لجريدة عمان:
2025-05-19@23:53:17 GMT

أسبوع ألماني مخزٍ

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

(1)

واحدة من أكثر العبارات التي ترددت منذ بداية العدوان على غزة هي «تبا لهراء الحضارة!» ما يُقصد من هذا القول هو استنكار التحويل المتعمّد وغير المتعمّد لأبسط البديهيات، إلى مسائل تبدو مُلتبسة ومعقدة تشوش، تحير، وتُشتت الانتباه. فمسائل لا تقبل النقاش مثل: السرقة شيء غير أخلاقي (لا سيما سرقة الأرض)، والقتل شيء غير أخلاقي (لا سيما قتل الأطفال)، تتحول إلى نقاشات حول ما إذا كان كيان ما يرتكب إبادة جماعية بالمعنى القانوني للكلمة، والذي حددته اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.

وتُصبح أعذارا من قبيل «إن ما يحدث أمر شنيع، ولكنه لا يقع ضمن اختصاصنا»، أو «هذا مؤسف لكن يصعب تحميل أحد المسؤولية قبل إجراء تحقيق عميق ومُستقل»، أقول إن أعذارا كهذه لا تُصبح مقبولة فحسب، بل ويُشاد بها، باعتبارها تمثيلا نموذجيا لضبط النفس. لا أقتبس هذا من مكان محدد، لكنها عبارات نعلم جميعا أنها تُكرر كل يوم، وستبقى تتكرر ما بقيت «الحضارة».

يخطر لنا كشعوب -تجهد في مقاومة البقايا الاستعمارية، ورصد الخطابات الفوقية- أن لغة التشويش هذه تُستخدم ضدنا فقط. وأننا وحدنا من يصعب عليه تعيين اللصوص إذا ما ارتدوا البدل الرسمية، والكعوب العالية. إلا أنك تكتشف مع الأيام أن هذه اللعبة من الإحكام بحيث إنها لا توفر أحدا، وأننا دون استثناء ضحاياها.

هُز الشارع الألماني إثر نشر كوريكتيف مقالا بعنوان «خطة سرية ضد ألمانيا» قبل أسبوع من كتابة هذا المقال. أدلى التحقيق الصحفي بتفاصيل خطة سرية لقوى اليمين المتطرف من أجل تهجير عكسي للملايين سواء من غير الألمان، أو من الألمان القادمين من خلفيات غير ألمانية. تورط في الاجتماع الذي أسفر عن الخطة أعضاء من حزب «البديل من أجل ألمانيا»، ما حفز الجمهور للنزول إلى الشارع مطالبين بحظر الحزب بدعوى تطرفه. علق رينه شبرنغر -عضو البديل في مجلس النواب- أن هذه ليست خطة سرية، وإنما هي وعد من أجل الحفاظ على الهوية، العدل، والأمان في أوروبا.

والآن لو نظرنا إلى دعوات التطهير العرقي هذه والساعية إلى تنقية سكان أوروبا من الإثنيات غير المرضي عنها، مُقابل دعوات المستشار الألماني أولاف شولتز مع بداية الحرب على غزة، والذي جاء كرد فعل لتضامن جزء من الألمان والمقيمين في ألمانيا مع القضية الفلسطينية. اللقاء جرى على النحو الآتي: سألت دير شبيغل شولتز بشكل مباشر حول واقع أن الكثيرين من المعادين لإسرائيل هم من ذوي الأصول العربية، وما إذا كان صنّاع السياسات قد تجاهلوا العداء المتأصل لإسرائيل في بعض الجماعات؟ وحين أتى رد المستشار بأنهم يبقون عينا يقظة، ردت الصحفية ليس بما يكفي كما يبدو، ثم استحثت تعليقه إن كان يُفترض بألمانيا أن تكون حريصة ممن يُسمح له بالقدوم، ومن يُسمح له بالذهاب، ليعترف أن عدد القادمين إلى ألمانيا أكثر مما يجب، وليقول لاحقا -الجملة التي صارت عنوانا للمقابلة، ولصحف أخرى حول العالم- «يتعين علينا الترحيل بشكل متكرر وبسرعة أكبر».

