صوتُ الأملِ والتغييرِ في عالمِ النضالِ الإنساني
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
في عالمِ النضالِ الإنساني، حيثُ يسودُ الظلمُ وتكثرُ الشدائد، هناك فئةٌ نادرةٌ من القادةِ الذين يمتلكون القدرةَ على التأثيرِ في الناسِ وإشعالِ نيرانِ التغييرِ في قلوبِهم. فهم يبثون ـ من خلالِ كلماتِهم وأفعالِهم ـ الحياةَ في أمةٍ تتوقُ إلى الحريةِ وكسرِ القيودِ التي تم تكبيلُها بها من قِبلِ أعدائِها.
دعونا نتحدّثُ هنا عن أحدِ هؤلاءِ القادةِ العظماءِ، عن القائدِ اليمنيِ السيدِ عبدِالملك بدرِالدين الحوثي.. هذا القائدِ المميّزِ الذي ألقى خطاباً جريئاً، أمس، عرضَتْه ـ على الهواء مباشرةً ـ أهمُ قنواتِ التلفزيون العربيةِ والإسلامية، وصارَ محورَ اهتمامِ وسائلِ الإعلامِ الدولية منذُ انتهائِه، وتشتعلُ وسائلُ التواصلِ الاجتماعي بترديدِ صدى كلماتِه المؤثرةِ الصادقةِ الشجاعة. فببلاغتِه ووضوحِه مَسَّ وتراً حسَاساً عميقاً في قلوبِ أبناءِ الأمةِ عامة، وأبناءِ الشعبِين اليمني والفلسطيني خاصة، فقد لبَّتْ كلماتُه تطلعاتِهم الجماعيةَ وغذَّتْ صمودَ روحِهم المعنوية، وأصبحت صرختَهُ الشهيرةُ ـ التي ردّدها خلالَ الخطابِ ـ تحشيداً كاملاً لتمكينِهم مِن الوقوفِ بقوةٍ ضدَ القمعِ الإسرائيلي والتسلّطِ الأمريكي.
لقد مضى هذا القائدُ في رحلةٍ شاقةٍ نحو الحريةِ، قادتْهُ اليومَ إلى نيلِ شرفِ قيادةِ الدفاعِ عن فلسطينَ وإلهامِ أحرارِ الأمة. فمِن البداياتِ المحدودةِ والاستضعافِ إلى موقعِ التمكينِ والقوةِ تغلّبَ على عقباتٍ لا حصرَ لها، وشقَّ طريقاً لشعبِهِ نحو الحريةِ بثباتٍ وصبرٍ فوقَ الاحتمال.
لقد شهدَ الصراعاتِ المؤلمةَ، وفقدانَ الأحبة، وعانى الحروبَ والحصار، ومع ذلك، فقد رفضَ السماحَ للخوفِ بأن يُملي عليهِ أفعالَه أو يثبّطَ معنويتِه.
لقد فهمَ عُمقَ الخوفِ الذي يسودُ الأمةَ، فأدركَ أنَّ الشجاعةَ ليست غيابَ الخوف، بل هي امتلاكُ الجرأةِ على تجاوزِه. لقد فهمَ قوةَ الشجاعةِ والتحركِ العملي بمرونةٍ وجديةٍ في مواجهةِ الشدائد، فغرسَ ـ من خلالِ خطاباتِه وكلماتِه ـ إحساساً متجدداً بالثباتِ في قلوبِ أبناءِ الشعبِ اليمني، مذكِّراً إياهم دائماً بقوتِهم الكامنةِ في الصمودِ والتغلبِ على الخوفِ. وهو اليومَ يفعلُ الأمرَ ذاتَه مع الشعبِ الفلسطيني بكلماتِه ودعواتِه ونداءاتِه التي يوجهها إليهم.
ومثلما أصبحَ قائدُنا قوةً موحِّدَةٍ لشعبِه ضدَ مشاريعِ التفتيتِ، ها هو اليومَ يسعى إلى توحيدِ الأمةِ المُجزَّأة، فيدعو دولَها وشعوبَها إلى تجاوزِ الانقساماتِ وتعزيزِ الوحدةِ فيما بينها. إنه ينجحُ اليومَ في سدِّ الثغراتِ وتلحيمِ الانقسامات وإيجادِ جبهةٍ موحّدةٍ في مواجهةِ أعداءِ الأمة.
لقد سطعَ بدراً في أحلكِ الأوقاتِ التي تمرُّ بها الأمة، وأشعلَ ـ بكلماتِه وأفعالِه وشعارِه ـ شرارةَ الأملِ في قلوبِ أبنائِها لا سيما أبناءُ الشعبِ الفلسطيني، وعزّزَ الإيمانَ بمستقبلٍ تكون فيه العدالةُ والكرامةُ والحريةُ لهم حقائقَ ملموسةً، بما يحفّزُ الجميعَ على المثابرةِ والمساهمةِ في النضالِ الجماعي ضدَ إسرائيل وأمريكا.
