(حمص على ألسنة الشعراء) … محاضرة في رابطة الخريجين الجامعيين بحمص
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
حمص-سانا
محطات شعرية متعاقبة أضاء خلالها الشعراء منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا على “حمص” وحضورها المتنوع في قصائدهم، هذا كان أبرز ما تضمنته محاضرة “حمص على ألسنة الشعراء” للدكتور غسان لافي طعمة في مقر رابطة الخريجين الجامعيين بحمص.
واستعرض الدكتور طعمة حضور حمص على ألسنة شعراء القبائل في العصر الجاهلي وحقبة العصر العباسي الأول وشعرائها “عبد السلام بن رغبان” المعروف بديك الجن الحمصي، ونديميه أبي نواس وأبي تمام، وفي العصر العباسي الثاني، والشعراء أحمد بن الحسين الكندي المعروف بأبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري فيلسوف المعرة.
وأشار طعمة إلى بروز الشاعر إبراهيم اليازجي الحمصي الأصل في مطلع عصر النهضة والشاعر المغترب نبيه سلامة فرقد.
ولفت إلى ذكرها في قصائد ابنها البار نسيب عريضة، متمنياً أن تكون نهاية رحلة حياته فيها، مبينا أن السمة المشتركة لشعراء حمص مغتربين ومقيمين هي الإخلاص والوفاء لهذه المدينة العريقة الطيبة حتى في حجارتها السوداء.
وأضاف: إنه في محطة شعر الحداثة تقترن حمص برمزين “ديك الجن ونهر العاصي” وتسكن حمص لدى الشاعر محمود نقشو كحالة إنسانية في البال وتسافر في الروح المشتعلة وتعكس عالما خارجيا انطفأت بعض ألوانه، وفي “ماء الياقوت” للشاعر عبد القادر الحصني تطل حمص الطيبة من عيون النساء اللواتي يطرزن أغطية الصلاة، في حين ينفرد الشاعر حسان الجودي بدخوله في عوالم حمص الواقعية التي لا تزال موزعه بين القرية الكبيرة والمدينة الصغيرة.
واختتم طعمة محاضرته بالإشارة إلى تماهي الشاعر “طالب هماش” مع مدينة حمص وحديثه عنها وأهلها كمخلوق واحد يعاني ما تعانيه من البرد والوحشة والحزن والتمزق الروحي بين ما يريده الإنسان لحمص وبين ما هو واقع لها.
رشا محرز
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
الشِعر.. بين الإبداع الإنساني والتحدّي الرقمي
سعد عبد الراضي
منذ أن بدأ الإنسان العربي باستكشاف فضاءات الشعر، ظلّت مسألة «التوليد الإبداعي» في مخيلته، تدور بين الحقيقة والخيال، فإما أن الموهبة هي التي تلتقط الصورة الشعرية من عدة مكونات ذاتية وغيرية، أو أن للتجربة الشعرية دوافع ومؤثرات خارجية، كالتي كانت معروفة في التراث الأدبي العربي، بأن الشعراء يذهبون إلى وادي سحيق مثل «وادي عبقر»، لكي يحصلوا على سمو بالذهن والروح يسبق التأليف، أيّ ما يشبه الإلهام لتوليد قصيدة متكاملة في الشكل والمضامين.
