تحديات الوعي بفعاليات المشهد الرقمي في سلطنة عُمان
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
أتابع عن كثب مشهد الحراك المحلي في شأن الذكاء الاصطناعي وتطوراته؛ فمع دخول عام 2024م، بدأت ألحظ حراكا على مستوى الملتقيات والمؤتمرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي تُنظّم داخل سلطنة عُمان بواسطة الجهات الحكومية والخاصة، وتنوعت هذه الملتقيات في توجهاتها المعنية بالجانب الرقمي أهمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أخذت طابعا توعويا يستهدف شرائح المجتمع بدءا من طلبة المدارس، وعبورا إلى طلبة الجامعات، ووصولا إلى المجتمع المدني عموما والمجتمع الصناعي خصوصا، وأبرزت هذه الملتقيات الكفاءات الوطنية في مجالات التحول الرقمي من الباحثين والمتخصصين، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الخارجية المُشارِكة في هذه المحافل الرقمية، وأثمرت توصيات كثير من هذه الملتقيات بتوضيح المسار المساند لتنفيذ خطة مشروعات التحول الرقمي بما في ذلك مشروعات الذكاء الاصطناعي، وأكدت كذلك على قوة الحضور الرقمي لسلطنة عمان في مجال الذكاء الاصطناعي والجاهزية العالية التي تتبناها المؤسسات المعنية التي تُرجمت عبر عدة وسائل متفرّعة، منها المعارض المصاحبة لبعض هذه الملتقيات التي أظهرت المشروعات الرقمية بمختلف مظاهرها، سواء تلك التي تعكس الإبداع الطلابي لطلبة المدارس والجامعات أو إبداع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يقود دفتها شباب عُماني طموح.
لا أرغب في إعادة تصوير مشاهد هذه الملتقيات الرقمية وسرد ملامحها التي لم تغبْ عن الإعلام المحلي ومنصات التواصل الاجتماعي؛ فيمكن للمهتم بمثل هذه المحافل العلمية الاطلاع على أخبارها عبر وسائل الإعلام بل والمشاركة في خضّم فعاليتها التي أراها مستمرة؛ فلا يكاد ينتهي ملتقى حتى يتبعه ملتقى آخر، وأؤكد على ذلك عبر ما يصلني من دعوات خاصة للمشاركة. ما أرغب في مناقشته في هذا المقال هو البحث عن سبل تطوير هذه الفعاليات وتوسيع دائرة الاستفادة منها عبر مقترحات أولها مدّ جسور تصل بأخبار هذه الملتقيات إلى مختلف شرائح المجتمع خصوصا الشرائح المهتمة بهذا الحقل الرقمي؛ إذ أتفاجأ -أحيانا- بعدم وصول أخبار بعض هذه الملتقيات إلى كثير من المتخصصين في الشأن الرقمي، وتزداد المفاجأة أن بعض ما يُذاع عن هذه الفعاليات ويُعرض يأتي بعد فترة إقامتها؛ فلا تصل دعوات واسعة النطاق -لبعض الفعاليات- تدعو من يرغب بالمشاركة أو الحضور للاستفادة، وحتى إن وجدت مثل هذه الدعوات فإنها تكون إما خاصة لفئات معيّنة أو معروفة لدى الجهة المنظّمة أو تأتي بشكل غير مُلفت للانتباه؛ فتمضي هذه الفعاليات بمشاركات محدودة تفتقد لحضور كوكبة أخرى من المتخصصين العمانيين، ولتحسين هذه الفجوة ومعالجتها ينبغي أن تكون هناك قاعدة بيانات تحوي أسماء وتفاصيل كل المختصين العمانيين في الشأن الرقمي عموما، ويمكن إنشاء مثل هذه البيانات عبر التعاون مع الجهات المعنية التي تحتفظ في سجلاتها ببيانات التعليم والمؤهلات لجميع المتخصصين، مما يسهّل بلوغ الدعوات لمثل هذه الفعليات بشكل خاص وسريع لجميع المختصين والاستفادة من خبراتهم ومضاعفة ثمار هذه الملتقيات. بجانب هذا الطريق الخاص الذي يسهّل الوصول إلى المتخصصين ودعوتهم إلى المشاركة، لابد من مضاعفة عملية الترويج العامّة عن مثل هذه الفعاليات والإعلان عنها بشكل مسبق ومبكر لإتاحة الفرصة لعموم المهتمين سواء من الناحية العلمية أو الاستثمارية.
