مستقبل السوريين في تركيا بعد الانتخابات
تاريخ النشر: 16th, July 2023 GMT
كان الوجود السوري في تركيا أحد أهم الملفات في حملات الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة في البلاد، ورغم خسارة المعارضة -ولا سيما الأحزاب المعادية للاجئين والأجانب في الانتخابات- فإن الملف لم يختف تماما من التداول السياسي والإعلامي، فضلا عن اقتراب الانتخابات المحلية التي يتوقع أن تعيد تسخينه.
السياسي والقانونيلا يندرج السوريون المقيمون في تركيا من الناحية القانونية تحت بند اللجوء السياسي وإنما في إطار "الحماية المؤقتة"، فرغم أنها صدّقت على اتفاقية عام 1951 بخصوص اللاجئين فإن تركيا لم تلغ التحديد الجغرافي (الأوروبي) وفق بروتوكول نيويورك 1967، ولذلك فإن كل من يلجأ إليها من البلاد الأخرى لا يحصل على صفة اللجوء القانونية، وهو ما تنص عليه المادة رقم 91 من قانون "الأجانب والحماية الدولية" لعام 2014.
كان الوجود السوري في تركيا مناط احتجاج المعارضة في وجه الحكومة التركية، لكنه اتخذ في السنوات القليلة الأخيرة مسارات مختلفة ومعقدة، ومعه انتقل حتى الحديث الحكومي الرسمي من خطاب "المهاجرين والأنصار" إلى مقاربة تحيل إلى التعامل مع تحدٍ أو مشكلة قائمة.
قدم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو خطابا شعبويا استهدف السوريين وجعل ترحيلهم شعار حملته في الإعادة وأبرم تفاهما مع رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ بهذا الخصوص
ولا شك أن الأمر يشكل تحديا من زاوية ما وتشوبه بعض السلبيات ويمثل ظاهرة صعبة العلاج لأسباب كثيرة، في مقدمتها لجوء عدد كبير من السوريين يقدر بالملايين في مدة زمنية قصيرة نسبيا، تضاف إلى ذلك الفروق والاختلافات اللغوية والثقافية بين الشعبين.
ومنها كذلك أن الملف كان إحدى قضايا الاستقطاب السياسي في البلاد، بحيث وقفت حكومات العدالة والتنمية منذ 2012 مع المعارضة السورية، في حين تبنى أكبر أحزاب المعارضة سردية النظام إلى حد كبير، ثم ظهرت في السنوات القليلة الأخيرة بعض التيارات التي جعلت العداء للاجئين همها الشاغل وخطابها السياسي الأوحد، وأهمها حزب النصر اليميني المتطرف الذي جعل السوريين و"اللاجئين" عموما السبب الأبرز لكل مشاكل تركيا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية وغيرها.
وأخيرا، فقد ساهم الخطاب الحكومي أحيانا في تغذية الظاهرة من حيث أراد العكس، تارة بالمبالغة في تقدير الأموال والمصادر التي بذلتها الحكومات التركية للسوريين بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، وهو ما أدى إلى حالة اعتراض داخلية كبيرة، وتارة بانتهاج سياسات وإجراءات بهدف تخفيف الاحتقان اعتمدت عليه التيارات العنصرية للتدليل على سلامة موقفها وتحليلها ثم رفع سقف خطابها ومطالبها.
أثر الانتخاباتمع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد في السنتين الأخيرتين مترافقا مع نمو التيار المناهض لوجود الأجانب عموما والسوريين خصوصا فيها بات اللاجئون -خاصة السوريين- ملفا أساسيا على أجندة الانتخابات المصيرية وطوال الحملة الانتخابية.
قبل الانتخابات بأشهر ساهم عاملان أساسيان في تراجع أهمية الملف انتخابيا، الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد في فبراير/شباط الفائت وتقدم قائمة الأولويات السياسية والإعلامية والانتخابية، والإجراءات التي قامت بها الحكومة لتخفيف نسبة الوجود الأجنبي في البلاد بما يلي أذونات السكن وأوراق الإقامة وسياسة ترحيل المخالفين، فضلا عن الإعلان عن مشروع الإعادة الطوعية لمليون سوري إلى الشمال السوري.
لكن الملف عاد إلى التسخين مرة أخرى قبيل الانتخابات، ثم زادت حدته قبل الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية حين قدم المرشح القومي "الخاسر" سنان أوغان نفسه وتحالفه "الأجداد" كعامل حاسم فيها، مما دفع كلا المتنافسيْن إلى محاولة كسب المرشح والتحالف لصالح أحدهما، كل بطريقته.
