برنامج مكثّف في تطوير الذات والقيادة بمحافظة الداخلية
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
نظّم مكتب والي منح بمحافظة الداخلية صباح أمس، برنامجًا تدريبيًا حول تطوير الذات والقيادة بقاعة متعددة الأغراض بمكتب والي منح، بحضور السيد حامد بن حمدان البوسعيدي نائب والي منح، استهدف البرنامج فئة الباحثين عن عمل من أبناء الولاية، وعددًا من المهتمين في مجال تطوير الذات، وذلك بهدف تعريفهم بآليات التطوير الذاتي، وأساسيات مواجهة الصعوبات والتحديات، وتمكينهم من اكتشاف المهارات الذاتية، والاستفادة من استراتيجيات التفكير الجمعي لخلق فرص أفضل.
وقالت تسنيم بنت عبدالرؤوف التوبية تربوية ومدربة في تطوير وتنمية الذات (مقدمة البرنامج): إن التطوير الذاتي يمكّن الإنسان من اكتشاف مهاراته، وإعادة صياغة خططه، وتصميم أهدافه ورؤاه المستقبلية؛ فالتطوير الذاتي عملية مستمرة غايتها تفعيل دور الإنسان وتمكينه من مجموعة من المهارات التي يكتبسها في حياته اليومية، كما تطرقت إلى مجموعة من الأنشطة والتجارب لترسيخ مفهوم التطوير الذاتي لدى المشاركين.
وتحدثت التوبية عن آلية تحديد الأهداف والمخططات عن طريق مصفوفة ترتيب الأولويات في تنظيم المهام، فهو مساحة يمكنك فيها تقييم الأولويات؛ لتحقيق أهداف فردية أو جماعية، حيث إن المشاريع والأفراد التنفيذيين يعتمدون هذا القالب؛ لأنه يوضح بشكل مرئي كيفية البدء في مشروع أو حتى من أين تبدأ، كما يساعد قالب مصفوفة الأولويات على تحديد المشكلات والمسائل العاجلة.
و استعرضت التوبية نظرية بلوم المعرفية التي أسسها العالم بنيامين بلوم في خمسينيات القرن الماضي لتصنيف الأهداف التعليمية، ثم تطورت لتصبح إطارًا معتمدًا على نطاق واسع لفهم العمليات المعرفية والتي تتمثل في ستة مستويات وهي: التذكر، والفهم، والتطبيق، والتحليل، بالإضافة إلى التركيب، والتقويم كما أضافوا الآن الإبداع والابتكار، كما أنها تحدثت عن آليات التعامل مع الخوف والمشاكل والعقبات التي قد تواجه الإنسان وكيف يمكن مواجهتها والتعامل معها.
، كذلك استعرضت التوبية السمات الفردية لاكتساب الإبداع غاية جمعية والتي تتمثل في المغامرة، وطلاقة التعبير، والإدراك، والإصرار، بالإضافة إلى الدافعية، والتجدد. بعدها تم التطرق إلى نظرية ماسلو وهرم الاحتياجات الإنسانية وعلاقته بالإبداع والابتكار.
بعد ذلك تم مناقشة استراتيجيات التفكير الجمعي وأهم مميزات الإبداع ومهارات التفكير وهي: قابلية التحليل، والانفتاحية، واللانمطية، واختيار التوقيت المناسب، كذلك قابلية التقويم، واللامألوف.
وتم خلال البرنامج استضافة محفوظة بنت سالم السلطانية إحدى رائدات الأعمال بولاية منح وصاحبة مشروع "ورود وهدايا" الذي لاقى نجاحًا في الولاية؛ لتنقل تجربتها للمشاركين وقصة نجاحها وكفاحها في تحقيق أهدافها ونجاح مشروعها، حيث قدمت السلطانية مجموعة من النصائح للباحثين عن عمل مشيرة إلى أهمية التعلم الفعال والتحليل والابتكار مع التحلي بالصبر والكفاح لتحقيق الأهداف المرجوة.
