حكاوى ومآسي وابتزاز زاد الرحلة معاناة وضحايا في الانتظار

تحذيرات من تكرار التجربة وإنذارات من فقدان الحياة في دروب وعرة

القاهرة- المحقق: صباح موسى
تستمر أعداد اللاجئين السودانيين إلى مصر في الزيادة الكبيرة بشكل يومي، هرباً من احتدام المعارك بالبلاد، والتي امتدت إلى خارج العاصمة الخرطوم، وزادت الأعداد بصورة ملحوظة بعد دخول ميليشيا الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، والتي كانت ملجأ كبيراً للفارين من الحرب في الخرطوم، وأجبر القتال خروج مئات الآلاف للتوجه خارج السودان إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر والتي استقبلت أعداداً كبيرة، ما بين دخول شرعي وآخر بالتهريب، وعبرت عديد من الأسر المصرية عن تضامنها واستضافة بلادها الأسر السودانية، لكنه رهن قدرة مصر وتلبية حاجات النازحين على توفير الموارد الكافية، وتواصل مصر تسهيل عبور اللاجئين السودانيين، وتوفير الخدمات الإنسانية للفارين من الحرب، وتستقبل مدن القاهرة والجيزة والاسكندرية وأسوان العدد الأكبر من هؤلاء الفارين.

دخول قانوني
ومنذ الشهور الأولى للحرب، تدفقت أعداد كبيرة من السودانيين إلى مصر، بدرجات غير مألوفة، وبلغت هذه الأعداد حتى اللحظة ما يقارب 500 ألف سوداني، دخلوا البلاد بطريقة قانونية – وذلك وفق تقديرات مصرية رسمية – في وقت شهدت فيه قنصليات القاهرة في بورتسودان وحلفا، طوابير طويلة من الراغبين في الوصول إلى مصر، ومع تعذُّر الحصول على تأشيرة الدخول الرسمية، اتجهت أعداد من السودانيين إلى خيار السفر عبر التهريب براً، للوصول إلى الأراضي المصرية، وسط تحذيرات من مخاطر عدة تواجه سالكي هذا الخيار في رحلة وصفها كثيرون بـ ” رحلة الموت”، كما ذكر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أن الأرقام الرسمية عن أعداد اللاجئين فى مصر تشير إلى نحو 9 ملايين شخص، من بينهم 4 ملايين مواطن سوداني.

ظروف صعبة
ولأن الذين دخلوا إلى مصر بطريقة قانونية، تعتبر أوضاعهم أفضل بكثير من الذين دخلوا عن طريق التهريب، فتحنا التحقيق لبحث أوضاع السودانيين الفارين من الحرب إلى مصر بطريقة غير شرعية، لذلك كانت وجهتنا الأولى إلى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بالقاهرة، والتي غالباً ما يتوجه إليها الهاربون أو أصحاب الظروف الصعبة أملاً في المساعدة في تدبير أحوالهم المعيشية، لتبقى الصورة أمام المفوضية بضاحية 6 أكتوبر بالقاهرة خير دليل على معاناة الآلاف من السودانيين الذين فروا من الحرب في بلادهم. الحكاوى كثيرة ومؤلمة في رحلة البحث عن الاستقرار الذي طالت أيامه، ولم يحمل أي أمل في حياة مستقرة في المستقبل القريب، أمام المفوضية تكدسٌ وزحام وقصص وابتزاز وشكاوى من سوء الأوضاع.

تضاعف الأعداد
تحدثنا أولاً مع مسؤولي المفوضية، حيث كشفت كريستين بشاي المنسق الإعلامي لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين بمصر أن عدد الذين تم تسجيلهم من السودانيين بالمفوضية حتى الآن بلغ حوالي 240 ألف سوداني. وقالت بشاي لـ ” المحقق” تضاعفت أعداد لجوء السودانيين قبل الحرب أضعاف ما قبل الحرب، فكانت أعداد اللاجئين السودانيين المسجلين بالمفوضية في مارس قبل شهر من الحرب حوالي 61 ألف لاجئ، وأن العدد المسجل وصل الآن قرابة 240 ألف لاجئ، مضيفة أننا نقوم بالتسجيل نيابة عن الحكومة المصرية، ونقدم مساعدات إنسانية للحماية ومساعدات قانونية، وكذلك عيدية ودخول المدارس ومعونات طبية للأسر الأكثر تضرراً، بعد تقديمهم حيثيات لذلك، كما نضمن لهم العلاج في المستشفيات المصرية بنفس علاج المصريين، وفي إجراء العمليات، نتواصل مع الجهات المعنية حسب أهمية الحالة.

