كشف دبلوماسي أمريكي رفيع أن السعودية لم تعد تثق في الحكومة اليمنية المعترف بها، وذهبت إلى التفاوض مع جماعة أنصار الله "الحوثي" بعيدا عنها.

وقال مصدر يمني مطلع مقيم في واشنطن نقلا عن الدبلوماسي الأمريكي، طلب عدم الكشف عن هويتهما، في حديث خاص لـ"عربي21" إن الرياض تتفاوض مع الحوثيين بعيدا عن الحكومة اليمنية المعترف بها، والمتمثلة بمجلس القيادة الرئاسي، في العاصمة المؤقتة، عدن، بسبب فقدانها الثقة بالمجلس.





وأكد الدبلوماسي الأمريكي وفقا للمصدر اليمني على أن الرياض لا تثق أبدا بسلطات المجلس الرئاسي، ولذلك ذهبت منفردة للتفاوض مع جماعة الحوثيين، حيث أحرزت تقدما كبيرا فيها، ووصلت المفاوضات إلى مراحلها النهائية لحل الأزمة في البلاد.

"لا علم لها بالمفاوضات"

من جهته، أفاد مصدر حكومي في وقت سابق الشهر الجاري، أن القيادة اليمنية، ليس لديها أي علم أو دراية بمجريات المفاوضات بين السعوديين والحوثيين.

وقال المصدر في تصريح لـ"عربي21" شريطة عدم ذكر اسمه، إنه تواصل مع عدد من المسؤولين في الحكومة من بينهم عضو في فريق المفاوضات الذي شكله المجلس الرئاسي في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وأكدوا له أنه لا علم لهم بما يجري من مفاوضات مع الحوثيين.

"المملكة ليست وسيطا"

وأشار الدبلوماسي الأمريكي إلى أن المملكة ليست وسيطا في حل الأزمة اليمنية، كما تحب أن تظهر من خلال مساعيه وجولات المفاوضات مع الحوثيين، كون ذلك يجافي الحقيقة.

وتوصيف الدور السعودي في اليمن، يبرز كخلاف جوهري بين جماعة الحوثي والرياض، ففي الوقت الذي تجتهد الأخيرة على أن تكون وسيطا بين الجماعة والحكومة اليمنية المعترف بها، يشدد الحوثيون على أن المملكة السعودية طرف في الحرب، وأن محاولاتها لعب دور الوسيط في المشاورات مرفوض وهروب من استحقاقات ما بعد الحرب.

وحسب المصدر اليمني المطلع نقلا عن الدبلوماسي في الإدارة الأمريكية فإن التصعيد الأخير من قبل الحوثيين في البحر الأحمر ومهاجمتها سفن الشحن التابعة أو المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية أعاق عملية التوقيع على خارطة الطريق التي تم التفاهم عليها، رغم إيقاف واشنطن إجراءاتها بشأن الرد على هجمات الجماعة، بناء على طلب السلطات السعودية.

وقال الدبلوماسي الأمريكي إن إدارة جو بايدن، ترى أن توجيه ضربة عسكرية للحوثيين في الوقت الراهن أو إعادة تصنيف في قوائم المنظمات الإرهابية، لن يكون في مصلحتها، أو في مصلحة السلام في البلاد، مؤكدا أن هناك خلافا كبيرا بين المشرعين في الكونغرس بشأن إعادة تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية.

وسبق أن ألغت إدارة الرئيس بايدن قرار تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، في يناير/كانون الثاني 2021، بعد أيام من فوزه بالانتخابات على دونالد ترامب، الذي أقر التصنيف للحوثيين في آخر أيام فترته الرئاسية.

وكان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، قد كشف مساء السبت، عن توصل الأطراف اليمنية إلى الالتزام بخطوات لوقف إطلاق النار، والبدء بعملية سياسية جامعة برعاية الأمم المتحدة.

وقال غروندبرغ في بيان له، إنه "بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط، وضمن ذلك مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وكبير مفاوضي الحوثي محمد عبد السلام، رحب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بتوصل الأطراف إلى الالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة"،  مضيفاً: "سيعمل المبعوث الأممي مع الأطراف في المرحلة الراهنة، لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها".



و ستشمل خارطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة، من بين عناصر أخرى، وفقا لبيان المبعوث الأممي إلى اليمن  "التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة".

وتابع :"ستنشئ خارطة الطريق أيضاً آليات للتنفيذ، وستعمد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة".

