دمشق-سانا

العلاقة بين الثقافة والإعلام عضوية ومتداخلة، حيث يساهم كلاهما في التنشئة الاجتماعية، ويلعبان دوراً محورياً في بناء الهوية الوطنية وتعزيز حضور المعرفة بين الناس، وبدون الثقافة يفقد الإعلام قيمته الفكرية، كما أن الثقافة تخسر الكثير من أهميتها من دون وسائل إعلامية فاعلة ومؤثرة.

هذه الأفكار وغيرها كانت محاور رئيسية تناولتها الندوة التي استضافها المركز الثقافي العربي بالميدان، حيث تحدثت في مستهلها الإعلامية شذى حمود التي أدارت الندوة عن دور الإعلام في تعزيز الثقافة الوطنية وأهمية توظيف وسائل الاتصال الحديثة والثورة التقنية في نشر الثقافة بمختلف مفرداتها وتقريبها إلى الناس ولا سيما مع غزو الإنترنت حياتنا، الأمر الذي زاد العبء الملقى على كاهل الإعلام والثقافة في مجال توعية المجتمع وبنائه مع الحفاظ على خصوصيته في مواجهة محاولات النيل منه.

وعرض الكاتب والصحفي سامر الشغري لتجربته في الإعلام الثقافي وتوظيفه في التوثيق للحراك الثقافي لإغناء الشبكة الإلكترونية بالمحتوى الإبداعي السوري في الماضي والحاضر وتقديمه بأفضل صورة ممكنة للرأي العام داخل البلاد وخارجها، مشيراً إلى أن التركيز على الكم في التغطية الإعلامية الثقافية كان ضرورة أثناء سنوات الحرب القاسية على سورية، ولكن المرحلة الراهنة تفترض تغيراً في طرائق التعاطي.

واعتبر الشغري أنه من واجب المثقفين أن يكونوا أكثر قرباً من الناس، وأن يكون نتاجهم ناطقاً بلسان حالهم ومعبراً عنهم، مشدداً على ضرورة تغيير الصورة النمطية للمثقف الذي ينظر إلى الواقع من برج عاجي ويبحث عن الجمهور النخبوي، وعلى ضرورة أن تكتسب الثقافة طابعاً جماهيرياً دون إسفاف.

بينما تناول الشاعر والإعلامي محمد خالد الخضر في محوره الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها وكشف ما يهددها.. السلبيات التي قام بترويجها الإعلام الغربي والصهيوني ولم يواجهها الإعلاميون العرب كعلاقات بعض المطبعين بالكيان الصهيوني ومفاوضتهم والترويج لمشاريعهم.

ورأى الشاعر الخضر أنه من الضروري أن يلتزم الإعلام العربي بالتمسك باللغة والهوية والانتماء وعدم مساندة الخلل الثقافي والسلوكي والحذر من تلقف أي معلومة لا ترتبط بالهوية العربية والالتزام بالمصطلحات اللغوية السليمة لأن قوة الشخصية الثقافية تكمن في قوة اللغة العربية والتراث الأصيل.

وتخلل الندوة العديد من المداخلات التي ركزت على أهمية إقامة مثل هذه الندوات، لمواجهة الغزو الثقافي وتعزيز الانتماء والهوية الوطنية، وشددت على أهمية دور الإعلام في تسليط الضوء على السلبيات التي تهدد الهوية الوطنية.

وفي تصريح لـ سانا أوضحت رئيسة المركز الثقافي في الميدان وداد طه أن الحفاظ على الهوية في العمل الثقافي ضرورة لأن أكثر ما يستهدفه المتآمرون هو إلغاء ثقافتنا وحضارتنا والسعي لتبعية المثقف إلى ما يرسم له، وهذا من دوافع اهتمامنا بهذه الندوات.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: الهویة الوطنیة

إقرأ أيضاً:

لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟

في نشاطه الجاد والمستمر، خصص النادي الثقافي إحدى جلساته في الأيام الماضية لمناقشة موضوع: «الأمن الثقافي ودوره في الحفاظ على الهوية الوطنية»، واستضافت عددًا من المتحدثين والنشطين ثقافيًا وأكاديميًا في الدراسات الثقافية والحضارية، وصناعة المحتوى الثقافي. قيمة هذه الجلسة في طرحها للأسئلة أكثر من تأطيرها للإجابات القاطعة؛ ولا يستغرب متابع إن خرج منها دون إحاطة دقيقة بتعريف المفاهيم الرئيسة التي تناولتها بما في ذلك مفهومها الأساس «الأمن الثقافي»، ورغم تحفظنا على دقة المفهوم باعتبار أن المكون الثقافي مكون واسع، وفيه من المضمون المادي والمعنوي متباينات شتى، وإحاطته بمفهوم الأمن قد يتناقض مع بعض مكوناته الأساسية، ونرى أن مصطلح «أمن الهوية الثقافية» هو المصطلح الأقرب للدقة – في تقديرنا – باعتبار سعي المجتمع ومكونات النظام السياسي والثقافي للحفاظ على المكونات الفريدة والمميزة التي تسم ثقافة ما ومحاولة استدامتها عبر الأجيال، والحفاظ عليها من تأثير عوامل الخارج في أن تفككها أو تغير مضامينها الرئيسة أو تبدل معانيها الاجتماعية. وقد شدني في الجلسة مداخلتين مهمتين طرحتا من قبل الحضور؛ الأولى أكدت على أهمية تحديد عوامل الخطر التي تواجه هويتنا الثقافية حقًا، والنقاش حولها بطريقة محددة وتشخيصها بشكل منهجي. أما الثانية فكانت تتعلق بضرورة تحديد المفاهيم – وهو ما أخذ حيزًا واسعًا من التداخلات – ولكن السائل كان ينبه حول ضرورة استنبات مفاهيم من الداخل ذات خصوصية اجتماعية وتتسق مع طبيعة السياق الثقافي للمجتمع في عُمان، يمكن أن ننطلق منها ونحدد حولها هواجسنا واستفهاماتنا الرئيسة.

ماذا نريد للهوية الثقافية في عُمان؟ - حسب تقديرنا – فإن السياسات التعليمية والثقافية والإعلامية – باعتبارها أكثر السياسات تأثيرًا وصنعًا لمسارات الهوية الثقافية – ينبغي أن تكون أكثر تناغمًا انطلاقًا من الهواجس الرئيسة حول الهوية الثقافية، وفي كل الأحوال فإن المجتمع المراد هو المجتمع الذي ينظر إلى الحداثة بمفهومها وتطبيقاتها الواسعة بطريقة ناقدة، ويتفاوض بشكل مستمر حول تأثيرها، ويشكل فيه التعليم والانتماء وسيلتان لحماية أفراده وخاصة في الأعمار المبكرة من التقليد والانسياق الأعمى، وتمكن فيه المؤسسات التعليمية الأفراد من امتلاك الحدس النقدي تجاه التيارات الثقافية الصاعدة والمتواترة، دون انقطاع عن حركة الثقافة العالمية. وهو في الآن ذاته مجتمع لا ينظر إلى الاستثمار في الثقافة بوصفها عبء اقتصادي أو مكون جمالي من مكونات الدولة، بل هي امتداد للمعنى المراد ترسيخه، وللقيم المراد تأصيلها، وللموروثات المراد نقلها عبر الأجيال، فتكون في هذه الحالة مؤسساته الثقافية متفاعلة مع حركة المجتمع، جاذبة لكل فئاته وأطيافه، وموجهة أطروحاتها ومنتجاتها بما يتسق مع حفظ النسق الثقافي من ناحية، وإكساب الأفراد روح الثقافة من ناحية أخرى.

وما نريده أيضًا للهوية الثقافية في عُمان هو احتفاؤنا بالتنوع الذي أوجدته عوامل التاريخ والجغرافيا، وهذا الاحتفاء ينطلق من تعزيز المحتوى المبتكر حولها على منصات الإعلام التقليدية والحديثة وفي وسائط التعلم والفضاء العام، واعتبار ذلك التنوع واحترامه قيمة مركزية في بقاء وديمومة المجتمع. وأن تكون القيم والممارسات الأصيلة للهوية الثقافية حاضرة ومجسدة في تجديدنا الحضري، احتفالاتنا ومهرجاناتنا، وأن نخصص الأيام والمناسبات الرسمية للاحتفاء بعناصر ثقافية معينة، وأن نوجد التشريعات والنظم الضامنة لاندماج العناصر الثقافية في حياة الأفراد بشكل مستمر، ففي علم الاجتماع تؤكد نظرية التفاعل الرمزية أن الهوية الثقافية ترتبط بشكل رئيسي بكيفية أداء الأفراد لها والتعامل معها في الحياة اليومية. «ويعتمد ضمان الهوية الثقافية على إدراك الرموز الثقافية (مثل: اللباس، واللغة، والطقوس) وإثبات صحة أداء الهوية في التفاعلات الاجتماعية». وهو ما يؤكد ضرورة نقلها بشكل سليم عبر الأجيال، وتعليمها وتعميق مفاهيمها لديهم بشكل جيد.

