قلقيلية- في خط مواز من العنف والقمع الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، سار المستوطنون بتنظيماتهم ومسمياتهم المختلفة أيضا، ولم تقلّ انتهاكاتهم عما يفعله الجيش.

وانتقل المستوطنون لمراحل أفظع تعدّت التحريض والهجوم وحتى القتل المباشر، ووصلوا حد "الاختلاق" ورسم (السيناريوهات) تمهيدا لتنفيذ مخططاتهم التي تصاعدت بعد "طوفان الأقصى" بهدف تهجير الفلسطينيين.

وبات "سيناريو غلاف قلقيلية" -مثلما وصفته صحيفة "إسرائيل اليوم" وتكرر مرات عدة عبر وسائل إعلام الاحتلال- أقرب إلى هذه الاختلاقات.

ادعاءات

وادّعى المستوطنون بمستوطنات "كوخاف يائير" و"تسوريغال" شمال قلقيلية (خلف الجدار داخل الخط الأخضر) أنهم متخوفون من اقتحام "مخربين" فلسطينيين من قلقيلية والقرى المجاورة لمستوطناتهم عبر أنفاق، وادعوا أنهم يسمعون أصوات "حفريات واهتزاز".

ورغم نفي جيش الاحتلال وجود أنفاق، فإن مجالس المستوطنات قالت إنها غير مقتنعة بموقف الجيش، وإنها تعمل على استجلاب شركات خاصة لفحص جيولوجي لتتجنب "سيناريو مرعب"، حسب تعبير الصحيفة.

لكن ما الذي استدعى كل هذا التحريض من المستوطنين خاصة بهذه الأوقات؟ سؤال أجاب عنه حسام أبو حمدة القائم بأعمال محافظ قلقيلية، بتأكيده أنها "افتراءات وأكاذيب يسوّقها المستوطنون لتسويغ مخطط كبير يُحاك ضد قلقيلية الأكثر هدوءا مقارنة بالمحافظات الأخرى بالضفة".

ويقول حسام أبو حمدة للجزيرة نت، إن الاحتلال استهدف -ولا يزال- قلقيلية نتيجة تماسها كونها محافظة حدودية مع الخط الأخضر بين فلسطين المحتلة في 1967 و1948، وإنه يُصادر -منذ زمن- أراضيها ويسرقها عبر الاستيطان، وإن ما يشيعه المستوطنون حول أنفاق وغيرها لا أساس له من الصحة.

ورأى أن تكثيف الاحتلال مؤخرا اقتحاماته العسكرية لقلقيلية، التي تخلّلها قتل وهدم واعتقال للمواطنين وتخريب البنية التحتية، مقدمات لمخطط كبير يعدّه للضغط على السكان وتهجيرهم قسرا، ويضيف "نحن من بات يخشى من مخططات الاحتلال ومستوطنيه لقلقيلية في المرحلة القادمة".

وبالتوازي مع مخطط التهجير القائم بقطاع غزة، يمارس الاحتلال، وفق حسام، آخر مشابها وتدريجيا بالضفة الغربية وما تعيشه قلقيلية يؤكد ذلك، وقال إنهم يعملون بكل قوتهم لإخفاق هذه المخططات بصمودهم بالميدان، ومواجهة صلف الاحتلال وعنجهيته.

ويضيف أنهم وبينما يوثّقون تجاوزات الاحتلال واعتداءاته، تواصل القيادة الفلسطينية دورها السياسي والقانوني بالدفاع عن الأرض الفلسطينية محليا وإقليميا ودوليا.

الجدار العازل الذي شيدته إسرائيل حول مدينة قلقيلية عزل أراضي الفلسطينيين خلفه (الجزيرة) محاصرة وتضييق

من ناحيته، دحض وليد عساف وزير هيئة شؤون الجدار والاستيطان السابق وابن مدينة قلقيلية ادعاءات المستوطنين، وكشف أسبابا كثيرة لتحريضهم على المدينة، سعيا لضمها والسيطرة الكاملة على أراضيها، "كحلم راود الاحتلال دوما".

وأوضح وليد، للجزيرة نت، أن موقع قلقيلية الإستراتيجي في الخاصرة الضعيفة لدولة الاحتلال، إضافة لقربها من البحر المتوسط (على مسافة 11 كيلومترا) الذي تحتله إسرائيل، وامتدادها فوق حوض المياه الغربي الذي يشكل 64% من مياه الضفة الجوفية، واتصالها بمدن قريبة -مثل سلفيت- جعلها تشكل كتلة عازلة للشمال عن الجنوب.

لكن قلقيلية، وحسب وليد عساف، تتعرض منذ زمن بعيد لمحاصرة وتضييق إسرائيلي شبه دائم حتى في "أيام الانفراج" -حسب وصفه- التي كانت تعيشها غزة ومدن أخرى بالضفة.

واستعرض ذلك قائلا:

في 1956 قصفت إسرائيل مقر المقاطعة في قلقيلية، واستشهد 156 جنديا أردنيا. في 1967 هدم الاحتلال جزءا كبيرا من أحيائها وطرد سكانها، لكنه سرعان ما أعادهم بعد تدخل دول كبرى. عند توقيع اتفاق أوسلو حاولت إسرائيل إجراء استفتاء لضم قلقيلية إليها، لكن الأهالي رفضوا. مع دخول انتفاضة الأقصى سنة 2000 شيَّد الاحتلال جداره العازل الذي التف حولها من كل الجهات، وأصبحت وكأنها داخل زجاجة، وعزلها عن أراضيها لتصبح منطقة غير قابلة للحياة.

وضمن ما عُرف بتقسيمات أوسلو (مناطق أ وب وج "سي")، سُميت 3% فقط من أراضي محافظة قلقيلية المقدرة بأكثر من 170 ألف دونم (الدونم يساوي 1000 متر مربع) بمناطق "أ" و"ب"، وسُميت 97% مما تبقى مناطق "سي"، ويصعب الوصول إلى معظم تلك الأراضي.

وعند تفكيك مستوطنات سيناء بعد معاهدة السلام "كامب ديفيد"، نُقل المستوطنون إلى مدن سلفيت وقلقيلية، كما نُقل إليها مستوطنو "غوش قطيف" في غزة بعد تفكيكك مستوطناتهم وإخلائها في 2005.

الجدار عقاب آخر

ومنذ 1975 تعاقب إسرائيل، محافظة قلقيلية بالاستيطان، وتجثم 25 مستوطنة وبؤرة استيطانية وتسيطر على نصف أراضيها، ويقارب عدد المستوطنين فيها تعداد السكان الفلسطينيين بالمحافظة، ويقطن في مستوطنة قدوميم المستوطن المتطرف بتسلئيل سموتريتش وزير المالية في حكومة الاحتلال، حسبما يقول وليد عساف وزير هيئة شؤون الجدار والاستيطان السابق.

ويحاصر المدينة جدار عازل يمتد على طول 40 كيلومترا ويتلوى حول أراضيها ليعزلها خلفه، ويمنع أصحابها من الوصول إليها إلا عبر بوابات وبتصاريح خاصة، بينما يُبقي على مدخلها الشرقي والوحيد متنفسا لتنقل السكان، ولكنه يغلقه عسكريا متى شاء.

وبينما يرفض الاحتلال توسعة المخطط الهيكلي لمحافظة قلقيلية، أضحت معظم الأراضي خارجه، وأصبح "نصف البناء" الفلسطيني بالمحافظة -حسب وليد- يقع بمناطق "سي" الخاضعة لسيطرة إسرائيل التي تمنع البناء وتهدمه، فضلا عن مشروعات الطرق الاستيطانية التي حاصرت المحافظة وزادت في عزلها.

مدخل مستوطنة كرني شمرون إحدى 25 مستوطنة وبؤرة استيطانية تجثم على أراضي قلقيلية (الجزيرة)

ميدانيا، عملت إسرائيل على كبح جماح أي مقاومة تظهر في قلقيلية، وصعَّدت استهدافها منذ بدء الحرب على غزة، حيث لاحقت مقاومين شكّلوا مؤخرا "مجموعات ليوث المجد" التابعة لكتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وفق تصريح الصحفي أحمد شاور للجزيرة نت.

وقتلت إسرائيل القائد المطارد علاء نزَّال ومقاوما آخر يدعى أنس داود مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد محاصرتهما داخل مركبة بأحد أحياء المدينة، كما لاحقت المقاومة التي امتدت خارجا في قرى المدينة، وقُتل 7 شبان في بلدة عزون شرقها وآخر في قرية جيوس المجاورة.

ويقول شاور إن إسرائيل تستبيح المدينة باقتحاماتها اليومية واستفزازها للمواطنين، وهو ما يفند أي ادعاءات للمستوطنين حول وجود أنفاق وغيرها.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

استعدادات لاقتحامات واسعة للأقصى ودعوات للرباط لإفشال مخططات المستوطنين

القدس المحتلة - صفا انطلقت دعوات واسعة للاستعداد للرباط في المسجد الأقصى المبارك، والتصدي لاقتحامات المستوطنين المتطرفين خلال ما يسمى عيد "الحانوكاه_الأنوار" اليهودي، الذي يبدأ يوم الأحد القادم. وأطلق نشطاء ومرابطون وهيئات مقدسية الدعوات للحشد والنفير خلال الأيام المقبلة، وديمومة الرباط، والتصدي لمخططات الاحتلال والمستوطنين في تهويد المسجد وهدمه وبناء "الهيكل" المزعوم. وأكدوا على أهمية الحشد بشكل واسع في باحات الأقصى وأداء جميع الصلوات فيه، وعدم التسليم بعراقيل الاحتلال وقيوده العسكرية. وأشارت الدعوات إلى أن المستوطنين يستغلون كل لحظة من أجل زيادة اقتحاماتهم واعتداءاتهم في مسرى الرسول. وأضافت أن كل من يستطيع الوصول إلى الأقصى من أهالي القدس والداخل الفلسطيني المحتل والضفة الغربية، يقع على عاتقه واجب نصرة المسجد المبارك والدفاع عنه أمام المخاطر المتزايدة بحقه. وتصر جماعات المعبد المتطرفة على إقحام المسجد الأقصى في هذا العيد، وتعمّد المقتحمون إشعال الشموع داخله، وما زالوا يحاولون إدخال الشمعدان إلى ساحاته. وفي إطار استعدادات "جماعات الهيكل" المزعوم وأنصارها للاحتفال بما يسمى "عيد الحانوكاه/ الأنوار"، من المقرر تنفيذ نحو 150 فعالية تهويدية تستهدف مدينة القدس المحتلة. وضمن التحضيرات السنوية لهذا العيد، تم وضع شمعدان ضخم يوم السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري في ساحة البراق الملاصقة للجدار الغربي للأقصى، لإتمام طقوس إضاءة شعلة كل يوم داخل الساحة مع مغيب الشمس، كما يتم نصب شمعدانات لإضاءتها كل ليلة أمام أبواب المسجد، خاصة بابي المغاربة والأسباط. وتشكل مراسم إشعال الشمعدان أبرز طقوس الاحتفال، ضمن محاولات مستمرة لفرض السيطرة الرمزية على المقدسات الإسلامية. وخلال العام الماضي، تعمُّد المقتحمون أداء الطقوس التوراتية والصلوات التي ارتدوا خلالها لفائف التيفلين (لفائف سوداء يرتديها اليهود أثناء تأدية الصلاة)، كما أشعلوا الشموع داخل المسجد، وكان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من بين المقتحمين في هذه المناسبة. ويصعد المستوطنون من اقتحاماتهم اليومية للأقصى بدعم من حكومة الاحتلال اليمينية والوزراء المتطرفين، ويستغلون الأعياد اليهودية في تنفيذ طقوس تلمودية غير مسبوقة. وتحاول الجماعات المتطرفة التحريض بشكل مستمر لزيادة أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى، والوصول بهم إلى أرقام قياسية. 

مقالات مشابهة

  • مصابون ومواجهات بالضفة المحتلة واستمرار هجمات المستوطنين
  • "مقاومة الجدار": قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • استعدادات لاقتحامات واسعة للأقصى ودعوات للرباط فيه لإفشال مخططات المستوطنين
  • استعدادات لاقتحامات واسعة للأقصى ودعوات للرباط لإفشال مخططات المستوطنين
  • مقاومة الجدار: قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى اليوم مؤدين جولات استفزازية
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
  • اقتحامات بالضفة وإدانات فلسطينية لقرار إسرائيل بناء وحدات استيطانية
  • إغلاق طرق وتجريف أراض.. المستوطنون يواصلون اعتداءاتهم بالضفة بحماية الجيش
  • الأمم المتحدة: ارتفاع غير مسبوق في هجمات المستوطنين بالضفة