الرؤية- مدرين المكتومية

"في الحروب ليس الذين يموتون هم التعساء دائمًا، إنما الأتعس هم أولئك الذين يتركون خلفهم ثكالى، يتامى، ومعطوبي أحلام".. هكذا تقول الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، لأن الحرب لا تتسبب في فقدان الأحباء فقط، ولكن تترك خلفها آخرين يعيشون هذا الألم كل لحظة، وتتوقف الحياة لديهم عند اللحظة التي مات فيها أحد الأحبة.

الطفل الفلسطيني براء على سبيل المثال، استيقظ ذات يوم على وابل من الصواريخ والتفجيرات والأصوات المرعبة حول منزله وكأنها عاصفة مدمرة، وكان للحظة واحدة يظن أنه يحلم أو يعيش كابوسا خلال نومه، لكنه أفاق ليجد نفسه في المستشفى وحوله جثث إخوته، ليتأكد أنها الحقيقة التي يراها العالم كل يوم ولا يحرك ساكنا.. الحقيقة أن الموت يحوم حول الجميع في غزة ويحصد أرواح آلاف الأطفال.

تيقّن براء أن ما حدث في ذلك الصباح كان حقيقة، وأن الخوف الذي اعتراه في تلك اللحظة يؤثر عليه كل يوم ليرتعد جسده كلما تذكر لحظة القصف ومشاهد الدماء الممزوجة برائحة الموت، لكنه حظي بفرصة البقاء حيا لكن مع تذوق طعم الفقد في كل دقيقة، ليحمل في داخله دموع الفاقدين وصرخات الأمهات.. ظل صامتا لساعات يريد أن يستوعب الأحداث من حوله، وعشرات الأسئلة تدور في رأسه: كيف سيكون مصيره؟ كيف ستكون الحياة بعيدا عن كنف الأسرة؟ كيف سيحقق أمنيته التي سأله معلمه عنها ذات يوم وهو لا يرى من المدرسة سوى الخراب؟ ومع كل هذه الأسئلة لم يجد جوابًا، ناهيك عن السؤال الأهم: ما الذي جناه الأطفال الصغار كي يعيشوا هذه المأساة، وأي مستقبل ينتظر الطفل براء الذي يعيش بمفرده بعد أن استشهد كل أفراد عائلته؟

إن فاجعة الموت لا تكمن في الرحيل المؤبد بقدر ما تكمن في الأثر التي تتركه في حياة الشخص الذي يبقى على قيد الحياة، ليتجرع مرارة الفقد وكوابيس ذكريات الموت التي تتراقص أمام عينيه في كل لحظة.

لقد استشهد الآلاف من أطفال غزة في هذه الحرب الغاشمة وكل جريمتهم أنهم من فلسطين وتحديدا من غزة المقاومة، فبعد أن كانوا يعيشون حياة شبه طبيعية في ظل الحصار الخانق لسنوات، باتوا بين ليلة وضحاها هدفا استراتيجيا للطائرات الإسرائيلية والدبابات والزوارق البحرية والمسيّرات، ليجدوا أنفسهم بين خيارين كليهما أصعب من الآخر.. إما الموت أو البقاء دون أسرة في مراكز الإيواء أو المخيمات.

ومع كل هذه الجرائم، لا يعي الاحتلال الإسرائيلي أنه بذلك لا يقضي على حماس أو كتائب القسام في هذه الحرب كما أعلن، بل إنه يؤسس لجيل جديد مقاوم من الأطفال الفلسطينيين، لأن هذه الحرب أخرجت هؤلاء الصغار من فئة الطفولة  إلى فئة الرجال المقاومين، فباتوا جميعا يحملون عداء غير مسبوق لهذا الكيان المحتل الذي اغتصب أرضهم وقتل أشقائهم وأصدقائهم وعائلاتهم أمام أعينهم، لتكون الحصيلة الإجمالية استشهاد أكثر من 9730 طفلا، و6830 امرأة، بالإضافة إلى 7 آلاف مفقود.

لم يفقد أطفال فلسطين عائلاتهم ولا منازلهم فحسب، بل فقدوا دفء المكان الذي نشؤوا فيه وبنوا فيه أحلامهم ورسموا ملامح مستقبلهم نحو غد أفضل، لتأتي الحرب وتدمر هذا المستقبل بقتل الأطفال وتدمير المساجد والمدارس والجامعات.

لم يبقَ لأطفال غزة شيء يخسرونه بعد اليوم، فقد فقدوا عائلاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، فالحرب الغاشمة اغتالت القلوب قبل أن تغتال الأرواح، ليبقى على المجتمع الدولي مسؤولية إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوضع المأساوي، والتدخل لضمان أن يعيش من تبقى من أطفال فلسطين حياة هادئة يجدون فيها أقل متطلبات الحياة مثل الماء النظيف والطعام الكافي ومتطلبات الحياة البسطية التي حرموا منها بسبب الحصار أولا ثم بسبب الحرب التي دمرت كل شيء.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حماس: نحذّر من الواقع المأساوي الذي يهدد حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين

أكدت حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”  أن جرائم القتل البطيء التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني المجرم تتواصل بحق الأسري الفلسطينين داخل سجونه، حيث ارتقى الشهيد الأسير عمرو حاتم عودة (33 عامًا) من غزة، جرّاء التعذيب والظروف غير الإنسانية داخل معسكر “سديه تيمان”.

وقالت الحركة في بيان لها : وإنّنا إذ ننعى الشهيد عودة، لنحذّر من الواقع المأساوي الذي يهدد حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين، ونؤكد أن سياسة الإهمال الطبي المتعمّد، والتعذيب، وحرمان الأسرى من الطعام والشراب وأبسط الحقوق الإنسانية، ما هي إلا وسائل ممنهجة لقتلهم، في ظل صمت دولي مخزٍ تجاه ما يتعرضون له من تنكيل واعتداءات.

وأضافت الحركة في بيانها قائلة : وباستشهاد الأسير عمرو عودة، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة، بعد بدء جريمة الإبادة الجماعية إلى 70 شهيدًا على الأقل، من بينهم 44 معتقلاً من قطاع غزة، ممن عُرفت هوياتهم، في تأكيد جديد على أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية، وبنود القانون الدولي، واتفاقيات جنيف التي تكفل حقوق الأسرى.

وختمت حماس بيانها بالقول : نجدد مطالبتنا للمجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، وكل أحرار العالم، بتحمل مسؤولياتهم، والضغط على الاحتلال لوقف هذه السياسات الإجرامية بحق أسرانا داخل السجون.

ترامب يشعر بإحباط شديد.. تفاصيل المفاوضات الأمريكية مع حماسنتنياهو: قطر تدعم حماس.. ولم أتلق شيكل واحد منهمنتنياهو: مستعد أن أنهي الحرب بشرط تنازل حماس عن سلاحها والإفراج عن المحتجزيناحتجز مع يحيى السنوار.. هكذا أخفت حماس الجندي عيدان ألكسندر عن عيون إسرائيل طباعة شارك حماس المقاومة الفلسطينية فلسطين الأسري الفلسطينين استشهاد الأسير عمرو عودة قطاع غزة

مقالات مشابهة

  • عبدالعزيز بن سلمان يلتقي أطفال كاوست ويزرع الأمل في عيون المستقبل
  • الحرب فرضت نفسها علي الواقع السوداني وكما ترون فقد تحولت البلاد الي حطام !!.. ما الذي قادنا الي هذا الوضع الكارثي ؟! الجهل هو السبب !!..
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • والدة طفلة بغزة: الموت بالصاروخ أهون من الموت جوعا
  • “الأغذية العالمي”: دخول مساعدات محدودة إلى غزة لا يكفي للبقاء على قيد الحياة
  • حماس: نحذّر من الواقع المأساوي الذي يهدد حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين
  • ???? مجرم الحرب الجبان الرعديد الذي ادمن العريد “قجة”
  • لجنة أممية: وفاة 50 طفلًا في غزة بسبب الجوع وكثيرون ينتظرون الموت
  • حين يعلو صوت الحنين
  • الإعدام شنقاً حتى الموت لمليشي سرق كميات كبيرة من الذهب بالخرطوم