أما عن المقترح الثاني الذي أرغب بواسطته توسيع رقعة الاستفادة من هذه الفعاليات وجني ثمار مخرجاتها هو عبر تفعيل جادٍ للجان المتابعة والتنفيذ، ولا ينبغي أن يقتصر تطبيق مثل هذه الخطوة على المؤتمرات الحكومية وفعاليتها؛ حيث إن مثل هذه الخطوات موجودة وتتبنى بعض هذه المؤتمرات ممارستها، وفي حالات أخرى مفقودة؛ تتبخر مياه المعرفة الناتجة عن هذه المؤتمرات بمجرد انتهائها، وسبق أن ترأست إحدى هذه اللجان -قبل عدة سنوات- التابعة لمؤتمر وطني كبير يتعلق بثورة التحول الرقمي واقتصاده، ورفعت مع فريق هذه اللجنة المخرجات والتوصيات -التي خرج بها هذا المؤتمر- التي لا أعلم -بعد ذلك- مصير بعضها وسير خطة تنفيذها مع تأكدي من تحقق بعضها الآخر على أرض الواقع التي سبق أن تناولتها في مقال مستقل تحدثت فيه عن المشهد الرقمي في سلطنة عُمان ومشروعاته الحالية. لهذا من الضروري أن ترتبط هذه الفعاليات بآلية متابعة تسعى إلى الرصد والتنفيذ سواء كان للفعاليات التي تتبناها القطاعات الحكومية أو الخاصة؛ فالجميع يسعى إلى تحقيق هدف واحد يصب في البناء العلمي والاقتصادي للوطن، وعليه فإن ارتباط جميع هذه المؤتمرات بـ«رؤية عُمان 2040م» مهمة ضرورية تتيح مضاعفة الجهود الوطنية المعنية بالشأن الرقمي واقتصاده، ولا يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود وفتح البوابة التي تدخل منها جميع هذه الجهات المُنظِمة إلى منطقة التفاعل المشترك المُفضي إلى تحقق الأهداف الوطنية المشتركة.
لا أحمل عبر هذا المقال نقدا لأحد؛ فالجميع يسعى لبذلِ الجهد المضني في تحقيق الاستدامة الرقمية الساعية لرفد الاقتصاد وبناء الكوادر الوطنية، ولكن أسعى عبر هذا المقال إلى طرح تفاعلي يسهم في الدفع بالحراك الرقمي ومتعلقاته التي تشمل تنظيم الفعاليات -الملتقيات والمؤتمرات- التي برز حراكها وتزاحمها خصوصا منذ بداية هذا العام الجديد، وهذا دليل اهتمام نابع من إرادة كبيرة تعكس طموحات المؤسسات الحكومية والخاصة في المساهمة في النهضة العلمية والاقتصادية. نعوّل جميعا على الوعي المجتمعي بالقطاع الرقمي وفروعه الرئيسة مثل الذكاء الاصطناعي الذي سيدفع بعجلة التقدم ويسرّع من وتيرتها، وستساهم مثل هذه الفعاليات العلمية وتفاعلاتها في بناء هذا الوعي المنشود.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذه الملتقیات هذه الفعالیات مثل هذه
إقرأ أيضاً:
ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة يحذر من شبكات التواصل وتأثيرها على الوعي
عقد الجامع الأزهر، أمس الثلاثاء، حلقةً جديدةً من ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: «شبكات التواصل الاجتماعي بين الإيجابية والسلبية»، وذلك في إطار اللقاءات الأسبوعية التي تُعقد كل ثلاثاء برحاب الجامع الأزهر، بحضور كل من؛ أ. د. رضا أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر، وأ.د صالح عبد الوهاب، وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، وأدار الحوار الإعلامي محمد مصطفى يحيى.