تفكك العائلات
وأوضحت الناطقة الرسمية للمفوضية أن عدداً من الأسر السودانية لم تتمكن من الوصول بكامل عددها وفقاً لروايات بعض أفرادها، ما تسبب في تفكك بعض العائلات، وقالت إن المفوضية رصدت وصول عائلات دون الأب، وبقي بعضهم مع أحد أفراد أسرته في السودان، وبحسب بشاي شهدت الموجة الأولى من النزوح وصول سودانيين لهم أقارب في مصر أو أصدقاء بجانب مَن لديهم منازل، أما الموجة الثانية فأغلبهم لا يملكون منازل في مصر وقدموا للبحث عن مأوى، ما دفع بعض الجمعيات وبعض الأهالي في مصر إلى محاولة تأمين مأوى لهم لكنها لم تكن مناسبة وفق المفوضية، مبينة أن مفوضية شؤون اللاجئين، تلقت طلباتٍ كثيرة من لاجئين سودانيين في مصر، مؤكدة أنهم يقدمون مساعدات مالية لبعض الأسر السودانية الأكثر احتياجاً ويتم تسليمهم تلك الأموال عبر البريد المصري.

ثلاث نقاط
المسؤولة الإعلامية للمفوضية تحدثت عن الذين تم تسجيلهم بالفعل، لكن تبقى عشرات الآلاف ما بين الذين لم تنتهي إجراءات تسجيلهم، وبين الذين لم يذهبوا للتسجيل حتى الآن، وتشهد الأعداد التي تدخل إلى مصر بذلك، حيث أكد شهود عيان في رحلة الموت، أن ما يقارب من ألف شخص يدخلون مصر يومياً على ظهر 20 سيارة من طراز (بوكس)، من نقطة دخول واحدة من إجمالي ثلاث نقاط للتحرك وهي أبوحمد وعطبرة وبورتسودان.

رحلة صعبة
التقينا أحد السودانيين أمام المفوضية وتحدث إلينا عن المعاناة التي يلاقيها السالك لطريق التهريب من السودان إلى مصر، عبد الله – وهو إسم مستعار – لرفض المتحدث الكشف عن هويته الحقيقية تحدث لـ ” المحقق” محذراً كل من يفكر في سلك هذا الطريق للوصول إلى مصر، مضيفاً أن الرحلة صعبة جداً، رغم أن ظروفي أفضل من غيري، وجئت بطريقة أكثر راحة، لكنني لا أنصح أبداً بتكرار التجربة، كما ألفت نظر كل من يرغب في الوصول إلى مصر، أملاً في مساعدات المفوضية، فهذا ضرب من الخيال، وتابع قد تحصل على 400 جنيه شهرياً بعد معاناة طويلة في التسجيل قد تصل إلى ستة أشهر، للوصول إلى مبلغ لم يؤخذ بطريقة غير منتظمة، رغم أنه لا يكفي للمعيشة في مصر من مسكن ومأكل ومشرب، مطالباً كل من يسمع غير هذا الحديث أن يتأكد أن الأمور على غير ما يصل إليه من البعض، وهذه هي الأوضاع الحقيقية.

