الاقتصاد نيوز ـ متابعة

ودّع المغاربة عام 2023 المثقل بتداعيات اقتصادية واجتماعية، لكنهم يُمنون النفس بأن يكون العام الجديد أخف ضرراً ومناسباً لجني ثمار عدد من المبادرات التي أطلقتها البلاد لمسح جراح توالي الأزمات منذ عام 2019.

اتسم العام الماضي، بالتضخم المرتفع والجفاف المتوالي والتشديد النقدي والنمو المتواضع وزلزال مدمر أودى بحياة 3000 شخص، كما أنه عام لصادرات قياسية لصناعة السيارات وتوافد سُياح كثر وتحويلات سخية للمغتربين بما عزز رصيد المغرب من العملة الصعبة.

تُقبل المملكة على عام 2024 بتحديات مستمرة، على رأسها استمرار الجفاف وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لكن الخبر الجيد هو توقع تراجع معدل التضخم إلى المستويات العادية بما قد يسمح بتخفيف السياسة النقدية لدعم النمو الاقتصادي لتحقيق هدف الحكومة بنمو نسبته 3.7%.

الجفاف التحدي الأكبر

نُدرة الأمطار وما تسببه من إجهاد مائي أصبح واقعاً في المملكة، فمواسم الجفاف متواصلة منذ 2019، وهذا يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي الذي يُتوقع، حسب بنك المغرب المركزي، أن يُنهي العام الجاري بنسبة 2.7%، على أن يتحسّن إلى 3.2% عام 2024.

المغرب يقترض 250 مليون يورو من ألمانيا لدعم عدة قطاعات

قال رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن استمرار الجفاف يمثل تحدياً كبيراً في 2024، لأن اقتصاد البلاد ما يزال يعتمد على النشاط الزراعي، خصوصاً على مستوى التشغيل وتزويد السوق بمنتجات فلاحية بأسعار مقبولة.

يُسهم قطاع الزراعة بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ويعمل به أكثر من 40% من السكان، ولذلك يعتبر أداؤه حاسماً في النمو حيث يتأثر الإنتاج المحلي بموسم الأمطار الضعيفة وغير المنتظمة، وهو ما جعل صادرات قطاع الزراعة والصناعة الغذائية مستقرة بدون نمو، في حدود 75.9 مليار درهم بنهاية نوفمبر.

في مؤتمر صحفي في ديسمبر وصف نزار بركة، وزير التجهيز والماء المغربي، المرحلة التي يعيشها المغرب جراء الجفاف بـ"الدقيقة والحرجة"، قائلاً إن الأشهر الأولى من الموسم الفلاحي الجديد (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر) سجلت سقوط أمطار بمعدل 21 ملمتراً فقط، بانخفاض 67% مقارنة بالمعدلات الطبيعية في السنوات السابقة".

استمرار الجفاف يؤثر على الزراعة وعلى وتيرة تزويد المواطنين بماء الشرب، وهو ما اعتبره أيضاً أحمد أزيرار، رئيس الجمعية المغربية لاقتصادي المقاولة، التحدي الرئيسي للاقتصاد في العام الجديد، بما يستدعي تنويع مصادر المياه الصالحة للشرب.

تباطؤ النمو العالمي

يشكل تباطؤ النمو العالمي تحدياً آخر للمملكة، فالطلب الخارجي مؤشرٌ رئيسي على أداء الصادرات، وخصوصاً نحو سوق الاتحاد الأوروبي التي توجه إليه أكثر من 60% من المنتجات والخدمات، وهذا يعني نسبةً كبيرةً من الشركات ومستوى استثمارها.

توقع أزيرار استمرار التوترات الجيوسياسية على الصعيد الدولي خلال العام المقبل، مما سينتج عنه استمرار الضغط على الاقتصاد المغربي من خلال انخفاض الطلب الخارجي وارتفاع أسعار الاقتراض الخارجي مع تذبذب في التحويلات من طرف المغتربين.

يُعول المغرب على تحويلات المغتربين في أنحاء العالم، حيث تشكل داعماً رئيسياً لرصيد البلاد من العملة الصعبة، حيث ناهزت في نوفمبر 105.4 مليار درهم (10.6 مليار دولار) بارتفاع 4.4% على أساس سنوي وهو مستوى قياسي جداً يتوقع أن يستمر العام المقبل إلى 115 مليار درهم، و120 مليار درهم عام 2025، بحسب توقعات بنك المغرب المركزي.

الخبر الجيد: تراجع التضخم

أمام تعدد التحديات، يبرز توقع تراجع التضخم كواحد من الأخبار الجيدة للمغرب، فخلال العام 2022 شهدت البلاد موجةً تضخميةً كانت الأقوى منذ تسعينات القرن الماضي بمعدل سنوي 6.6% مقابل 1.5% كمتوسط في العقدين الماضيين. أما العام المنتهي فيتوقع أن يُسجل 6.1%، على أن ينخفض إلى 2.4% للعامين المقبلين، قريباً من المستهدف 2%.

