أوضحت دار الإفتاء، حكم زيارة قبور أولياء الله الصالحين للرجال والنساء، في فتوى تحمل رقم “2382” قائلة:- الزيارة لغة: القصد، يقال: زاره يزوره زورا وزيارة، أي: قصده وعاده. وفي العرف: هي قصد المزور إكرامًا له واستئناسًا به. انظر: "المصباح المنير" (ص: 260، مادة: ز ور، ط. المكتبة العلمية).

والمراد بزيارة القبور: هو الذهاب إلى مقابر عامَّة أو مقبرة معينة إِمَّا لإكرام الْمَزُورِ؛ لأَنَّهُ يأنس بزيارته، وللدعاء له، أو لِدُعَاءِ الزَّائِر لنفسه عند قبر أحد الأنبياء أو الصالحين، أو لِلْعِظَةِ والاعتبار من مآل كل إنسان في نهاية عمره.



ويُنْدَبُ زيارة القبور التي فيها المسلمون للرجال بالإجماع؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 285، ط. المنيرية): [اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور، وهو قول العلماء كافة، نقل العبدري فيه إجماع المسلمين] اهـ.

بل قال بعض الظاهرية بوجوبها ولو لمرة. انظر: "المحلى" للإمام ابن حزم (3/ 388، ط. دار الفكر).

وقد كانت زيارة القبور مَنْهِيًّا عنها ثم نُسِخَت؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا».

ومَن كان يُستحَب له زيارتُه في حياته من قريبٍ أو صاحبٍ، فيُسَن له زيارتُه في الموت كما في حال الحياة؛ روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ حَمِيمِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ وَيَقْعُدُ عِنْدَهُ إِلا رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ وَأنسَ بِهِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ عِنْدَهُ» أخرجه الإمام الديلمي في "الفردوس" من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.

وفي رواية: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ المُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ إِلا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ» أخرجه أبو الحسين الصيداوي في كتابه "معجم الشيوخ"، والخطيب البغدادي في "تاريخه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي رواية: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ أَخِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيهِ إِلا اسْتَأنَسَ وَرَدَّ حَتَّى يَقُومَ» ذكره ابن كثير في "تفسيره" عن ابن أبي الدنيا من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.

وأَمَّا زِيَارَة قبور العلماء والأولياء والصالحين فشأنها شأن سائر القبور في أَنَّ زيارتها سُنَّة مُسْتَحَبَّة، لاسيَّما وأَنَّ في زيارتهم فوائد للزَّائِرِ والْمَزُورِ، ففيها للزَّائِرِ عِبْرَةٌ وعِظَة، واسْتِجَابَةٌ للدُّعَاء عند قبورهم، ولِلْمَزُورِ نَفْعٌ بالسَّلامِ عليه والدُّعَاء له، وبأُنْسِهِ بِمَنْ يزوره.

وَوَصْلُ العلماء والصالحين بعد موتهم خَيْرٌ وأَوْلَى من وَصْلِ الأَقَارِب؛ فَإِنَّ لهم حَقًّا على الأمة آكد من حقِّ الوالد على ولده، فهم حُرَّاسُ العِلْمِ وقادة الأُمَّة والْمُبَلِّغُون عن ربِّهم، وهم ورثة الأنبياء؛ قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، فمن حقِّهم إكرامهم وتوقيرهم ووصلهم ولو بعد مَوْتِهم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويَعْرِفْ لعَالِمِنَا حَقَّهُ» رواه الإمام أحمد والطبراني واللفظ له. وقد قيل: شيخُك أبوك، بل أعظمُ حقًّا من والدك.

