رغم أن الخسائر المادية لا معنى لها لدى يوسف فارس ابن مدينة غزة بالنظر إلى هول الكارثة وأعداد الضحايا المدنيين في القطاع المحاصر ، فقد كان لحادثة حرق منزله على يد الجيش الإسرائيلي وقع مؤلم وخاص، كونها تركت آثارا عميقة في القلب "لا يمكن أن تزول بالتقادم".

كتب فارس، وهو صحفي، عبر حسابه الشخصي في "فيس بوك" قبل أيام عبارات نعى فيها المنزل، الذي لم يسكنه سوى عام واحد ولم ينته من تسديد ديون تشييده الطائلة حتى الآن.

 وبينما أوضح أن حرقه من قبل الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب يشكّل "خسارة سخيفة" مقارنة بما فقده من أقرباء، تحدث لموقع "الحرة" عن جرحٍ مفتوح لما حلّ بـ"مشروع العمر".

وبالنسبة لفارس "المنزل هو وطن ومشروع العمر"، ويقول: "الناس بتعيش حياتها الوظيفية كلها (40 عاما) وبيكون حلمها تعمّر بيت إلها ولعيلتها".

ولذلك فإن "تدمير المنزل يعني تدمير الأمان والذخر"، ويعني أيضا حسبما يضيف لموقع "الحرة": "تدمير محل الذكريات ومحل الأحلام".

"تحويشة العمر"

وبعد مئة يوم على الحرب في غزة تحول أكثر من 50 بالمئة من الوحدات السكنية إلى إلى أكوام من الرماد لا يمكن العيش فيها بمجرد وقف القتال، حسب ما يؤكد مسؤولون في غزة، وآخرون أمميون.

ومع غياب أي أفق أو معالم للخطة المتعلقة بإعادة الإعمار أو حتى أفق الحرب ومصير النازحين المحصارين جنوبي القطاع ،نادرا ما تتسلط الأضواء على الجانب الآخر من القصة المؤلمة، ولما هو أبعد من أن يكون "مجرد حجر"، حسب تعبير بلال الهركي.

نزح الهركي من مربع الشجاعية أكثر من مرة، ومع اشتداد القصف الإسرائيلي استقر مع عائلته مؤخرا في خيمة بمنطقة خان يونس جنوب غزة، ويقول لموقع "الحرة" إنه لم يكن يتوقع يوما أن يستقر الحال به بالظروف التي يعيشها الآن.

مليونا فلسطيني تقريبا في قطاع غزة تركوا منازلهم

قبل الحرب التي أطلقتها إسرائيل ردا على هجوم حماس في السابع من أكتوبر كان "الهم والحلم الوحيد" للشاب في غزة وفي ظل الحصار بناء منزل وتأمين شقة المستقبل.

"كان يكد ويتعب لسنوات طويلة كي يحصّل تحويشة العمر"، كما يضيف الهركي، في حالة تنطبق على الجميع، ولا تقتصر على شاب أو رجل دون آخر.

لكن كل شيء تغيّر خلال الأشهر الثلاث الماضية، إذ لم تبق الصواريخ والقذائف حجرا على حجر ومن بينها منزل الهركي في الشجاعية.

كما قتلت الصواريخ والقذائف معها "ذكريات كانت تتكون بالتدريج وتترسخ عاما بعد آخر تحت الأسقف والجدران"، حسب تعبيره.

"هيكل لا يصلح للحياة"

وتكشف تقديرات للأمم المتحدة، نشرت منتصف ديسمبر الماضي، أن نحو 40 ألفا من مباني قطاع غزة، أو تقريبا خمس التي كانت موجودة قبل الصراع، تضررت كليا أو جزئيا منذ اندلاعه في السابع من أكتوبر.

واستندت أحدث التقديرات إلى صور بتاريخ 26 نوفمبر لمركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية، إذ فحص محللون صور عالية الوضوح لرصد المباني المتضررة ونشر خرائط قد توجه أعمال الإغاثة وخطط إعادة البناء أثناء الكوارث الطبيعية والصراعات.

وأظهر التقييم أن المناطق الأكثر تضررا تتركز في محافظتي غزة وشمال غزة في شمال القطاع، اللتين كان بهما 29732 من أصل 37379 مبنى تضرر كليا أو جزئيا أو نحو 80 بالمئة من المجموع.

تحليل الأقمار الصناعية.. الأمم المتحدة تكشف عدد المباني المدمرة في غزة كشفت تقديرات للأمم المتحدة، الثلاثاء، أن نحو 40 ألفا من مباني قطاع غزة، أو تقريبا خمس التي كانت موجودة قبل الصراع، تضررت كليا أو جزئيا منذ اندلاعه في السابع من أكتوبر.

الصحفي فارس يوضح أن تدمير المنازل بشكل ممنهج في غزة "لا يرتبط بشيء مادي بقدر ما هو نفسي".

ويضيف فيما يتعلق بما حل بمنزله أن "التدمير والقصف أقل وطأة من الحرق. الحرق بشع ومؤلم كونك ستعود إلى هيكل بيت لا يصلح للحياة. تراه أمام عينيك ولن تكون قادرا على العيش فيه أو تركه".

"إسرائيل كيان غير أخلاقي ومجرم.. حساباته مادية فقط، ويعتقد أن المنزل هو آخر شيء يربطنا في الأرض لكنه خاب وخسر"، حسب تعبير الصحفي.

ويشير إلى أن الخوف الذي ينتابه لا يتعلق بمدى قدرته على إعادة إعمار المنزل أو حتى إصلاحه بقدر ما ترتبط المشاعر بأولاده، وكيف سيرون ما حل ببيت العائلة.

جانب من الدمار الذي أصاب غزة بسبب القصف الإسرائيلي المكثف"قتل كل الذكريات"

ورغم أن غزة تعرضت لأضرار في الصراعات السابقة وأعيد بناؤها، إلى حد كبير بأموال من دول الخليج، فإن الحجم الحالي للدمار من نوع مختلف، وفق تقرير سابق لصحيفة "الغارديان".

الصحيفة أشارت في السابع من ديسمبر الماضي إلى قضية مطروحة بدأت تثار من قبل قانونيين تتعلق بما إذا كان حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية هو نتيجة ثانوية لمطاردة عناصر حركة حماس، أو جزء من خطة سرية لطرد الفلسطينيين من غزة، مما يمحو إمكانية أن يصبح القطاع مجتمعا شبه قابل للحياة في المستقبل المنظور.

الدمار طال الكثير من البنية التحتية في غزة

وتوضح أن "قتل المنازل (دوميسايد) وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في الأوساط الأكاديمية لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي".

وعادت صحف ووسائل إعلام من بينها "هآرتس" قبل عشرة أيام لتثير قضية "قتل المنازل" مجددا إلى ما يعيشه القطاع حاليا والسكان فيه. 

وفي حين أشارت إلى الدعوات المتعلقة بضرورة تصنيف "قتل المنازل" باعتباره جريمة ضد الإنسانية، يوضح الكتاب الذي ورد فيه لأول مرة المصطلح بأن "تدمير المنزل قد يكون واحدا من أعمق الجروح التي تصيب هوية المرء واحترامه لذاته، لأن كلا من هاتين الدعامتين للعقلانية تكمن جزئيا في الهياكل التي نعتزّ بها".

لم يكن منزل بلال الهركي الوحيد الذي دُمّر بفعل القصف الإسرائيلي بل راح بين عشرات الأبنية المصطفّة ضمن مربع بحي الشجاعية. "منطقة كاملة متكاملة تحولت إلى رماد ولم تعد تضاريسها معروفة".

أحياء كاملة تدمرت في غزة

ويقول: "الناس في غزة لم يعد بمقدورهم تمييز منازلهم ومعالمها. الشيء مؤلم وأن تفقد حارتك ومنزلك أمر خارج عن الوصف".

خلال حديثه عبر الهاتف مع موقع "الحرة" عاد الهركي بشريط الذكريات إلى ما قبل أكتوبر الماضي، وتحدث عن "المسجد العمري" وحمام السمرة التاريخي"، وكيف أن القصف الإسرائيلي "مسحهم من الأرض كما فعل بمنزلنا".

ويتابع: "معالم المدينة مسحت بشكل كامل. أشياء لا يستوعبها العقل. القسوة غير مسبوقة وحتى في الحروب السابقة التي حصلت في غزة لم نشهد ما نعيشه اليوم".

"ليست مجرد حجارة"

ووفق خبراء تحدثوا في وقت سابق لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، فإن تقديرات إعادة الإعمار في غزة لا يمكن تصورها في هذه المرحلة نظرا لنطاق القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي تجاوز جميع الصراعات السابقة في القطاع.

وحتى قبل الحرب المستمرة، كانت جهود إعادة الإعمار في غزة تختنق بالفعل وبعيدة عن الاكتمال، "على الرغم من تعهدات المساعدات بالمليارات وتوزيع المساعدات"، وفقا ليارا عاصي، الزميلة في مؤسسة السلام في الشرق الأوسط.

وقدرت عاصي، وآخرون، أن إعادة بناء غزة ستستغرق عقودا، وأضافت أن هناك "احتمالا حقيقيا بأن تتغير الجغرافيا الفعلية لغزة" بناء على الطموحات الإقليمية التي أعلنها الجيش الإسرائيلي والسياسيون اليمينيون.

ولم يكن أحمد الإبراهيم يعرف أن بيته في مدينة غزة تدمّر بالكامل إلا عندما توجه إليه قبل أسبوعين لأخذ بعض الملابس، ويقول شارحا تفاصيل اللحظة حينها: "لم أستوعب ما حل بالمكان. عندما رأيته مر شريط حياتي فيه بثوانٍ سريعة".

وفي كل زاوية من منزل الإبراهيم "ذكرى" كما يوضح لموقع "الحرة".

ويضيف: "دائما ما نسمع كلمة الله يعوضكم. نحن نؤمن بالله لكن البيت ليس مجرد حجارة بل هو مأوى كبرنا فيه ولنا فيه كل ما هو جميل".

ويتابع أيضا: "من يعوضنا عن ذكرياتنا؟ ومن يعوض أبي وأمي الجهد الذي بذلوه لبناء المنزل. ذكرياتي كلها فيه..".

ويشير الشاب بلال الهركي إلى أن "المآسي في غزة تفوق أي عبارة أو حديث"، ورغم أن المنزل قد يعاد بناؤه إلا أن "الذكريات ذهبت ولم تعد.. ومعها أيضا الصور وأدق أدق التفاصيل".

المنازل تعني الذكريات وجهد البناء بالنسبة للفسطينيين

و"حتى لو أعيد بناء المنازل لن تكون هناك قدرة على بناء النفسيات"، وفق الهركي.

ويضيف: "نفسياتنا انسحقت مع كل حجر بالبيت.. وربنا يجيب اللي فيه الخير. نحن زي المحكومين بالإعدام وننتظر قرار التطبيق.. المعاناة كبيرة والناس بطلت تفكر".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: القصف الإسرائیلی فی السابع من فی غزة

إقرأ أيضاً:

بشرى لأهالي المرج.. انطلاق مبادرة سوق اليوم الواحد السبت المقبل

بالتعاون بين الغرفة التجارية بالقاهرة، ووزارة التموين والتجارة الداخلية تنطلق مبادرة سوق اليوم الواحد بعد غدٍ السبت لطرح السلع بأسعار مخفضة بمنطقة المرج، والتي تستهدف توفير السلع الغذائية والأساسية بأسعار مخفضة في إطار توجيهات الدولة لتخفيف الأعباء عن الأسر المصرية.

يستعد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، لافتتاح سوق اليوم الواحد في منطقة المرج بالقاهرة صباح السبت 13 ديسمبر 2025، ضمن خطة الوزارة للتوسع في المنافذ والسلاسل المتنقلة التي تتيح السلع بأسعار مناسبة مقارنة بالأسواق التقليدية.

ويهدف السوق،  إلى تعزيز دور الدولة في ضبط الأسواق، وتوفير المنتجات الأساسية بأسعار تقل عن مثيلاتها في الأسواق الخارجية، مع إتاحة مجموعة واسعة من السلع الإستراتيجية مثل الأرز والزيت والسكر والبقوليات والدواجن واللحوم المجمدة، بالإضافة إلى منتجات الخضروات والفواكه.

وزير الإسكان يُصدر تكليفات عاجلة بسرعة تقنين أوضاع الأراضي المضافةرجال الأعمال تطالب بحوافز لتوسيع استخدامات الذكاء الاصطناعي في الزراعة

وتأتي هذه الخطوة استمرارًا لجهود وزارة التموين في دعم الفئات الأكثر احتياجًا، ورفع معدلات الإتاحة، وتقديم بدائل متنوعة للمستهلك في مختلف المناطق الشعبية والقرى والمدن.. ومن المتوقع أن يشهد سوق المرج إقبالًا كبيرًا من المواطنين نظرًا لطبيعة المنطقة الكثيفة سكانيًا وارتفاع مستوى الاحتياجات اليومية بها.

ويُعد سوق اليوم الواحد جزءًا من سلسلة من المبادرات التي تطلقها الوزارة لتوفير السلع بأسعار تقل عن سعر السوق بنسبة تتراوح بين 20% و30%، بهدف تحقيق التوازن والسيطرة على مستويات الأسعار، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية التي تشهدها الأسواق العالمية.

ويقدم السوق تخفيضات على عدد كبير من السلع الأساسية، إضافة إلى توفير منتجات من شركات القابضة للصناعات الغذائية ضمن خطة الوزارة للتوسع في الأسواق الثابتة والمبادرات المتحركة للوصول إلى أكبر عدد من المواطنين في مختلف المحافظات.

طباعة شارك الأسواق للصناعات التغيرات الاقتصادية أسعار مخفضة السلع الغذائية

مقالات مشابهة

  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  • الفلسفة ليست ترفًا… بل مقاومة يومية ضد التفاهة
  • فخ العُمر والخبرة
  • قافلة تُقدم 740 خدمة طبية مجانية لأهالي بني عفان في بني سويف
  • أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
  • رحلة العمر
  • 1000 خدمة طبية مجانية لأهالي قرية بني هارون في بني سويف
  • شيخ صيادين الشرقية: الحمد لله اصطياد التمساح أعاد الطمأنينة والفرح لأهالي الزوامل
  • طوابير أمام اللجان.. توافد كثيف لأهالي الرحمانية في انتخابات مجلس النواب 2025
  • بشرى لأهالي المرج.. انطلاق مبادرة سوق اليوم الواحد السبت المقبل