المغرب يدخل 2024 مسيطراً على التضخم ومتوجساً من الجفاف
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
الاقتصاد نيوز ـ متابعة
ودّع المغاربة عام 2023 المثقل بتداعيات اقتصادية واجتماعية، لكنهم يُمنون النفس بأن يكون العام الجديد أخف ضرراً ومناسباً لجني ثمار عدد من المبادرات التي أطلقتها البلاد لمسح جراح توالي الأزمات منذ عام 2019.
اتسم العام الماضي، بالتضخم المرتفع والجفاف المتوالي والتشديد النقدي والنمو المتواضع وزلزال مدمر أودى بحياة 3000 شخص، كما أنه عام لصادرات قياسية لصناعة السيارات وتوافد سُياح كثر وتحويلات سخية للمغتربين بما عزز رصيد المغرب من العملة الصعبة.
تُقبل المملكة على عام 2024 بتحديات مستمرة، على رأسها استمرار الجفاف وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لكن الخبر الجيد هو توقع تراجع معدل التضخم إلى المستويات العادية بما قد يسمح بتخفيف السياسة النقدية لدعم النمو الاقتصادي لتحقيق هدف الحكومة بنمو نسبته 3.7%.
الجفاف التحدي الأكبر
نُدرة الأمطار وما تسببه من إجهاد مائي أصبح واقعاً في المملكة، فمواسم الجفاف متواصلة منذ 2019، وهذا يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي الذي يُتوقع، حسب بنك المغرب المركزي، أن يُنهي العام الجاري بنسبة 2.7%، على أن يتحسّن إلى 3.2% عام 2024.
المغرب يقترض 250 مليون يورو من ألمانيا لدعم عدة قطاعات
قال رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن استمرار الجفاف يمثل تحدياً كبيراً في 2024، لأن اقتصاد البلاد ما يزال يعتمد على النشاط الزراعي، خصوصاً على مستوى التشغيل وتزويد السوق بمنتجات فلاحية بأسعار مقبولة.
يُسهم قطاع الزراعة بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، ويعمل به أكثر من 40% من السكان، ولذلك يعتبر أداؤه حاسماً في النمو حيث يتأثر الإنتاج المحلي بموسم الأمطار الضعيفة وغير المنتظمة، وهو ما جعل صادرات قطاع الزراعة والصناعة الغذائية مستقرة بدون نمو، في حدود 75.9 مليار درهم بنهاية نوفمبر.
في مؤتمر صحفي في ديسمبر وصف نزار بركة، وزير التجهيز والماء المغربي، المرحلة التي يعيشها المغرب جراء الجفاف بـ"الدقيقة والحرجة"، قائلاً إن الأشهر الأولى من الموسم الفلاحي الجديد (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر) سجلت سقوط أمطار بمعدل 21 ملمتراً فقط، بانخفاض 67% مقارنة بالمعدلات الطبيعية في السنوات السابقة".
استمرار الجفاف يؤثر على الزراعة وعلى وتيرة تزويد المواطنين بماء الشرب، وهو ما اعتبره أيضاً أحمد أزيرار، رئيس الجمعية المغربية لاقتصادي المقاولة، التحدي الرئيسي للاقتصاد في العام الجديد، بما يستدعي تنويع مصادر المياه الصالحة للشرب.
تباطؤ النمو العالمي
يشكل تباطؤ النمو العالمي تحدياً آخر للمملكة، فالطلب الخارجي مؤشرٌ رئيسي على أداء الصادرات، وخصوصاً نحو سوق الاتحاد الأوروبي التي توجه إليه أكثر من 60% من المنتجات والخدمات، وهذا يعني نسبةً كبيرةً من الشركات ومستوى استثمارها.
توقع أزيرار استمرار التوترات الجيوسياسية على الصعيد الدولي خلال العام المقبل، مما سينتج عنه استمرار الضغط على الاقتصاد المغربي من خلال انخفاض الطلب الخارجي وارتفاع أسعار الاقتراض الخارجي مع تذبذب في التحويلات من طرف المغتربين.
