فى ساعات الليل الأولى من السابع عشر من أكتوبر الماضى، نفذ سلاح الجو الإسرائيلى مجزرة بشعة، بحق عشرات الجرحى ومئات النازحين المدنيين فى ساحة المستشفى الأهلى العربى «المعمدانى» فى حى الزيتون جنوب مدينة غزة، كان أغلبهم من النساء والأطفال، فى كارثة إنسانية ووصمة عار على جبين المجتمع الدولى، الذى شاهد بالصوت والصورة جرائم الاحتلال، وكيف مزقت الغارة أجساد الضحايا وجعلتها أشلاء متفرِّقة ومحترقة، فيما تحوَّل المستشفى إلى بِركة من الدماء، لتكون شاهدة على وحشية الكيان الصهيونى.

ووصل عدد الشهداء جرَّاء قصف المستشفى المعمدانى إلى أكثر من 500 فلسطينى، والمئات من الجرحى، إذ كان يعتبر ملاذاً آمناً للفلسطينيين من قصف طائرات الاحتلال، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، كان المستشفى يضم عدداً من النازحين من منازلهم بعد تدميرها ووصل عددهم إلى أكثر من 5 آلاف فلسطينى، وزاد من حجم الكارثة أيضاً أن المصابين حين وصولهم للعلاج فى مستشفى الشفاء، القريب من «المعمدانى»، وجدوا الكهرباء قُطعت فى المستشفى بسبب الهجمات التى شنتها قوات الاحتلال فى محيطه، فكان محاصراً قبل جريمة «المعمدانى» لعدة أيام.

وخرجت عدة مظاهرات مناصرة للشعب الفلسطينى فى عدد من عواصم الدول بعد ساعات من الجريمة وأيضاً فى اليوم التالى لها، للتنديد بالمجزرة التى ارتكبها الاحتلال، وبدأت بعدها سلسلة من المظاهرات لم تتوقف حتى اليوم، وأكد العديد من مواطنى دول العالم أنهم عرفوا بالقضية الفلسطينية منذ قصف «المعمدانى»، وبدأوا بمتابعة الأحداث فى غزة وتاريخ الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى.

كما خرج الآلاف فى ساحات وميادين الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، تحديداً بمصر والأردن وتركيا والكويت واليمن وقطر وموريتانيا وإيران والعراق والمغرب وغيرها، تنديداً بوحشية الاحتلال، وشهدت الميادين الغربية تعاطفاً كبيراً مع الضحايا الفلسطينيين، وبخاصة فى فرنسا واليونان وبريطانيا والولايات المتحدة، وعاد المستشفى المعمدانى للعمل مرة أخرى فى نوفمبر الماضى، بعد قصفه بأكثر من شهر، واستقبل الجرحى والمصابين، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلى واصلت انتهاكاتها ولم تكتف بالجريمة الكبرى، إذ حاصرت الدبابات المستشفى وسط هجوم عنيف، وزعمت بوجود أنفاق تابعة للفصائل الفلسطينية أسفله، وأصبح من الصعب على طواقم إسعاف الهلال الأحمر الوصول إليه.

ورغم المجزرة التى شهدها، كان المستشفى المعمدانى الوحيد فى شمال قطاع غزة الذى يستقبل الجرحى والمرضى بكامل طاقته من بين 24 مستشفى، بينما كانت تعمل 5 مستشفيات أخرى بشكل محدود، وفى ديسمبر الماضى، أعلنت وزارة الصحة فى غزة خروج المستشفى المعمدانى عن الخدمة بشكل نهائى، نتيجة الاستهداف والحصار واعتقال عدد من الكوادر الطبية والجرحى والنازحين، فلم يعد بالإمكان استقبال مرضى أو مصابين، رغم صدور بلاغات حينها بوجود عشرات الجرحى بالشوارع جرَّاء العدوان الإسرائيلى المستمر.

من جانبه، قال دكتور أيمن الرقب، القيادى بحركة فتح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن قصف المستشفى المعمدانى كان جريمة واضحة مسجلة بالصوت والصورة على مرأى ومسمع من العالم، مشيراً إلى أن المحاولات الإسرائيلية للتعتيم على الفظائع المرتكبة بحق المدنيين لن تجدى نفعاً، لافتاً إلى أنه رغم كل الجرائم التى ارتكبها الاحتلال كقصف مدرسة الفاخورة، ظل استهداف «المعمدانى» العلامة الأبرز فى سجله الوحشى.

وأكد «الرقب»، لـ«الوطن»، أن السياسيين والحقوقيين الفلسطينيين طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق دولية لتسلم عينة من الصواريخ التى أطلقت على المستشفى، بسبب محاولة الاحتلال التضليل والقول إن الصواريخ أطلقت من جانب الفصائل بغزة، مشيراً إلى أن «واشنطن»، ومعها حلف الناتو، تبنوا الرواية الإسرائيلية، ولم يستمعوا إلى مطالب العالم بتشكيل لجنة تحقيق دولية، وأكد أن جريمة المستشفى المعمدانى جرى التكتم عليها من قبَل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية. وبحسب أستاذ العلوم السياسية، أثرت جريمة المستشفى المعمدانى على الرأى العام العالمى رغم كل محاولات التكتيم والتضليل، الذى ندد بوحشية الاحتلال بعدما رأوا أشلاء الشهداء المتناثرة فى كل مكان ولتتحول المجزرة إلى ذكرى سوداء ووصمة عار لدولة الاحتلال.

فيما أكد دكتور عبدالمهدى مطاوع، المحلل السياسى الفلسطينى، أن قصف المستشفى المعمدانى كان إنذاراً مبكراً لما ستؤول إليه أوضاع الحرب والإبادة الجماعية التى يرتكبها الاحتلال فى قطاع غزة، منوهاً بأنه بالتزامن مع قصف المستشفى كانت قوات الاحتلال قريبة من مستشفى الشفاء وتدعو لاقتحامه، لكن ذلك لم يحرك ساكناً من قبَل الأطراف الدولية.

وأضاف «مطاوع»: «المشاهد غير المسبوقة للجريمة التى جرى ارتكابها فى (المعمدانى) كانت بمثابة ناقوس خطر، وأثارت الكثير من الانتباه العالمى لما يحدث فى غزة، وجلبت لإسرائيل مزيداً من السخط الدولى والشعبى، لكن لم يحدث تحول أو تغيير كبير فى مسار الحرب ولم تخرج عن كونها مجرد إدانات».

وأوضح أن رد فعل الدول الكبرى وكيفية تبرير إسرائيل لما حدث فى المستشفى المعمدانى وإلقاء التهم على الفلسطينيين، وتعطيل تشكيل لجنة تحقيق دولية، شجع الجانب الإسرائيلى على استكمال مخططه وجرائمه، وتابع: «بعدما وافقت الدول الكبرى على تبريرات الاحتلال لقصف المستشفى، ترى إسرائيل الآن أنها من الممكن تقديم أسباب لاستهدافاتها المتكررة فى غزة أمام المحاكم الدولية، وتستطيع الخروج من هذه الجرائم حتى لا يتم اتهامها بشكل مباشر بارتكاب جرائم حرب».

وأكد المحلل السياسى أيمن الطويل أن المظاهرات كانت وسيلة لضغط الشعوب على حكوماتها من أجل التنديد بالعدوان الإسرائيلى على غزة، إذ انطلقت المظاهرات بكثافة بعد جريمة «المعمدانى»، وأبرزت العديد من الصحف والقنوات العالمية مشاهد الشهداء والجرحى الذين كان أغلبهم من النساء والأطفال.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المعمدانى إسرائيل الوطن الاحتلال المستشفى المعمدانى قصف المستشفى فى المعمدانى فى غزة

إقرأ أيضاً:

«لوموند»: العنف الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يثير قلق المجتمع الدولي

أكدت صحيفة لوموند الفرنسية، أنه بعد شهرين من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن «سلام دائم» في الشرق الأوسط، فإن مستوى العنف الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية يثير قلق المجتمع الدولي، الذي احتشد حول ترامب للمطالبة بإحلال السلام.