شولتز نفسه شارك مع مجموعة من ساسة البوندستاغ في احتجاجات الشارع ضد حزب البديل. والفارق ربما أن اليمين المتطرف -على عكس آخرين- لا يعمل كثيرا على تزويق عنصريته.

(2)

غيرتنا غزة للأبد، وكذلك تفعل جنوب إفريقيا، وهي تقف بشجاعة في وجه العالم. تُدرك جنوب إفريقيا أنها ليست مواجهة بينها وبين إسرائيل فحسب. وقفت رغم كل الضغوطات التي مرت بها أو تنبأت بقدومها، ورغم أنها لا تملك أي مصلحة -أي مصلحة يمكن أن تجنيها من الوقوف في صف أكثر السلطات المكروهة اليوم أي حماس!

كُنا نعتب على الإعلام الألماني عدم تغطيته الفعالة لجلسات الاستماع، قبل أن نتفاجأ بتدخل ألمانيا كطرف ثالث والانضمام لصف إسرائيل في الدعوى أمام محكمة العدل الدولية. ناميبيا والتي تتذكر -في التاريخ نفسه قبل مائة وعشرين سنة- تمرد شعبها ضد الاستعمار الألماني، لم تسكت.

حين اعتذرت ألمانيا في 2021 عن جرائمها فترة استعمارها ناميبيا ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر، حرصت أن يُصاغ الاعتذار بطريقة لا تلزم ألمانيا بتقديم تعويضات للضحايا. وافقت بالمقابل على تمويل مشروعات بأكثر من مليار يورو.

رؤية جهود دول الجنوب العالمي تتكاتف على هذا النحو يُعيد بعض الأمل. لكن لا يبدو أن الكثيرين يملكون شجاعة جنوب إفريقيا.

يُذكرنا نورمان فينكلشتاين في سلسلة لقاءاته مع معين رباني التي تمت خلال أيام جلسات الاستماع عبر جدلية، أن قرار المحكمة سيتحدد بشكل واضح بوقوف القوى الكولونيالية مقابل القوى المضادة للكولونيالية. ويُذكرنا ألا نتمادى في تفاؤلنا باستقلال القضاة، أولا: لأن مواقف الدول التي ينحدر منها القضاة محددة سلفا في هذه القضية. ثانيا: للتاريخ الطويل من النيل من الأشخاص والمؤسسات التي تُقرر الوقوف في وجه إسرائيل، والذي يعرفه كل قاضٍ من القضاة يُفكر بالمجازفة.

مع هذا، ثمة أمل بأن تُدعم جنوب إفريقيا بما يكفي.

يحيا الجنوب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جنوب إفریقیا التی ت

إقرأ أيضاً:

"غروك" يثير الجدل: هل تروّج أداة إيلون ماسك لرواية "الإبادة الجماعية للبيض" في جنوب إفريقيا؟

أثارت أداة الذكاء الاصطناعي "غروك" المدمجة في منصة "إكس" والمملوكة لإيلون ماسك، موجة من الانتقادات بعد أن بدأت بالترويج، تلقائيا لسردية "الإبادة الجماعية ضد البيض" في جنوب إفريقيا، مسقط رأس ماسك، وذلك في ردود لم تكن ذات صلة بموضوعات المستخدمين. اعلان

 الواقعة التي تمّ الإبلاغ عنها مؤخرًا، دفعت موقع TechCrunch إلى وصف انشغال الروبوت المتكرر بهذه الرواية بأنه شكل من أشكال "الهوس"، في إشارة إلى السردية التي طالما روج لها كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وماسك نفسه.

وعلى الرغم من أن الشركة سارعت إلى احتواء الخلل وإصدار بيان توضيحي حوله، فإن الحادثة أعادت فتح النقاش بشأن مصداقية أدوات الذكاء الاصطناعي ومدى دقتها في تداول المعلومات.

تعديل غير مصرح به

في بيان مطوّل، أوضحت شركة "إكس أيه آي" أن سبب ظهور تلك الردود يعود إلى "تعديل غير مصرح به" في إعدادات الاستجابة لدى "غروك"، أجري بهدف توجيه الأداة لإعطاء إجابة محددة حول قضية ذات طابع سياسي. وأقرت الشركة بأن هذا التعديل "انتهك سياسات الشركة وقيمها الأساسية"، مؤكدة أنها باشرت تحقيقًا شاملًا في حيثيات ما جرى.

وتعهدت الشركة بتعزيز المراقبة عبر "فريق يتابع عمل الأداة على مدار الساعة"، كما وعدت بمزيد من الشفافية بشأن أي تغييرات مستقبلية تُجرى على الذكاء الاصطناعي، الذي سبق وأن وُجّهت إليه اتهامات بنشر معلومات مضللة، بل ومساعدة مستخدمين على توليد صور افتراضية تُظهر نساء عاريات.

غير أن هذه التوضيحات لم تُرضِ بعض المستخدمين الذين واجهوا "غروك" مباشرة على المنصة. وقد نشر أحد المستخدمين ردًا تلقّاه من "غروك"، جاء فيه اعتراف صريح بأن منشئي الأداة طلبوا منه التعامل مع رواية "الإبادة الجماعية للبيض" في جنوب إفريقيا بوصفها حقيقة ذات خلفية عنصرية، وهو ما أدى إلى إدراجها تلقائيًا في ردود لا علاقة لها بالسياق.

شبهات بـ "التحيز السياسي" وتدخّل ماسك

وصف "غروك" الواقعة في أحد تفاعلاته بـ"الحادثة الصغيرة"، لكن السياق السياسي جعل منها حدثًا بارزًا، إذ أعادت إلى الواجهة اتهامات "الإبادة الجماعية للبيض" التي لطالما استخدمها ترامب وحلفاؤه كأداة سياسية ضد جنوب إفريقيا.

وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل يدعم هذه الادعاءات أو يشير إلى اضطهاد منهجي للبيض، غير أن واشنطن اقترحت مؤخرًا منح صفة "لاجئ" لمجموعة من مواطني جنوب إفريقيا الذين تم إجلاؤهم إلى أراضيها.

Relatedتركيا تحجب حساب إمام أوغلو على منصة "إكس" بأمر قضائي! على وقع الحرب مع باكستان وبطلب من الهند.. منصة "إكس" تلغي 8 آلاف حساب سبيس إكس تطلق 28 قمرًا صناعيًا إلى المدار على متن صاروخ فالكون 9

وما يزيد من تعقيد الموقف هو دعم ماسك الصريح لترامب منذ الحملة الانتخابية الأمريكية. ففي شباط/فبراير الماضي، قامت أداة "غروك" بحجب مصادر إعلامية لفترة وجيزة لأنها قدمت الرجلين باعتبارهما مصدرين للتضليل الإعلامي.

وبالإضافة إلى موقعه كرجل أعمال، يتزايد حضور ماسك في المشهد السياسي. فالملياردير الجنوب أفريقي الأصل، الذي أوكلت إليه الإدارة الأمريكية مهمة تقليص الإنفاق العام، يخوض في الوقت نفسه صراعًا معلنًا مع بلده الأم، متهمًا سلطاتها بالانحياز إلى المواطنين السود على حساب البيض.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • منتخب جنوب إفريقيا يتوج بلقب كأس القارة السمراء للشباب
  • خسارة الذهب والبرونز.. يوم حزين للمغرب ومصر في أمم إفريقيا
  • الأولى في تاريخه.. منتخب جنوب إفريقيا بطلا لأمم إفريقيا تحت 20 عاما
  • منتخب جنوب إفريقيا بطلًا لكأس الأمم الأفريقية للشباب بعد الفوز على المغرب
  • "كان" الشباب: المنتخب المغربي يفشل في تحقيق اللقب بعد هزيمته أمام جنوب إفريقيا
  • "كان" الشباب: المنتخب المغربي يواجه جنوب إفريقيا وعينه على تحقيق اللقب الثاني في تاريخه
  • نهائي واعد في مصر.. "أشبال الأطلس" يتحدون جنوب إفريقيا
  • "كان" الشباب: المنتخب المغربي يواجه جنوب إفريقيا في النهائي بذكريات تتويج 1997
  • "غروك" يثير الجدل: هل تروّج أداة إيلون ماسك لرواية "الإبادة الجماعية للبيض" في جنوب إفريقيا؟
  • المنتخب المغربي يواجه جنوب إفريقيا بحثًا عن لقبه الثاني في أمم إفريقيا للشباب