يُعول المغرب على تحويلات المغتربين في أنحاء العالم، حيث تشكل داعماً رئيسياً لرصيد البلاد من العملة الصعبة، حيث ناهزت في نوفمبر 105.4 مليار درهم (10.6 مليار دولار) بارتفاع 4.4% على أساس سنوي وهو مستوى قياسي جداً يتوقع أن يستمر العام المقبل إلى 115 مليار درهم، و120 مليار درهم عام 2025، بحسب توقعات بنك المغرب المركزي.
الخبر الجيد: تراجع التضخم
أمام تعدد التحديات، يبرز توقع تراجع التضخم كواحد من الأخبار الجيدة للمغرب، فخلال العام 2022 شهدت البلاد موجةً تضخميةً كانت الأقوى منذ تسعينات القرن الماضي بمعدل سنوي 6.6% مقابل 1.5% كمتوسط في العقدين الماضيين. أما العام المنتهي فيتوقع أن يُسجل 6.1%، على أن ينخفض إلى 2.4% للعامين المقبلين، قريباً من المستهدف 2%.
على غرار البنوك المركزية عبر العالم، قاد بنك المغرب المركزي حملة تشديد نقدية منذ سبتمبر من عام 2022 حتى مارس 2023 برفع الفائدة 3 مرات بإجمالي 150 نقطة أساس إلى 3% حالياً، وهو الأعلى منذ 2014، ليُسهم بذلك في كبح جماح التضخم.
إلى جانب السياسة النقدية، زادت الحكومة ميزانية دعم المواد الاستهلاكية وأقرت دعماً مالياً مباشراً لقطاع نقل المسافرين. في الأسبوع الماضي، شرعت في صرف مساعدات شهرية للمرة الأولى، تستهدف نحو مليون أسرة معوزة، بموجب برنامج للدعم الاجتماعي، بالموازاة مع خُطة لرفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية.
قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال اجتماع لمجلس الحكومة الأسبوع الماضي إن الأسر المستفيدة ستحصل على ما لا يقل عن 500 درهم (نحو 50 دولاراً) شهرياً مهما كانت تركيبتها، وهي مساعدات ينتظر أن ترتفع إلى نحو 900 درهم بحلول 2026.
المغرب يرفع الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص فوق 300 دولار
دعم المغرب للمواد الاستهلاكية يشمل فقط السكر والدقيق وغاز الطهي في المنازل عبر "صندوق المقاصة" الذي يكلف في المتوسط حوالي 30 مليار درهم في السنة، لكن الحكومة تعتزم رفع هذا الدعم تدريجياً خلال السنوات الثلاث المقبلة لتوفير هوامش مالية لفائدة برنامج الدعم المالي المباشر.
في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي، أجاب الجواهري على سؤال "الشرق" بأن تطور مستوى التضخم في الربع الأول من العام الجديد سيحسم قراره بخصوص الفائدة في شهر مارس القادم. وفي هذا الاتجاه توقع مُحللو مركز التجاري للأبحاث، التابع للتجاري وفا بنك، أكبر مجموعة بنكية في المملكة، بدء سياسة التيسير النقدي العام المقبل بخفض الفائدة لدعم الاستثمار والنمو.
نقاط قوة المملكة
وسط الأزمات المتتالية، صمدت صادرات المملكة من صناعة السيارات خلال العامين الماضيين بشكل لافت، كما يتوقع أن تبلغ مستويات قياسية في السنوات المقبلة بعدما تجاوزت صادرات الفوسفات ومشتقاته التي كانت أكبر منتج تصدره المملكة بفضل توفرها على 70% من الاحتياطي العالمي.
يطمح المغرب إلى مضاعفة قدرته الإنتاجية السنوية إلى مليوني سيارة بحلول عام 2030، من 700 ألف حالياً، بفضل مصنعي "ستيلاتنيس" و"رينو" حيث يتم إنتاج سيارات حرارية وكهربائية يُصدر أغلبها نحو السوق الأوروبية، يُضاف إليهما في ديسمبر إطلاق أول علامة محلية الصنع باسم "نيو".