وأضافت الصحيفة الفرنسية في افتتاحيتها، اليوم السبت، أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يحتل نصف شريط ضيق من الأرض تحول إلى ركام، حيث يكافح أكثر من مليوني فلسطيني من أجل البقاء في ظروف مزرية، هذا الشريط من الأرض، الذي لا تزال إسرائيل تمنع الصحافة من الوصول إليه بحرية، لا يزال يستحوذ على الاهتمام، لدرجة أنه يطغى على الإرهاب الخبيث الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون وجيش الاحتلال المتخبط في الضفة الغربية.

وأشارت «لوموند» إلى تقييم دقيق أعدته في العاشر من ديسمبر الجاري يدين هذا الوضع، مضيفة أنه لم يسبق أن شهدت أكبر الأراضي الفلسطينية مثل هذا المستوى من العنف على يد إسرائيل، حيث دفن هذا العدد الكبير من القتلى، وسجل هذا العدد الكبير من الجرحى والأسرى الذين غالبا ما يتعرضون لسوء المعاملة والدمار ويعكس موقف الجيش، في مواجهة انتهاكات المستوطنين المتزايدة والدموية، النفوذ المتنامي للصهيونيين المتدينين بين الضباط، والذين تلقى بعضهم تدريبا في أكاديميات عسكرية تقع في قلب الضفة الغربية وفي الوقت نفسه، يتقدم التوسع الاستيطاني، الذي يفتت هذه الأراضي بشكل متزايد ويحول كل رحلة إلى جحيم للفلسطينيين، بخطى ثابتة لا هوادة فيها.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أن هذا التحول جاء عقب دخول حزبين يمينيين متطرفين، إلى الائتلاف الذي شكله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل ثلاث سنوات، حيث كان هدفهم المعلن هو ضم الضفة الغربية، أو حتى «نقل» سكانها.. لكن هذه السياسة الإرهابية يتبناها الائتلاف الحاكم بأكمله ولا تثير هذه السياسة سوى احتجاجات طفيفة من الأحزاب التي تدعي معارضة نتنياهو، بينما يتجاهلها الرأي العام الإسرائيلي، مرة أخرى.

واختتمت «لوموند» افتتاحيتها بالقول «إن الحديث عن السلام، إن كان هو الهدف حقا، يتطلب منا أن نفتح أعيننا، وأن ندين الإرهاب المفروض على أرض لا تملك دولة إسرائيل أي حق فيها، وأن نطالب بوقفه في أسرع وقت ممكن».

اقرأ أيضاً«أونروا»: 6 آلاف شاحنة مساعدات عالقة على أبواب غزة والشتاء يفاقم معاناة النازحين

عاجل.. الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار يطالب إسرائيل بالسماح بالوصول الإنساني الكامل إلى غزة

عاجل.. وزراء خارجية مصر و7 دول إسلامية يدينون اقتحام الاحتلال لمقر «الأونروا» في القدس

مقالات مشابهة

  • زكي القاضي: ازدواجية المجتمع الدولي تمنح إسرائيل حصانة مفتوحة من العقاب
  • بعد اغتيال رائد سعد.. محلل: استهدافات غزة نتاج الاحتلال وتواطؤ المجتمع الدولي
  • لوموند: العنف الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية يُثير قلق المجتمع الدولي
  • «لوموند»: العنف الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يثير قلق المجتمع الدولي
  • "مقاومة الجدار": قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • مقاومة الجدار: قرار إقامة المستوطنات حرب إبادة للجغرافية الفلسطينية
  • أردوغان: على المجتمع الدولي تقديم دعم قوي لترسيخ وقف النار بغزة
  • يعلن مستشفى الناس الدولي لأصحاب الرهونات بأن عليهم مراجعة المستشفى
  • مسلحون يقتلون والد ضحايا مجزرة البو دور في صلاح الدين
  • الفائز بـيوروفيجن يعيد الكأس بسبب مشاركة الاحتلال.. دولة إبادة جماعية