"ترحيب حكومي"

من جانبها، أعلنت الحكومة اليمنية مساء السبت، ترحيبها بالبيان الذي أصدره غروندبرغ، بشأن جهود إنهاء الحرب في البلاد.

وقالت وزارة الخارجية اليمنية في بيان لها، إنها ترحب بالبيان الصادر عن غروندبرغ بشأن الجهود المبذولة للتوصل لخارطة طريق برعاية الأمم المتحدة لأنهاء الحرب التي تسببت بها مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيا.

وأكدت الوزارة في بيانها على "تعاملها الإيجابي مع كافة المبادرات الهادفة لتسوية الأزمة في اليمن بالوسائل السلمية وفقا للمرجعيات الثلاث المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن ٢٢١٦، وبما يحقق تطلعات وآمال الشعب اليمني".

وأعربت الخارجية اليمنية عن شكرها "لكافة الجهود التي بذلها الأشقاء في السعودية وسلطنة عمان للدفع قدما بالتسوية واستئناف العملية السياسية".

فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من الحوثيين حول بيان المبعوث الأممي غروندبرغ.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، كان الناطق باسم الحوثيين وكبير مفاوضي الجماعة، محمد عبدالسلام قد كشف عن أن "تقدماً تم إحرازه في خارطة الطريق، وتجاوز أهم العقبات لضمان إنهاء الحرب، والحصار في اليمن".



وقال عبد السلام عبر موقع "إكس": "التقينا المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، وناقشنا خلال اللقاء المسار الإنساني والسياسي والعسكري، والتقدم الذي تم إحرازه في خارطة الطريق، وتجاوز أهم العقبات لضمان إنهاء العدوان والحصار، وخروج القوات الأجنبية من اليمن، وإعادة الإعمار، والتهيئة للحوار السياسي".

ويشهد اليمن هدوءا نسبيا على الرغم من انهيار اتفاق الهدنة الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، باستثناء اشتباكات وهجمات محدودة يتبادل الطرفان الاتهامات بمسؤولية كل طرف عن ذلك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية السعودية اليمنية الحوثي الحكومة اليمنية السعودية اليمن الحوثي أنصار الله الحكومة اليمنية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدبلوماسی الأمریکی الحکومة الیمنیة المبعوث الأممی الأمم المتحدة خارطة الطریق إلى الیمن فی الیمن

إقرأ أيضاً:

لعمامرة: التسليح يُغذي الأوهام العسكرية والسلام لن يأتي الفرقاء من الخارج .. وأكد ضرورة التسوية السياسية

«السلام لا يُفرَض، بل يُصنَع، وإذا لم يصنعه السودانيون، فلن يأتيهم من الخارج» بهذه العبارة اختار رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، أن يختتم أول حوار موسع يجري منذ تولي المهمة الأممية، بيد أن العبارة ذاتها تصلح أن تكون مدخلاً لفهم فلسفة الرجل في مقاربة واحدة من أعقد حروب المنطقة المتخمة بالأزمات.

المبعوث الأممي للسودان لـ«الشرق الأوسط»: التسليح يُغذي الأوهام العسكرية
لعمامرة قال إن السلام لن يأتي الفرقاء من الخارج... وأكد ضرورة التسوية السياسية

«السلام لا يُفرَض، بل يُصنَع. وإذا لم يصنعه السودانيون، فلن يأتيهم من الخارج»... بهذه العبارة اختار رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، أن يختتم أول حوار موسع يجري منذ تولي المهمة الأممية. بيد أن العبارة ذاتها تصلح أن تكون مدخلاً لفهم فلسفة الرجل في مقاربة واحدة من أعقد حروب المنطقة المتخمة بالأزمات.

لعمامرة الذي يتكئ على خبرة طويلة؛ وزير خارجية ودبلوماسي جزائري، وسبق أن اضطلع بوساطات صعبة في أفريقيا، لا يرى جدوى من استمرار الرهانات الخاطئة، ولا يقبل بمنطق إدارة الحرب كأنها معركة كسر عظم. وفي رأيه، فإن استمرار تدفق السلاح والمقاتلين يمثل عائقاً كبيراً أمام الحل؛ لأنه ببساطة «يُغذي الأوهام العسكرية ويُطيل أمد المأساة».

