أتابع عن كثب مشهد الحراك المحلي في شأن الذكاء الاصطناعي وتطوراته؛ فمع دخول عام 2024م، بدأت ألحظ حراكا على مستوى الملتقيات والمؤتمرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي تُنظّم داخل سلطنة عُمان بواسطة الجهات الحكومية والخاصة، وتنوعت هذه الملتقيات في توجهاتها المعنية بالجانب الرقمي أهمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أخذت طابعا توعويا يستهدف شرائح المجتمع بدءا من طلبة المدارس، وعبورا إلى طلبة الجامعات، ووصولا إلى المجتمع المدني عموما والمجتمع الصناعي خصوصا، وأبرزت هذه الملتقيات الكفاءات الوطنية في مجالات التحول الرقمي من الباحثين والمتخصصين، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الخارجية المُشارِكة في هذه المحافل الرقمية، وأثمرت توصيات كثير من هذه الملتقيات بتوضيح المسار المساند لتنفيذ خطة مشروعات التحول الرقمي بما في ذلك مشروعات الذكاء الاصطناعي، وأكدت كذلك على قوة الحضور الرقمي لسلطنة عمان في مجال الذكاء الاصطناعي والجاهزية العالية التي تتبناها المؤسسات المعنية التي تُرجمت عبر عدة وسائل متفرّعة، منها المعارض المصاحبة لبعض هذه الملتقيات التي أظهرت المشروعات الرقمية بمختلف مظاهرها، سواء تلك التي تعكس الإبداع الطلابي لطلبة المدارس والجامعات أو إبداع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يقود دفتها شباب عُماني طموح.

لا أرغب في إعادة تصوير مشاهد هذه الملتقيات الرقمية وسرد ملامحها التي لم تغبْ عن الإعلام المحلي ومنصات التواصل الاجتماعي؛ فيمكن للمهتم بمثل هذه المحافل العلمية الاطلاع على أخبارها عبر وسائل الإعلام بل والمشاركة في خضّم فعاليتها التي أراها مستمرة؛ فلا يكاد ينتهي ملتقى حتى يتبعه ملتقى آخر، وأؤكد على ذلك عبر ما يصلني من دعوات خاصة للمشاركة. ما أرغب في مناقشته في هذا المقال هو البحث عن سبل تطوير هذه الفعاليات وتوسيع دائرة الاستفادة منها عبر مقترحات أولها مدّ جسور تصل بأخبار هذه الملتقيات إلى مختلف شرائح المجتمع خصوصا الشرائح المهتمة بهذا الحقل الرقمي؛ إذ أتفاجأ -أحيانا- بعدم وصول أخبار بعض هذه الملتقيات إلى كثير من المتخصصين في الشأن الرقمي، وتزداد المفاجأة أن بعض ما يُذاع عن هذه الفعاليات ويُعرض يأتي بعد فترة إقامتها؛ فلا تصل دعوات واسعة النطاق -لبعض الفعاليات- تدعو من يرغب بالمشاركة أو الحضور للاستفادة، وحتى إن وجدت مثل هذه الدعوات فإنها تكون إما خاصة لفئات معيّنة أو معروفة لدى الجهة المنظّمة أو تأتي بشكل غير مُلفت للانتباه؛ فتمضي هذه الفعاليات بمشاركات محدودة تفتقد لحضور كوكبة أخرى من المتخصصين العمانيين، ولتحسين هذه الفجوة ومعالجتها ينبغي أن تكون هناك قاعدة بيانات تحوي أسماء وتفاصيل كل المختصين العمانيين في الشأن الرقمي عموما، ويمكن إنشاء مثل هذه البيانات عبر التعاون مع الجهات المعنية التي تحتفظ في سجلاتها ببيانات التعليم والمؤهلات لجميع المتخصصين، مما يسهّل بلوغ الدعوات لمثل هذه الفعليات بشكل خاص وسريع لجميع المختصين والاستفادة من خبراتهم ومضاعفة ثمار هذه الملتقيات. بجانب هذا الطريق الخاص الذي يسهّل الوصول إلى المتخصصين ودعوتهم إلى المشاركة، لابد من مضاعفة عملية الترويج العامّة عن مثل هذه الفعاليات والإعلان عنها بشكل مسبق ومبكر لإتاحة الفرصة لعموم المهتمين سواء من الناحية العلمية أو الاستثمارية.

