الجزيرة:
2025-07-03@17:20:46 GMT

في ذكرى ميلاد يحيى حقي المعلم الثاني للمبدعين العرب

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

في ذكرى ميلاد يحيى حقي المعلم الثاني للمبدعين العرب

في السابع عشر من "يناير ـ 1905″، كان ميلاد الكاتب المعلم "يحيى حقي " في حارة "درب الميضة " الواقعة خلف "مسجد وضريح السيدة زينب" بالقاهرة، وهو تركيّ الأب والأم، وكان أبواه يتكلّمان التركية والعربية ويدينان بالإسلام ويلتزمان تعاليمه.

كان "يحيى" موهوبًا في الكتابة منذ طفولته، ولكن مسار حياته الخصب المتفرد جعل منه معلمًا للمبدعين العرب، في مجال القصة القصيرة بالذات، وهو كان من بُناة "وزارة الثقافة المصرية" في خمسينيات القرن الماضي، فتولى منصبَ مدير "مصلحة الفنون" لمدة ثلاث سنوات، ومنصبَ رئيس تحرير مجلة "المجلة " لمدة ثماني سنوات "1962ـ 1970".

وهي المجلة التي تحول مقرها إلى مدرسة لتعليم فنون الكتابة الأدبية للمبدعين المصريين، وكانت الدراسات المنشورة فيها، مدرسة للمبدعين العرب في المشرق والمغرب، وهو آخر "مبدع" يتولى مواقع ثقافية من غير حَمَلة "الدكتوراه"، فالذي كان يساعده في "المجلة "، هو "الدكتور شكري عياد" الأكاديمي والناقد المعروف، والذي تولى رئاسة تحريرها بعده هو "الدكتور عبدالقادر القط"، وهو ناقد معروف أيضًا.

تطوير اللغة العربية

وفي الفترة ذاتها، كان "نجيب محفوظ " موظفًا تحت قيادته في "مصلحة الفنون"، ولما اختار ـ حسنين هيكل ـ فريقَ المبدعين ليكونوا ضمن فريق الكتّاب في " الأهرام" رفض "يحيى حقي " قَبول المهمة، واختار الكتابة في جريدة " التعاون " التي توزع على "الجمعيات الزراعية "؛ لأنه كان يعرف أن "الأهرام" ليست حرة بالدرجة التي يريدها، و"التعاون" توزع على الفلاحين، فيقرؤُها أولادهم المتعلمون، فتصل رسالته التي يريد لها أن تصل للناس من غير صدام مع " الرقيب " ـ حسنين هيكل ـ الناطق الرسمي باسم "جمال عبدالناصر" وشريكه في الحكم.

ومن يرصد المسيرة الاجتماعية للكاتب الراحل "يحيى حقي " يستوقفه أمران؛ الأول: أنه كان تركي العِرق والثقافة، لكنه أحبّ الثقافة العربية، وقرأ أصولها وما كتبه الروّاد من "الجاحظ إلى المؤرّخ عبدالرحمن الجبرتي ".

وكان له باع طويل في تطوير اللغة العربية لتواكب مستجدات العصر، بعد "طه حسين"، وهذا ما جعلنا نعتبره "المعلم الثاني "؛ لأن جيل "طه حسين وعلي عبدالرازق ومصطفى عبدالرازق" نقلوا اللغة العربية من "متحف الأزهر" إلى صخب الحياة السياسية والثقافية، وهناك مقالة مشهورة كتبها "طه حسين" نعى فيها زمن "مصطفى لطفي المنفلوطي"، ونزع عنه صفة "الأديب" وحطم مشروعه الذي كان مكتوبًا بلغة المحسنات البديعية والسجع والطباق والجناس وغير ذلك من قواعد البلاغة القديمة.

في قلب الصعيد

والأمر الثاني في مسيرة ـ حقي ـ أنه دخل المجتمع المصري من عدة أبواب، أولها: "التعليم " في المدارس الأهليّة، ثم "مدرسة الحقوق"، ومنها إلى "النيابة " و"المحاماة "، ورفض البقاء في هذا السياق، لكن الأسرة – التي كان منها موظفون كبار – ألحقته بوظيفة "معاون إدارة" في العام "1927"، وهذه الوظيفة وضعته في قلب الصعيد المصري، فعمل في "منفلوط" التابعة لمحافظة "أسيوط" حتى نهاية العام "1929".