إذن ما هي الهواجس الرئيسة التي تواجه أمن هويتنا الثقافية؟ وهنا لابد من التأكيد منهجيًا على ضرورة التفريق بين الهواجس المتخيلة/ المتصورة وبين الهواجس الحقيقية، فالطبيعي أن كل مجتمع لديه متخيلات من المهددات التي تواجه ثقافته دون أصل لها في الواقع، وهذه المتخيلات تنشأ نتيجة التفسير غير الدقيق للتحول الاجتماعي أو نشوء بعض المشكلات الاجتماعية. لكن ما يعنينا هنا هي الهواجس الحقيقية التي تقترن بوجود دلائل تأثيرها على الهوية الثقافية، وهي خمسة حسب تقديرنا: أولها ضمور التواصل بين الأجيال واختلاف اللغة الاجتماعية بين جيلين (المفاهيم/ المعتقدات/ التصورات/ رؤية الحياة..)، وثانيها كفاءة النظام التعليمي في تعزيز ملكة النقد تجاه أدوات الحداثة، وثالثها ضعف التفاعل بين منتج المؤسسات الثقافية وبين حركة المجتمع، ورابعها سهولة التعرض للمحتوى الثقافي المعولم مع ضعف وجود المحتوى الثقافي المحلي (المبتكر / المتنوع)، فهل وصلنا فعليًا لمنصات إعلامية جاذبة في محتواها ترتكز على الثقافة العُمانية في إنتاج المحتوى وقادرة على خلق ميزة تفضيلية لدى المتلقي؟، وهل طورنا صناعة الألعاب الإلكترونية بناء على المعطى الثقافي المحلي مثلًا؟، وهل لدينا صفحات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة قادرة على تغذية الملتقي ثقافيًا ومعرفيًا بشكل مبتكر؟ هذه أمثلة على الطريقة التي يمكن أن يتفاعل فيها المحتوى مع تحولات ذائقة المجتمع وفي نفس الوقت يؤدي دوره في الحفاظ على الثقافة. أما خامس الهواجس فهو في رؤية الهوية الثقافية كـ(مهدد) وليس كـ(فرصة)، وذلك يرتبط بقدرتنا على توسيع نطاق الصناعات الثقافية الإبداعية واعتبارها استثمارًا اقتصاديًا من ناحية، وحافظة ثقافية من ناحية أخرى، ويمكن المؤسسات والدولة والأفراد على حد سواء من تداول العناصر الثقافية رمزيًا وضمنيًا وظاهريًا عبر أدوات الإنتاج وتقنياته الحديثة.

إشارة أخيرة أود أن أقف عليها، وقد أخذت حيزًا واسعًا في نقاشات الجلسة التي أشرت لها، وهي القول بأهمية وجود مراكز وطنية للدراسات الثقافية والحضارية، ورغم عدم اختلافنا على أهمية ذلك في رصد الحركة الثقافية، وإجراء الدراسات والبحوث الدقيقة على تحولات الثقافة وعلى موقفنا الحضاري، إلا أنه لا ينبغي أن يكون الحل السهل والمباشر لكل تحدياتنا ومشكلاتنا هو التوصية بإيجاد مراكز للبحوث والدراسات، قبل أن نسائل الجامعات والكليات القائمة بتنوعها واختلافها عن دورها المركزي في تفعيل هذا الشق المهم، وفي إنجاز برامج بحثية واستراتيجية تعنى بالقضية المطروحة، وفي تتبعها بشكل مستمر، فالمُكن البشرية والمادية واللوجستية تكاد تكون متوفرة، واستدامة المؤسسة في ذاتها تتيح لها أداء هذا الدور، وهو ما سيؤسس لاحقًا في تقديرنا لاستقلالية هذه المراكز بخبراتها ونتاجاتها وكفاءاتها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • إعلاميون: ضرورة أن يخاطب الإعلام العربي العالم ولا يتخلّى عن الهوية
  • لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟
  • “الحج والعمرة” تنظم ندوة الحج الكبرى غدًا
  • الحج والعمرة تنظم غدًا ندوة الحج الكبرى
  • «الأرشيف» ينظم ندوة حول جهود الإمارات في التمكين المجتمعي
  • الأرشيف والمكتبة الوطنية ينظم ندوة «الإمارات والتمكين المجتمعي»
  • ندوة بجنوب الشرقية تؤكد أهمية الاستثمار في تأهيل الإعلاميين
  • ندوة بشمال الشرقية تؤكد أهمية الاستثمار في تأهيل الإعلاميين
  • محلى نجع حمادي يعقد ندوة تثقيفية حول حماية المستهلك
  • أمانة التنمية المجتمعية بالإسكندرية تنظّم ندوة حول التغيرات المناخية