إسلام آباد تسهيلات لـ130 بندا تركيا.
وقد أثّر هذا الزخم المتصاعد في العلاقات الاقتصادية على مستوى التبادل التجاري بين البلدين، إذ بلغ عام 2024 نحو 1.4 مليار دولار، مع زيادة تقارب 30% مقارنة بالعام السابق، وفقا للمصادر الرسمية التركية.
ورغم التقدم المحقق في مستوى التبادل التجاري، فقد اعتبرته السلطات في كلا البلدين دون التطلعات، لذلك وقع البلدان 24 اتفاقية في مجالات التجارة والموارد المائية والزراعة والطاقة وغيرها، في الاجتماع السابع لمجلس التعاون الإستراتيجي عام 2025.
العلاقات الأمنية والعسكريةتعود جذور التعاون العسكري والأمني بين باكستان وتركيا إلى أوائل خمسينيات القرن الـ20، حين وقّع البلدان اتفاقيتين عامي 1951 و1954، تضمنتا تعزيز الشراكة في مجالي الأمن والدفاع.
إعلانوفي عام 1955، تأسس حلف بغداد بهدف تنسيق الجهود الأمنية لمواجهة التوسع السوفياتي، وانضمت إليه كل من باكستان وتركيا إلى جانب إيران والعراق وبريطانيا، وشاركت الولايات المتحدة في أعمال الحلف في مناسبات عدة دون انضمام رسمي. وفي عام 1959 انسحب العراق من الحلف الذي أُعيد تسميته بـ"منظمة المعاهدة المركزية".
وفي ستينيات وسبعينيات القرن الـ20، تعزّز التعاون العسكري والأمني بين تركيا وباكستان في ظل تراجع الثقة بالسياسات الإقليمية للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي دفعهما إلى تبني أجندة أكثر استقلالية لحماية مصالحهما الوطنية.
ودعمت تركيا باكستان في نزاعها مع الهند عام 1965 عبر تقديم مساعدات عسكرية وطبية، وساندتها عسكريا في أزمة انفصال بنغلاديش مطلع السبعينيات، في حين قدمت باكستان دعما كاملا لتركيا في قضية قبرص، بما في ذلك الدعم العسكري واللوجستي.
وشهدت العلاقات العسكرية بين أنقرة وإسلام آباد تطورا نوعيا في الثمانينيات، مع تنفيذ تدريبات مشتركة عام 1987، أعقبها خلال العام التالي تأسيس "المجموعة الاستشارية العسكرية الباكستانية التركية" التي أسهمت في تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في مجالي التدريب والتصنيع العسكري.
وفي عام 2000، تم إطلاق برنامج مشترك لتبادل التدريبات العسكرية، مما أسهم في تدريب نحو 1500 ضابط باكستاني في المؤسسات العسكرية التركية.
وأدى توطيد العلاقات السياسية بين البلدين بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى إسلام آباد عام 2003 إلى إحداث تحول نوعي في التعاون الدفاعي الذي أصبح يشكل أحد مرتكزات الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين.
ففي العام نفسه، أُنشئت "مجموعة الحوار العسكري رفيع المستوى" لتنسيق السياسات والخطط الدفاعية المشتركة. ومطلع عام 2004، وُقِّعت اتفاقية لتبادل الخبراء والمعلومات الاستخباراتية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتبنّي نهج إستراتيجي مشترك في هذا المجال.
إعلانوفي إطار تقارب أمني متنامٍ بين البلدين، وقفت باكستان إلى جانب تركيا في تصعيدها ضد حزب العمال الكردستاني بعد استئناف الصراع العسكري بين الطرفين عام 2015، عبر تقديمها دعما استخباراتيا وماديا.
وبشكل دوري، تُجري القوات المسلحة الباكستانية والتركية مناورات عسكرية برية وجوية وبحرية مشتركة، فضلا عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتبادل الخبرات في الصناعات الدفاعية، وتطوير مشاريع إنتاج عسكري مشترك.
وقد تم تعزيز التعاون الدفاعي والأمني بينهما عبر سلسلة من الاتفاقيات والصفقات الإستراتيجية. ففي عام 2009، تم الاتفاق على أن تتولى شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش" مهمة تحديث طائرات إف-16 المقاتلة التابعة للقوات الجوية الباكستانية.
وفي عام 2018، وقّعت شركة "توساش" اتفاقية مع وزارة الدفاع الباكستانية لتزويدها بـ30 مروحية استطلاع تكتيكي من طراز "أتاك تي 129" إلى جانب عقود للصيانة والتدريب والدعم اللوجستي، بينما اشترت تركيا 25 طائرة مقاتلة من طراز "سوبر موشاك" و3 غواصات، إضافة إلى التعاون في بناء ناقلة أسطول.
وقد بلغت قيمة الصفقة نحو 1.5 مليار دولار، إلا أن تنفيذها تعثّر بسبب حظر أميركي على تصدير أنظمة توربينات تنتجها شركة هانيويل الأميركية التي تُعد من المكونات الحيوية في صناعة المروحيات التركية.
وفي العام نفسه، أبرمت البحرية الباكستانية عقدا بمليارات الدولارات مع شركة آسفات التركية لتزويدها بـ4 فرقاطات. وفي العام التالي، اشترت باكستان مسيرات تركية من طرازي بيرقدار "تي بي 2" و"آقنجي" بهدف تطوير قدراتها في مجال الحرب الإلكترونية والاستطلاع.
ووفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، احتلت تركيا المرتبة الثالثة بين أكبر موردي الأسلحة إلى باكستان بين العامين 2020 و2024، بعد الصين وهولندا. وفي الفترة نفسها، أصبحت باكستان ثاني أكبر مستورد للسلاح التركي، مستحوذة على 10% من إجمالي صادرات تركيا العسكرية.
إعلانوفي يناير/كانون الثاني 2025، أعلنت الدولتان تأسيس مصنع مشترك لإنتاج مقاتلة الجيل الخامس "قآن" التركية لتعزيز القدرات الدفاعية للطرفين، وستتمكن أنقرة من زيادة إنتاج الطائرة بتكلفة منخفضة، بينما ستحصل إسلام آباد على تكنولوجيا متقدمة لتعزيز قدراتها الجوية وصناعتها الدفاعية المحلية.
وأثناء زيارة الرئيس أردوغان إلى إسلام آباد في فبراير/شباط 2025، تم توقيع 24 اتفاقية تعاون ثنائية، من بينها 3 اتفاقيات عسكرية شملت مجالات تبادل الأفراد والتدريب في الصحة العسكرية والحرب الإلكترونية.