تخزينة الجبال
وقال عبد الله تحركت من عطبرة في عربية بوكس بـ 2 كابينة منذ أكثر من شهرين أنا وأبنائي السبعة بمبلغ 400 ألف جنية سوداني، مضيفاً تحركت من سيدون بعطبرة الساعة العاشرة صباحاً، ووصلنا إلى نقطة الحدود مع مصر الثانية عشر ليلاً، وفي الحدود جلسنا يومين، ويحاول المهرب إبقاءنا في هذه المنطقة للإستفادة لشراء السلع والمياه والاحتياجات، ثم تحركنا بعدها من الحدود المصرية السادسة صباحاً إلى العمق المصري في منطقة الكسارات، ووجدنا عربات صغيرة (ركشة) تنقلنا إلى أسوان، وتعرضنا لابتزاز كبير من أصحاب هذه الركشات والذين يأخذون مبالغ كبيرة منا في مشوار لا يستغرق نصف ساعة، وقد يتعرض الآخرون لأخذ هواتفهم أو متعلقاتهم، ولم ينس عبد الله أن يتحدث عن الخطر الكبير في رحلة الموت، مشيراً إلى ما يسمى بـ ” التخزينة” داخل الجبال إذا شعر المهرب بالخطر، ويتركنا حتى تأتي إلينا سيارة مصرية تنقلنا إلى الحدود المصرية، ويمكن أن نجلس في هذه التخزينة يومين أو ثلاثة في ظروف قاسية من برد وعدم وجود طعام أو شراب يكفينا.

رحلة الموت
أما إنتصار فقد تحدثت إلينا باكية عن المعاناة التي لاقتها في رحلة الموت الحقيقي إلى مصر، وقالت إنتصار وهو اسم مستعار أيضا لـ ” المحقق” أتيت بأطفالي الثلاثة بمفردي، وصرفت كل ما أملك في هذه الرحلة، مضيفة لم أنس أبداً وهم يربطوننا بحبال داخل السيارة البوكس من الخلف، ونحن في طريقنا إلى الحدود المصرية، السائق يسير بسرعة كبيرة داخل طريق وعر، ونحن نقفز إلى أعلى ونسقط على صندوق السيارة لأننا مربوطين بها كـ ” البهائم”، مع الغبار الكثيف الذي نتعرض له من السرعة الشديدة، وموجات البرد القاسية التي نتعرض لها، مشيرة إلى حكاوي كثيرة لمعاناة كثيرين من مرضى وأطفال وكبار السن في هذه الرحلة المميتة، والتي راح ضحيتها أعداد كثيرة بالفعل، وواصلت إنتصار حديثها.. وصلنا إلى مصر لنجد معاناة أخرى تنتظرنا، وإجراءات طويلة للتسجيل في المفوضية، وحتى لو سجلنا لابد أن نثبت أننا أسر فقيرة تعاني، حتى يتم صرف مبالغ زهيدة لنا، وأجهشت انتصار بالبكاء “أريد أن أعود إلى السودان إلى بيتي وأهلي وجيراني، وحياتي المستقرة، أريد أن أموت في بلدي، فلم أعد أتحمل الظروف القاسية، وأنا لا أستطيع تدبر معيشتي ومعيشة أطفالي، بعد أن تركت زوجي في السودان، وضيق الحال سيجعلني أعمل في المنازل أو أسأل الحاجة من الناس”.

التحدي الأكبر
وفي القاهرة أكد عدد كبير من السودانيين الذين فروا من الحرب إنهم يعيشون ظروفاً استثنائية في مصر، معربين عن مخاوفهم بشأن إطالة أمد بقائهم، نظراً لتكاليف المعيشة وحاجة الأبناء إلى الدخول للمدارس، وهو ما يشكل تحديات جمة أمام آلاف الأسر السودانية، وقال بعضهم لـ ” المحقق” إن التحدي الأكبر الذي يعيشه السودانيون اللاجئون إلى مصر، هو البحث عن شقة مناسبة وبأسعار معقولة، خاصة وأن غالبهم لم يتمكنوا حتى اللحظة من استئجار شقة لأسرهم، وظلوا في يقيمون مع أقاربهم، لكن هذا الحال لن يدوم طويلاً، معربين عن أملهم في إنهاء الحرب، كي يتمكنوا من العودة إلى السودان وينعموا بالأمن والاستقرار في بلادهم.

