ساهم مشروع طريق الباطنة الساحلي في تعزيز التنمية الشاملة وتنمية المواقع العمرانية القائمة على طول الشريط الساحلي الممتد من ولاية بركاء وحتى نهاية ولاية شناص، وتم استغلال المواقع ذات المقومات الطبيعية وتنميتها سياحيا واقتصاديا وتجاريا، وتم نقل العديد من المواطنين المحاذين للبحر إلى مناطق متفرقة ضمن المخططات التعويضية التي مُنحت لهم سواء في القرية نفسها أو بعض القرى القريبة، والبعض اختار الأراضي البعيدة لتكون سكنا لهم ومأوى، وأدى هذا الانتقال إلى ابتعاد بعض المواطنين عن هواياتهم مثل الصيد والزراعة والتجارة وغيرها، بينما تمسك البعض بهذه الهوايات ونقلها للأبناء الذين يمارسون ويمتهنون هذه المهن، فهل أثر طريق الباطنة الساحلي على هذه الهوايات؟!

تحديات جغرافية

يقول هلال بن عبدالله البريكي: «مما لا شك فيه أن مشروع الطريق الساحلي في محافظة شمال الباطنة يمثل عائدا سياحيا واقتصاديا لولايات شمال وجنوب الباطنة، ولكن هناك ثمة تحديات واجهت المواطنين الذين يمتهنون الصيد الحرفي تمثلت في بعدهم النسبي عن شاطئ البحر وأماكن تواجد قوارب الصيد الخاصة بهم مما عرضها للتخريب من بعض الفئات غير المسؤولة، وأدى ذلك إلى فقدان بعض الممتلكات، وقام الصيادون بنقل معداتهم وأدواتهم التي يحتاجون إليها من أماكن سكنهم الحالية إلى قوالب بشكل مستمر في كل رحلة صيد وهذا يثقل كاهل الصياد الممارس لمهنة الصيد إذ لا تتوفر هذه الإمكانات لكل الصيادين»، موضحا أن هذا أدى إلى عزوف بعض الصيادين عن ممارسة مهنة الصيد كونهم يتكبدون خسائر جراء فقدانهم بعض معداتهم وأدواتهم الخاصة، بالإضافة إلى مشقة نقلها في كل مرة حفاظا عليها، أما في السابق فكانت أماكن سكن المواطنين الممارسين لمهنة الصيد قريبة من أماكن قواربهم الأمر الذي يسهل عملية التنقل ونقل المعدات والأدوات الخاصة برحلات الصيد كما يوفر لهم عوامل السلامة لقواربهم وأدواتهم كونهم قريبين منها، ويستطيعون متابعتها بصورة مستمرة.

التخريب والعبث

وقال خميس بن سعيد الذيابي: «في فترة من الفترات الجميلة كان الصياد يخرج من بيته في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر متوكلًا على الله إلى البحر، ليسوق من خيراته بما شاء الله له، ورغم بساطة الحياة، إلا أنه لم يصادف الصعوبات التي يعانيها الصياد العماني في هذا الوقت، ومن وجهة نظري أن طريق الباطنة الساحلي خلّف أضرارا اقتصاديةً كبيرة للصيادين بالولاية أبرزها المسافة، فبعد أن كانت القوارب ومعدات الصيد موجودة أمام المنازل بالقرب من البحر، والتي يستعين بها الصياد في أي وقت لكسب رزقه، ويحميها من المخاطر البيئية والبشرية كونها أمام ناظريه، وبمسافة لا تزيد على ١٠٠ متر من منزله، أصبح الصياد الآن ينام وهو يدعو أن يحفظ الله له مكسب رزقه، ووصل الأمر إلى أن البعض يقطع مسافة تزيد على ٥ كيلو مترات وبوقت زمني يصل إلى ٢٠ دقيقة أو أكثر للوصول إلى معداته لظروف الطرق، مما يشكل عائقًا كبيرًا لهم».

وأوضح الذيابي أن مواقع القوارب بلا حماية أو مراقبة، وفقد العديد من الصيادين معداتهم وأدواتهم، وعدد من القوارب تعرضت للتخريب والعبث، ونلاحظ استياء كبيرا من الصيادين بسبب فقدهم لأدواتهم بصورة مستمرة، مضيفا: «خلال فترات الأمطار ونزول الأودية تنجرف العديد من مواد ومخلفات البناء التي يرميها أصحابها على مجاري الأودية إلى الساحل، وهو ما يؤثر بشكل كبير وخطير على القوارب، وتكون هذه المخلفات مطمرة تحت التراب ولا ترى بالعين المجردة، وتظهر أثناء سحب القوارب مسببة بعض الأضرار المكلفة للصيادين».