تجدر الإشارة إلى أن إقامة مثل هذه البرامج لها دور كبير في إكساب الباحثين عن عمل المهارات والمعرفة اللازمة التي تساعدهم على الالتحاق بالعمل ورفع وعيهم في شق طريقهم للنجاح في حياتهم المهنية والمستقبلية، والتي من خلالها ستمكنهم من كسب الرزق والاعتماد على أنفسهم بدلًا من انتظار الوظيفة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تطویر الذات
إقرأ أيضاً:
الوعي المزيف .. الوعي المخترق
ليس من قبيل المجاز أو الاستعارة أن نقول: إن الوعي الإنساني أصبح اليوم عرضة للاختراق، بل إن المجاز نفسه يبدو قاصرا أمام ما يجري من إعادة هندسة كاملة لإدراك الإنسان المعاصر، بعيدا عن أدوات السيطرة القديمة التي كانت تستدعي العنف، أو الخطاب الأيديولوجي المباشر، أو الرقابة الصلبة. نحن أمام نمط جديد من التوجيه الهادئ، الناعم، الذي لا يُرى، لكنه يُنجز مهمته بفعالية كاملة: يُطوِّق إدراكنا من الداخل، ويعيد تشكيل قناعاتنا، ويقودنا إلى خيارات نظنها حرة، بينما هي مسبقة التصميم ومشفرة في خوارزميات لا نعرف كيف تعمل.
لقد ولّى زمن الاحتجاج على الرقابة باعتبارها آلية قمع، وبدأ زمن جديد من الطواعية الاختيارية، حيث تُسلّم الذات بوعيها طواعية لمن يصمم واجهات الاستخدام. يكفي أن نلقي نظرة على كيفية تفاعلنا مع محركات البحث، ومنصات التواصل، وتطبيقات الترفيه، لنكتشف أننا نعيش داخل نظام تغذية راجع دائم، يُراكم عن كل منا قاعدة بيانات شخصية، ثم يُعيد تقديم العالم لنا مصفّى عبر خوارزميات «ذكية» تعرف مسبقا ما نريد، وتقرر بالنيابة عنا ما نقرأ، ومن نتابع، وما الذي يثيرنا، أو يغضبنا، أو يجعلنا نظن أننا أحرار.
بدأ هذا التحول منذ أن أصبحت البيانات هي العملة الأهم في الاقتصاد الجديد، وتحول الإنسان من ذات حرة إلى مورد قابل للقياس، والسلوك إلى منتج رقمي يتم تحليله واستثماره. لقد دخلنا حقبة تُبنى فيها السلطة على معرفة سلوك الإنسان أكثر مما يبنيه الإنسان على معرفة نفسه. والخطر هنا لا يكمن فقط في أننا نخضع للمراقبة واستراق السمع، بل في أن هذه المراقبة وهذا الاستراق لم يعد يُمارس بعين السلطة، بل يُمارس بالاقتراح، وبالإغراء، وبالتحكم في الانتباه، فلم تعد السلطة تُمارس كقوة قمعية كما شرح ميشيل فوكو في «المراقبة والمعاقبة»، بل كغواية رقمية تُعيد تشكيل الذات من الداخل بالإفراط في الانكشاف والشفافية لا بالقمع.
لكن لماذا نطلق على ذلك اسم «اختراق الوعي»؟ لأن ما كان يُعد سابقا مساحة داخلية للحرية، تُبنى عبر التجربة الشخصية، والقراءة، والحوار، والمراكمة النقدية، بات اليوم يُعاد إنتاجه من الخارج. نحن لا نقرأ لأننا اخترنا قراءة كتاب، بل لأن خوارزمية ما اقترحت علينا ذلك الكتاب بعد أن تعقبت سجل قراءتنا السابق. لا نشاهد مقطع فيديو لأنه يُهمنا، بل لأن نمط استهلاكنا يخبر النظام بأن هذا المقطع سيجعلنا نبقى أطول أمام الشاشة. نحن في الحقيقة لا نختار، بل يُختار لنا.