انتهاكات واسعة
مصادر مطلعة أكدت لـ ” المحقق” أن غالبية الذين نزحوا إلى ود مدني من الخرطوم اختاورا اللجوء إلى مصر، بدلاً من المخاطرة برحلة نزوح داخلي جديدة، قد يجدوا أنفسهم بعدها أمام موجة أخرى من نيران القتال، خاصة أن قوات الدعم السريع تورطت في انتهاكات كبيرة بالمدينة، التي استولت عليها في ديسمبر الماضي، لتبدأ موجة نزوح ولجوء جديدة، بحسب وكالات أممية عاملة في الشأن الإنساني، وتعرّضت مدن وقرى في ولاية الجزيرة إلى تعديات وانتهاكات، وصفها حقوقيون بالواسعة، عقب سيطرة الدعم السريع على الولاية، كما قالت لجان المقاومة إنها أحصت سرقة ونهب ما لا يقل عن 3 آلاف سيارة

ضحايا الرحلة
كما أكد شهود عيان في رحلة الموت وجود مصاعب ومخاطر حقيقية تواجه الذين يغامرون بخوض تجربة التهريب البري إلى مصر، وقال عدد كبير منهم لـ ” المحقق” إن “كثيراً من المسافرين وقعوا ضحايا لعمليات ابتزاز وإتجار بالبشر، بينما فقد كثيرون أرواحهم من جراء الحوادث المرورية الناتجة، إما عن السرعة الزائدة، أو محاولات الهروب من السلطات الناشطة في مكافحة التهريب في البلدين، كما حذرت السلطات السودانية الرسمية من مخاطر الوصول إلى مصر عبر التهريب والطرق البرية، بما في ذلك المصير الغامض الذي ينتظر من يصلون إلى المحروسة، وأنه ستواجههم عقبات تتعلق بقانونية وضعهم، إذْ أن الحصول على الإقامة الرسمية ليس ميسوراً ويحتاج إلى تدابير وأموال طائلة، علاوة على أن التسجيل بمفوضية اللاجئيين هو الآخر يحتاج إلى فترة طويلة، قد يفقد خلالها الشخص كل ما لديه من مدخرات، قبل أن يحصل على البطاقة الصفراء التي توفر له الحماية القانونية من الترحيل.

تحذيرات رسمية
كما حذرت القنصلية العامة للسودان في أسوان، مواطنيها ورعاياها من الدخول إلى مصر بطرق غير شرعية، لما يترتب عليه من مخاطر ومساءلة قانونية، ولفتت القنصلية إلى وقوع عدد من الحوادث المرورية، بجانب تعرُّض كثيرين إلى النهب والابتزاز من قبل عصابات تهريب البشر، وأشارت إلى 5 حوادث مرورية في ديسمبر الماضي، قالت إنها تسببت في وفاة العديد من الأشخاص، بخلاف عشرات المصابين والجرحى.

القاهرة- المحقق: صباح موسى

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الأسر السودانیة من السودانیین فی رحلة الموت السودان إلى من السودان من الحرب إلى مصر فی مصر فی هذه

إقرأ أيضاً:

محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..