على غرار البنوك المركزية عبر العالم، قاد بنك المغرب المركزي حملة تشديد نقدية منذ سبتمبر من عام 2022 حتى مارس 2023 برفع الفائدة 3 مرات بإجمالي 150 نقطة أساس إلى 3% حالياً، وهو الأعلى منذ 2014، ليُسهم بذلك في كبح جماح التضخم.

إلى جانب السياسة النقدية، زادت الحكومة ميزانية دعم المواد الاستهلاكية وأقرت دعماً مالياً مباشراً لقطاع نقل المسافرين. في الأسبوع الماضي، شرعت في صرف مساعدات شهرية للمرة الأولى، تستهدف نحو مليون أسرة معوزة، بموجب برنامج للدعم الاجتماعي، بالموازاة مع خُطة لرفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية.

قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال اجتماع لمجلس الحكومة الأسبوع الماضي إن الأسر المستفيدة ستحصل على ما لا يقل عن 500 درهم (نحو 50 دولاراً) شهرياً مهما كانت تركيبتها، وهي مساعدات ينتظر أن ترتفع إلى نحو 900 درهم بحلول 2026.

المغرب يرفع الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص فوق 300 دولار

دعم المغرب للمواد الاستهلاكية يشمل فقط السكر والدقيق وغاز الطهي في المنازل عبر "صندوق المقاصة" الذي يكلف في المتوسط حوالي 30 مليار درهم في السنة، لكن الحكومة تعتزم رفع هذا الدعم تدريجياً خلال السنوات الثلاث المقبلة لتوفير هوامش مالية لفائدة برنامج الدعم المالي المباشر.

في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي، أجاب الجواهري على سؤال "الشرق" بأن تطور مستوى التضخم في الربع الأول من العام الجديد سيحسم قراره بخصوص الفائدة في شهر مارس القادم. وفي هذا الاتجاه توقع مُحللو مركز التجاري للأبحاث، التابع للتجاري وفا بنك، أكبر مجموعة بنكية في المملكة، بدء سياسة التيسير النقدي العام المقبل بخفض الفائدة لدعم الاستثمار والنمو.

نقاط قوة المملكة

وسط الأزمات المتتالية، صمدت صادرات المملكة من صناعة السيارات خلال العامين الماضيين بشكل لافت، كما يتوقع أن تبلغ مستويات قياسية في السنوات المقبلة بعدما تجاوزت صادرات الفوسفات ومشتقاته التي كانت أكبر منتج تصدره المملكة بفضل توفرها على 70% من الاحتياطي العالمي.

يطمح المغرب إلى مضاعفة قدرته الإنتاجية السنوية إلى مليوني سيارة بحلول عام 2030، من 700 ألف حالياً، بفضل مصنعي "ستيلاتنيس" و"رينو" حيث يتم إنتاج سيارات حرارية وكهربائية يُصدر أغلبها نحو السوق الأوروبية، يُضاف إليهما في ديسمبر إطلاق أول علامة محلية الصنع باسم "نيو".

يستبعد أحمد أزيرار تأثير التطورات الاقتصادية على المستوى الدولي على تدفقات الاستثمارات خصوصاً في القطاعات الرائدة مثل الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، لكنه شدد على ضرورة تقوية الاستثمار المحلي من خلال ميثاق الاستثمار الجديد الذي يقدم تحفيزات لرفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث حالياً إلى الثلثين بحلول عام 2035.

بنهاية نوفمبر، حققت صادرات السيارات 130.6 مليار درهم، بزيادة 30.2% على أساس سنوي، ويتوقع أن تنهي العام الحالي بـ145.2 مليار درهم وفقاً للبنك المركزي، ثم لترتفع إلى 168.8 مليار درهم العام المقبل، على أن تقفز إلى 190 مليار درهم عام 2025، وهو رقم غير مسبوق من أي قطاع تصديري في المملكة.

السياحة هو قطاع آخر يساهم في صمود الاقتصاد المغربي، فقد استقبلت البلاد 13.2 مليون سائح في 11 شهراً بشكل فاق عام ما قبل كورونا، وهو ما حقق إيرادات 97.4 مليار درهم، بارتفاع 15.8% على أساس سنوي. والهدف المقبل هو 17.5 مليون سائح عام 2026، و26 مليوناً بنهاية العقد الحالي.