إنه يمنحُ الأمةَ القوةَ التحويليةَ التي افتقدتْها طوالَ عقود. القوةَ التي تحتاجُها لتتحدّى الصعابَ في السعي لتحقيقِ العدالةِ والتحرير، ولتتجاوز الحدودَ السياسيةَ والاجتماعيةَ والدينية.
إنه يرسمُ للأمةِ خارطةَ طريقِ انتصارِها من خلالِ نموذجِ الصمودِ الحيوي الذي يقدّمُه، المملوءِ بالثقافةِ القرآنيةِ والشجاعةِ والمرونةِ والوحدةِ والأمل. يقولُ لها، دعونا نبدأ كفاحاً جماعياً ونسطِّر قصةَ انتصارِنا الكبيرِ التي سيترددُ صداها عبرَ التاريخ.
إنه قائدٌ يناشدُ أبناءَ أمتِه للارتفاعِ فوقَ الخوفِ، ووضْعِ الخلافاتِ جانباً، والإيمانِ بإمكانيةِ تحقيقِ مستقبلٍ أكثرَ إشراقاً.
إنه قائدٌ يعيدُ للأمةِ أملَها في امتلاكِ قيادةٍ قوية، ويعزّزُ الروحَ الجماعيةَ مِن خلالِ تمجيدِه للأثرِ العميقِ الذي يُمكِنُ أن يُحدثَه الشخصُ الواحدُ على مسارِ التاريخ إذا ما أسهمَ في رحلةِ الكفاحِ نحو الحريةِ والعدالةِ والكرامة.
أمّا مهارته الخطابية فلكأنَّها قد صُقِلَت إلى حدِّ الكمال، فجذبَ الانتباهَ وأثارَ المشاعرَ في كل جزءٍ من كلمتِه. إنَ إيقاعَ صوتِه والعاطفةَ في إلقائِه قد أكدّا صِدقَه وعمقَ قناعتِه، فكيفَ لا يأسر الجماهيرَ في كلِ مكان.
إنني على ثقةٍ بأنَ تأثيرَ خطابِ قائدِنا يمتدُ إلى ما هو أبعدُ من لحظةِ إلقائِه. فكما يُلهِمُ قائدُنا أبناءَ الأمةِ اليومَ حين يُذكّرُهم بأهميةِ الشجاعةِ في مواجهةِ الشدائد، وبقيمةِ القوةِ التي تكمنُ في الوحدةِ، فإنه يُلهِمُ أجيالَها الصاعدةَ القادمة، لتؤمنَ بأنه ـ حتى في أحلكِ الأوقاتِ ـ يُمكِنُ للروحِ الإنسانيةِ أن ترتقيَ وتنهضَ إلى الأعلى وتشقَّ طريقاً نحو مستقبلٍ تنشدُه، تحقِّقُ فيهِ أعظمَ تطلعاتِها. فلتدوّن أيها التاريخُ في صفحاتِ المجدِ، أننا عِشنا هذا الزمنَ الذي ظهرَ فيه هذا القائدُ الذي ـ ببطولتِه ومروءتِه ـ نقشَ اسمَه في قلوبِ شعبِه وأمتِه بشكلٍ لا يُمحى.
والحمدُ للهِ ـ سبحانه وتعالى ـ الذي جعلنَا مِن أنصارِه وأنصارِ رسولِه محمدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ومن أنصارِ هذا القائدِ الشجاع.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
غزة تعيش الأمل والفلسطينيون ينتظرون فرجا قريبا
هي ساعاتٌ قليلةٌ تسبق زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، التي سيكون لها فيما يبدو تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط خاصةً، والعالم بصورةٍ عامةٍ، إذ سبقتها مجموعة من الأخبار والتصريحات والتوقعات، تشير كلها بدرجاتٍ متفاوتة من الدقة، وإن كانت لا ترقى إلى درجة الحسم واليقين، إلا أنها تكشف شيئا من الحقيقة، وتظهر جانبا من جوانب التغيير، أن الزيارة تحمل معها إشاراتٍ جادةً لمنعطفاتٍ قد تصل إلى درجة التحولات الكبرى في السياسة الأمريكية تجاه قضايا التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتوسيع إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، وتعزيز التحالفات والشراكات الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الثلاث محل الزيارة، ودول الخليج العربي بصورةٍ عامةٍ.
فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يزور منطقة الشرق الأوسط في أول زيارةٍ خارجية له، في ولايته الجديدة بعد مشاركته في مراسم تشييع بابا الفاتيكان الراحل، يستثني منها الكيان الصهيوني، الذي يعتبر محطة ثابتة لدى كل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يتخذون منه منطلقا لأي جولة، وعرفا رئيسا لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخرقه أو أن يتخلى عنه، لكن مستشاريه أكدوا أنه لن يلتقي رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبالتالي فإنه لن يزور كيانه، ولهذا الاستثناء دلالاتٌ كثيرة، وأشاروا إلى خلافاتٍ جوهرية أدت إلى حدوث قطيعة حقيقية بينهما، إذ لا اتصالات ولا مشاورات، ولا تطمينات ولا تقدير للأولويات الإسرائيلية، أو تبني لخياراتهم الاستراتيجية.