يستبعد أحمد أزيرار تأثير التطورات الاقتصادية على المستوى الدولي على تدفقات الاستثمارات خصوصاً في القطاعات الرائدة مثل الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، لكنه شدد على ضرورة تقوية الاستثمار المحلي من خلال ميثاق الاستثمار الجديد الذي يقدم تحفيزات لرفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث حالياً إلى الثلثين بحلول عام 2035.
بنهاية نوفمبر، حققت صادرات السيارات 130.6 مليار درهم، بزيادة 30.2% على أساس سنوي، ويتوقع أن تنهي العام الحالي بـ145.2 مليار درهم وفقاً للبنك المركزي، ثم لترتفع إلى 168.8 مليار درهم العام المقبل، على أن تقفز إلى 190 مليار درهم عام 2025، وهو رقم غير مسبوق من أي قطاع تصديري في المملكة.
السياحة هو قطاع آخر يساهم في صمود الاقتصاد المغربي، فقد استقبلت البلاد 13.2 مليون سائح في 11 شهراً بشكل فاق عام ما قبل كورونا، وهو ما حقق إيرادات 97.4 مليار درهم، بارتفاع 15.8% على أساس سنوي. والهدف المقبل هو 17.5 مليون سائح عام 2026، و26 مليوناً بنهاية العقد الحالي.
شهد عام 2023 نيل المغرب شرف استضافة كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وذلك بعد ترشيحات متتالية منذ 1998، إضافة إلى تنظيم كأس أفريقيا للأمم عام 2025 وهما حدثان يتوقع أن يدعما انتعاش قطاعات عدة على رأسها البناء والعقار السكني والسياحة والبنوك والنقل إضافة إلى البنيات التحتية من طرق وملاعب وفنادق.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار العام المقبل ملیار درهم ی العام
إقرأ أيضاً:
ارتفاع محدود لأسعار الذهب محليا بالتزامن مع عطلة البورصات العالمية
سجّلت أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفاعًا طفيفًا خلال تعاملات اليوم السبت، بالتزامن مع العطلة الأسبوعية للبورصات العالمية، وذلك عقب المكاسب القوية التي حققتها الأوقية عالميًا خلال الأسبوع الماضي بنسبة 2.4%، في ظل تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي واستمرار التوترات الجيوسياسية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، بحسب تقرير منصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات.
وقال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، إن أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفعت بنحو 10 جنيهات مقارنة بختام تعاملات أمس، حيث سجّل جرام الذهب عيار 21 نحو 5745 جنيهًا، وبلغ عيار 24 حوالي 6566 جنيهًا، بينما سجّل عيار 18 نحو 4924 جنيهًا، في حين وصل سعر الجنيه الذهب إلى 45960 جنيهًا.
وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت أسعار الذهب بنحو 100 دولار للأوقية خلال تعاملات الأسبوع، لتغلق عند مستوى 4299 دولارًا.
ومنذ بداية العام، حقق الذهب قرابة 50 مستوى قياسيًا جديدًا، مسجّلًا ارتفاعًا تجاوز 65%، ليحقق أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979.
ورغم هذه المكاسب، فإن أداء الذهب يبدو أقل مقارنة بالفضة، إذ ورغم تراجع المعدن الأبيض عن قممه الأخيرة التي تجاوزت 64.66 دولارًا للأوقية، إلا أنه أنهى الأسبوع على ارتفاع بأكثر من 6%، مع تحقيق قفزة سنوية بلغت نحو 115%، ليتداول عند مستويات تاريخية غير مسبوقة.
ويتوقع محللون أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، حتى في ظل استمرار الضغوط التضخمية، ما يعني استمرار تراجع العوائد الحقيقية وتقليص تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب، باعتباره أصلًا لا يدر عائدًا.
في المقابل، يُرجّح أن يسهم استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي في كبح نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المقبل. ورغم التوقعات بدعم اقتصاد الذكاء الاصطناعي لأسواق الأسهم حتى عام 2026، فإن تصاعد المخاطر في سوق الأسهم يعزز من جاذبية الذهب كأداة فعالة لتنويع المحافظ الاستثمارية.
