شفق نيوز:
2025-05-10@01:01:36 GMT

ليفياثان* الحروب

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

ليفياثان* الحروب

لقد أدت ظلال الحرب المظلمة بين حماس وإسرائيل، خارج حدود منطقة الحرب المعلنة، بشكل سلبي إلى عدد من الأحداث وردود الافعال المناهضة للأمن، ليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن أيضا للشعوب والأمم والمناطق الجغرافية الأخرى التي لحقها الضرر والخسائر ولم تسلم من آلام ومآسي هذه الحرب.

وإحداها هي الحرب الأوكرانية الروسية، والتي كانت حتى شهرين مضت تعد أكبر تهديد وأزمة في القرن الحادي والعشرين.

وكانت حديث الساعة في الأخبار الساخنة واهتمام العالم الإنساني كله واولى  اولويات الحالات المطروحة على الساحة السياسية العالمية؛ واصبحت الآن مختفية تحت ركام وحرارة وغبار وآثار حرب لا تدور إلا في مساحة ضيقة تبلغ 40 كيلومترا مربعا في الشرق الأوسط. 

وفي الأسابيع الأخيرة، صرح الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي في مؤتمر صحفي جمعه ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للمراسلين والصحفيين في كييف: ان عدم اهتمام العالم بالحرب في بلاده وفقدان الحساسية العالمية تجاهها، في ظل آثار حرب غزة، أمر طبيعي.

إنها قضية مثيرة للاهتمام والتفكير واتخاذ المواقف، بعد توقعات البشرية من النتاج والإنجازات القيمة في التسعينيات وما بعدها، عندما كان العالم يدخل بتفاؤل عصر صانعي السلام والحكم التعددي للسياسيين الديمقراطيين العولميين ويتذوق الحياة الحرة، بعد ثلاثين عاما من التراجع الصادم والتخلف بالنسبة للإنسانية وعالم الديمقراطية، لهي تجربة مريرة ومدمرة ومأساوية. 

إن ما يحدث في غزة يمثل تهديدا خطيرا وقلقا ملحوظا وجديا للشعوب والدول التي لديها قضايا ارض وحقوق وحريات وتتمتع بالحماية السياسية والادارة الذاتية من خلال العمليات الإنسانية للقوى الديمقراطية في العالم.

أولا: فقدان اهتمام العالم وتركيزه على القضايا الإنسانية بسبب انشغال وحساسية الحرب بين حماس وإسرائيل، التي وزعت العالم في حد ذاته الى جبهتين متواجهتين.

ثانيا تحول الامور الى ان تصبح امرا تقليديا وعرفا عاديا بان يتم اعادة احتلال الأراضي وإعادة حل كيانات الحكم الذاتي التي لاتمثل دولة مستقلة والتي حظيت بالحماية من خلال الأمم المتحدة من خلال دعم القوى الديمقراطية العالمية. 

ومن هنا ينبع القلق الكبير من أن توفر هذه الحرب فرصة للأنظمة المركزية والديكتاتورية لإعادة النظر في حرية وحقوق ووضع هذه الشعوب والقوميات التي لا دولة لها وشبه الحرة التي تتمتع بالحكم الذاتي وحرمانها من المكتسبات والحقوق التي تحصلت عليها.

ان قرار المحكمة العليا في الهند بحل منطقة جامو وكشمير المتمتعة بالحكم الذاتي، يعد دق ناقوس الخطر الأول بان تصبح عرفا لممارسة سياسة احتلال الأراضي وإخضاع الشعوب التي لا دولة لها، وعلاوة على ذلك بدأت بممارسة اعمال معادية للإنسان تتعلق بانتهاك حقوق الأقليات والطرد القسري العنصري.

وخلال الفترة نفسها، أعادت باكستان قسراً ما يقرب من مليون أفغاني إلى بلادهم، في وقت عاش بعضهم في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود وكان لديهم وظائفهم وحياتهم الخاصة، حتى دون النظر في المخاطر السياسية المتصورة التي قد يواجهونها في ظل نظام طالبان الديني المتطرف.