بدا من خلال تصريحات ترامب المتفرقة، والمبعثرة هنا وهناك، والمبهمة حينا والصريحة في أحيان أخرى،والمباشرة والمنقولة عنه، أنه سيقدم على الإعلان عن قراراتٍ كبيرة وخطيرة، تتعلق بالمنطقة ودولها، وبمستقبلها واستقرارها، وهو لا يستعجل الإعلان عنها قبل وصوله إلى الرياض، لكن بات من شبه المؤكد أن إعلانه سيواكب زيارته إلى المنطقة أو سيسبقها، ولن يكون إعلانه إلا عن غزة والحرب الإسرائيلية ضدها، وسيكون، ليس ثقةً فيه ولا أملا منه نرجوه، بل هي قناعات توصل إليها وحقائق بات يتعامل معها، بعد قرابة سنة ونصف من الحرب المدمرة التي يشنها العدو الإسرائيلي بمختلف الأسلحة الأمريكية المتطورة، والفتاكة المدمرة، إعلاناً عن الاتفاق على هدنةٍ طويلة الأمد بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وقد يكون الإعلان عنها بصورته وصوته، بما يذكرنا بالمبادرة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو من العام الماضي، إلا أن نتنياهو استخف به حينها، ولم يحترم كلمته، ولم يلتزم بمبادرته، وضرب بها وبه عرض الحائط.
الأمر هنا اليوم مختلف تماما، ولا يشبه ما حدث مع بايدن في نهاية ولايته، التي بدا فيها عجوزا خرفا، مترددا جزعا، يخشى نتنياهو ويخاف ردة فعله، ويتجنب غضبه وينأى بنفسه عن رفض خياراته، ولا يتمعر وجهه إذ يحرجه ويستخف به، ويهزأ بما عرض ولا يقيم وزنا لما أعلن، ويهز صورة الإدارة الأمريكية ويظهر ضعفها، ويكشف عن عجزها وتبعيتها، وخضوعها للكيان واستسلامها لسياساته.
فترامب الغريب الأطوار، المهووس المغرور، الطاووس المختال، الراقص المتبختر، المسكون بالقوة، والمعجب بنفسه، والمتطلع لوقف مشاركة بلاده في الحروب الخارجية وتمويلها، والحالم في أمريكا قوية، عسكريا واقتصاديا، والطموح لنيل جائزة نوبل للسلام، لا يقبل بأن يكون أجيرا عند نتنياهو، وإن كان يدعم كيانه ويحرص عليه قويا آمنا مستقرا، ولا يتردد في إحراجه وإهماله، وإهانته والإساءة إليه، ولا يخاف من إشاعة مقاطعته وعدم الاهتمام بمقابلته، ولست أمدح
ترامب وأشيد بخصاله، بقدر ما أستعرض صفاته وأبين سلوكه وتصرفاته.
يبدو أن ترامب الذي لوح بالعصا في وجه نتنياهو وقطب جبينه غضبا منه وأعرض عنه، سيجبر دولا أخرى في المنطقة على فتح المعابر وتسهيل إدخال المؤن والمساعدات، والسماح بعبور آلاف الشاحنات المصطفة طوابير طويلة تمتد لمئات الكيلومترات على الطريق الدولية، والمحملة منذ شهورٍ بالمواد التموينية والطبية، وعدم تأخيرها وتعطيل حركتها، إذ لا يكفي رضوخ حكومة الكيان الإسرائيلي لأوامر ترامب بإدخال الشاحنات، وإنما يلزم الضغط على غيره ليسهل عبور القوافل، ويزيل العقبات من طريقها، ويخفف الأعباء عنها، ويبسط إجراءات حركتها.
لا يستبعد الفلسطينيون عموما، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، أملا ورجاءً، وإيمانا بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر»،وليس أكثر فجورا وأشد بؤسا وعداوةً من ترامب، لكن ليس أقدر منه على الفعل اليوم والضغط على الكيان،وهو ما يجعل الفلسطينيين يعيشون بارقة أملٍ، ويحبسون أنفاسهم انتظارا لفرجٍ، ويشعرون بأنه قد يحمل معه لهم حلا، يوقف الحرب ضدهم، ويخفف من معاناتهم، ويرفع الحصار المفروض عليهم، ويجبر نتنياهو على احترام الهدنة والقبول بالصفقة، وعدم الانقلاب عليها أو وضع العراقيل أمامها،وليس ذلك على الله عز وجل بعزيز، أن يسخر من يجري قدره، ويستخدم من يفرض قضاءه ويمضي حكمه، ولو كان فاجرا كفارا عدوا غدارا.