أما عن المقترح الثاني الذي أرغب بواسطته توسيع رقعة الاستفادة من هذه الفعاليات وجني ثمار مخرجاتها هو عبر تفعيل جادٍ للجان المتابعة والتنفيذ، ولا ينبغي أن يقتصر تطبيق مثل هذه الخطوة على المؤتمرات الحكومية وفعاليتها؛ حيث إن مثل هذه الخطوات موجودة وتتبنى بعض هذه المؤتمرات ممارستها، وفي حالات أخرى مفقودة؛ تتبخر مياه المعرفة الناتجة عن هذه المؤتمرات بمجرد انتهائها، وسبق أن ترأست إحدى هذه اللجان -قبل عدة سنوات- التابعة لمؤتمر وطني كبير يتعلق بثورة التحول الرقمي واقتصاده، ورفعت مع فريق هذه اللجنة المخرجات والتوصيات -التي خرج بها هذا المؤتمر- التي لا أعلم -بعد ذلك- مصير بعضها وسير خطة تنفيذها مع تأكدي من تحقق بعضها الآخر على أرض الواقع التي سبق أن تناولتها في مقال مستقل تحدثت فيه عن المشهد الرقمي في سلطنة عُمان ومشروعاته الحالية. لهذا من الضروري أن ترتبط هذه الفعاليات بآلية متابعة تسعى إلى الرصد والتنفيذ سواء كان للفعاليات التي تتبناها القطاعات الحكومية أو الخاصة؛ فالجميع يسعى إلى تحقيق هدف واحد يصب في البناء العلمي والاقتصادي للوطن، وعليه فإن ارتباط جميع هذه المؤتمرات بـ«رؤية عُمان 2040م» مهمة ضرورية تتيح مضاعفة الجهود الوطنية المعنية بالشأن الرقمي واقتصاده، ولا يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود وفتح البوابة التي تدخل منها جميع هذه الجهات المُنظِمة إلى منطقة التفاعل المشترك المُفضي إلى تحقق الأهداف الوطنية المشتركة.

لا أحمل عبر هذا المقال نقدا لأحد؛ فالجميع يسعى لبذلِ الجهد المضني في تحقيق الاستدامة الرقمية الساعية لرفد الاقتصاد وبناء الكوادر الوطنية، ولكن أسعى عبر هذا المقال إلى طرح تفاعلي يسهم في الدفع بالحراك الرقمي ومتعلقاته التي تشمل تنظيم الفعاليات -الملتقيات والمؤتمرات- التي برز حراكها وتزاحمها خصوصا منذ بداية هذا العام الجديد، وهذا دليل اهتمام نابع من إرادة كبيرة تعكس طموحات المؤسسات الحكومية والخاصة في المساهمة في النهضة العلمية والاقتصادية. نعوّل جميعا على الوعي المجتمعي بالقطاع الرقمي وفروعه الرئيسة مثل الذكاء الاصطناعي الذي سيدفع بعجلة التقدم ويسرّع من وتيرتها، وستساهم مثل هذه الفعاليات العلمية وتفاعلاتها في بناء هذا الوعي المنشود.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذه الملتقیات هذه الفعالیات مثل هذه

إقرأ أيضاً:

«المصريين»: مناقشة الحوار الوطني لقضايا الأمن القومي يعزز من درجة الوعي بالمخاطر

أشاد هاني عبدالسميع، أمين عام حزب «المصريين» في البحر الأحمر، بمناقشة الحوار الوطني لقضايا الأمن القومي، مؤكدا أن القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى وتهم الأمن الداخلي والخارجي للدولة المصرية، وطرحها على مائدة الحوار الوطني سيكون له دلالات مهمة على المستويين الداخلي والخارجي.