في حواره الذي جرى مع «الشرق الأوسط» عبر الفيديو، عقب مشاركته بمؤتمر لندن، وبين رحلاته المكوكية لكل من بورتسودان وأديس أبابا والقاهرة، وجّه لعمامرة رسائل سياسية بدأت من الأطراف السودانية وانتهت بالخارج. من بين تلك الرسائل، تحذيره من مغبة الدعم العسكري الخارجي؛ إذ يرى أنه لا يجلب سوى الوهم، وأن السلام لا يأتي بالتمني، بل بتوافر الإرادة المحلية، وتكامل الجهود الدولية لا تشتتها.

يقول بمرارة: «مرت الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، وكنا نتمنى ألا تحل تلك الذكرى دون إنهاء الحرب التي يرزح المدنيون في السودان تحت نيرانها، ولا يمكن القبول أبداً بأن تحل ذكرى ثالثة للحرب».

حين تتحول الأوهام إلى رصاص
في زيارته الأخيرة لبورتسودان، التقى المبعوث رئيس «مجلس السيادة» الفريق أول عبد الفتاح البرهان. خرج لعمامرة من اللقاء بانطباع «مشجع»، لكنه لا يخفي أن الطريق ما زالت طويلة. أما التواصل مع قيادة «قوات الدعم السريع»، فهو مستمر في انتظار ترتيب لقاء قريب.

رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان يستقبل لعمامرة في بورتسودان (المكتب الإعلامي لمجلس السيادة - السودان)
رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان يستقبل لعمامرة في بورتسودان (المكتب الإعلامي لمجلس السيادة - السودان)
يرى لعمامرة أن واحدة من أخطر الظواهر المرتبطة باستمرار الحرب، ما يصفها بـ«منطق الغلبة»؛ أي الرغبة في الحسم الكامل من دون حساب لتكلفة ذلك على النسيج الوطني. يشير إلى استمرار بعض القوى المحلية بالرهان على عامل الزمن، وتتصرف كما لو أن السلام يمكن تأجيله إلى حين نضوج انتصار كامل، في حين تكمن حقيقة الأمر في أنه «ليس هناك حل عسكري لتلك الحرب» وفقاً للمعطيات.

«السودان يحتاج إلى تسوية سياسية»... يقول لعمامرة: «ما نراه اليوم ليس أكثر من استمرار وهمي لفكرة انتهت منذ زمن، وهي أن الحسم ممكن بالقوة»، فهو يرى أن منطق المصالح يجب أن يتقدم على منطق الثأر، حتى يمكن إنقاذ السودان، ويوضح أن «أكبر التحديات الآن هو الخطر المتزايد بسبب تفاقم الانقسامات في المشهد السوداني، وهو مسار خطير يجب وقفه، وإعادة توجيه الدفة السودانية نحو الوحدة. يجب أن نمضي في طريق الوحدة لا في طرق الانقسام».

وساطة مزدحمة... وهدف مفقود
منذ توليه مهمته الأممية، حرص لعمامرة على التركيز على التنسيق لا التوسع. يتحدث عن «تكدس الوساطات» في الملف السوداني وكأنه أزمة بحد ذاته.

ولهذا أطلق المجموعة التشاورية لتنسيق المبادرات التي ضمت فاعلين من المنظمات الإقليمية، ومن ضمنها الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، والدول التي ترعى مبادرات سلام حول السودان، بهدف خلق توازن دبلوماسي يعيد ترتيب الأولويات، ويحقق وحدة الهدف على درب إنهاء الحرب.

اجتمعت المجموعة في القاهرة، ثم جيبوتي، فموريتانيا، وتحضّر لاجتماع رابع في بروكسل بدعوة من الاتحاد الأوروبي. هناك أيضا «التواصل المستمر مع المسؤولين في مصر والسعودية، وأيضاً الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ودول جوار السودان، ودول أخرى كثيرة مهتمة».

ومع ذلك «الأمر ليس بحاجة إلى مزيد من الوسطاء، بل إلى توافق على رؤية واحدة» يقول لعمامرة إن تعدد المسارات سمح لبعض الأطراف السودانية بالرهان على تضارب المواقف الدولية، بل حتى تعطيل بعض المبادرات أملاً في تحقيق مكاسب ظرفية.

هنا، يستحضر قرار مجلس الأمن «2724» الذي كلفه تنسيق الجهود تحت مظلة الأمم المتحدة، ويعتبر أن ترجمة هذا القرار على الأرض تبدأ بتوحيد الصوت الدولي خلف رؤية واقعية للسلام.

حرب لا ينبغي نسيانها
حين يُسأل إن كانت حرب السودان منسية، لا ينكر المبعوث أن الزخم الإعلامي ربما يخفت أحياناً، لكن المأساة مستمرة بكل تفاصيلها: «نتابع كل يوم سقوط الضحايا، خصوصاً في شمال دارفور، والأوضاع المأساوية المتفاقمة في مخيم زمزم، والتي تفطر القلوب».

يتحدث عن ملايين النازحين داخل البلاد واللاجئين خارجها، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، ومخيمات لم تعد تقي من الحر أو البرد، والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية الذين يدفعون حياتهم ثمناً لإيصال المساعدات.

ولفت إلى اهتمام وصفه بـ«الخاص» يوليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للوضع الخطير في السودان «المستند لمعرفته المتعمقة، خصوصاً حين كان يرأس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، حيث كان السودان يفتح أبوابه بكل كرم للاجئين على أراضيه».

«إنها أكبر أزمة إنسانية في العصر الحالي من حيث حجم التهجير الداخلي وعدد اللاجئين». يقول لعمامرة: «نحن نتحدث عن بلد يرزح تحت ضغط السلاح والانقسام والصمت الدولي».

لذلك، يضع المبعوث أولوية بديهية: وقف الحرب أولاً. وضمن هذا الإطار، يرى في «إعلان جدة» خطوة لا تزال صالحة للإنعاش، ويشيد بدور السعودية قائلاً إن «اسم مدينة جدة ارتبط بوثيقة إنسانية يمكن لها أن تؤسس لتوافق مهم، خصوصاً بشأن حماية المدنيين».

أما القمة العربية المقبلة في بغداد، فيعتبرها لحظة مناسبة لتوظيف الثقل العربي الجماعي في مساعي وقف الحرب. ويرى أن «السودان بلد محوري، ومكانته في قلب الهوية العربية لا تحتمل الحياد»، مشدداً على أن الحل في السودان يجب أن يُحمى بإرادة عربية جماعية.

السلاح... ومَن يصب الزيت
أكثر رسالة تكراراً في حديث لعمامرة كانت موجهة للتدخلات الخارجية؛ فهو يصرّ على أن تدفق السلاح لا يمكن تبريره بأي منطق. ويقول إن «تغذية الحرب بالسلاح ليست مساعدة على الحسم، بل مساهمة مباشرة في صناعة الوهم والانقسام»، مشيراً إلى أن «الجهود ينبغي أن تصب في ما هو ضروري: سلام يحمي وحدة السودان».

ويعتقد لعمامرة أن بعض الجهات الإقليمية والدولية تتصرف وكأنها تقايض دعم طرف سوداني بالحصول على نفوذ مستقبلي، متناسية أن الحرب لا تبقي شيئاً تُحكَم السيطرة عليه. ويقول: «ليس من مصلحة أحد أن يتفكك السودان. والمطلوب من كل مَن له تأثير أن يكون جزءاً من الحل، لا من تأجيج النزاع».

ويؤكد أن الأمم المتحدة لم تتوقف عن المطالبة بوقف فوري لتدفق الأسلحة، ولا عن الدعوة لتطبيق حازم لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتجفيف مصادر التمويل العسكري من الخارج. لكنه يضيف: «على الرغم من تكاثر الفاعلين والتدخلات، تبقى المسؤولية التاريخية على عاتق السودانيين قبل غيرهم لوقف الاقتتال، وفتح فصل جديد من الأمل للشعب السوداني».

في تقييمه لمواقف الطرفين، لا يُخفي لعمامرة حذره، لكنه يسجّل مؤشرات إيجابية، لأنه يرى بأن الاختبار الحقيقي لأي نوايا يكون في الأفعال لا الأقوال، مستطرداً: «لا نريد لقاءات شكلية، بل مساراً عملياً يعكس التزاماً حقيقياً بالحل».

يشدّد المبعوث على وجوب شمولية التسوية لا تجزئتها، وأن تتعامل التسوية المنشودة مع جذور الحرب، وألا تقتصر فقط على مظاهرها. ويطرح فكرة العودة إلى مرجعيات ما قبل الحرب، مع الانفتاح على تطويرها ضمن توافق وطني جديد.

رسالة إلى السودانيين
حرص لعمامرة على توجيه رسالة مباشرة للشعب السوداني عبر «الشرق الأوسط»؛ إذ قال: «يسعدني أن أحيي الشعب السوداني وأترحم على ضحاياه. كنت في بورتسودان قبل أيام، والتقيت مسؤولين كباراً ومواطنين، وكان لافتاً لي حسن الضيافة والإرادة الصلبة لهذا الشعب في السيطرة على مصيره وتجاوز محنته».

