معرض الكتاب ٢٠٢٤.. دورة أدب المقاومة (١)
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
أمامنا فرصة عظيمة نساعد بها فلسطين–ومقاومتها الجسورة وصمودها البطل فى قطاع غزة، من خلال معرض القاهرة الدولى للكتاب المقرر افتتاحه ٢٤ يناير المقبل.اسم الدورة- فى تقديري- يرتبط بالمقاومة.. الروائى والقاص الفلسطينى غسان كنفانى وهو أحد أشهر كتابنا فى القرن العشرين (عكا 9 أبريل 1936–بيروت 8 يوليو 1972) أبرز من كتب عن ادب المقاومة، وأيضاً الأدب الصهيونى.
معرض فرانكفورت الدولى للكتاب الذى يقام فى ألمانيا وله سمعة عالمية -فى زمن الراحل سمير سرحان نافسناه عليها –وقعت امور مخزية، فرئيسه اعلن فى البداية انحياز معرض فرانكفورت إلى جانب العدو الصهيونى، وأدان المقاومة ووصفها بالإرهابية، دون أن يطرف له جفن بأن هناك ارضًا محتلة من الصهاينة، وشعبًا فلسطينيًا اغتصبت أرضه وشرد وقتل وتشتت فى مختلف الأنحاء.. وما زال تحت الاحتلال وفى الشتات منذ ٧٠ عامًا أو يزيد.
لم يكتف معرض فرانكفورت بذلك، بل قام بإلغاء حفل تكريم الأديبة الفلسطينية عدنية شلبى، التى كان مقررًا الاحتفال بروايتها «تفاصيل بسيطة»–التى ذاع صيتها وحققت اهتمامًا نقديًا عالميًا كبيرًا–وهو إجراء كان قمة فى التعسف والعنصرية والانحياز الفج للإرهاب الصهيونى.
وقد أشارت أنباء إلى أن «معرض زايد» المقام مؤخرًا أعلن عن تكريم عدنية شلبى ردًا على هذا الموقف.
الآن ونحن على مشارف انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب بكل تاريخه،وسمعة مبدعيه، وما تحتويه دور النشر المشاركة فيه، من أعمال لمبدعين مصريين وعرب وغيرهم، وبكل مرتاديه الذين يناهزون الأربعة ملايين تقريبًا، يمكننا أن نحوله إلى تظاهرة ثقافية يصل صوتها للعالم.
يمكننا–كما ذكرت - أن نُعْلِى قيمة الأدب المقاوم بإقرانه باسم المعرض، عبر إلصاقها باسم غسان كنفانى، وإتاحة الفرصة أمامنا لاستضافة عدنية شلبى فتكون لها ندوة خاصة فى إطار المعرض، وأن تعقد ندوات خاصة يشرف على إعدادها نقاد ومبدعون مرموقون؛ منها ندوات عن الأدب المقاوم بكل عناصره ومجالاته، قديمه وحديثه، وأن يكون هناك حفل غنائى موسيقى مصرى عربى فلسطينى مشترك للغناء المقاوم، تحييه من القاهرة الفنانة اميرة الغناء المقاوم عزة بلبع، وفرقة الجميزة (ناصر النوبى منصور ويم سويلم) وفنان السمسمية الإسماعيلاوى محمد حجازى، والفرق ربما لاتزال تشدو على أرض السويس مثل أولاد الارض من محبى الكابتن غزالى، ولا أنسى هنا كورال القاهرة الغنائى، وقيادة المايسترو سليم سحاب.
هناك مفكرون وكتاب مهمون تصدوا للعدو الصهيونى على مدار الفترة من ٧ أكتوبر حتى اليوم مثل نبيل عبدالفتاح الذى تصدى للعدوان الهمجى الصهيونى من زاوية القانونى الدولى الذى سقط تماما فى هذه الحرب، وعبدالله السناوى الذى اهتم بقضية الأمن القومى المصرى على ضوء التهديدات بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.. وعمار على حسن، والكاتب الكبير محمد سلماوى، الذى افاض فى حديث المقاطعة المصرية للبراندات والسلع العالمية التى أعلنت الشركات المنتجة لها عن دعم الكيان الصهيونى. وهؤلاء الكتاب يجب أن تخصص لهم ندوات لطرح رؤاهم فى المعرض، فى قاعات كبيرة، هذا إذا اردنا أن نستعيد للمعرض وللمبدعين المصريين والعرب، وللكتاب والصحفيين ألقهم ورونقهم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود الشربيني ا فرصة معرض القاهرة
إقرأ أيضاً:
فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها.
أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.
فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود.
ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه.
تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.
لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى.
ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.
ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية.
وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.
كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.
وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين.
وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.
ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.
إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة.
وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.
رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.