في بداية الملتقى أكّد الدكتور رضا عبد الواجد، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر، على الأهمية القصوى لتوخي الحذر من الآثار السلبية المتزايدة لشبكات التواصل الاجتماعي على نسيج مجتمعاتنا، لأن هذه السلبيات تزداد فتكًا وتأثيرًا كلما استسلم الفرد لساعات طويلة أمام هذه المنصات دون وعي أو تفكير ، محذرًا من أن هذا الاستهلاك السلبي قد يؤدي إلى تشكيل وعي زائف وتبني أفكار هدامة، ولتحصين الذات والمجتمع من براثن هذه السلبيات، شدد على ضرورة تبني مجموعة من الضوابط الواضحة والملزمة عند التعامل مع المحتوى الرقمي، سواء كان ذلك استقبالًا أو نشرًا، كما أن الدراسات العلمية الحديثة كشفت عن رقم مفزع يتمثل في متوسط أربع إلى خمس ساعات يوميًا يقضيها الفرد متصفحًا هذه الشبكات، وهو ما يمثل استنزافًا حقيقيًا لجزء ثمين من عمر الإنسان وطاقاته، ويستدعي وقفة جادة لإعادة تقييم أولوياتنا وكيفية استثمار أوقاتنا بشكل أكثر إنتاجية.
وفي سياق تفصيله لهذه الضوابط، أوضح عميد إعلام الأزهر أن أولى هذه المحاذير تكمن في ضرورة التحلي بالمسؤولية وتجنب الانسياق وراء نشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة، لأن سهولة تداول المعلومات غير الموثقة عبر هذه المنصات قد تدفع الكثيرين إلى إعادة نشرها دون أدنى تدقيق، وهو ما لا يقتصر ضرره على الأفراد فحسب، بل يمتد ليطال الأمن الفكري للمجتمع ككل، ويساهم في تزييف الحقائق وتشويه الوعي العام، أما الضابط الثاني الذي أكد عليه، فهو ضرورة الامتناع عن نشر أي محتوى يتعارض مع قيمنا الدينية الراسخة وتقاليدنا المجتمعية الأصيلة، وعدم الانسياق وراء التيارات الفكرية والثقافية الغريبة التي قد تبث سمومها وتنشر الرذيلة عبر هذه الشبكات، وتسعى إلى تفكيك منظومة القيم والأخلاق التي تحافظ على تماسك المجتمع، وحول الضابط الثالث أشار إلى ضرورة الاستخدام الرشيد للوقت، وعدم إهداره في تصفح غير هادف ومحتوى تافه لا يعود بالنفع على الفرد أو المجتمع، لأن الوقت هو أثمن ما يملكه الإنسان وأنه مسؤول عنه أمام الله، وأختتم هذه الضوابط بالتشديد على عدم الخوض في خصوصيات الآخرين وكشف سترهم عبر هذه المنصات، لتسببه في إلحاق الأذى النفسي والمعنوي بهم، كما يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وانتشار الكراهية والبغضاء.
وفي المقابل، بين عميد إعلام الأزهر أهمية توجيه استخدام هذه الأدوات الرقمية نحو تحقيق أقصى استفادة ممكنة فيما يعزز تقدم المجتمع، من خلال استثمار هذه المنصات في نشر القيم الإسلامية النبيلة والمبادئ الوطنية السامية التي تدعو إلى الخير والتسامح والتعاون، بالإضافة إلى الاستفادة من الإمكانات المعرفية الهائلة التي تتيحها هذه الشبكات في توسيع المدارك واكتساب العلوم والمعارف النافعة، بجانب تعزيز الاستفادة الإيجابية من شبكات التواصل الاجتماعي، مثل: نشر الوعي بالقضايا المجتمعية الهامة، وعلى الدعاة استثمار هذه الشبكات في الدعوة إلى الله ونشر الوعي والفكر الأمن الذي يحصن شبابنا من الوقوع فريسه للأفكار الهدامة.