منصة مثل تيك توك، على سبيل المثال، لا تُظهر للمستخدم ما يريده فقط، بل ما تريد هي أن تُرينا إياه. وهذا هو قلب اللعبة: التنبؤ بالسلوك لم يعد كافيا؛ المطلوب الآن هو توجيه السلوك، وإعادة برمجة الحوافز، وتكييف الذوق، وتركيب استجابات نفسية واجتماعية جديدة. إنها ليست منصة ترفيه، بل مختبر سلوكي مفتوح.
ومع تراكم هذه التأثيرات، يتشكل نوع من «الوعي البديل»، أو ما يمكن تسميته بـ«وعي الخوارزمية»، وهو وعي سريع، وانفعالي، ولا يبدو أنه متصل بسياق، ولكنه ينتقل من حدث إلى آخر بلا عمق، ويستبدل التساؤل بالتفاعل، والحوار بالتصفّح، والرأي بالإعجاب أو عدمه. وهذا النمط من الوعي يخلق شعورا وهميا بالمعرفة، ويشكل رأيا عاما هشا، وقابلا للتهييج بسرعة، لكنه، أيضا، ضعيف القدرة على التحليل أو المقاومة.
ولعل الأخطر من ذلك أن هذا النمط من الوعي يعيد صياغة علاقتنا بأنفسنا. فالمستخدم حين يتماهى مع ما يُعرض عليه، يبدأ بتعديل خياراته، وسلوكه، وصورته أمام الآخرين، ليُناسب ما يطلبه النظام الخوارزمي، لا ما يُمليه عليه ضميره أو فهمه أو ذائقته. وهنا يُصبح الوعي مجرد واجهة استخدام، أو ما يشبه «بروفايلا» رقميا يُبنى ويُعاد تحديثه باستمرار، في حين تتراجع الذات الحقيقية إلى الهامش، وتتحول الذات الحقيقية إلى ذات هشة، ومأزومة لا تملك أدوات النقد أو حرية الاختيار، ولا التطور.
ومع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، اتسعت رقعة هذا الاختراق. لم يعد الأمر متعلقا بما نُشاهد أو نُتابع، بل بما نقرأ ونكتب ونفكر. تولد أدوات الذكاء الاصطناعي نصوصا متقنة ولكنها خالية من المشاعر ومن التجربة التراكمية.
بهذا المعنى، فنحن نعيش في عالم ما بعد الإدراك حيث يُعاد تصميم الوعي البشري ليكون أكثر طواعية، وأقل مقاومة، وأشد التصاقا بالمحتوى الذي يثير ويُباع، لا ذلك الذي يُعلّم أو يُغيّر.
كيف يمكن مواجهة هذا الاختراق؟ البداية لا تكون برفض التكنولوجيا، فهذا وهم. بل تبدأ بفهم بنيتها، وآليات عملها، وأهدافها. علينا أن نُعيد طرح السؤال النقدي الأساسي: من يُنتج هذه الخوارزميات؟ ومن يملك بياناتنا؟ ومن يصمم ما نراه ونفكر فيه؟
الوعي لا يُحمى بالصراخ في وجه الشاشة، بل ببناء حصانة معرفية وفكرية تجعلنا نُدرك لحظة التوجيه، ونُقاومها بالمعرفة. القراءة العميقة، والحوار المفتوح، والتعليم النقدي، أدوات أساسية لبناء جيل لا يكون فقط مستهلكا للمحتوى، بل واعيا بأسباب وجوده وشروطه وحدوده. لن نستطيع إغلاق النوافذ الرقمية، لكن يمكننا أن نُحسن اختيار ما يدخل منها.
ولعل أكبر خطر يتهددنا اليوم ليس أن يتم اختراق وعينا، بل أن نعتاد على هذا الاختراق فلا نراه، فنستبدل الحرية بالراحة، والمعرفة بالترند، والعقل بالخوارزميات. وهذا بالضبط ما يجعل الوعي ساحة المعركة الأهم في هذا الزمن.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان