صحيفة البلاد:
2025-12-08@03:53:37 GMT

ثقافة «نحن» في زمن «أنا»

تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT

ثقافة «نحن» في زمن «أنا»

سألت صديقي السؤال المعتاد، الذي نبدأ به كل لقاء بعد طول انقطاع: كيف العمل؟
ابتسم وقال بلغة محبطة:” الصراع في العمل لا ينتهي بين الإدارات ورؤساء الأقسام. الكل يريد أن ينتصر، حتى لو على زميله. في المكان الذي أعمل فيه، لا أحد يفرح لنجاح الآخر، بل يتمنى أن يفشل ليبقى هو في الصورة”. ثم قال جملة علقت في ذهني:”الكل يبحث عن مجد شخصي لنفسه، ولا يريد أن يشاركه أحد”.


تأملت كلماته طويلاً. المجد الشخصي بدلاً من نجاح الفريق! كيف يمكن لمؤسسةٍ أن تنهض، أو لإنجازٍ أن يكتمل، إذا كانت الأنانية هي اللغة السائدة، والحسد هو الوقود الذي يحرك العلاقات؟ هذه ليست مجرد مشكلة في مستشفى يعمل فيه صديقي، بل هي مرآة لثقافةٍ آخذة بالانتشار في كثير من بيئات العمل الحديثة، حيث يُقاس النجاح بعدد النجوم على الصدر لا بعدد الأيدي التي تعاونت للوصول إلى الهدف.
قرأت مؤخراً مقالاً للكاتب والطبيب الأمريكي إيمامو توملينسون بعنوان” اصنع ثقافة تقدّر إنجاز الفريق أكثر من النجاح الفردي”، تحدث فيه عن تجربة مؤسسته الطبية التي اختارت أن تبني مجدها على روح”نحن” بدلاً من”أنا”. يصف الكاتب تلك الثقافة بـ”الثقافة الباهرة”، لأنها تُعيد تعريف النجاح لا بوصفه بطولة فردية، بل عملاً جماعياً يخلق معنى وولاءً وابتكاراً لا يتحقق إلا بتكامل الجهود.
في عالمٍ يرفع شعار المنافسة الفردية، تبدو هذه الفكرة مثالية وربما ساذجة للبعض. لكن توملينسون يثبت العكس؛ فحين تُمنح الفرق الثقة والمسؤولية، وتُكافأ على التعاون لا على التفوق الفردي، يصبح الإنجاز أعمق وأبقى. لقد تحولت مؤسسته من مجموعة أطباء طوارئ إلى شراكة وطنية متعددة التخصصات؛ بفضل هذا المبدأ البسيط: إن النجاح الحقيقي يولد عندما يُضيء الجميع، لا حين يسطع نجم واحد ويخفت ما حوله.
ثقافة الفريق لا تعني إلغاء الطموح الفردي، بل تهذيبه وتوجيهه نحو هدفٍ مشترك. ففي الفرق الناجحة، لا يُقاس التميز بمن يسجل الهدف، بل بمن صنع التمريرة. في الرياضة يسمونها “التمرير الحاسم”، وفي الحياة يسمونها”المساندة الصامتة” التي تجعل الآخرين يبدون عظماء. هذا النوع من العظمة لا يحتاج إلى تصفيق، لأنه يعرف أن قيمته في أثره لا في اسمه.
ولأن القيادة هي من تصنع المناخ، فإن القائد الذي يزرع هذه الثقافة يبدأ بنفسه. لا يخاف أن يشارك المجد، ولا يضيق إذا أُشيد بغيره. إنه يخلق بيئةً يزدهر فيها الجميع، بيئةً يشعر فيها كل فرد بأن صوته مسموع، وأن رأيه مهم، وأن نجاح الفريق ينعكس عليه بالكرامة والرضا لا بالجوائز فقط.
في المقابل، المؤسسات التي يهيمن فيها منطق “أنا أولاً” تتحول إلى ساحات صراع. الكل يراقب الكل، الثقة تتآكل، الإبداع يخنق نفسه خوفاً من السرقة أو الإقصاء، وتتحول بيئة العمل إلى سجنٍ ناعم لا يُنتج سوى التعب.
العمل الجماعي ضرورة إستراتيجية في عالمٍ معقد لا يمكن لفردٍ واحد أن يحيط به. فالعقل الجماعي أذكى من أذكى الأفراد، حين يكون موجهاً نحو هدفٍ مشترك. ومن يفهم هذا المبدأ يدرك أن النجاح الحقيقي لا يقوم على مبدأ الفوز والخسارة، بل على مبدأ “نربح جميعاً أو نخسر جميعاً”.
ربما كان صديقي على حق في وصفه للواقع، لكن الأمل أن يتحول الوعي بهذا الواقع إلى بداية تغيير. فالمؤسسات لا تنهض بالعقول الفردية فقط، بل بالأرواح التي تتناغم، وبالقلوب التي تدرك أن المجد حين يُشارك… يكبر.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: بدر الشيباني

إقرأ أيضاً:

ثقافة المنوفية: تنظيم 94 نشاط ثقافي وفني لأكثر من 2000 مستفيد

أشار اللواء إبراهيم أبو ليمون محافظ المنوفية، إلى أنه تم تنظيم 94 نشاط ثقافى وفنى بـ 24 موقع ثقافى بمختلف مراكز ومدن وقرى المحافظة لخدمة 2479 مستفيد وذلك خلال الفترة من 27 نوفمبر وحتى 3 ديسمبر الجارى.
 

 

وأوضح مدير مديرية الثقافة بالمحافظة، إلى أن الإدارة العامة لثقافة المنوفية قامت بتنظيم تلك الأنشطة الثقافية بالتعاون مع 6 جهات ( التربية والتعليم، الصحة، التضامن الإجتماعى، إدارة الوعظ، الأوقاف، منطقة الآثار الإسلامية بالمنوفية )، وذلك بهدف الإرتقاء بالذوق العام وتنمية الموهوبين والنابغين والمبدعين وتقديم الدعم والرعاية الشاملة لهم، فضلًا عن اكتشاف ورعاية المواهب الفنية والثقافية لذوي الهمم من أبناء المحافظة وتحقيق العدالة الثقافية بين فئات المجتمع و حماية وتعزيز التراث الثقافي .
 

 

ومن جانبه أكد محافظ المنوفية، أنه لا يدخر جهدًا في تقديم الدعم والتيسيرات اللازمة لكافة الفعاليات الثقافية والفنية والتي تستهدف بناء مجتمع يقوم مفرداته على أسس من الوعي والمعرفة، مشيدًا بالدور الرائد والحيوي لوزارة الثقافة بأنشطتها المتنوعة في تشكيل الوعي المجتمعي لدى المواطنين .

 

 

جاء ذلك في ضوء الخطة الشاملة للنهوض بقطاع الثقافة والفنون من خلال تنظيم العديد من الأنشطة والفاعليات الثقافية للارتقاء بالذوق العام وتشكيل الوعي المجتمعي لدى المواطنين

مقالات مشابهة

  • أنشطة متنوعة للتوعية المجتمعية وتعزيز القيم في ثقافة الإسماعيلية
  • ثقافة المنوفية: تنظيم 94 نشاط ثقافي وفني لأكثر من 2000 مستفيد
  • تفاصيل العرض المسرحي "أجمل أصحاب"
  • قصر ثقافة الطفل بجاردن سيتي يشهد غدا انطلاق ملتقى "همم للقمم"
  • هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش
  • أهل مصر.. فن وإبداع في ختام الملتقى الثقافي الـ22 للفتاة والمرأة الحدودية بشرم الشيخ
  • مدير عام ثقافة المرأة: ملتقى أهل مصر يمنح المرأة الحدودية أدوات الإبداع والتمكين
  • صالون ثقافي بطنطا يستعرض دور قصور الثقافة في دعم وتمكين ذوي الهمم
  • ورش فنية ومحاضرات توعوية للطلاب بثقافة المنيا