قدم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو خطابا شعبويا استهدف السوريين وجعل ترحيلهم شعار حملته في الإعادة وأبرم تفاهما مع رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ بهذا الخصوص، وقابله أردوغان بحديث سياسي عن عمل الحكومة على إعادة السوريين إلى بلادهم ولكن بطريقة إنسانية ومتدرجة وآمنة.
أسفرت الانتخابات الأخيرة عن خسارة المعارضة التقليدية الانتخابات الرئاسية وعدم قدرتها على الفوز بأغلبية البرلمان، فضلا عن عدم تمثل حزب النصر أو أي من أحزاب تحالف الأجداد به، لكن ذلك لا يعني أن الملف قد أغلق على ذلك.
وبالعكس، ثمة ما يؤكد أن الملف قائم ومستمر وأنه ليس مرتبطا شرطيا بالانتخابات السابقة، ففي المقام الأول ما زالت العوامل التي ساهمت في تأجيج الملف وإبقائه حاضرا في التداول السياسي والإعلامي ماثلة، وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية والتيار المناهض للاجئين والأجانب وحدة الاستقطاب في البلاد، إضافة إلى جملة من الإشاعات والمعلومات الخاطئة المنتشرة بشأن الملف.
من جهة أخرى، فقد أكدت الانتخابات الأخيرة الحضور الكبير للتيار القومي في الخريطة السياسية الداخلية، وهو تفصيل له تأثير مباشر على ملف السوريين، إذ إن الأحزاب القومية لا تختلف كثيرا في توصيف المشكلة واقتراحات الحل، بما في ذلك حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية والداعم علنا لسياساته، والذي كان رئيسه دولت بهجلي من أوائل من استخدموا مصطلح "الاحتلال الصامت" لوصف "اللجوء غير النظامي".
وأخيرا، فإن البلاد لم تخرج تماما من أجواء الانتخابات، إذ ستُجرى الانتخابات المحلية في مارس/آذار المقبل، مما يعني عودة السخونة والاستقطاب إلى الحياة السياسية ومعهما التركيز مجددا على السوريين خصوصا والأجانب عموما، وقد بدأت بعض الأحزاب -وفي مقدمتها حزب النصر اليميني- في تبني خطاب انتخابي يجعل السوريين في القلب منه وفكرته الرئيسة.
ولذلك، حتى الانتخابات البلدية وما بعدها سيستمر الملف السوري في الحضور بشكل متوتر في جدول الأعمال السياسي والإعلامي في تركيا، ولن تتركه بعض الأطراف السياسية المستفيدة يبرد ويتراجع، كما أن الإجراءات الحكومية المنفذة حتى اللحظة تجاه السوريين والأجانب عموما ستستمر دون توقف، إذ إنها غير مرتبطة بالانتخابات فقط كما سلف ذكره.
وبعيدا عن كل ما سبق يدرك السوريون ومعهم الحكومة التركية أن الكثيرين منهم لن يعودوا إلى سوريا، فقد نسجوا علاقات متجذرة مع المجتمع التركي دراسة وعملا ومصاهرة، ولذلك لن تكون سياسات الترحيل وتخفيف الأعداد كافية وحدها لحل المسألة، بل سيكون على الجهتين العمل على تخفيف حدة الاحتقان وزيادة مستوى الاندماج والتناغم بين السوريين والأتراك.
ويمر ذلك عبر رؤية واضحة تعتمد عدة مسارات وأدوات متنوعة على جانبي المعادلة يضيق المجال هنا للتفصيل فيها، لكنها ترتبط بالأساس برؤية تعتمد منهجية الحل والإدارة لا إخماد الحرائق، وتعتمد على سردية رسمية واضحة ومعلنة، وتنتهج تأسيس الوعي لدى الجانبين: الوعي بتركيا ثقافة وقانونا لدى السوريين والوعي بالواقع السوري الحقيقي بعيدا عن الإشاعات في الشارع التركي، بما في ذلك تفنيد المزاعم الكثيرة المغلوطة عمدا أو بدون قصد.
ويحتاج الأمر لتركيز خاص على وسائل الإعلام التي كانت جزءا من المشكلة في السنوات السابقة من خلال تغطية إعلامية هادئة الخطاب تتجنب التحريض والتسخين وتعرض للإنجازات والإيجابيات أكثر من السلبيات والأخطاء، فضلا عن نشر المعلومات غير الدقيقة.