وإذا تأملنا في العصر الذي نعيشه، فإننا سنتوصل إلى أن بيئة «التوليد الإبداعي» للنص الشعري، كانت منصفة للعقل والوجدان، حيث عزّزت من قدرتهما المطلقة على تشكيل القصيدة الشعرية بمختلف قوالبها، إلى أن ظهرت التكنولوجيا المتطورة، وتعددت معها وسائل ووسائط المعرفة، لاسيما الذكاء الاصطناعي الذي تداخل في كل مجالات الحياة وعلومها وفنونها، ما نتج عنه مناقشات عديدة حول قدرته على توليد نص إبداعي متكامل، من خلال محركات بحثه الواسعة. ولعل أهم محاور تلك المناقشات الثقافية والفكرية، تدور حول مدى قدرة التطبيقات الذكية على التماهي مع أحاسيس ومشاعر المبدع والمتلقي، بعدما أظهرت قدرتها على تقديم نص معقول في الشكل الخارجي. ومن هنا نطرح السؤال على عدد من الشعراء والنقاد والناشرين والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحل محل الشاعر في تكوين بنية التجربة الشعرية؟
التجارب والأحاسيس
تقول د. سالي حمود، أستاذة الذكاء الاصطناعي في الإعلام: «إن توليد المحتوى فيما يخصّ النصوص الأدبية والإبداعية يختلف عن إنتاج النصوص العلمية، فالأخيرة تكون نتائجها حاملة لنفس المضامين الثابتة، من معلومات وبيانات ونتائج تفصيلية وتحليلية لمختلف القطاعات العلمية والإنسانية، بالمقابل فإن مفهومنا عن «النص الأدبي» مختلف تماماً، والمرتبط عادةً بمتغيرات لحظية، ومنه فإن محاولات التطبيقات الذكية، لم تحدث تطوراً جوهرياً، في هذا المجال تحديداً، لأن ما يحمله «النص الأدبي» أياً كان جنسه، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكاتبه من حيث أحاسيسه ومشاعره وتجاربه، التي نبع منها هذا النص، والآلة لا يمكن أن تحاكي مشاعر وأحاسيس المبدع».
العاطفة الشعرية
ويعتبر الشاعر والناقد د. راشد عيسى، أنه مهما تطور الذكاء الاصطناعي فلن يستطيع أن يرقمن الشعر، لأنه يستعصي على مخرجات الرقمنة، من حيث إنه لغة خارجة عن اللغة، بمعنى أن العاطفة الشعرية والمجاز والاستعارة، ونوايا المعاني وانفتاح الدلالات والمقاصد المواربة، أمور نفسية يعجز الذكاء الاصطناعي عن التعبير عنها، فهو ناقل لما يدخل فيه، يجمع ويجتهد في الفرز، لكنه يفشل بالضرورة في تحقيق دهشة الصورة الفنية، وذلك لأنه عقلاني ومنطقي، يصلح في اللسانيات والعلوم المحضة.
ويؤكد عيسى، أن طبيعة الشعر المتجدّدة تعيق الهندسة الرقمية في الذكاء الاصطناعي، وعبّر عن ذلك بقوله: «لا استبشر بمستقبل شعر الذكاء الرقمي، والشعر العربي أعظم منجز حضاري عربي، وهو آخر رهان للحفاظ على اللغة العربية، كون القصيدة تثري اللغة وتهدي المفردة مساحة أكبر للتأويل وبناء المعنى».
الإبداع البشري
ويوضح الشاعر والناشر محمد نور الدين، أن الذكاء الاصطناعي له تأثير متزايد على صناعة الكتب الأدبية، ويمكن أن ينعكس هذا التأثير في عدة جوانب، سواء من حيث الإنتاج أو التوزيع أو القراءة، مضيفاً أنه في موضوع «توليد النصوص» على مستوى الإنتاج، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء نصوص أدبية باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، وأصبح الآن بعض المؤلفين يستخدمون هذه الأدوات كمساعد إبداعي لتطوير أفكارهم أو نصوصهم، وعلى الرغم من أن هذه الأعمال لا تعادل دائماً إبداع البشر، إلا أنها تفتح باباً لتجارب جديدة في الكتابة.
توليد النص
وضمن هذا الإطار الشائك، يطرح الشاعر المنصف المزغنّي مسألة «توليد النص» في ذات المبدع، والذي يمر بـ 3 مراحل، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي بحسب تعبيره أن يمر بها، ويقول: «إن القصيدة تولد بكونها فكرة في بدايتها، ومن ثم تُكتب بانسيابية في مرحلة اللاوعي، ومنها إلى مرحلة الوعي لدى الشاعر، وبعد فترة زمنية من عبور المرحلتين، يعود الشاعر ليتأكد من أن النص لم يتولد من الذاكرة العميقة، باعتبار أن الشاعر يقرأ كثيراً، ومن ثم يختزن ما يقرؤه في ذاكرته، لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة وهي تصفية النص من كل ما يكون خارجاً عن ذات كاتبه».