وقصد الأماكن والْمَعَالم الْمُبَاركة التي يُرجَى فيها استجابة الدعاء والتَّوسل إلى الله كالمساجد والأضرحة مَنْدُوبٌ إليه، وقد بيَّنت كتب الحديث في أبواب الدعاء أَنَّ هُنَاك أَمْكِنَة وأَزْمِنَة يكون الدعاء فيها أرجى من غيرها؛ لِقَدَاستها وطهارتها ونزاهتها عن الدنس والخطيئة، ثم إِنَّ في مشاهد الحج واختيار أماكن معينة فيه للدعاء والتعبد ونحوه أكبر دليل على ذلك، ويؤيده حديث شدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة، فقصد الأماكن والمعالم المباركة للزيارة والدعاء عَمَلٌ مندوب إليه، وقد ورد عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال عن مسجد قباء: "لَو كُنتَ عَلَى مَسِيرة شَهرٍ لضَرَبنا إليك أَكْبَادَ الإبِلِ". انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (36/ 81، ط. دار الفكر).

وقد كثرت عبارات العلماء في بيان فضل زيارة قبور الصالحين والدعاء عندها؛ يقول الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 106-107، ط. مؤسسة الرسالة) في ترجمة السيدة نفيسة رضي الله عنها: [السيدة الْمُكَرَّمة الصَّالِحَة ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد ابن السيد سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما... وقيل: كانت من الصالحات العوابد، والدعاء مُسْتَجَابٌ عند قَبْرِهَا، بل وعند قبور الأنبياء والصالحين] اهـ.

وقال أيضًا في ترجمة معروف الكرخي (9/ 343): [وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق الْمُجَرَّب] اهـ.

وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 142، ط. دار الفكر): [ويُسْتَحَبُّ الإكثار من الزيارة، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل] اهـ.

وقال العلامة ابن الجزري صاحب "الحصن الحصين": وجُرِّب استجابةُ الدعاءِ عند قبور الصالحين. انظر: "تحفة الذاكرين" للإمام الشوكاني (ص: 74، ط. دار القلم).

أَمَّا زيارة القبور للنساء فَإِنَّها تُكْرَهُ عند الجمهور؛ لأَنَّهَا مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن لما فيهن من رِقَّة القلب، وكثرة الجزع، وقِلَّة احتمال المصائب، وإِنَّمَا لم تحرم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ بامرأة على قبر تبكي على صبي لها، فقال لها: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي» متفق عليه، فلو كانت الزيارة حرامًا لنهى عنها.

وأخرج الإمام مسلم عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ -يعني إذا زرتُ القبور-؟ قال: «قولي: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، يَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالمُسْتَأخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ».

ويُسْتَثْنَى من كراهة زيارة القبور للنساء عند الجمهور زيارة قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن زيارته من أعظم القربات للرجال والنساء، وكذلك قبور بقيَّة الأنبياء والعلماء والصالحين والشهداء، وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا على مشروعيَّة زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انظر: "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" لتقي الدين السبكي (63، ط. دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد الدكن)، و"أسنى المطالب" (1/ 331، ط. دار الكتاب الإسلامي).

وبناء على ما سبق: يتبين أن زيارة قبور أولياء الله الصالحين للرجال والنساء جائزةٌ شرعًا، بل هي من جملة المندوبات، خاصة إذا اقترن بها الدعاء للنفس أو للغير.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الافتاء توضح أولياء الله الصالحين للرجال والنساء صلى الله علیه وآله وسلم للرجال والنساء زیارة القبور رضی الله من حدیث ی الله ة قبور

إقرأ أيضاً:

بر الزوجة بعد الوفاة.. سنن نبيلة لاستمرار المودة والوفاء

في إطار الحفاظ على الروابط الإنسانية والروحية بين الزوجين، ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية حول كيفية بر الزوجة بعد وفاتها، وهل يجوز للزوج أن يتصدق عنها أو يقوم بأي عمل من أعمال الخير لها.

 

مظاهر بر الزوجة بعد الوفاة

جعل الإسلام المودة والرحمة أساس العلاقة الزوجية، وأكد على استمرار الإحسان حتى بعد الوفاة، فقد جاء في القرآن الكريم:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]

كما حث الشرع على عدم نسيان فضل الزوجة والاعتراف بالخير الذي قدمته:﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]

وتُظهر السنة النبوية العديد من الأمثلة التي تثبت استدامة المودة والوفاء، مثل ذكر النبي ﷺ لزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها، وإكرامه لأقربائها وأصدقائها. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:"ما غرتُ على امرأة ما غرتُ على خديجة من كثرة ذكر رسول الله ﷺ إياها".