الدولة المصرية تواجه مؤخرا تحديات إقليمية

وقال «عبد السميع»، في بيان اليوم السبت، إن الدولة المصرية تواجه مؤخرا تحديات إقليمية لا سيما مع تصاعد حدة الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، وسيطرة قوات الاحتلال على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ما تطلب عودة مجلس أمناء الحوار الوطني للانعقاد وضرورة ملحة لمناقشة الأوضاع التي تخص الأمن القومي المصري، مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وما يترتب عليه من تداعيات يشكل تهديدا صارخا وواضحا لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط، في ظل الموقف الثابت والراسخ للدولة المصرية لرفض سيناريوهات التهجير التي تنفذها دولة الاحتلال، من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب مقترحات من جانب الحوار الوطني، تدعم مواقف مصر الثابتة والمستمرة في مواجهته، وحماية أمنها القومي وسيادتها على أراضيها، وفي دعمها القضية الفلسطينية والوقوف بحزم ضد أي محاولة لتصفيتها، باعتبار الحوار الوطني منصة تمثل جميع القوى الوطنية والفئات المجتمعية داخل مصر.

الشارع المصري بكل مكوناته يصطف خلف القيادة السياسية

وأضاف أمين عام حزب «المصريين» بالبحر الأحمر، أن الحوار الوطني بصفته ممثلا لكل أطياف المجتمع سيؤكد بدوره على دعم القيادة السياسية ممثلة في الرئيس السيسي في موقفها الثابت نحو القضية الفلسطينية، موضحا أن الشارع المصري بكل مكوناته يصطف خلف القيادة السياسية في أي قرار تتخذه لحماية أمن مصر والحفاظ على هوية القضية الفلسطينية.

وأوضح أن مناقشة قضايا الأمن القومي بالحوار الوطني سيكون لها انعكاس إيجابي في تقوية وتعزيز الجبهة الداخلية وتعميق الوعي لدى الرأي العام الداخلي حول المخاطر الراهنة، مؤكدا أن مصر لن تستهين بالمخالفات التي ترتكبها إسرائيل والتي تشمل إبادة الشعب الفلسطيني، منوها بأن الحوار الوطني نجح في إتاحة حالة غير مسبوقة من التوازن والتنوع، والتي تستهدف في المقام الأول مصلحة الوطن، وإتاحة حياة سياسية أكثر تنوعًا، وحالة نشطة من الديموقراطية في المجتمع المصري، وعلى مدار الفترة الأخيرة كان للحوار الوطني دورا عظيما في دعم الحياة السياسية وإثراء الحياة الحزبية بصورة كبيرة في ظل الجمهورية الجديدة.

وأكد أن مناقشة الحوار الوطني لتداعيات السياسة الخارجية على الأمن القومي يدعم بما لا يدع مجالا للشك جهود الدولة في مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، خاصة على الحدود المصرية وما تشهده من تصاعد للأحداث، لا سيما وأن ما يحدث في قطاع غزة وتوسع رقعة الصراع وتعرض رفح الفلسطينية لهجوم من قوات الاحتلال الإسرائيلي بات يهدد الأمن القومي، الأمر الذي دفع مجلس أمناء الحوار الوطني لإدراج موضوعات الأمن القومي والسياسة الخارجية ضمن مناقشاته، نظرا للأوضاع الخطيرة التي خلَّفها العدوان الإسرائيلي الدموي وآخرها مجازر حرق مخيمات النازحين.

مقالات مشابهة

  • جمعية "نقاء" تحتفي باليوم العالمي لمكافحة التدخين بفعاليات توعوية
  • بفعاليات متنوعة.. أربيل تحتفل بيوم الطفل العالمي (صور)
  • المسار التطبيقي للذكاء الاصطناعي في سلطنة عُمان ومستجداته
  • «المصريين»: مناقشة الحوار الوطني لقضايا الأمن القومي يعزز من درجة الوعي بالمخاطر
  • رئيس "شباب مصر": تحديات كثيرة ومتلاحقة تواجه الشباب في عالم مليء بالمتغيرات
  • أهمية صناعة السينما والمحتوى البصري بفعاليات اليوم الأول لمهرجان روتردام للفيلم العربي
  • تنفيسة | قرارات محدودي الوعي لنسف حياة محدودي الدخل
  • حماية حقوق الأطفال في العصر الرقمي “تحديات وحلول”
  • 88 مشاركاً في دورة «تأمين الفعاليات» بشرطة دبي
  • اللواء الغيثي يشهد ختام النسخة 15 من دورة “تأمين الفعاليات” التخصصية