إدارة ترامب تتحرك لإلغاء سياسات المناخ
تاريخ النشر: 5th, December 2025 GMT
في خطوة تعكس التحول الجذري الذي تشهده الولايات المتحدة مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أعلنت وزارة النقل عن خطة جديدة تهدف إلى إلغاء جانب مهم من سياسات المناخ التي أقرّتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
المقترح الجديد، الصادر عن الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة، يهدف إلى خفض معايير كفاءة استهلاك الوقود للسيارات والشاحنات الخفيفة بدءًا من طرازات عام 2031، ليصل المتوسط إلى 34.
هذا التغيير ليس مفاجئًا، إذ بدأ المسار فور تولّي ترامب منصبه. ففي اليوم التالي مباشرة لأداء وزير النقل شون دافي اليمين، أصدر أوامر بمراجعة شاملة لمعايير كفاءة استهلاك الوقود.
ومنذ ذلك الحين، اتخذت الإدارة الجديدة خطوات متتالية لإعادة تشكيل السياسة البيئية، كان أبرزها إلغاء الإعفاء الضريبي لشراء السيارات الكهربائية خلال الصيف، وهي خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط البيئية والاقتصادية على حد سواء.
لكن المفارقة أن هذا التحول يأتي في وقت تتسابق فيه شركات صناعة السيارات حول العالم لتطوير سيارات كهربائية أكثر كفاءة وجاذبية. ففي أوروبا وآسيا، تطلق الشركات طرزًا جديدة بتقنيات متقدمة وحلول مبتكرة للقيادة الذكية. إلا أن العديد من هذه الطرز لن تصل إلى السوق الأمريكية بسبب الرسوم الجمركية وسياسات الإدارة الجديدة التي تحدّ من دخول السيارات الكهربائية الأجنبية.
وبحسب إعلان ترامب، فإن خفض معايير كفاءة الوقود سيؤدي إلى تقليل متوسط تكلفة السيارة الجديدة بما يقارب 1000 دولار، الأمر الذي تقول الإدارة إنه سيخفّف العبء على المستهلكين ويوفر نحو 109 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
إلا أن هذا الطرح يواجه انتقادات واسعة من خبراء المناخ والاقتصاد، الذين يرون أن الحسابات المالية المطروحة لا تأخذ في الاعتبار التكاليف المستقبلية الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود، خاصةً إذا نجحت وكالة حماية البيئة في إلغاء قرارها السابق الذي اعتبر أن تغيّر المناخ يسبب ضررًا مباشرًا للبشر.
ولا يقف الجدل عند حدود الأسعار، إذ يحذر علماء المناخ من أن تخفيض معايير الكفاءة سيؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يعمّق أزمة الاحتباس الحراري ويمهد لمزيد من الكوارث الجوية. وتؤكد الدراسات أن الولايات المتحدة تواجه بالفعل ارتفاعًا في وتيرة الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، وهي كوارث تكلّف الاقتصاد مليارات الدولارات سنويًا، فضلًا عن الخسائر البشرية التي تتزايد عامًا بعد عام.
ويبدو أن هذه المواجهة بين السياسات المناخية والاعتبارات الاقتصادية ستستمر في رسم الخطاب السياسي الأمريكي خلال السنوات المقبلة. فبينما ترى إدارة ترامب أن خفض معايير كفاءة الوقود قرار ضروري لدعم الصناعة المحلية وتخفيف الأعباء عن المستهلك، يصرّ الخبراء والبيئيون على أن تجاهل الآثار المناخية سيجعل تكلفة الأزمات الطبيعية أعلى بكثير من أي توفير قصير المدى في أسعار السيارات.
وفي ظل هذا السجال، تستمر الولايات المتحدة في الابتعاد عن المسار العالمي نحو التحول الأخضر، في الوقت الذي تتحرك فيه القوى الاقتصادية الكبرى لاعتماد مصادر طاقة نظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وبينما يتوقع المراقبون أن تتسع الهوة بين السوق الأمريكية ونظيراتها الأوروبية والآسيوية في مجال السيارات الكهربائية، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن للاقتصاد الأمريكي تحمّل تبعات العودة إلى سياسات الوقود التقليدي في عالم يتجه بقوة نحو الطاقة النظيفة؟
المشهد لا يزال مفتوحًا على احتمالات عديدة، لكن المؤكد أن القرار الجديد سيشعل نقاشًا محتدمًا حول مستقبل صناعة السيارات، ودور الحكومة الفيدرالية في حماية المناخ، والحدود الفاصلة بين دعم الاقتصاد والحفاظ على كوكب قابل للعيش.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السیارات الکهربائیة معاییر کفاءة
إقرأ أيضاً:
ما الذي سيفعله ترامب إزاء تجاهل نتنياهو الواضح لأهدافه في سوريا؟
بينما يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأكيد رغبته في استقرار سوريا ونجاحها وسعيه لتوقيع اتفاق أمني بينها وبين إسرائيل، تواصل الأخيرة توغلاتها العسكرية في الأراضي السورية، وهو ما يعزوه محللون لشعور بنيامين نتنياهو بالقوة وصعوبة تخلي واشنطن عنه.