شهد عام 2023 نيل المغرب شرف استضافة كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وذلك بعد ترشيحات متتالية منذ 1998، إضافة إلى تنظيم كأس أفريقيا للأمم عام 2025 وهما حدثان يتوقع أن يدعما انتعاش قطاعات عدة على رأسها البناء والعقار السكني والسياحة والبنوك والنقل إضافة إلى البنيات التحتية من طرق وملاعب وفنادق.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار العام المقبل ملیار درهم ی العام

إقرأ أيضاً:

معدل البطالة في بريطانيا يرتفع إلى أعلى مستوى منذ أربع سنوات

أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، الصادرة الثلاثاء، أن معدل البطالة في المملكة المتحدة ارتفع خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في آب/أغسطس إلى 4.8%، مسجلا أعلى مستوى له منذ أكثر من أربع سنوات، في ظل تراجع واضح لسوق العمل وتباطؤ نشاط التوظيف.

تأتي هذه الأرقام قبل عرض ميزانية المملكة المتحدة المقرر في 26 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، حيث ستواجه وزيرة المال ريتشل ريفز تحديا مزدوجا، يتمثل في تحقيق إنعاش للخزينة العامة بينما يظل الاقتصاد راكدا ومتأثرا بمعدلات تضخم مرتفعة.

وقد حدت الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة العام الماضي، والتي تضمنت خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، خصوصاً على أصحاب العمل، من قدرتها على اتخاذ خطوات تحفيزية كبيرة. وأوضح ريتشارد كارتر، المحلل في شركة "كويلتر شيفيوت"، أن رفع الضرائب "أثقل كاهل الشركات"، مشيراً إلى أن الشركات ستفضل على الأرجح تأجيل أي خطط توظيف كبيرة حتى تتضح سياسات الحكومة المقبلة.

وأضاف سانجاي راجا من "دوتشه بنك" أن "خطط التوظيف متوقفة، وسوق العمل يواصل تراجعها"، في حين أشار مات سوانيل، المحلل في شركة "إي واي إيتيم كلوب"، إلى أن نمو الأجور في القطاع الخاص تباطأ ليصل إلى أدنى مستوى له منذ نحو أربع سنوات، رغم أنه لا يزال أعلى من المستويات المتوافقة مع هدف بنك إنكلترا لمعدل تضخم 2%. وأكد سوانيل أن هذا الوضع يرجح "بقاء معدلات الفائدة مستقرة حتى نهاية العام".

ويواجه الاقتصاد البريطاني منذ أكثر من عام تباطؤا في النمو مع ضغوط تضخمية مستمرة، إذ سجل التضخم مستويات قياسية في 2022 و2023 تجاوزت 10%، فيما شهد العام 2024 تراجعا تدريجيا لكنه ما زال أعلى من المستهدف من قبل بنك إنكلترا. وللحد من التضخم، رفع البنك أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى منذ 15 عاما، ما أثر سلبا على قروض الرهن العقاري وتكاليف الاقتراض للأفراد والشركات.


كما يعاني قطاع التجزئة ضغوطا حادة نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، وسط توقعات بأن تبقى أسعار الطاقة مرتفعة نسبيا خلال شتاء 2025، ما قد يزيد الأعباء على الأسر البريطانية. وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومة ضغوطا متزايدة لإقرار سياسات تحفيزية لدعم النمو وتخفيف آثار التضخم على المواطنين.

وتعكس تراجع ثقة المستهلكين صورة قاتمة للاقتصاد البريطاني في الوقت الراهن، إذ يشعر المواطنون بالقلق من المستقبل ويضطرون إلى تقليص إنفاقهم اليومي، فيما يصبح تعزيز ثقة المستهلك عنصرا حاسما لإعادة تنشيط الاقتصاد. وبذلك، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة وبنك إنكلترا هو تحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع معدل التضخم في ألمانيا لأعلى مستوى خلال 2025
  • عاجل | صندوق النقد الدولي يتوقع استمرار نمو الاقتصاد الأردني والتضخم حتى 2026
  • معدل البطالة في بريطانيا يرتفع إلى أعلى مستوى منذ أربع سنوات
  • «تبريد» تنجز أكبر صفقتين في تاريخها بـ 5.3 مليار درهم
  • «الدار» تبيع كامل وحدات «ياس ليفنج» بـ1.3 مليار درهم
  • البنك المركزي: عطاء الوديعة الثابتة يجذب 153.3 مليار جنيه من 12 بنكا
  • سعر الذهب في المغرب اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025
  • 7.34 مليار درهم زيادة في رصيد المركزي من الذهب خلال 20 شهراً
  • منظمة التجارة العالمية: 341 مليار درهم تجارة الإمارات من الخدمات الرقمية
  • سلطة مدينة دبي الطبية تعلن خطة تطويرية بـ1.3 مليار درهم في مدينة دبي الطبية