تم تنفيذ هذه السيناريوهات في السودان وناجورنو كاراباخ خلال نفس الفترة بحجم مختلف ومبررات مختلفة. ويأتي هذا في ظل اوضاع حسبما تنقل الاخبار تشير الى إن شعب تايوان يشعر بالقلق المستمر إزاء هجوم مفاجئ من قبل الصين لاحتلال هذه الجزيرة.

في العراق ورغم أن كوردستان اقليم يدير نفسه ذاتيا ومستقر دستوريا ضمن إطار الدولة الاتحادية العراقية، إلا أن الحكومة المركزية فرضت حصاراً مالياً على الشعب الكوردي وحرمته من كافة سبل العيش، وحركت المحكمة الاتحادية ضد  هذا الكيان الدستوري.

لقد كانت حرب غزة خطأً خطيراً وغير مدروس، ارتكبه اقليم (لا دولة له) وتحميه عواطف العالم الحر، مما عرض مصير شعب غزة   وإقليمها  وارضها للخطر. وقد يعزز أيضاً فكرة أن نتائج هذه الصراعات ستخلق استراتيجية عالمية جديدة وحكماً جديداً إلى الساحة السياسية يمنح قوى الاحتلال، في المناطق التي لديها مشاكل تحرر قومي ووطني في بلدانها، فرصة مرة أخرى بعد ثلاثة عقود، من التفكير في إعادة الاحتلال  وحرمان الشعوب من إنجازاتها والتراجع في مجال الحرية والديمقراطية.

*ليفياثان:  مخلوق بحري أسطوري، له رأس تنين وجسد أفعى، ورد ذكره في التوراة في أكثر من موضع، وقد استخدمه توماس هوبز عنوانا لكتابه الذائع الصيت في الفلسفة السياسية، والصادر عام 1651 في إنجلترا (المترجم).  

ترجمة: ماجد سوره ميري

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي

إقرأ أيضاً:

عبد السلام فاروق يكتب: الفيزياء.. لغة المستقبل وجسر الحضارات

في قلب الصحراء التي شهدت ولادة أكبر تحولات الطاقة في القرن العشرين، استقبلت الظهران مؤخرا تحولا آخر، قد لا يقل تأثيرا عن اكتشاف النفط؛ إنه تحول تنتجه العقول الشابة، تشعله أفكار تأبى الحدود، وتكرسه إرادة أمة اختارت أن تكون جسرا بين الماضي والمستقبل. هنا، تحت سماء المملكة العربية السعودية، حيث يلتقي تراث الحضارات بآفاق العلم اللامتناهية، أنطلق أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025، حاملا رسالة مفادها أن الطاقة الحقيقية ليست تحت الأرض، لكن في العقول التي تفكر.  

  
استضافة المملكة العربية السعودية لهذا المحفل العلمي الدولي تتويج لمسيرة بدأت قبل ربع قرن، حين قررت دول آسيا أن تنشئ أولمبيادا خاصا بفيزياء المستقبل، فجاءت النسخة الأولى في إندونيسيا عام 1999، بمشاركة 12 دولة. اليوم، بعد 25 عاما، يصل الأولمبياد إلى الشرق الأوسط لأول مرة، حاملا معه 240 طالبا من 30 دولة، وكأنما يقول العالم: إن الفيزياء لغة لا تعترف بالحواجز، وأن التنافس في ميادينها ليس سوى محبة مشتركة للكون وأسراره.  


هذه الاستضافة ليست مفاجئة لمن يتابع مسيرة السعودية في السنوات الأخيرة؛ فمنذ إطلاق رؤية 2030، تحولت المملكة من دولة تدير ثروات الأرض إلى دولة تستثمر في ثروات العقول، وهو ما تؤكده مؤسسة "موهبة" التي حولت اكتشاف المواهب إلى نظام مؤسسي قادر على صناعة إنجازات دولية، مثل الـ16 ميدالية التي حققها الطلاب السعوديون في الأولمبياد منذ 2012.  


إلا أن السؤال الأعمق يبقى: كيف نصنع من الفيزياء فلسفة حياة؟ هنا يبرز التحدي: كيف تحافظ على هويتك بينما تسبح في محيط العولمة؟ الإجابة تكمن في "موهبة"، المؤسسة التي حولت المواهب المحلية إلى نجوم عالمية. إنها معادلة السعودية الجديدة: ألا تكون تابعًا، ولا منعزلاً، إنما جسرًا بين الحضارات.

