نهيان بن مبارك يفتتح أعمال مؤتمر ” الإسلام والأخوة الإنسانية “
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
افتتح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، أمس، أعمال مؤتمر “الإسلام والأخوة الإنسانية”، الذي ينظمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالتعاون والشراكة مع وزارة التسامح والتعايش، والمنصة الجامعية لدراسة الإسلام “PLURIEL” في مقره في أبوظبي.
يهدف المؤتمر،الذي يستمر ثلاثة أيام، إلى تسليط الضوء على أثر وثيقة الأخوة الإنسانية للعيش المشترك، وذلك تزامناً مع اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، ومرور 5 سنوات على توقيعها، بحضور جمع من كبار الشخصيات الدينية والثقافية والأكاديمية من مختلف أنحاء العالم.
وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك، في الكلمة الرئيسية للمؤتمر: “يسرنا في دولة الإمارات أن نرحب بالمشاركين في مؤتمر “الإسلام والأخوة الإنسانية” في دورته الرابعة، للنظر في مختلف جوانب العمل معا كمسلمين ومسيحيين للدعوة إلى التعايش السلمي والأخوة الإنسانية”.
وأضاف: “أشكر مركز تريندز للبحوث والاستشارات، على تنظيم هذا المؤتمر المهم الذي يجمع هذه المجموعة المتميزة من المتحدثين والمشاركين، كما أشكركم جميعاً على هذه الفرصة للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة للتوقيع على وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية”.
وقال معاليه: “في هذه المناسبة المهمة، ونحن نحتفل باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، نتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، على توقيع هذه الوثيقة المهمة للغاية أثناء زيارتهما التاريخية إلى دولة الإمارات في عام 2019”.
وتابع :” فبعد خمس سنوات مثمرة ما زالت وثيقة الأخوة الإنسانية، تجسد القوة الأخلاقية التي علينا جميعاً أن نبذلها لمواجهة التحديات العالمية الكبيرة، في القرن الحادي والعشرين، كما نعبر عن عظيم فخرنا بالقيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، إذ يمثل دعم سموه ورعايته لهذه الوثيقة، دليلاً على قناعته القوية بأن الأخوة الإنسانية والتعايش السلمي من العناصر المهمة في بناء مجتمع عالمي، يتسم بالخير والأخلاق الحميدة، ونفخر بأن وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية، أظهرت للعالم كله حرص سموه على تعزيز التعددية الثقافية، وضمان الكرامة الإنسانية والسلام والرخاء للجميع”.
وقال معاليه: “لا بد أن محاور هذا المؤتمر والموضوعات التي يناقشها ويحللها، كانت ضمن ما فكر فيه قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عندما وقعا على وثيقة الأخوة الإنسانية قبل خمس سنوات وأقتبس هنا من تلك الوثيقة التاريخية ما يلي: “إنَّنا وإنْ كُنَّا نُقدِّرُ الجوانبَ الإيجابيَّةَ التي حقَّقَتْها حَضارَتُنا الحَدِيثةُ في مَجالِ العِلْمِ والتِّقنيةِ والطبِّ والصِّناعةِ والرَّفاهِيةِ، خاصَّة في الدُّوَلِ المُتقدِّمةِ، فإنَّا – مع ذلك – نُسجِّلُ أنَّ هذه القَفزات التاريخيَّةَ الكُبرى والمَحمُودةَ تَراجَعَتْ معها الأخلاقُ الضَّابِطةُ للتصرُّفاتِ الدوليَّةِ وتَراجَعَتِ القِيَمُ الرُّوحِيَّةُ والشُّعُورُ بالمَسؤُوليَّةِ” “.
وأوضح أن هذه العبارة تبين التحدي الرئيسي الذي تواجهه المجتمعات الإنسانية، مؤكدا أنها ترسم الإطار العام لأهداف المؤتمر، حيث أن التحدي يكمن في كيفية مواصلة الإنسانية تحقيق ذلك التقدم مع المحافظة على شخصيتنا الأخلاقية وتعزيزها وترسيخ القيم الأخلاقية والشعور بالمسؤولية لدى جميع البشر.