وقال الذيابي: «تشهد سلطنة عُمان في الفترة الحالية ظاهرة طبيعية خطيرة وهي تآكل السواحل بفعل عوامل التعرية وارتفاع منسوب مياه البحر، إضافة إلى خطورة المد البحري أثناء الحالات المدارية، وهو ما يؤثر بشكل سلبي وخطير جدًا على معدات الصيد ومواقع رسو القوارب، ويرى الصيادون في القرى الموجودة في غرب ولاية السويق أهمية وجود ميناء أو مرسى للقوارب لحمايتها من الكوارث الطبيعية والبشرية كونها تمثل الحل الأمثل لمثل هذه الحالات، كما أن عمل سوق مركزي للأسماك في المناطق الساحلية يعتبر أكثر جدوى من السوق المحلي في المدينة؛ وذلك لسهولة نقل الأسماك وعرضها بطريقة صحية وسليمة».

مجتمع متعاون

وقال ماجد بن محمد المرزوقي عضو لجنة سنن البحر بولاية صحم: «إن مهنة الصيد بين الماضي والحاضر تعتبر من المهن التي امتهنها العماني الذي يقطن على السواحل منذ القدم بل وتعتبر من المهن الرئيسية بعد الزراعة، وظلت هذه الحرفة يتوارثها الأجيال ليومنا هذا، ولكن طرأت أحداث وتغيرات جغرافية ربما أثرت وغيرت من طابعها المجتمعي، وقديما كانت هذه المهنة مهنة مجتمعية يعمل بها بشكل جماعي فتجد الابن يساعد والده والجار يعمل مع جاره حتى النساء كانت تساعد الرجال في بعض أعمال الصيد، وكل هذا يعود لقرب المنازل من الساحل، فالمنازل لا تبعد كثيرا فأقربها ٣٠ مترا عن الشاطئ وأبعدها لا يتعدى ٢٠٠ متر، وقد خلق هذا الأمر مجتمعا متعاونا متقاربا تربطه روابط اجتماعية قوية مما جعلهم يساعد بعضهم بعضا في العمل ومترابطين اجتماعيا».

وأضاف المرزوقي: «أتت توجيهات الحكومة بتنفيذ مشروع طريق الباطنة الساحلي وتم نقل أهل الساحل المتأثرة منازلهم بالمشروع إلى أماكن تبعد عن البحر، فتأثر المواطنون الذين يمارسون مهنة الصيد بعد ابتعادهم عن البحر، وأصبحوا يعانون من بعد المسافة وبعد معدات الصيد فتغير الوضع على كبار السن الذين كانوا يعيشون بالقرب من الساحل ويمارسون عملهم بشكل طبيعي فصاروا يعانون من مشقة مشوار الطريق، والبعض ترك المهنة، والبعض لا يزال يعاني من فقدان معداتهم وتخريبها».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مهنة الصید

إقرأ أيضاً:

مهنة الحلاقة في غزة: من ردهات الصالونات إلى قارعة الطريق

في حي "التفاح" شرق مدينة غزة ، كان محمد خالد الذي يبلغ من العمر (36 عاما) ي فتح باب صالونه كل صباح بابتسامة واثقة. الجدران نظيفة، الأدوات مرتبة بعناية، ورائحة العطور تعبق في المكان. كانت الزبائن تعرفه من بعيد، "محمد الحلاق"، صاحب اليد الخفيفة والحديث اللبق. لم يكن صالونه مجرد مكان للحلاقة؛ بل مجلسا صغيرا للحديث، للضحك، ولنسيان الهموم. هناك، مرت أعراس ومناسبات وأحاديث السياسة والرياضة، وكان محمد حاضرا دوما بابتسامة وعبارة لطيفة.

اليوم، لا جدران، ولا مرايا، ولا حتى سقف. محمد يتخذ من الرصيف صالونا للحلاقة، تحت ظل خيمة بلاستيكية مهترئة قرب شارع مزدحم.

طاولة خشبية قديمة، وكرسي حلاقة خلع من صالونه المدمر، هما كل ما تبقى من فخامته السابقة. يقول بابتسامة باهتة: " زمان كنت أرتب الزبون، اليوم بجر الكرسي عالرصيف قبل ما أبدأ. الشغل هو هو، بس المكان هو اللي اختلف".

حين دمرت الغارات منزله وصالونه في الحي، نزح محمد مع أسرته إلى منطقة أكثر أمانا، أو هكذا ظن. حمل زوجته وأطفاله الثلاثة، وبقي أسبوعين دون دخل، دون فكرة، دون حيلة. "كنت صاحي وببكي من غير ما يحسوا في. مش لأني ضعيف، بس لأني عاجز". ثم قرر أن لا يجلس مكتوف الأيدي. يقول وهو يرتب شفرة الحلاقة فوق قطعة قماش مطهرة "المهنة بإيدي، والناس محتاجة تحلق، وأنا محتاج أطعم أولادي".

اختار زاوية قريبة من السوق الشعبي، حيث الحركة لا تتوقف. الزبائن، على اختلافهم، يأتون ليحلقوا شعورهم، ويتركوا شيئا من تعبهم عند محمد. بعضهم لا يدفع، فيغادر بخجل، فيبتسم محمد ويقول: "نصيبي اليوم راح، بكرا الله ببعت". وفي بعض الأيام، يكتفي بقصات معدودة، لكنه يعتبرها انتصارا صغيرا على واقع كبير.

لا يملك محمد مولدا كهربائيا، ولا أدوات تعقيم حديثة، لكنه يحرص على نظافة شديدة، قدر استطاعته. يغلي الماء، يطهر الأدوات بالكلور، ويحاول أن يخلق مساحة آمنة وسط الفوضى. "أنا مش بس بحلق، بحاول أرجع للناس إحساسهم بالكرامة. الراحة النفسية تبدأ لما الواحد يشوف حاله مرتب".

تقاطعه أصوات الطائرات في السماء، فيصمت قليلا، ثم يواصل الحلاقة كأن شيئا لم يكن. يقول بهدوء "تعودنا". في بعض الأيام، يغلق مبكرا عندما تشتد وتيرة القصف. وفي أيام أخرى، يحلق حتى الغروب، على ضوء الشمس وحده. مرت عليه لحظات توقف قلبه من الخوف، لكنه لم يغادر. "أنا هون، والناس كمان هون. وين نروح؟

زوجته، التي تجلس على بعد أمتار في الخيمة، تراقبه بفخر. تقول: "محمد ما استسلم، حتى لما خسر كل شي. الشغل مش عيب، والرصيف أكرم من السؤال".

وتضيف الزوجة بنبرة دافئة: "أولادي بيسألوني: بابا راح يرجع المحل؟ بقولهم: بابا عم يبني محل جديد، بس مش من طوب.. من صبر".

عندما نسأله عن أكثر اللحظات التي أثرت به، يذكر طفلا صغيرا جاء برفقة والده، يريد حلاقة شعره "مثل قبل"، يوم عيد ميلاده. "هو ناسي الحرب"، يقول محمد، "بس أنا ما قدرت أرفض، خليته يفرح. حسيت إني رجعتله العيد، ولو بشي بسيط".

في ركن من الرصيف، علق مرآة صغيرة على عمود كهرباء، يطل الزبائن منها على وجوههم بعد الحلاقة. يقول محمد: "هاي المرايا أصغر من مرايا المحل، بس الناس بتشوف فيها حالها بأمل أكبر".

في ظل الحرب، اختلطت المهنة بالرسالة، والبقاء بالكرامة. محمد لا يدعي البطولة، لكنه يمارسها يوميا. فهو لا يحمل سلاحا، بل مقصا ومشطا، ويخوض معركة من نوع آخر: أن يحفظ هيبة الإنسان في وقت كاد يفقد فيه كل شيء.

ملاحظة : هذا النص مخرج تدريبي لدورة الكتابة الإبداعية للمنصات الرقمية ضمن مشروع " تدريب الصحفيين للعام 2025" المنفذ من بيت الصحافة والممول من منظمة اليونسكو.

المصدر : وكالة سوا - عبد الناصر اكريم اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين شاهد: مئات المستوطنين ووزيران في حكومة إسرائيل يقتحمون الأقصى زواج على طريقة الأجداد في زمن الحرب الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيمها لليوم الـ120 على التوالي الأكثر قراءة إسرائيل تُصادق على إقامة جدار على الحدود مع الأردن مستوطنون يعتدون على منازل المواطنين في بروقين غرب سلفيت اتحاد الكرة الفلسطيني يتلقي دعوة من "فيفا" لحضور قرعة "كأس العرب" اكتمال وصول الدفعة الأولى من حجاج الضفة إلى مدينة الحجاج في غور نمرين عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • استغلت التغير المناخي.. البصرة توظف الحرارة المرتفعة لإنتاج ملح البحر
  • مصرع صياد غرقًا أثناء الصيد في نهر النيل بنجع حمادي بقنا
  • بلدي جنوب الباطنة يتابع مشاريع الخطة الخمسية
  • أزمة قطاع الصيد البحري تتفاقم في ظل صمت وزارة الدريوش
  • قائد لواء الدفاع الساحلي: هناك مفاجآت تفوق ما يتوقعه الأعداء
  • استعراض زكية الدريوش بالناظور.. المجتمع المدني يشكو الإقصاء ويطالب بالتحقيق في “رخص الصيد”
  • مهنة الحلاقة في غزة: من ردهات الصالونات إلى قارعة الطريق
  • بالفيديو..وزارة التربية تُطمئن مترشحي الباك والبيام
  • تقلبات حادة في مصر.. خبير: التغير المناخي وراء ارتفاع درجات الحرارة
  • إنقاذ سلحفاة مهددة بالانقراض بعد اصطدامها بقارب في فلوريدا