وإذا كان من البديهي أن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق الحكومة التركية بما تمتلكه من أدوات وقنوات وقدرة على التأثير على الجميع إلا أنه من المنطقي كذلك أن المؤسسات والشخصيات السورية -السياسية والمجتمعية- عليها مسؤولية لا تقل أهمية على عدة أصعدة، مثل التمثيل والتواصل والخطاب وتأسيس الوعي وإيصال المشاكل والعمل على حلها واللجوء إلى المسار القضائي حين يحتاج الأمر لمواجهة الخطاب والممارسات العنصرية، فملف مثل الوجود السوري في تركيا ليس له حل سحري ولا سهل ولا سريع، بل إنه يحتاج لنفس طويل وجهد موزع على الجميع كي لا يتحول إلى ملف قابل للانفجار والإضرار.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی البلاد السوری فی فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
المستشار صالح: مستعدون لاختيار رئيس حكومة جديدة تمهيدًا للانتخابات.. ومن يعرقل يدفع البلاد نحو الفوضى
???? عقيلة صالح: جاهزون لتشكيل حكومة جديدة وندعو لدعم محلي ودولي لتنفيذ الانتخابات
ليبيا – قال رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، إن حل الأزمة الليبية يكمن في الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، مشددًا على أن هذا المسار يتطلب وجود حكومة موحدة تعمل على تنظيم الاستحقاقات وتنفيذ مخرجات الاتفاق السياسي.
???? مجلس الأمن يدعو لحكومة واحدة.. ونحن كذلك ????
وأوضح صالح في كلمته خلال ختام جلسة المجلس يوم الثلاثاء 27 مايو 2025، أن مجلس الأمن الدولي يدعو أيضًا إلى تكوين سلطة واحدة في ليبيا، مؤكدًا أن مجلس النواب يدعم هذا التوجه من خلال إصداره قوانين انتخاب الرئيس ومجلس الأمة والتعديل الدستوري رقم (13)، مشيرًا إلى أن اللجنة الاستشارية للبعثة الأممية أوصت بتشكيل حكومة واحدة تُعنى بإنجاز الانتخابات وتنفيذ مخرجات لجنة (6+6).
???? توافق واضح بين مجلسي النواب والدولة ????
وأضاف: “أعلنا عن قبول ملفات المترشحين لرئاسة مجلس الوزراء حسب الآلية المتفق عليها مع مجلس الدولة، وقد تقدم عدد من الشخصيات بطلبات الترشح، وحصلوا على تزكية 100 عضو من مجلس الدولة و100 عضو من مجلس النواب، ما يعني أن المجلسين يرغبان في تشكيل حكومة جديدة تعمل على إجراء الانتخابات، لا سيما أن حكومة السيد عبد الحميد الدبيبة سُحبت منها الثقة منذ فترة، ويطالب الشعب الآن بإسقاطها”.
???? البيانات الأمنية والتحقق من شروط الترشح ????
وتابع رئيس المجلس: “طلبنا بيانات عن كل مترشح من النائب العام، وقد وردنا الرد كتابيًا. ولم نمنع أحدًا من الترشح طالما توفرت فيه الشروط القانونية المطلوبة. ونحن نستمع لجميع المترشحين وبرامجهم حتى يعلم النواب والشعب الليبي ما تعهد به الفائز برئاسة الحكومة“.
???? دور المجلس التشريعي أنجز.. وننتظر دعمًا دوليًا ????
وأكد صالح: “مجلس النواب قام بما هو مطلوب منه للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأول خطوة لذلك هي تشكيل حكومة جديدة وتحقيق مطالب الشعب. ونتمنى أن نجد الدعم المحلي والدولي، ودعم بعثة الأمم المتحدة، لأن التأخير في توحيد السلطة يؤدي إلى الفوضى ويضر بوحدة البلاد، ولا أحد عاقل يريد ذلك”.
???? جلسة لاختيار رئيس الحكومة قريبًا ????️
وأشار إلى أن المجلس سيحدد جلسة لاختيار رئيس الحكومة، و”سندعو لحضورها سفراء الدول المهتمة بالشأن الليبي، وبعثة الأمم المتحدة، وشخصيات من الأحزاب والمجتمع المدني“.
???? رسالة ختامية من رئاسة البرلمان ????????
وختم بالقول: “نحن في مجلس النواب جاهزون لتشكيل الحكومة، ونتمنى الدعم المحلي والدولي تنفيذًا للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وتجسيدًا لرغبة الشعب الليبي في تشكيل حكومة واحدة تُنجز الاستحقاق الانتخابي“.