وشدد معاليه :” على أنه لا يمكن لأي أمة أو مجتمع تحويل جميع الناس بشكل سلمي إلى عقيدة واحدة ولا يجوز محاولة ذلك، وأفضل ما يمكننا فعله هو استباق الخيرات أي التنافس في الفضيلة والأعمال الصالحة، وهذا هو جوهر الأخوة الإنسانية كما نعرفها، وأيضا في القرآن الكريم يخاطب الله تعالى جميع البشر قائلاً: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.”
وأكد:” أن الإسلام دين السلام والتسامح، ونحن المسلمون نقول بكل ثقة وفخر إن التسامح هو السمة المميزة لتراثنا الإسلامي، ونحن نؤمن بقوة أن الانسجام والأخوة الإنسانية يوحدانا مع المسيحيين ومع أتباع الديانات الأخرى، ونشترك معهم في احترام الحياة البشرية وفي الرغبة في السلام والأمان وضرورة احترام بعضنا البعض كبشر”.
وأضاف: “الإسلام يأمر المسلمين بأن يتصرفوا دائما كبشر صالحين، البشر الصالحون يعملون من أجل السلام والتعاون والرخاء ورفاهية المجتمع، ويحترمون بعضهم، ويسعى كل منهم لفهم دوافع الآخر، البشر الصالحون يتصرفون انطلاقاً من قناعة مفادها أن للتسامح والأخوة الإنسانية تأثيراً إيجابياً على جميع جوانب المجتمع”.
وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك: ” المسلمون والمسيحيون وجميع المؤمنين حول العالم، يدعمون هذه المقولة ويعتقدون اعتقاداً راسخاً أن الأخوة الإنسانية ستدعمنا وستمنحنا الطاقة والتفاني والعزم على المثابرة والنجاح في جعل العالم مكاناً أفضل للجميع”.
وتقدم معاليه بالشكر للمشاركين في المؤتمر قائلاً: “شكراً على تصميمكم على العمل على وضع استراتيجيات مبتكرة، لتعزيز قوة التسامح والأخوة الإنسانية من أجل التغلب على التحديات العالمية الكبرى في عصرنا”.
وقال: “أنا معجب بقناعتكم أن معتقداتنا وقيمنا وأفكارنا المشتركة يمكن أن تشكل رابطاً بيننا وتساعدنا في بناء عالم أفضل للجميع”.
من جانبه أثنى قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في كلمة ألقاها نيابة عنه الكاردينال. أيوسو، على المؤتمر، وتمنى أن يتم تعليم الوثيقة في المدارس كلها في العالم، وأن تطبق مبادئها في شتي أنحاء العالم وأن يتم القضاء على كل ما يمنع تحقيق ذلك، مشددا على أن معرفة الآخر وبناء ثقة متبادلة بين الأنا والآخر هي من أدوات تحقق السلام.
وقال إن الحوار ومعرفة الآخر هما الطريق مع التعليم لتحقيق الأخوة الإنسانية، كما أنه بالذكاء الإنساني يمكن أن نتخطى التحديات التي يطرحها على الإنسانية الذكاء الاصطناعي.
وشدد على أن الحكمة تقتضي الانفتاح والتحاور لأن الانغلاق لا يؤدي إلا إلى الكراهية، لافتا إلى أن عدم معرفة الآخر هي مشكلة الأمس ومشكلة اليوم وتستمر، إن لم نتعلم كيف نتعرف على الآخر ونعرفه.
وأضاف :” من المحتم أن نخصص الوقت اللازم للاستماع للنفس وللآخر المختلف معنا، لكي نستطيع أن نحيا معاً على الأرض نفسها، وغير ذلك لن يؤدي إلا إلى الفناء، مؤكداً ضرورة أن نبني معاً جسراً نتحاور عليه، ويستطيع أن يستوعب الآراء المختلفة، وهذا ليس مضيعة للوقت، لكنه مكسب للإنسانية”.
من جانبه قال سعادة الدكتور محمد عبدالسلام، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، إن اعتماد اليوم العالمي للأخوة الإنسانية في 4 فبراير من كل عام، جاء إحياء لذكرى مولد الوثيقة الأهم في التاريخ الإنساني الحديث “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي تم توقيعها في اليوم نفسه من عام 2019، من قبل اثنين من أهم الرموز الدينية في العالم، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي عاصمة الأخوة الإنسانية.