عندما تلتقي الثقافة بالفيزياء  
ليس غريبا أن يفتتح الأولمبياد بعرض للتراث السعودي، فالعلم والثقافة توأمان؛ كلاهما يعبران عن هوية الأمم، وكلاهما يقاسمان الأسئلة نفسها: من أين نأتي؟ وإلى أين نذهب؟ وفي هذا الجمع بين الفيزياء والفنون، تكمن إجابة ضمنية: أن التقدم العلمي لا ينفصل عن الجذور، وأن التفوق في معادلات اليوم لا يعني نسيان حكايات الأمس.  
ولعل في اختيار شعار الأولمبياد "معا، نولد طاقة المستقبل" إشارة ذكية إلى التحول السعودي من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مصدرة للمعرفة، وهو تحول تقوده شركة أرامكو- الراعي الماسي للحدث - التي باتت نموذجا لتحول شركات الطاقة من الاعتماد على الموارد إلى استثمار العقول، وكأنها تردد مع الفيزيائيين: إن الطاقة لا تفنى، بل تتحول.  
لماذا الفيزياء الآن؟  
في عصر يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي والأسئلة الوجودية عن مصير البشرية، تبرز الفيزياء كعلم قادر على إعادة تشكيل الواقع. فمن خلالها نستطيع فهم التحديات الكبرى: تغير المناخ، ندرة الموارد، مستقبل الطاقة. ولهذا، فإن تنافس الطلاب في حل مشكلاتها النظرية والعملية هو تدريب أكاديمي عملي على قيادة العالم نحو أجوبة قد تنقذه.  
هنا، يذكرنا الدكتور كويك ليونغ تشوان، رئيس الأولمبياد، بأن هذه المسابقة هي "لحظة تاريخية"، ليس لأنها تعقد في الشرق الأوسط فحسب، بل لأنها تأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى علماء قادرين على رؤية ما وراء النظريات، والتواصل عبر الثقافات.  
رسالة من الظهران إلى العالم  
قد يسأل سائل: ما الذي يريده العالم من السعودية اليوم؟ الإجابة ببساطة: أن تظل جسرا - كما كانت دائما - لكن هذه المرة، جسرا بين شمال العلم وجنوبه، بين شرقه وغربه. فالمملكة، برؤيتها الطموحة، تثبت أن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الوحيد لصناعة مكانة دولية، وأن الفيزياء - بكل تجريدها - قد تكون أصدق تعبير عن واقع نعيشه: كل شيء متحرك، وكل شيء ممكن.  
في الختام، لا ينبغي أن ننسى أن هؤلاء الطلاب الـ240، الذين تنافسوا في اختبارات استغرقت نحو 10 ساعات، هم سفراء دولهم، لكنهم أيضا سفراء عصر جديد، فقد تحولت الصحراء إلى مختبر عالمي، وأصبحت الجامعات السعودية منصات لحوار الحضارات. ربما لن يتذكر التاريخ أسماء الفائزين بالميداليات، لكنه سيتذكر أن الظهران كانت نقطة انطلاق لشيء أكبر: إيمان بأن المستقبل لا يبنى إلا بالعلم، والعلم لا يبنى إلا بالجسور.

طباعة شارك القرن العشرين المملكة العربية السعودية أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025

مقالات مشابهة

  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • رسالة من شيخ الأزهر إلى الهند وباكستان: أوقفوا الحرب
  • مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين يدين الهجمات التي استهدفت المنشآت الحيوية والاستراتجية بالسودان
  • شيخ الأزهر يدعو الهند وباكستان للتحلِّي بالحكمة.. ويؤكد: العالم لا يحتمل مزيدًا من الحروب
  • الاتحاد الأوروبي: الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر
  • بطولة لاأدعيها واتهام لاأنكره
  • عبد السلام فاروق يكتب: الفيزياء.. لغة المستقبل وجسر الحضارات
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
  • أميركا وروسيا وإسرائيل.. ما السر وراء فشل الجيوش القوية في حروبها؟
  • نتائج الحروب العالمية الثلاثة