وكانت وظيفته القانونية تفرض عليه التكييف القانوني للمخالفات والجرائم التي يرتكبها "الفلاحون " وتسهيل مهام "وكيل النيابة " والقاضي؛ لأن ضباط الشرطة في تلك الفترة كانوا من غير دارسي القانون، وكان "معاون الإدارة " يتولى عنهم صوغ الحوادث في قالب قانوني، وهذه الوظيفة كانت الميلاد الحقيقي للشاب التركي "الأفندي" المولود في "درب الميضة".

فهي التي أركبته ظهور "الحمير"، وجعلته يعرف مواسم الزرع، والأمراض التي تفتك بالفلاحين والصراعات التي تقع بين أصحاب الأطيان الزراعية والأجراء، و"المكر الفلاحي" الذي يمارسه الفلاحون للنجاة من قسوة "الحكومة " التي تمثل العدو الأول للفلاح المصري منذ عصر المماليك الجُباة القساة الذين أكرهوا الناس، وسرقوا أقواتهم وعلموهم أن "فرس الحكومة عرجاء" لكنها قادرة على "صيد الغزال".

نظرية حتمية اللفظ

كل هذا الميراث من الكراهية رآه "يحيى حقي " فكتبه في قصصه القصيرة، ونجده في مجموعته التي حملت عنوان: "أم العواجز"، ومجموعته: "دماء وطين"، وقبل هاتين المجموعتين، لم يكن "مجتمع الصعيد" معروفًا لدى الأدباء أو القُرّاء، حتى السيرة الذاتية " الأيام " التي صوّر فيها "طه حسين " حياته في "المنيا " في شمال الصعيد ظهرت في العام 1929، وليس فيها ما يمكن اعتباره رصدًا لتفاصيل الحياة في "شمال الصعيد".

أما ـ حقي ـ فقد حقق بمجموعتَيه إنجازَين، أولهما: أنه قدّم "القصة القصيرة" في صورتها الأوروبية الراقية المتخلصة من اللغة القديمة، القائمة على تصوير "المشهد" بما يستلزمه من "سرد" و"حوار".

وفي مشروعه الإبداعي كله، انتصر لنظرية أطلق عليها "حتمية اللفظ"، وشرحها في مقالاته النقدية، فقال؛ إن "اللفظ" القادر على التعبير عن المعنى الذي يريده الكاتب هو الأَولى ووجوده "حتمي " دون النظر إلى أصله " الفصيح أو العامي ".

وكانت تلك خطوة مهمة، جعلت المبدعين العرب يغامرون باحترام "اللهجات المحكية" المحلية، باعتبارها هي التطور الطبيعي للغة، وليس "الهدم المقصود للغة "، كما رأى الأزهريون رعاة التراث الموروث من العصرَين: العباسي والأموي.

احتضان الموهوبين

وعلى المستوى الإنساني، قدَّم يحيى حقي طَوال حياته "1905ـ 1992" نموذجًا للمثقف المعلم، الذي يعلم المبدعين الشبان، ويسعى لاكتشاف الموهوبين ويعتبرهم "الثروة " الحقيقية للمجتمع، فهو من اكتشف الدكتور "جمال حمدان " عالم الجغرافيا السياسية المعروف، وجعله من كتّاب مجلة "المجلة".

وهو من رعى مواهب "جيل الستينيات "، ومن مشاهيرهم "عبدالوهاب الأسواني " و"يحيى الطاهر عبدالله " و"إبراهيم أصلان " و"محمد روميش" و"عبدالحكيم قاسم " و"جمال الغيطاني"، ولم يكتفِ بالتعليم المباشر في "شرفة مقر مجلة المجلة" بل أصدر الكتب التي تعتبر المراجع المهمة لمن يرغب في احتراف الأدب القصصي، ومن كتبه التي خصصها لهذا الغرض "أنشودة للبساطة"وفيه جمع كل ما يحتاجه الأديب الناشئ حتى يصبح قاصًّا أو روائيًّا متمكنًا من أدوات فنّ القصّ.

وهو الذي وضع خُطة للحفاظ على الفنون الشعبية، فكان أوبريت "يا ليل يا عين " الذي شارك فيه الفنانون التلقائيون هو النواة الأولى التي خرجت منها فرقة "النيل " للآلات الموسيقية الشعبية، وتأسيس معهد الفنون الشعبية في أكاديمية الفنون، وتبنّي الحكومة المصرية فرقةَ "رضا" التي قامت بمسح شامل لأقاليم مصرالمختلفة واختارت "رقصات " متوارثة، وصاغت منها لوحات، وطافت بلاد العالم معبرة عن الثقافة الشعبية المصرية.

اعتزال

ولم يكتفِ بدوره الريادي والتعليمي من خلال الكتب والمقالات، ولكنه بعد أن قال كلمته، اعتزل الكتابة الأدبية، وهذه خطوة غير مسبوقة، وشرح ذلك بقوله في مقابلات تلفزيونية وإذاعيّة أجرتها معه تلفزيونات وإذاعات عربية: إن "الكاتب " الذكي، هو من لا يكرر نفسه، ويعتزل إذا ما أحسّ بأنه لن يضيف جديدًا.

وتفضل مشكورًا بإهداء مكتبته القيمة التي تضم آلاف الكتب المهمة إلى جامعة "المنيا" في ثمانينيات القرن الماضي، وهي جامعة كانت فقيرة، وكان مقصده دعم طلابها بالمراجع التي يحتاجونها في دراساتهم وبحوثهم الأكاديمية، وهذه خطوة دالة على محبة ـ صاحب الذكرى ـ للناس وحرصه على تمليكهم المعرفة، فهذه المكتبة هي ثمرة سنوات عمره التي تزيد على ربع القرن، أنفقها في عواصم أوروبا، يبحث ويدرس ويقتني الكتب من مصادرها الموثوقة.

وكان في تلك الفترة يعمل في الخارجية المصرية، حتى بلغ درجة "وزير مفوض" للحكومة الملكية المصرية في "ليبيا " و"المملكة السعودية"، وتزوَّج من فنانة تشكيلية فرنسية فأُعفي من العمل في الخارجية حسَب القانون المصري، وعاد إلى الوطن وأدَّى رسالته بصدق حتى اليوم الأخيرمن حياته.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: یحیى حقی طه حسین

إقرأ أيضاً:

ميلاد أمة

السودان في حالة عدم استقرار كامل ، وكأنه يتعرض لزلزال ، يصعب السيطرة على كل ما فيه ، وهو بحاجة للاستقرار اولاً ، حتى تتحدد الأولويات وتًستثمر الطاقات ، وحتى يأتي ذلك الزمان فمن الضروري ان نساعد في سرعة استقراره بالإيجابية كل حيث كان ، وان نتجاوز نحن ابناؤه السلبية وأن نخرج من حالة الاستغراق في الماضي ، وان نبحث عن الأفضل فيه لنبني عليه ، وعمّا تلف فنركمه بعيداً.

في حالة الزلزال ، ينجو الذين لا يذهلهم الحدث ويتماسكون و يختارون مواقع صلبة فيحتمون بها ، ويهلك ما دون ذلك، ونحن في وسط هذا الزلزال الذي دمّر الحياة كما نعرفها للابد ، تماسكنا لأول مرة كأمة تولد من جديد ، فمن قبل لم نكن إلا شعوباً جمعتها الجغرافيا ، وأما اليوم فهي أمة وحدّها الألم والحزن والفقد ، جماعات اكتشفت ان العدو والعدوان وحّدها ، ورغم قُبح الحرب لكنها تعرّفت على هذا البلد ، وببعضها .

ليلتفت كل منكم فينظر بين اهله وجيرانه واصدقائه سيجد أنهم استعصموا في رحلة الهروب بارواحهم وأعراضهم من المليشيا بجزءٍ من السودان ما كانوا سيرونه لولا هذه الحرب ، وفي مسيرة الخوف هذه بقدر ما كان هناك جشعون كان الغالبية أخيار ، فنحن لسنا ملائكة ، سيكتشف اهل الفاشر في رحلة الهروب الشاقة ان الشمال الذي سمعوا عنه ليس كالذي رأوه ، فهو أكثر تخلفاً من عاصمة السلطان وغيرها من مدن دارفور ، واكتشف اهل الشمال ان الفاشر التي سمعوا عنها قريبة منهم وهي صمام امنهم .

اكتشف اهل الجزيرة في رحلة هروبهم من ديارهم وقراهم ان نهر النيل هي صمام امنهم كما أمدرمان لأهل بحر ابيض…
اكتشف السودانيون حتى في نيالا والضعين انهم في نظر الغرباء سواء ، مستباحة ارواحهم وأموالهم وأعراضهم ، ..

اكتشف السودانيون ان النميري وجعفر محمد علي بخيت حين أطاحا بالإدارات الأهلية كان يبصران بعين توحيد الدولة وتقوية بنيانها الإداري ، بينما نظرت الإنقاذ بعين ترى ان الإدارة الأهلية هي ظل الدولة حيث لا ظل لها ، ولكن ثبت ان معظم قادة هذا المكوِّن كانوا صغاراً جشعين ، اعتادوا ان يكونوا يداً سفلى لمن يشتريهم ولاءً وضمائر خربة بحفنة مال وعصا ..ويستثنى منهم رجال وقفوا كفرسان وانتصروا كابطال .

أيها السودانيون نحن في مركب قويٌ عوده ، يتمايل في بحرٍ لُجيّ ، وقد ثقب عدة ثقوب كلٌ منها كفيل بإغراقه ، فأما ان نغرق جميعاً او ننجو جميعاً ، ولذلك على كلٍ منا ان يلتفت إلى الثقب الذي يجاوره فيغلقه ، وثقوب بلادنا هي شهوة الحكم وشهوة الشهرة وشهوة المال ، ثقوب بلادنا هي الصمت عن الخطأ حياءً ، والمسامحة حيث لاينبغي ، وأكبر ثقوبنا إدعاء المعرفة وعدم إتقان المهن والتصنّع ، واخطرها هو تفرّق عِصينا ورماحنا ، وسهولة استغفالنا ، وغياب الدولة بسلطانها ، وغياب القانون والحِساب، لقد تشتت شملنا واستًبحنا لأننا غفلنا عن
“وضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى”
خطأ كارثي .
أيها السودانيون دعونا نعود كما كنّا ، نًعين بعضنا نفيراً و نجدة ، دعونا نربّت على ظهور بعضنا سنداً وطمأنة ، فلنعد كما كنا متعارفين متآلفين ، نكرم الغريب وان طالت إقامته ، دعونا نلفظ كل اذىً بيننا ، دعونا نتعلم ، فدرسنا هذا كان بالدماء وبصرخات المعذبين وانّات المحتضرين وهم عطشى يسألون جرعة ماء ، درسنا هذا كان بأعراض مختطفات ومقتولات وأسيرات ومهانات ، امهات وأخوات …

درسنا القاسي تلقيناه في مناخ الخوف والرعب ، ونحن في صفٍ طويلٍ بين جماعات الهاربين في طرق يحُفًّها الموت و جثث الأطفال وكبار السن والمرضى ..

دعونا نعبر هذا الزلزال ، لنبنيّ وطناً قويّاً ،لايهرب الاخيار من خدمته خوفاً على سمعتهم وراحة بالهم ، ويتمكن منه الشِرار ، دعوا مركبنا يمخر العباب بأمان وبإصرار منا ودأب حتى نصل لليابسة .

د. سناء حمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • في ذكرى رحيله الـ62.. عز الدين ذو الفقار “الفنان الضابط” الذي حوّل السينما إلى سلاحه الخاص
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد توفيق مبدع “لن أعيش في جلباب أبي” الذي هزم أدوار الشر بالإبداع والاحترام
  • القطاع التربوي بمحافظة صنعاء يحيى ذكرى استشهاد الإمام الحسين
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو.. تعديل مؤقت في جدول تشغيل قطار العاصمة
  • في ذكرى ميلادها.. كيف احتفلت الأميرة ديانا بآخر عيد ميلاد لها في عام 1997؟
  • في ذكرى ميلاد أسطورة الجاسوسية.. حقيقة تسبب مسلسل رأفت الهجان في خلاف بين الزعيم والساحر
  • فى ذكرى ميلاد رفعت الجمال.. قصة خلاف الزعيم والساحر لتقديم مسلسل رافت الهجان
  • زياد ابو عبيد .. عيد ميلاد سعيد
  • ميلاد أمة