وأضاف أن هذه الوثيقة التاريخية مثَّلت نداءً لأفراد العائلة الإنسانية كافة، من أجل تعزيز السلام والاحترام المتبادل والوئام الاجتماعي القائم على احترام الفئات كافة وصيانة حقوقها.
وأعرب عن فخره واعتزازه بأن أصبحت وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية، مصدر إلهام لكل محبي الخير والتعايش والسلام حول العالم، حيث تبنتها العديد من الدول وقادة وزعماء الأديان، إضافة إلى إدراجها في العديد من برامج التعليم في أعرق الجامعات العالمية.
واعتبر وثيقة الأخوة الإنسانية خطوة نوعية وبناءة في طريق مد الجسور بين أبناء الديانات كلها عبر العالم، داعياً زعماء الأديان لتأمل نموذج وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل المساهمة في زراعة بذور الثقة والأمل في الله، ومن ثم الأخوة الإنسانية ليخرج عالمنا من آثار هذه المحنة الجماعية.
وأشار عبدالسلام إلى أن الإنسانية اليوم في حاجة ماسة إلى من يزرع فيها بذور الأمل ويساهم في التنمية الروحية لأبنائها. وشدد على أن أكبر أمل يمكن أن يُهدى للإنسانية هو شعور أفرادها بالسلام، وأنهم أخوة جميعاً في إطار الأسرة الإنسانية.
وأوضح أن هذا المنتدى العالمي للتسامح والأخوة الإنسانية يمثل فرصة حقيقة للتلاقي، وللتفكير سوياً في حجم المشكلات الكبرى التي تكابدها البشرية، ولاقتراح حلول لها تنسجم مع الإيمان الديني للأفراد، والخصائص الثقافية للمجتمعات.
وشدد على أن دولة الإمارات ترعى تطبيق وثيقة الأخوة الإنسانية على أرض الواقع، من خلال تفعيل مبادئها والعمل على تحويلها إلى واقع يعيشه الناس، وهذا دليل بيّن على إيمان الإمارات الحقيقي ورغبة قادتها الصادقة في تحقيق الخير والسلام والأخوة لكل الناس.
من جهته أعرب الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في كلمة ترحيبية عن تقديره وشكره الجزيل إلى معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، على حضوره وكلمته الجامعة، إضافة إلى شراكة وزارة التسامح والتعايش في المؤتمر، كما تقدم بالشكر إلى قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية على كلمته الموجهة للمؤتمر دعماً لرسالته.
ورحب بمئات المتخصصين من مختلف المؤسسات الأكاديمية المرموقة والقادمين من أكثر من 40 جامعة ومؤسسة بحثية من 4 قارات و17 دولة مختلفة للمشاركة في 12 ندوة بحثية و5 محاضرات، الأمر الذي يجعل من المؤتمر أكبر وأهم فعالية أكاديمية نُظمّت حول موضوع الأخوّة الإنسانية، وهو موضوع يجب أن يلقى ما يستحقه من اهتمام في عالم اليوم الذي هو أحوج ما يكون إلى قيم الأخوّة والتعايش.
وقال إن المؤتمر يجسد حرص مركز تريندز على العمل مع الأكاديميات ومؤسسات الفكر العالمية المختلفة، على تعزيز قيم الأخوة الإنسانية والحوار بين مختلف المجتمعات والثقافات، وهو هدف أصيل من الأهداف التي يعمل عليها “تريندز” منذ تأسيسه عبر مختلف برامجه البحثية وفعالياته العلمية.
وأضاف أن المؤتمر يكتسب أهمية أكبر بالنظر إلى أنه يواكب الذكرى الخامسة لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، التي احتضنت توقيعها دولة الإمارات، وعملت على نشر مبادئها عالمياً من خلال تحويل يوم توقيعها إلى “يوم دولي للإخوة الإنسانية”، انطلاقاً من إيمان قوي بأن هذه القيم هي طريق البشرية للسلام والازدهار العالميين.
