هل يسمع الموتى من يزوروهم أو يسلموا عليهم ؟
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"مدى صحة سماع الموتى لمن يزورهم أو يسلم عليهم، وهل يشعر بهم؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه من المقرر أن الإنسان إذا مات فإنَّ موته ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ بل هو انتقال من حياة إلى حياة؛ فيكون مدركًا لكل ما حوله يشعر بمَن يزوره ويرد عليه السلام إذا سلم عليه؛ وهذا ممَّا ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث متعدّدة؛ ثبوتًا لا مطعن فيه، ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت، بل نقل الأئمة إجماع السلف وأهل السنة على إثبات إحياء الله تعالى لعموم الموتى في قبورهم.
الموت في نفسه ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ كما يقول الماديون والملاحدة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد أثبت الشرع أن للموتى إدراكًا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سماعهم أشد من سماع الأموات في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق موتى الكفار: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» متفق عليه، ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، بل وترُدُّها رواية البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ»، وإذا كان الموت لا يحول بين الكفار وبين السمع والإدراك -مع ما هم فيه من سوء العاقبة- فلأن يسمع موتى المؤمنين مِن باب أَوْلى وأحرى؛ وذلك لأن إدراك الروح خارج الجسد أوسع وأقوى من إدراكها وهي داخل الجسد الذي هو عائقٌ لها.
قال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان" (6/ 129، ط. دار الفكر): [اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه: هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلّمهم.. وإيضاح كون الدليل يقتضي رجحان ذلك مبني على مقدّمتين:
الأولى منهما: أن سماع الموتى ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث متعدّدة؛ ثبوتًا لا مطعن فيه، ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت.
والمقدمة الثانية: هي أن النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في سماع الموتى لم يثبت في الكتاب ولا في السنة شيء يخالفها] اهـ.
كما أن الموت في حق الأنبياء والصالحين ارتقاء إلى حياة أكمل ودرجة أسمى؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأنبياء بأنهم أحياء في قبورهم يصلون، كما نص القرآن على حياة الشهداء، في نحو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 154].
وقد جاءت في ذلك كله أحاديث كثيرة:
- كحديث عرض الأعمال على المصطفى واستغفاره لنا صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث قال: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ؛ تُحْدِثُونَ وَيَحْدُثُ لَكُمْ. وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ؛ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ: فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ» أخرجه البزار في "مسنده"، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"، والديلمي في "مسند الفردوس"، وصححه جمع غفير من الحفاظ؛ كالإمام النووي وابن التين والقرطبي والقاضي عياض والحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي في "الخصائص الكبرى"، والمناوي في "فيض القدير"، والملا علي القاري، والخفاجي في "شرح الشفا"، والزرقاني في "شرح المواهب"، وقال الحافظ العراقي في "طرح التثريب": إسناده جيد، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": ورجاله رجال الصحيح.
بل نقل الأئمة إجماع السلف وأهل السنة على إثبات إحياء الله تعالى لعموم الموتى في قبورهم:
قال الإمام سيف الدين الآمدي الشافعي في "أبكار الأفكار" في أصول الدين (4/ 332، ط. مطبعة دار الكتب والوثائق القومية): [اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، وأكثرهم بعد ظهوره، على إثبات إحياء الموتى في قبورهم] اهـ.
وقال الإمام القرطبي المالكي في "التذكرة" (ص: 369، ط. مكتبة دار المنهاج): [الله تعالى يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه ويجعله من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه؛ ليعقلَ ما يُسْأَلُ عنه وما يُجيبُ به، ويفهمَ ما أتاه من ربه وما أعد له في قبره من كرامة أو هوان. وبهذا نطقت الأخبار عن النبي المختار، صلى الله عليه وسلم وعلى آله آناء الليل وأطراف النهار، وهذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعةُ مِن أهل الملة، ولم تفهم الصحابةُ الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم مِن نبيهم عليه السلام غيرَ ما ذكرنا. وكذلك التابعون بعدهم إلى هلم جرًّا، ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه -لما أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بفتنة الميت في قبره وسؤال منكر ونكير وهما الملكان له-: يا رسول الله، أيرجع إليَّ عقلي؟ قال: «نعم»، قال: إذًا أكفيكهما؛ والله لئن سألاني سألتُهما، فأقول لهما: أنا ربي الله، فمن ربكما أنتما؟] اهـ.
وقال الإمام المجتهد تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه "شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام" (ص: 425، تحقيق: حسين شكري): [وقد أجمع أهلُ السُّنّة على إثبات الحياة في القبور؛ قال إمام الحرمين في "الشامل": "اتفق سلف الأمة على إثبات عذاب القبر، وإحياء الموتى في قبورهم، ورد الأرواح في أجسادهم] اهـ.
وقال الفقيه أبو بكر بن العربي في "الأمد الأقصى في تفسير الأسماء الحسنى": [إن إحياء المكلَّفين في القبر وسؤالهم جميعًا لا خلاف فيه بين أهل السنة] اهـ.