ورغم الطلب القوي وغير المسبوق على الذهب هذا العام، لا تزال حيازاته تمثل نسبة محدودة من إجمالي الأصول المالية العالمية، ما يفتح المجال أمام تدفقات استثمارية إضافية مستقبلًا.
ولا يزال عدد من المحللين يستهدفون وصول أسعار الذهب إلى مستوى 5000 دولار للأوقية خلال العام المقبل، بينما تتراوح التوقعات لأسعار الفضة بين 75 و80 دولارًا للأوقية، مع ترجيحات أكثر تفاؤلًا بوصولها إلى 100 دولار.
وتستمر أسعار الذهب في تلقي الدعم من حالة الغموض المحيطة بتوجهات الاحتياطي الفيدرالي وضعف البيانات الاقتصادية، رغم صدور تصريحات متباينة من مسؤولي البنك المركزي الأمريكي، فقد أعرب اثنان من ثلاثة أعضاء معارضين عن قلقهم من استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة، خاصة في ظل محدودية البيانات الاقتصادية، وعلى رأسها مؤشر أسعار المستهلكين.
وجاء تقرير طلبات إعانة البطالة، الذي جاء أضعف من التوقعات، ليعكس ارتفاع عدد الأمريكيين المتقدمين للحصول على إعانات البطالة، وهو ما عزز موقف البنك المركزي. ومع ذلك، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى أن جانبًا من البيانات قد يكون “مضللًا” نتيجة إغلاق الحكومة الأمريكية.
وعلى الصعيد الجيوسياسي، تبدو محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا متعثرة، في ظل تعبير البيت الأبيض عن استياء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من بطء المفاوضات وخيبة أمله من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لعدم توقيعه على خطة السلام الأمريكية.
وتجاهلت أسعار الذهب إلى حد كبير التصريحات الأخيرة لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، والتي تمهد لمسار أسعار الفائدة خلال العام المقبل. غير أن جيفري شميد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، خالف هذا التوجه، معتبرًا أن التضخم لا يزال مرتفعًا للغاية، وأن السياسة النقدية يجب أن تظل تقييدية بشكل معتدل، مشيرًا إلى أن الاقتصاد لا يزال يتمتع بزخم واضح.
من جانبه، دعا أوستن جولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، إلى انتظار المزيد من البيانات، خاصة المتعلقة بالتضخم وسوق العمل، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه لا يتبنى موقفًا متشددًا حيال أسعار الفائدة في العام المقبل، ويتوقع خفضًا بنحو 50 نقطة أساس حال تحسن المؤشرات الاقتصادية.
وفي السياق ذاته، أعربت آنا بولسون، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، عن قلقها بشأن ضعف سوق العمل، مشيرة إلى إمكانية تراجع التضخم خلال العام المقبل مع انحسار تأثير الرسوم الجمركية التي كانت أحد أبرز محركات ضغوط الأسعار هذا العام.
في المقابل، شددت بيث هاماك، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، على استمرار مخاطر التضخم المرتفع، مفضلة اتباع سياسة نقدية أكثر تشددًا، معتبرة أن سعر الفائدة الحالي قريب من المستوى المحايد، مع الحاجة إلى مزيد من القيود للسيطرة على التضخم.
وبحسب بيانات وزارة العمل الأمريكية، ارتفعت طلبات إعانة البطالة الأولية للأسبوع المنتهي في 6 ديسمبر إلى 236 ألف طلب، مقارنة بـ192 ألفًا بعد تعديل بيانات الأسبوع السابق، في حين تراجعت طلبات إعانة البطالة المستمرة إلى 1.838 مليون طلب، ما يشير إلى قدر من الاستقرار في معدلات البطالة طويلة الأجل.
وتترقب الأسواق خلال الأسبوع المقبل صدور بيانات التوظيف لشهري أكتوبر ونوفمبر، إلى جانب بيانات التضخم لشهر نوفمبر، وهي عوامل مرشحة لتعزيز التقلبات في أسواق الذهب والمعادن النفيسة.