وأوضح أن مركز تريندز كان في طليعة مراكز الفكر التي أَوْلَت الوثيقة والقيم التي تتضمنها الاهتمام الذي يليق بها؛ إذ يمتلك المركز برنامجاً بحثياً بعنوان “التَّسامح والتَّعايش”، ينشر من خلاله، باللغتين العربية والإنجليزية، أوراقاً بحثية ودراساتٍ رصينة تتناول قيم التسامح والتعايش والتفاعل الثقافي، إضافة إلى ما يقوم به من جهد مميز في تفكيك ونقد أفكار الجماعات المتطرفة والإرهابية، كما نظَّم العديد من الفعاليات التي استضاف فيها نخبة من المفكرين والمثقفين والعلماء المختصين للتوعية بهذه القيم السامية، التي نتوجها اليوم بتنظيم هذا المؤتمر العالمي.
وقال الدكتور العلي: ” أشعرُ اليوم بالفخر، لتمكُّن مركز تريندز للبحوث والاستشارات والمنصَّة الجامعيةِ لدراسة الإسلام ووزارة التسامح والتعايش، من عَقد وإنجاح هذا المؤتمر، الذي استطاع تخطّي العقبات التقليدية المزمنة للتعاون بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية في العالمَين العربي والغربي؛ وذلك بفضل فِرَق عمل مركز تريندز والمنصة الجامعية، ووزارة التسامح والتعايش. وأتمنى أن يحقق المؤتمر النجاح الذي نصبو إليه جميعاً في ترسيخ قيم الإخوة الإنسانية عالميّاً”.
من ناحيته ثمن الدكتور ميشيل يونس عميد كلية الدراسات الدينية بالجامعة الكاثوليكية بمدينة ليون، المنسق العام للمنصة الجامعية لدراسة الإسلام، جهود مركز تريندز للبحوث والاستشارات بالشراكة مع وزارة التسامح والتعايش في تنظيم ودعم المؤتمر وتسهيل تنظيمه، مؤكداً أهمية المؤتمر في ظل التحديات التي تواجه العالم اليوم، وأهمها التطرف والاقصاء.
وقال إن اختيار موضوع الأخوة الإنسانية كعنوان للمؤتمر ينبثق مباشرة من الحدث الذي تميزت به وثيقة الأخوة الإنسانية، مشيراً إلى أن الوثيقة بمنزلة صوت صارخ ضد التطرف باسم الدين ودعوة إلى عدم الاقصاء والرفض تحت أي عنوان.
وبيَّن أن المنصة الجامعية للدراسات العلمية حول الإسلام التي تضم في السنة العاشرة لانطلاقتها مئة وثمانين باحثاً في أكثر من خمسة وعشرين بلداً، تشكل حلقة وصل بين جامعيين من ثقافات وحضارات وخلفيات مختلقة.
وأكد أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز مفهوم الأخوة الإنسانية من خلال الحوار العلمي بين مختلف التخصصات، وتحليل وثيقة الأخوة الإنسانية وتأثيرها على العلاقات بين الأديان والثقافات، وتقديم توصيات عملية لتعزيز مفهوم الأخوة الإنسانية في مختلف المجالات.
وقال إن المؤتمر يسعى إلى تعزيز مفهوم الأخوة الإنسانية كقيمة إنسانية أساسية ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في العالم.وام
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: مرکز تریندز للبحوث والاستشارات معالی الشیخ نهیان بن مبارک وثیقة الأخوة الإنسانیة قداسة البابا فرنسیس والأخوة الإنسانیة للأخوة الإنسانیة التسامح والتعایش هذا المؤتمر ة الإنسانیة ة الجامعیة فی العالم وقال إن على أن من أجل إلى أن
إقرأ أيضاً:
ميثاق العهد والعمل وثيقة شباب مصر التي أرعبت النظام
ثلاث جمل "لن نسكت، ولن نركع، ولن ننسى". ثلاث تختزل روح وثيقة "ميثاق العهد والعمل" التي أطلقها شباب مصر (جين زد 002) في الأيام الأولى من كانون الأول/ ديسمبر 2025 وأُطلقت للاطلاع والتصويت عليها، وهي أول محاولة منذ سنوات طويلة لصياغة رؤية وطنية موحدة خارج إطار الدولة العسكرية التي تحكم البلاد منذ انقلاب 23 تموز/ يوليو 1952.