مشروعية مخاطبة الأموات في حياتهم البرزخيةورد في الشريعة مشروعية مخاطبة عموم الموتى وأعيانهم في حياتهم البرزخية، وأظهر مثال على ذلك أن من ألفاظ التشهد قول المصلِّي: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، وهو خطاب صريح للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتقاله للرفيق الأعلى، وصح عن الصحابة من غير نكير أنهم خاطبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ فروى البخاري في "صحيحه" أن أبا بكر الصديق كشف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، فقبَّله وقال: "بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا"، ثم خرج، وروى أيضًا أن السيدة فاطمة رضي الله عنها قالت بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه".
ومشروعية مخاطبة الأموات ليست خاصَّةً بالأنبياء؛ فقد روى البيهقي في "السنن الكبرى" أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقال: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه".
بل ورد ذلك أيضًا في غير الأنبياء وكُمَّل الأولياء؛ فصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ»، وفي رواية: «إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ، وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» رواه ابن أبي الدنيا في "القبور"، والصابوني في "المائتين"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وابن عبد البر في "الاستذكار" و"التمهيد"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، وصححه ابن عبد البر، وعبد الحق الإشبيلي في "أحكامه"، والعراقي في "تخريج الإحياء"، والمناوي، واحتج به ابن القيم الحنبلي في كتاب "الروح" (ص: 5، ط. دار الكتب العلمية)، ونقل ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/ 331) عن ابن المبارك أنه قال: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبة موتى الكفار، فقد ورد عنه أيضًا مخاطبة موتى المؤمنين والمسلمين؛ وذلك في السلام على أهل المقابر، وكان يُعَلِّم أصحابَه إذا خرجوا للمقابر أن يخاطبوا الموتى بقولهم: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ» رواه مسلم وغيره.
كما ورد في الشرع أيضًا تلقين الميت، ولولا أنه يسمع التلقين وينتفع به لَمَا شُرِعَ ذلك.
قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في كتاب "الروح" (ص: 13): [وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أُمّةً طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولًا وأوفرها معارف تُطْبِقُ على مخاطبة من لا يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر، بل سَنَّهُ الأول للآخر ويقتدي فيه الآخر بالأول، فلولا أن المخاطَب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبةً على استقباحه واستهجانه] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم أن صلى الله علیه وآله وسلم فی رضی الله عنه السلام علیک أهل السنة على إثبات عن النبی أهل الس م علیه
إقرأ أيضاً:
لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟.. انتبه لـ13 حقيقة عليك معرفتها
بدأ منذ ساعات وللدقة مع أذان فجر اليوم السبت أول أيام شهر صفر الهجري لعام 1447، فطرحت قصصه المشئومة استفهامًا مضمونه لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟، وهل حقًا هو شهر شؤم لا يتناسب مع ميثاق الزواج الغليظ، وبدء حياة زوجية فيه أو تكوين أسرة، فهذا كله وأكثر يتوقف على إجابة سؤال لماذا يمنع الزواج في شهر صفر؟، وبالتحقق من صحة تلك الروايات المنتشرة عن شهر صفر، والتي يأتي من بينها ما يصيب من يريد الزواج في شهر صفر من مصائب وسوء ، وحيث إن الزواج أحد الأرزاق التي يسعى الكثيرون لنيله، كما أنه من سُبل الاستقرار والسعادة ، من ثم ينبغي الوقوف على حقيقة لماذا يمنع الزواج في شهر صفر ؟.
قالت دار الإفتاء المصرية ، إن الشهور والأيام كلها – في نظر الإسلام – ترحب بالزواج لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- .
وأوضحت “الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: ( لماذا يمنع الزواج في شهر صفر الهجري؟)، أن من تزوج فقد أحرز شطر دينه وطوبى لمن أحرز شطر الدين، فلم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة.
وأوصت من يريد الزواج في شهر صفر بألا يلتفت لروايات الجاهلية بشؤم هذا الشهر للزواج، منوهة بأن التشاؤم من بعض الشهور؛ كأن يعتقد المرء بأن يومًا معينًا أو شهرًا معينًا يوصف بحصول التعب والضغط والصعوبات معه، أو أَنَّ التوفيق فيه يكون منعدمًا، ونحو ذلك من خرافات لا أساس لها من الصحة، فيُحْجَم عن قضاء حوائجه أو أيّ مناسبة في هذا اليوم أو الشهر.
ونبهت إلى أن التشاؤم من الزواج في صفر يعد مما يدخل في التطيّر المنهي عنه شرعًا، مع ورود النهي الشرعي عن التشاؤم والتطيُّر عمومًا، باعتباره عادة جاهلية؛ فقد ورد النّهي النبوي عن التشاؤم من بعض الأزمنة والشهور خاصة؛ وذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ». وفي رواية أخرى للبخاري: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَر».