كما كان النبي ﷺ يُكثر الدعاء والاستغفار لها، ويكرم من كانت تحبهم وتربطهم بها صلة. وهذه الممارسات تعكس قيمة حسن العهد وحفظ الود بين الزوجين حتى بعد الموت.

 

التصدق عن الزوجة بعد الوفاة

أوضحت دار الإفتاء أن التصدق عن الزوجة بعد وفاتها جائز، ويعد من صور البر التي تصل ثوابها للميت، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ:«إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم]

وأكد علماء الإسلام على جواز التصدق عن الميت وانتفاعه بثوابها، ومنهم:

الإمام الزيلعي الحنفي: "الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره… ويصل ذلك إلى الميت وينفعه".

الإمام ابن عبد البر المالكي: "الصّدقة عن الميت مجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها".

الإمام النووي الشافعي: "أجمع المسلمون على أن الصدقة عن الميّت تنفعه وتصله".

العلامة البهوتي الحنبلي: "وكل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل، مثل الصدقة أو الدعاء أو غيره".

وبالتالي، يجوز للزوج أن يبر زوجته بعد الوفاة بكل ما يحقق البر: بالثناء، والذكر الحسن، والدعاء، والاستغفار، أو بالتصدق عنها، أو حتى بإهداء ثواب عبادة قام بها.

 

 البر طريق للوفاء المستمر

يظهر مما سبق أن الإحسان للزوجة بعد الوفاة أمر مشروع، مستمد من القرآن والسنة، ويُعد امتدادًا للمودة والوفاء بين الزوجين. ويتيح للزوج فرصة للتعبير عن الاحترام والحب، واستمرار الخير الذي قدمته الزوجة في حياتها، من خلال الدعاء، والاستغفار، والتصدق، أو أي عمل صالح يُهدى ثوابه لها.

بهذه الصورة، يصبح الوفاء بالزوجة بعد الوفاة ليس فقط شعورًا إنسانيًا راقيًا، بل عبادة تتقرب بها النفوس إلى الله وتستمر فيها البركة والخير.

زكاة مال الإيجار المُقدَّم.. الإفتاء توضح الحالات الجائزة للصرف على المحتاجين للسكن دار الإفتاء تواصل قوافلها إلى شمال سيناء اختتام امتحانات الدور الأول لطلاب الفرقة الثانية ببرنامج تدريب الوافدين بدار الإفتاء "الصداقة الشباب والفتيات".. دورة مكثفة مجانية تقدمها دار الإفتاء "الإفتاء" تعلن عن دورة مجانية للشباب لمواجهة الإدمان الخفي والإباحية سبب إنشاء المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية دار الإفتاء: الربا محرّم في كل الشرائع حكم صيام شهر رجب.. الإفتاء تجيب

مقالات مشابهة

  • هل المبلغ المدخر في البنك عليه زكاة إذا تم سحب جزء منه ؟ .. أمين الفتوى يجيب
  • بر الزوجة بعد الوفاة.. سنن نبيلة لاستمرار المودة والوفاء
  • التصرف الشرعي لمن تيمم وأدى الصلاة ثم عثر على الماء .. الإفتاء توضح
  • كيف أبر زوجتى بعد موتها؟.. الإفتاء توضح الطريق
  • زكاة مال الإيجار المُقدَّم.. الإفتاء توضح الحالات الجائزة للصرف على المحتاجين للسكن
  • ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
  • هل تجوز الزكاة لقريبتي إذا كان زوجها لا يوفر احتياجات البيت؟.. الإفتاء توضح الفئات المستحقة
  • حكم مشاركة المرأة الحائض في الغسل ودفن والدتها.. الإفتاء تجيب
  • ما حكم الزكاة على المال المدفوع مقدمًا لإيجار شقة؟.. الإفتاء توضح
  • الإفتاء توضح ساعة استجابة الدعاء يوم الجمعة