هذه الوثيقة ليست مجرد ورقة سياسية، بل صرخة جيل كامل يرفض أن يُختزل دوره في "لايكات" على تيك توك أو هجرة على قوارب الموت.
تتكون الوثيقة من ثلاثة محاور رئيسة يعرفها الشباب بأنفسهم: القسم الثالث عهدنا (التزاماتنا الوطنية)، القسم الثاني منهجنا (كيف نعمل)، القسم الأول رؤيتنا (مصر التي نريدها). وهي ببساطة خريطة طريق لمصر ما بعد الاحتلال العسكري.
القسم الأول: رؤيتنا.. مصر التي يحلم بها جيل زد
بدأ الميثاق بجملة صاعقة: "مصر التي نريدها دولة قانون ومؤسسات، فصل السلطات، رقابة دستورية حقيقية، جيش في ثكناته، أمن وطني لا أمن نظام". هذه ليست شعارات، بل نقاط محددة ومركزة:
1- دولة مدنية ديمقراطية حديثة لا مكان فيها لحكم الفرد أو الوريث أو "الرئيس الضرورة".
2- إلغاء كل القوانين التي تجعل الجيش دولة داخل الدولة، وإعادة هيكلة كاملة للمؤسسة العسكرية تحت رقابة برلمان منتخب.
3- محاكمات عادلة لكل من تورط في قتل أو تعذيب أو سرقة المال العام منذ 25 يناير 2011 حتى اليوم.
4- استعادة الأموال المنهوبة، وإعلان كل صفقات السلاح والمشروعات التي تمت بسرية تامة منذ 2013.
5- إطلاق سراح كل سجناء الرأي فورا، وإلغاء قانون التظاهر، وقانون الطوارئ، وقانون الإرهاب الذي صيغ ليطال أي صوت معارض.
لم يكتب الشباب هذه البنود من فراغ، هم أبناء جيل عاش 2011 وهو في المدرسة، ثم استيقظ على فض اعتصام رابعة بالرصاص الحي وهو في الجامعة، ثم وجد نفسه عاطلا أو مهاجرا أو مسجونا بسبب منشور فيسبوك وهو في العشرينات. هم يعرفون بالضبط ماذا يريدون لأنهم عاشوا بالضبط عكسه.
القسم الثاني: منهجنا.. كيف سنحقق هذا؟
يأتي هذا الجزء الذي أرعب نظام بأكلمه، لم يعلن الشباب عن حزب أو تنظيم سري أو دعوة للعنف، بل وضعوا منهجا أشد خطرا على الأنظمة الاستبدادية: العصيان المدني السلمي المُنَظَّم والمُمَدَّد زمنيا.
من بين النقاط التي وردت صراحة:
1- مقاطعة كل المنتجات والشركات التي تمول النظام أو تتعاون مع أجهزته القمعية.
2- مقاطعة الانتخابات المزورة مسبقا، وتحويل يوم الانتخابات إلى يوم عصيان مدني شامل.
3- تنظيم حملات توعية في القرى والنجوع والجامعات والمدارس تحت شعار "مصر مش للبيع".
4- بناء شبكات تضامن شعبية لدعم أسر المعتقلين والشهداء والمهجرين قسريا.
4- توثيق الانتهاكات يوميا ونشرها عالميا باللغات الحية.
الأخطر أن الوثيقة تنص صراحة على: "رفض أي حوار أو تفاوض مع من قتلونا وسرقونا وأذلونا".
هذه ضربة قاصمة لاستراتيجية النظام التي تعتمد دائما على "الحوار الوطني" المزيف لامتصاص الغضب واللعب بأعصاب المعارضة.
القسم الثالث: عهدنا.. التزاماتنا الشخصية
يتحول الميثاق من وثيقة سياسية إلى ميثاق شرف، كل شاب وقّع عليه (والتوقيع مفتوح للجميع عبر منصات رقمية مشفرة) يتعهد بما يلي:
1- أن يضع مصر فوق أي اعتبار شخصي أو عائلي أو وظيفي.
2- ألا يقبل وظيفة في أي جهاز قمعي أو مؤسسة تابعة للنظام العسكري.
3- ألا يشارك في أي انتخابات أو استفتاءات مزورة.
4- أن يدافع عن كرامة المصريين حتى لو كلفه ذلك حريته أو حياته.
في أسبوع واحد فقط تجاوز عدد الموقعين 20 ألفا (حسب إحصاءات المنصة الرسمية للميثاق)، وهو رقم لم يحققه أي حزب سياسي في مصر منذ عقود.
لماذا يرعب الميثاق النظام؟
لأنه يضرب في صميم ثلاثة أشياء يعتمد عليها النظام العسكري لبقائه:
أولا: أسطورة "الشباب مش عايز حاجة غير أكل عيش". الميثاق يثبت أن هناك جيلا كاملا مستعد للتضحية من أجل الكرامة حتى لو جاع.
ثانيا: أسطورة "مفيش بديل". الميثاق يقدم بديلا واضحا، منظما، سلميا، شعبيا، ولا يعتمد على زعيم أو حزب أو تمويل خارجي.
ثالثا: أسطورة "الشعب خايف". مليون توقيع في أسبوع، من شباب يعرفون أن التوقيع قد يكلفهم الاعتقال، يعني أن الخوف قد انكسر فعلا.
رد فعل النظام: الرعب المُقنَّع بالسخرية
في البداية حاولت وسائل الإعلام العسكري تصوير الوثيقة على أنها "عبث شباب على تيك توك"، لكن عندما تجاوز عدد الموقعين 20 ألفا فقط على ديسكورد، تحولت اللهجة إلى التهديد المباشر.
لكن الشباب كانوا أذكى، الميثاق موجود على شبكات تور، وعلى تليغرام، وعلى منصات لامركزية، كلما حجبوا رابطا سيظهر عشرة، كلما اعتقلوا عشرة وقّع ألف.
جيل زد المصري: الجيل الذي لم يعد يخاف الموت لأنه عاش ميتا
هذا هو السر الحقيقي، جيل ولد في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية عاش أسوأ 15 سنة في تاريخ مصر الحديث:
1- شهد مذبحة رابعة وهو في الثانوية.
2- تخرج من الجامعة ليجد معدل بطالة 40 في المئة بين الشباب.
3- حاول يسافر فوجد تأشيرة شينغن تكلف 15 ألف دولار.
4- فتح فيسبوك فوجد زميله معتقل بسبب منشور.
5- فتح إكس فوجد تريند "#ارحل_يا_سيسي" يتم حذفه في ساعات.
6- فتح تليغرام فوجد قنوات بتبيع أخبار المعتقلين بالقطارة.
هذا الجيل لم يعد لديه ما يخسره. الموت بالنسبة له ليس أسوأ من الحياة تحت الاحتلال العسكري.
الرسالة الأخيرة في الميثاق
تنتهي الوثيقة بجملة كتبها شباب عمره لا يتجاوز أعمارهم 25 سنة، وأصبحت شعار الجيل كله: "نحن لسنا ثورة جديدة.. نحن استكمال ثورة لم تنتهِ. ثورة بدأت في 25 يناير 2011 وتم اختطافها، ونحن الآن نستردها. لن نطلب منكم أن تتركوا الكراسي.. سنسحبها من تحتكم، سحبا بطيئا، مؤلما، يوما بعد يوم، حتى تسقطوا بأنفسكم".
هذا ليس تهديدا بالعنف، هذا وعد بعصيان مدني شامل، ممتد، لا يمكن لأي جيش أو شرطة أو إعلام أن يوقفه. النظام يعرف ذلك، لذلك يرعبونه مليون توقيع. ولذلك سيأتي اليوم الذي يتم فيه طباعة هذا الميثاق في كتب التاريخ تحت عنوان: "الوثيقة التي أسقطت آخر ديكتاتوريات القرن العشرين في العالم العربي".
الشباب ليسوا قادمين.. الشباب موجودون بالفعل، والميثاق ليس ورقة.. الميثاق عهد، والعهد دين، والدين يُسدد. مصر لن تتحرر بمعجزة.. مصر ستتحرر بجيل قرر أن يعيش حرّا، أو يموت واقفا.