وأبدى خلال رسالته تعهداً من الأمم المتحدة بالمزيد من العمل؛ إذ قال: «لاحظت أن هذا الشعب العظيم يتطلع إلى مستقبل واعد يليق بإمكاناته. نحن في الأمم المتحدة ملتزمون ببذل أقصى الجهد لمساعدته على تجاوز الصعوبات رغم جديتها؛ لأن مصير السودان يستحق التضحية ببعض المصالح الفئوية، والتركيز على ما يوحّد الكلمة، ويوجّه التفكير نحو المستقبل».

أزمة إنسانية خانقة وأرقام تقرع الضمير
يرى لعمامرة أن الأزمة الإنسانية خانقة، ويصفها بأنها «أكبر أزمة إنسانية في عصرنا». ويقول «هناك ما لا يقل عن 13 مليون نازح، وملايين اللاجئين في الدول المجاورة. الصعوبات كبيرة، وتشمل الأمن والطبيعة ونقص التمويل، وحتى التنسيق بين المناطق». يكمل بالحديث عن مواجهة الأمم المتحدة رغم جهودها المتواصلة استجابة دولية دون المستوى، مشيراً إلى عدد من المبادرات التي تُطرح لتحسين الوضع وجمع مساعدات أوسع من الجهات المانحة، وهو ما تم حديثاً في إطار مؤتمر لندن.

«المأساة كبيرة جداً، وضحاياها من أطفال ونساء ومواطنين باتوا بلا أدنى مقومات الحياة»... هذه الأزمة وفقاً للمبعوث تتطلب استيقاظ ضمير جماعي، لا من الحكومات فحسب، بل من كل من يسمع ويرى: «السودان بلد عربي وأفريقي، وما يحدث فيه يجب أن يمسنا جميعاً».

ومع أن الوضع الإنساني بحسب المبعوث يسجل تحسناً نسبياً في بعض المناطق بفضل التعاون بين المسؤولين والمنظمات الإنسانية، فإنه يكرر أن هذه الإيجابيات تبقى دون المطلوب: «الحل الوحيد والضروري هو وقف الحرب؛ كون ذلك هو الطريق الأمثل لحماية المدنيين وتحسين الوضع على الأرض»، ويؤكد أن الشعب السوداني «يستحق أن يعيش آمناً في وطن لا بديل عنه».

ما بعد الحرب
بدا لعمامرة كما لو أنه لا يفاوض على تسوية فحسب، بل على منطق مختلف في إدارة الأزمة. يعيد التأكيد بالقول إن «السلام لا يُفرَض، بل يُصنَع. وإذا لم يصنعه السودانيون، فلن يأتيهم من الخارج». لكنه يدرك أيضاً أن هذه الصناعة لن يجري نسجها من دون دعم دولي جاد، فضلاً عن إرادة داخلية تتجاوز الحسابات الضيقة. ولهذا يحذر بشكل مباشر بأن «الوقت لا يعمل لصالح أحد، وكل تأخير يعني مزيداً من التفتت، ومزيداً من الدم».

وبما يشبه النداء الأخير يقول المبعوث إن «السلام ليس حدثاً طارئاً، بل مشروع طويل النفَس... وإذا لم نبدأه الآن، فقد لا نجد بعد أشهر ما يُبنى عليه أصلاً».  

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: 4.8 مليون نازح في اليمن
  • وزارة العدل وحقوق الإنسان: العدوان الصهيوني على اليمن يُذكي نيرانَ الصِّراع في المنطقة برُمَّتها
  • السفير آل جابر يلتقي المبعوث الأممي إلى اليمن
  • حركة المجاهدين الفلسطينية: ندين بشدة العدوان الصهيوني الأمريكي الجديد على اليمن
  • لعمامرة: التسليح يُغذي الأوهام العسكرية والسلام لن يأتي الفرقاء من الخارج .. وأكد ضرورة التسوية السياسية
  • قلق أممي من تحويل مليشيا الحوثي موظفي الإغاثة المختطفين الى دروع بشرية
  • جوليان هارنيس يزور صعدة ويعبر عن قلق الأمم المتحدة لتداعيات الغارات الأمريكية في اليمن
  • فوربس: ما آفاق وتحديات الهجوم البري في اليمن ضد الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • اليمن.. انفجارات عنيفة بعد استهداف أمريكي لثكنات الحوثيين في مأرب
  • محلل إسرائيلي: سببان وراء تصعيد الحوثيين في اليمن هجماتهم ضد إسرائيل