فقد أكد ترامب أهمية عدم حدوث أي أمر يعيق تحوّل سوريا إلى دولة مزدهرة، وقال إن توغلات إسرائيل تعيق التوصل لاتفاق أمني بين البلدين وتحيل دمشق إلى عدو، مؤكدا رضا واشنطن عن أداء الرئيس السوري أحمد الشرع.
كما نقل موقع أكسيوس الإخباري عن مصادر أن المبعوث الأميركي توم براك أجرى مشاورات متوترة مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين بشأن سوريا.
في المقابل، طالب نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- بجعل المساحة بين دمشق وبداية المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوبي سوريا منزوعة السلاح، مؤكدا أنه لن ينسحب من الأراضي التي دخلها بعد سقوط بشار الأسد، وأن أي اتفاق مع السوريين "لن يدفع تل أبيب للتخلي عن مبادئها".
والسبب في هذا التجاهل الإسرائيلي لرغبات ترامب، برأي جوشوا لاندس مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهما، هو شعور نتنياهو بأنه في موقف قوة، وأن سوريا لا تمثل أي تهديد له، في وقت أن الرئيس الأميركي بحاجة إليه في معركته الانتخابية ضد الديمقراطيين.
فترامب يريد مساعدة سوريا كجزء من تقوية تحالفه مع تركيا والمملكة العربية السعودية، لكنه في الوقت نفسه يريد من نتنياهو أمورا أخرى تتعلق بقطاع غزة وبيع مقاتلات "إف-35" لكل من أنقرة والرياض، فضلا عن حاجته لدعم مؤيدي إسرائيل داخل الولايات المتحدة، وكلها أمور تدفعه لمحاولة إقناع تل أبيب وليس الضغط عليها، حسب ما قاله لاندس خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر".
إعلانوبناء على هذه المقدمات، يعتقد لاندس أن ترامب سيطلب من نتنياهو خلال زيارته المرتقبة لواشنطن توقيع اتفاق أمني مع سوريا، لكنه لن يجبره عليه.
وحتى لو فعل فإن إسرائيل ستواصل قصف الأراضي السورية متى شاءت وتحت أية ذريعة، ولن تتخلى واشنطن عنها كما فعلت في كل المنعطفات، كما يقول المتحدث نفسه، مضيفا أن ترامب "يريد توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل قبل انتهاء ولايته تمهيدا لإدخال السعودية ولبنان إلى اتفاقات أبراهام".
ترامب سيجبر نتنياهولكن الكاتب والمحلل السياسي السوري ياسر النجار يختلف مع الرأي السابق ويقول إن ترامب عازم على إلزام نتنياهو باتفاق أمني مع سوريا خلال زيارته المرتقبة لواشنطن، كما سبق أن ألزمه باتفاق في غزة.
ويعزو النجار هذا الرأي إلى رغبة ترامب في جعل سوريا "رأس حربة في مكافحة التنظيمات الإرهابية، والحيلولة دون عودة إيران وحزب الله وتنظيم الدولة الإسلامية إليها"، مؤكدا أن إسرائيل "لا يمكنها أن تكون حرة في سوريا دون موافقة أميركية".
فما حدث قبل أيام في بيت جن السورية كشف -برأي النجار- أن إسرائيل قد تفقد سمعتها في المنطقة خصوصا بعد حديث الشرع عن إمكانية وقوع مواجهات بسبب هذا السلوك الإسرائيلي.
وبالتالي، فإن ضعف الدولة السورية يتناقض -حسب الكاتب السوري- مع المصالح الأميركية والعربية التي يقول إن إسرائيل تضربها كلها بسلوكها الحالي الذي لن يقبل ترامب باستمراره.
رسم مستقبل سورياولا يتفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى مع الحديث السابق بقوله إن سوريا لا تمثل تهديدا أمنيا لإسرائيل منذ 1973، فضلا عن أن انصياع نتنياهو لترامب يتراجع كلما اقتربت الانتخابات الإسرائيلية.
ولهذا السبب لا يريد نتنياهو اتفاقا في سوريا ولا في لبنان، وهو يحاول الآن إفشال اتفاق غزة الذي ندم عليه لأسباب داخلية بحتة، كما يقول مصطفى الذي يعتقد أن ترامب نفسه لم يفهم ما تريده إسرائيل في سوريا.
فقد كان ترامب -حسب المتحدث- يعتقد أن نتنياهو سيحتل منطقة عازلة في الجنوب السوري حتى يجبر السوريين على توقيع اتفاق أمني بشروطه، لكنه فوجئ اليوم بأنه يريد إلى جانب هذه المنطقة فرض رؤيته على شكل سوريا الجديدة مع نزع سلاح المسافة بين دمشق والأراضي التي احتلها مجددا ولن ينسحب منها مطلقا.
وإذا أراد ترامب الضغط في هذا الملف فإنه سيكون بحاجة لممارسة أضعاف أضعاف الجهد الذي بذله مع نتنياهو من أجل اتفاق غزة، فضلا عن حتمية حصول الأخير على عفو رئاسي في تهم الفساد التي يحاكم على أساسها، مما يجعل الرئيس الأميركي متمسكا بإصدار هذا العفو، برأي مصطفى.