كما أشار فضيلة الدكتور صالح عبد الوهاب، وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، إلى التداعيات السلبية المتزايدة الناجمة عن الاستخدام غير الرشيد لشبكات التواصل الاجتماعي، والتي أدت إلى ظهور العديد من المساوئ، نتيجة غياب الوعي في تعامل الأشخاص مع هذه المنصات، ونتج عن هذا الانغماس المفرط في شبكات التواصل الاجتماعي حدوث خلل جوهري في الأسرة، وضعف الروابط الأسرية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تسببت أيضا في إحداث أضرار نفسية واجتماعية عميقة، كنتيجة للإدمان في استخدامها بشكل غير واع، وتشمل هذه الأضرار الشعور بالعزلة، وتفاقم مشاعر القلق والاكتئاب، وانتشار المقارنات الاجتماعية السلبية التي تؤدي إلى تدني احترام الذات.
وعقد الدكتور صالح عبد الوهاب مقارنة بين واقع شبابنا المعاصر ، الذين يقضون أوقاتًا طويلة أمام شبكات التواصل الاجتماعي، دون تحقيق أي فائدة تذكر أو إضافة حقيقية إلى رصيدهم المعرفي أو الشخصي، وبين قامة شامخة، ألا وهو الإمام شرف الدين النووي رحمه الله، الذي كان يستثمر كل لحظة في طلب العلم ونشره، حتى أنه كان يُملي في كل يوم وليلة ما يعادل دفترين كاملين مما جادت به قريحته وحصيلته العلمية، كما تذكر لنا الأخبار أيضا أن الإمام ابن جرير الطبري ظل يكتب كل يوم أربعين ورقة طوال أربعين عاما من عمره، مؤكدا أن هذه المقارنة لا تهدف إلى جلد الذات بقدر ما هي دعوة صادقة إلى استلهام عظمة الماضي واستثمار طاقات شبابنا فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالنفع والارتقاء.
وفي سياق نصائحه للشباب، استلهم وكيل كلية العلوم الإسلامية من معين العلامة ابن الجوزي لأبنه: "يا بني، إن الأيام تبسط ساعات، وإن الساعات تبسط أنفاسًا، وفي كل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم ولا ينفعك الندم"، وهي دعوة إلى الوعي بقيمة الوقت والحياة، وإلى السعي الدؤوب لملء خزائن أنفاسهم بما يرتقي بهم وبمجتمعاتهم، فالشباب هم وقود المستقبل، وإدراكهم لهذه الحقائق هو الخطوة الأولى نحو بناء غد مشرق.
وأوضح وكيل كلية العلوم الإسلامية أن المبادئ السامية والضوابط الأخلاقية التي أرساها شرعنا الحنيف في تعاملاتنا مع الآخرين، والمستمدة من نصوص قرآنية كريمة كقوله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، وقوله عز وجل: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، ليست مجرد توجيهات عابرة، بل هي أسس راسخة يتعين علينا الالتزام بها بدقة وأمانة خلال تواصلاتنا وتفاعلاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على أن تحقيق المناعة والتحصين من الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي يبدأ بالاستشعار الدائم لمراقبة الله عز وجل لنا في كل ما نفعل، سواء في عالمنا الواقعي أو في الفضاء الرقمي، وعلى كل منا أن يدرك تمام الإدراك أن كل كلمة يكتبها، وكل صورة ينشرها، وكل تفاعل يقوم به على هذه الشبكات، سيكون شاهدًا له أو عليه يوم القيامة.