واستشهدت بما يقول الإمام ابن عبد البر القرطبي في الاستذكار: [وأما قوله: "ولا صَفَرَ" فقال ابن وهب: هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقتل الصفار أحدًا. وقال آخرون: هو شهرُ صَفَرَ كانوا يُحلِّونه عامًا ويُحَرِّمونه عامًا، وذكر ابن القاسم عن مالك مثل ذلك].
وتابعت: وقال الإمام الطيبي في شرح المشكاة: [«ولا صفر» قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عنه فقال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صفر". قال: وسمعت مَن يقول: هو وجعٌ يأخذ في البطن، يزعمون أنه يُعْدِي. قال أبو داود: قال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفرًا عامًا ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صَفَرَ»].
وأشارت إلى أن التشاؤم من شهر صفر -الذي هو أحد أشهر السنة الهجرية؛ لزعم أنه شهر يكثر فيه الدواهي والفتن- هو من الأمور التي نهى عنها النص النبوي الشريف.
وقد ورد أنه عرف شهر صفر عند العرب في الجاهلية أنه شهر "التشاؤم"، فيما أن الأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل ، فهو كغيره من الأزمنة يُقدَّر فيه الخير والشر .
وأردفت: كما أنه ليس صحيحا أن للموت أيام أو شهور معينة فالأقدار توفى على مدار العام وفي أي ثانية من الثواني قد يفارق كل منا الحياة فرادا أو جماعات فكم من قرية أتتها صاعقة أو عذاب أو ريح وغيرها من الأمور التي جعلت عاليها سافلها، وكم من قرية بدلت من بعد عذابها أمنا.
وبناء عليه فإنه لا صحة لمن يحرِّم الزواج أو يكرهه في صفر، ولا دليل أيضاً يبنى عليه هذا الزعم الباطل الذي لا يستند إلى دليل شرعي، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – تزوج، وزوج ابنته؛ في شهر صفر، وينبغي أن نعلم أن هذه عادة باطلة جاهلية ينبغي أن تزال من المجتمع المسلم، ولا ينبغي للمسلم المؤمن بالله حق الإيمان التشاؤم بأي يوم.
الزواج في صفروقد كان المشركون يتشاءمون من شهر صفر لأنهم يعودون فيه إلى السلب والنهب والغزو والقتل بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، وكانوا يعتقدون أن شهر صفر شهر حلول المكاره ونزول المصائب، حتى إنه لا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أنه لا يوفق، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح.
وفي الإسلام ما يرد مزاعمهم بأن شهر صفر شهر شؤم، حيث فيه تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسيدة خديجة وهو نفى لتشاؤم العرب من الزواج في ذلك الشهر، كما حدثت به العديد من الأحداث الهامة في التاريخ الإسلامي منها غزوة الأبواء وهى أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك كان به فتح خيبر، وفيه أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
هل يجوز عقد الزواج في شهر صفرلقد حرَص كثير من الناس على تحرِّي عقد الزواج في يوم معين من الأسبوع، أو شهر معين من السنة، تحرِّيًا يترتب عليه أحيانًا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغَيب عن فشل الزواج إن خولِف فيه المعتاد من هذه الأوقات، ومهما يكن من شيء فلا ينبغي التشاؤم بالعقد في أي يوم ولا في أي شهر، لا في شوال ولا في المحرّم ولا في صفر ولا في غير ذلك، حيث لم يرد نصٌّ يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة.
وينبغي العلم أن الأصل في المسلم أنه لا يتطير ولا يتشاءم لأن الطيرة والتشاؤم من الشرك والعياذ بالله فقد جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطيرة شرك الطيرة شرك ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال : حسن صحيح ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ردتـه الطيرة عن حاجته فقد أشرك . قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ) رواه أحمد وابن السني وإسناد ابن السني صحيح . وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ) رواه البخاري، والتطيّر هو التشاؤم . واعتبر التطير شركاً لأن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره، ولأنه تعلّق بأمر لا حقيقة له.
وجاء أن التشاؤم من الاعتقادات الجاهلية وما زال كثير منها منتشراً بين الناس في وقتنا الحاضر، والتشاؤم من الزواج في صفر من الأمور التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية ولا يجوز ذلك، بل هو كسائر الشهور ليس عنده خير ولا شر، وإنما الخير من الله سبحانه، والشر بتقديره، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه أبطل ذلك فقال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر متفق على صحته، وهكذا التشاؤم بتشبيك الأصابع أو كسر العود أو نحو ذلك عند عقد الزواج أمر لا أصل له، ولا يجوز اعتقاده، بل هو باطل.
شهر صفريعد شهر صفر هو أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية وهو الشهر الذي بعد المحرم ، قال بعضهم : سمِّي بذلك لإصفار مكَّة من أهلها ( أي خلّوها من أهلها ) إذا سافروا فيه ، وقيل : سَمَّوا الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صِفْراً من المتاع ( أي يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له ) .