مهدي رابح

حسبو محمد عبد الرحمن، القيادي في المؤتمر الوطني، نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الجمهورية واللواء في جهاز الأمن.. كل ذلك سابقاً طبعاً، وحاليا احد قيادات الدعم السريع وعقولها المدبرة.
هذه الشخصية المفصلية في الأزمة الحالية لن تجد لسيرتها أثرا تقريبا في الخطاب السائد من كلا طرفي الحرب، بل لن تجد لها أثرا حتي في الخطاب الذي يناهض استمرارها ويسعى لإيقافها..
والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا؟
في تقديري لأن ذلك يتناقض مع السرديات التبسيطية السائدة حاليا، ويكشف حجم التعقيد الذي تتسم به ازمتنا وصعوبة تعريفها تعريفا صحيحا، بكافة مستوياتها..
وبذلك أعني، وفي المستوى الأول، أن الحرب الحالية هي دون شك صناعة إسلاموية بامتياز بدأت منذ استيلاء الاسلامويين على الحكم بانقلاب عسكري عام 1989م، وبناءهم لنظام سياسي قائم على الاستبداد والقمع والفساد والافلات من العقاب، ثم نهبهم لثروات السودان وتدمير وتسييس مؤسساته وعلي راسها القطاع الامني والعسكري والعمل علي زرع الفتنة بين مكونات المجتمع المختلفة بتزكية الدوافع الاثنية والجهوية، وانشائهم لقوي مسلحة موازية أبرزها الدعم السريع نفسه.
وهو ما يفسر الوجود القوى للاسلامويين في صفوف الأخير وان كان أقل تأثيرا من وجودهم في الجانب الآخر، اي اصطفافا مع الجيش.
أي أن هذه الحرب هي صناعة إسلاموية لم تبدأ باطلاقهم الرصاصة الأولي في 15 ابريل 2023 ولن تنتهي غدا صباحا.
المستوي الثاني هو أن أحد عناصر هذه الحرب الاساسية هي تقاطع المصالح المادية و الصراع على الثروات بين مجموعات محدودة من النافذين. فهي نتاج لانفجار التناقضات والتنافس المتصاعد داخل الكارتيل الاحتكاري اللصوصي، الذي انقلب على ثورة ديسمبر بانقلاب أكتوبر 2021… والذي ضم بجانب بعض الانتهازيين من المدنيين، قيادات الجيش والدعم السريع والاسلامويين وبعض الحركات المسلحة، التي انضمت لهذا لكارتيل بعد الثورة..
اما المستوى الثالث فهو التدخل الخارجي، وبالاخص لدول الجوار الإقليمي، والذي اتخذ طابعا سافرا ظهرت ملامحه منذ عام 2019م، وما نتج عنه من مجزرة بشعة ضد المعتصمين أمام القيادة العامة وما تلي ذلك من انقلاب ثم تمويل ودعم طرفي الحرب حتى اليوم.. فهو صراع غير معلن بين قوى إقليمية تسعى استراتيجيا للسيطرة على السودان عبر وكلائها – ابرزها بالطبع قيادات الجيش والدعم السريع – من أجل تأمين نصيبها من تدفق مياه النيل وتعظيمه أو وضع يدها على منافذ تطل على البحر الأحمر أو على الثروات الطبيعية الهائلة التي تعج بها هذه البلاد المكلومة، او بالمقابل، وفي حال بع الدول الجارة، منع الدول المنافسة لبلوغ الأهداف المذكورة أعلاه.
إن التعريف الصحيح للأزمة يساهم في إيجاد الحلول الصائبة والمستدامة، أي تلك التي تتجاوز الوقف المؤقت والهش للقتال إلى آفاق بناء الدولة.. تلك الدولة التي لم تحظى بها الشعوب السودانية اصلا منذ الاستقلال، اي الدولة التي توفر الأمن والاستقرار والحرية والكرامة لكافة أفرادها بالتساوي.
وذلك يتطلب أن نحدد كل العناصر التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق ذلك – أي الوصول إلى سلام مستدام يمهد لبناء الدولة المنشودة – علي رأسهم الاسلامويين كعنصر مشترك ثابت، لكن أيضا قيادات الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة وتجار الحرب من جهة ومن الجهة الأخرى القوي الاقليمية التي تتحمل وزر هذه المأساة بنفس القدر.
ان اي مقاربة للحل لا تتضمن كيفية التعامل مع العناصر الأخرى لمعادلة الدمار التي تحدث في السودان يعني تطاول أمد الحرب وتعمّق آثارها الإنسانية المروِّعة .
بإستعارة مقولة غرامشي الشهيرة يمكننا أن نختم بالقول إن
“السودان القديم انتهى والسودان الجديد تأخّر في الظهور … وما بين العتمة والضوء تولد الوحوش.”
وهي في حقيقة الأمر وجوه أو رؤوس متعددة لوحش واحد، ظل يتغذى علي الجهل والفقر والعنف والفساد والظلم الاجتماعي لمدى ستة عقود. ولن يقضي عليه قطع رأس واحدة لأنه سينمو في مكانه رأس جديد كما التنين في الأسطورة السومرية القديمة.

الوسوممهدي رابح

مقالات مشابهة

  • انقضاء عام 2025 والحرب تقتل حاضر ومستقبل السودانيين
  • من الكوميديا السوداء إلى المآسي العائلية: رحلة في الأفلام المصرية للعام 2025
  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  • بعد مسيرات داعمة للجيش.. البرهان «يشكر» السودانيين ويطلق تعهدات
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذين ما زالوا في غزة
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..
  • المفوضية الأوروبية: دعم أوكرانيا يتواصل ورسالة حازمة لروسيا بشأن كلفة الحرب
  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان