الخليج الجديد:
2025-06-01@15:29:25 GMT

الغرب في امتحان أخلاقي

تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT

الغرب في امتحان أخلاقي

الغرب في امتحان أخلاقي

وضَع الغرب القوانين الدولية وفرضَها على العالم بالسّلاح والعقوبات وأَلْزَم البشريّة بها خاصّةً منذ انتهاء الحرب العالميّة الثّانية وميلاد الأمم المتّحدة.

وضعتْ حربُ غزّةَ منظومات الغرب أمام امتحانٍ أخلاقي لا سابقَ له في الشّدّة والعُسر، بما في ذلك الامتحان الذي وضعتها فيه الحربُ الناشبة بين روسيا وأوكرانيا.

امتُحِن كلُّ شيء في رصيد الغرب في هذه الحرب الشّنعاء: سياساتُ دُوله، منظوماتُه الثّقافيّة والأخلاقيّة، معاييرُه، نظرتُه لنفسه ولغيره، علاقاته بمن يختلف عنه في المرجعيّات..

ينبغي أن تُلْجَمَ الغرائزُ العدوانيّة في الحروب بإخضاعها لضوابط صارمة تَحُدّ من نتائجها على مَن تقع عليهم. وكانت الضّوابط في حكم «قوانين» الحرب و«أخلاقها» التي على الجميع التزامُها.

في مجلس الأمن يمتنع الغرب عن التّصويت لصالح قرار وقف الحرب أو يترك لسيّده الأمريكيّ استخدام حقّ النّقض! فأيّ فشلٍ ذريعٍ هذا الذي تعرَّض له الغرب في هذا الامتحان الأخلاقيّ الذي جرّتْهُ إليه غزّة؟

* * *

وضعتْ حربُ غزّةَ منظومات الغرب أمام امتحانٍ أخلاقي لا سابقَ له في الشّدّة والعُسر، بما في ذلك الامتحان الذي وضعتها فيه الحربُ الناشبة بين روسيا وأوكرانيا؛ والذي كان، هو نفسُه، استثنائيّاً في ما انطوى عليه من مفارقات صارخة.

كلُّ شيء في رصيد الغرب امتُحِن في هذه الحرب الشّنعاء المستمرّة منذ أربعة أشهرٍ ونصف: سياساتُ دُوله، منظوماتُه الثّقافيّة والأخلاقيّة، معاييرُه، نظرتُه إلى نفسه وإلى غيره، علاقاته بمن يختلف عنه في المرجعيّات...إلخ.

واليوم، ما من أحدٍ في العالم - نزيهاً كان أو مفتقراً إلى النّزاهة - لا يعترف بالقدر الكبير من النّزيف المعنويّ والأخلاقيّ الذي عَرَّض الغرب صورتَه له، نتيجة ما أَقْدَم عليه وسار فيه من سياساتٍ فشلت في تسويغ شرعيّتها الأخلاقيّة، حتّى لم يتبقَّ لها ما تتوسّله من شرعيّةٍ لها سوى شرعيّة القوّة؛ وهي في ثقافة العقل وقيمها الأخلاقيّة «شرعيّة» باطلة.

نعم، في عداد المستَبْدَهات أن نقول إنّ الحربَ، في حدّ ذاتها، فعْل باطل أخلاقيّاً لأنّه من أفعال القوّة والعدوان التي لا تكون نتائجها سوى تقويض الوجود وانتهاك الأقدسِ فيه: الحقُّ في الحياة، والحقُّ في سلامة الأبدان والنّفوس، والحقُّ في السِّلم والأمن.

وهي إلى بطلانها الأخلاقيّ، فاعليّة تُطْلِق في الإنسان كلَّ ما هو حيوانيّ ووحشيٌّ افتراسيّ من الغرائز البهيميّة؛ تلك التي سعتِ التّربية والأخلاق والدّين والدّولة، عبر التّاريخ، إلى الحدّ منها ومحاصرتها بالنّواهي والزّواجر، من طريق تهذيب الإنسان أو ترويضه على تعطيلِ فعاليّةِ الحيوانيّ فيه، وأنْسَنتِه وأَخْلَقةِ أفعاله (إضفاء الطّابع الأخلاقيّ عليها).

قلنا إنّه من المستَبْدَه أن يُنْظر إلى الحرب هكذا إنْ هي قُرِئَت من زاوية فلسفة الأخلاق. ولكن لمّا كانتِ الحروب قرينةَ الصّلة بالمصالح؛ أي لمّا كانت الأخيرة هي ما يدعو إليها ويستدعيها؛ ولمّا كانت المصالح متضاربة ويحْمِل تناقُضُها على الصّراع؛ ولمّا كان من المستحيل أن نتخيّل عالماً خالياً من الحروب - لاستحالة خُلوّه من المصالح - كان لا مهْرب للبشر منها.

لكن كان ينبغي، في الوقت عينِه، أن تُلْجَمَ الغرائزُ العدوانيّة فيها من طريق إخضاعها لضوابط صارمة تَحُدّ من خطورة نتائجها على مَن تقع عليهم. ولقد كانت تلك الضّوابط في حكم «قوانين» الحرب و«أخلاقها» التي على الجميع التزامُها وعدم نقضها.

لم يكن المغلوبون من شعوب الجنوب وأُممِه ودوله مَن وضَع تلك القوانين وفرضَها على العالم بقوّة القانون الدّوليّ، وبقوّة السّلاح والعقوبات، وإنّما كان الغالب (الغرب) هو من فَعَل ذلك وأَلْزَم البشريّة به؛ خاصّةً منذ انتهاء الحرب العالميّة الثّانية وميلاد منظومة الأمم المتّحدة.

والحقّ أنّ الغرب لم يكن نزيهاً في تطبيق الاتّفاقيّات المتعلّقة بالأسلحة المحظور استخدامها في الحروب، أو المتعلّقة بمنع استخدام وسائل القتل الأخرى من تجويعٍ وتعطيش وتدميرٍ لأسُس الحياة وحرمانٍ من الحقّ في العلاج، أو المتعلّقة، إجمالاً، بحماية المدنيّين في أوقات الحرب...إلخ.

ظلّ يمارسها بانتقائيّة وفي مرّاتٍ عدّة، بازدواجيّة صارخة؛ فكنّا نراه، مثلاً، يقيم الدّنيا ولا يُقْعدها إنْ خالفت روسيا قاعدةً صغيرة من قواعد تلك الاتّفاقات في عمليّتها الخاصّة ضدّ أوكرانيا، فيما كان يرخّص لنفسه أن ينتهكها جميعاً في حروبه في كوريا وڤيتنام والعراق والصّومال وأفغانستان من غير أن يرفّ له جفن!

مع ذلك، لم يبلُغ نقضُه لكلّ تلك «القوانين» الحدّ الأقصى الذي سيبلغه، اليوم، في هذه الحرب الإسرائيليّة المفتوحة على غزّة: التي لم يقفِ الغربُ منها موقف المتفرّج اللاّمبالي فحسب، بل موقف المشارِك في فصولها الدّمويّة: بالمشاركة والدّعم والإسناد، أو بالتّأييد، أو بالصّمت على الجرائم!

ها هو الغرب يرى، اليوم، كيف تُنْتَهك قوانينُ الحرب وجملةُ القوانين الدّوليّة الإنسانيّة في العدوان على غزّة! يرى كيف تُلْقَى حُمَم الموت من الطّائرات والبوارج والمدافع على المدن والأحياء فتمزّق أحشاء الأطفال والنّساء ويُدْفَن الآلاف منهم تحت الأنقاض من دون رحمة؛

وكيف تُدَمّر المستشفيات والمدارس والمخابز وملاجئ الأونروا ودور العبادة بمن فيها من النّازحين إليها؛ وكيف تُلاحَق قوافل النّازحين وتُقْصَف في طريقها بحثاً عن الملاذ الآمن؛ كيف تُقْصَف طواقم الإسعاف وتُمْنع، بقوّة النّار، من أداء واجبها، وكيف يُغْتَال الصّحفيّون والإعلاميّون الذين يُغطّون أحداث الحرب ويُنْتَقم من عائلاتهم؛

وكيف يُفْرض الحصار الخانق على مليونين وربعٍ من البشر في القطاع فيُقطع عنهم الماء والكهرباء والدّواء والاتّصال، وتُمْنَع شاحنات المساعدات من دخول القطاع... إلخ!

يرى الغرب ذلك كلّه ولا يحرِّك ساكناً. وحين يهرع من يهرع إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف الحرب، يمتنع عن التّصويت لصالح القرار أو يترك لسيّده الأمريكيّ أن يُسقطه باستخدام حقّ النّقض! فأيّ فشلٍ ذريعٍ هذا الفشل الذي تعرَّض له الغرب في هكذا امتحان أخلاقيّ جسيم جرّتْهُ إليه غزّة؟

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحصار أونروا النازحين الغرب غزة امتحان أخلاقي قوانين الحرب حرب غزة حق النقض وقف الحرب الأخلاقی ة الغرب فی

إقرأ أيضاً:

بعد تجاهل شرط انسحابها.. هل أقر الغرب بدور لروسيا في سوريا؟

شهد الملف السوري الأيام الماضية تحولاً جذريا تجلى برفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق منذ عقود.

وفي المقابل، التزمت الحكومة الجديدة بحزمة من المطالب السياسية والأمنية، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومطالب أخرى. لكن اللافت في هذه المطالب -التي تشكل أساس الموقف الغربي في مرحلة ما بعد نظام الأسدـ كان غياب أي إشارة إلى إخراج القوات الروسية من الأراضي السورية.

ويظهر هذا الغياب تحوّلاً تدريجياً في أولويات الغرب تجاه الملف السوري، بعد أشهر من تصريحات لمسؤولين أوروبيين وأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، تلت سقوط نظام الأسد، تضع إخراج القوات الروسية من سوريا في مقدمة مطالب من حكومة دمشق الجديدة نظير الانفتاح عليها.

فهل يعكس هذا التجاهل قبولاً ضمنياً باستمرار الوجود الروسي في سوريا الجديدة كجزء من صفقة أوسع؟ أم أن الغرب قرر التركيز على ما يمكن تحقيقه في العلاقة مع دمشق وما يتطلبه ذلك من الاستقرار، بالتوازي مع الاعتراف بحقها في إعادة صياغة علاقاتها مع الدول بما يتفق مع مصالحها بعيدا عن التبعية؟

روبيو أكد أن رفع العقوبات عن سوريا سيساعدها على منع حرب أهلية شاملة (الفرنسية) الاستقرار أولا

كانت الكثير من العواصم الغربية لا سيما في الأيام الأولى لسقوط النظام المخلوع تربط أي انفتاح على دمشق بخروج القوات الروسية منها، إلا أن هذه اللهجة اختفت لاحقاً، وبات واضحاً أن الحكومات الغربية تفضل تأجيل طرح هذا الملف، والتركيز بدلاً من ذلك على أولويات أكثر إلحاحاً، كمنع الانهيار الأمني ودعم الاستقرار المؤسسي، حتى وإن تطلّب ذلك التعامل مع واقع الوجود الروسي بوصفه أمراً قائماً لا يمكن تجاوزه.

إعلان

وهذه الرغبة باستقرار الأوضاع في سوريا كانت واضحة جداً في التصريحات الأميركية والأوروبية التي رافقت رفع العقوبات، إذ قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن رفع العقوبات سيساعد سوريا في منع حرب أهلية شاملة وفوضى.

وأضاف روبيو أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ في 20 مايو/ أيار "نريد مساعدة حكومة سوريا على النجاح، لأن تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية وبصراحة في ضوء التحديات التي تواجهها قد تكون على بعد أسابيع وليس عدة أشهر من انهيار محتمل، وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمرة تؤدي فعليا إلى تقسيم البلاد".

ومن ناحيتها، كانت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، قد أكدت أن الاتحاد ليس لديه خيار سوى رفع العقوبات عن سوريا.

وأضافت في تصريحات قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل الذي شهد رفع العقوبات بشكل كامل عن سوريا "آمل أن يسفر اجتماع اليوم عن قرارات جديدة بخصوص رفع العقوبات التي فرضت على سوريا بعهد النظام السابق، وإلا فإن الوضع سيتطور إلى وضع مماثل لما حدث في أفغانستان".

هذه البراغماتية الغربية يشرحها الباحث في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديميتري بريجع، بالقول إن الغرب بدأ يدرك أن المعركة في سوريا لم تعد معركة "إزاحة نظام" بل ترتيب إقليم جيوسياسي بالكامل، ولذلك فإن تجاهله للوجود الروسي قد لا يكون تراجعًا، بل إعادة تموضع، بمعنى أنه الآن مستعد لتجميد ملف القواعد الروسية مؤقتًا مقابل تحييد سوريا عن صراعات أوسع.

ويضيف بريجع في حديثه للجزيرة نت "رغم أن روسيا اليوم ليست في وضع يمكنها من فرض شروطها كما في 2015، لكنها لا تزال قوة ضامنة تملك أدوات ضغط وأوراق نفوذ بالكثير من الملفات السورية، سواء الملف الكردي، أو ملفات الطاقة والبنى التحتية، أو حتى عبر علاقتها المركّبة بإسرائيل وتركيا".

View this post on Instagram

A post shared by الجزيرة (@aljazeera)

مقايضة إستراتيجية

في ظل تصاعد الحرب في أوكرانيا، يعتقد مراقبون أن الغرب اعتمد سياسة "تجميد" ملف انسحاب القوات الروسية من سوريا كجزء من حسابات جيوسياسية أوسع، تتعلق -بحسب مراقبين- بتوجيه الجهود وتركيزها نحو الملف الأوكراني.

إعلان

فقد ذكرت صحيفة "ذا هيل" الأميركية في أبريل/نيسان أن الرئيس دونالد ترامب -وخلال مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 18 مارس/آذار بخصوص أوكرانيا- أسهب بالحديث عن الشرق الأوسط بوصفه "منطقة قد تشهد تعاوناً في مجال منع ظهور أي نزاعات مستقبلاً".

ومن ناحية أخرى، أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن اللافت في الخطة الأميركية الجديدة حول رفع العقوبات عن سوريا هو غياب أي إشارة لمطالب تتعلق بإخراج القوات الروسية، في تحوّل واضح عن نهج إدارة جو بايدن السابقة، عزته الصحيفة إلى المفاوضات الجارية بين واشنطن وموسكو حول أوكرانيا، مما يدفع الولايات المتحدة لتجميد ضغوطها بهذا الملف مؤقتاً.

ويأتي هذا التحول في إطار ما يشبه "المقايضة الجيوسياسية" مع موسكو، بما يضمن تحييد الجبهة السورية عن الاشتباك الأوسع، وذلك بحسب الأكاديمي والباحث بالشأن الروسي محمود حمزة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى حمزة أن "الولايات المتحدة وأوروبا تتعاملان بواقعية حذرة، فهما لا تريدان تصعيداً في سوريا، قد تستغله موسكو ورقة ضغط في أوكرانيا أو مناطق أخرى".

بالمقابل، يستبعد المستشار في شؤون السياسة الروسية رامي الشاعر -في حديثه للجزيرة نت- وجود أي صفقة مقايضة بين الغرب وموسكو فيما يتعلق بأوكرانيا، مشيرا إلى أن روسيا "لا تلجأ إلى صفقات تتضمن التدخل بشؤونها وقرارتها السيادية".

ويوضح الشاعر أن "قضية أوكرانيا والأراضي التاريخية الروسية محسومة لا يمكن لأحد أن يساوم بشأنها، ولا يمكن أن يخضع القرار الذي وضعته القيادة في موسكو بخصوص أهداف العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا لأي مؤثرات خارجية".

روسيا وتركيا تشتركان بالعديد من المصالح في سوريا (رويترز) هامش المناورة

لا تقف قدرة روسيا على البقاء في سوريا عند حدود التفاهمات مع النظام المخلوع أو الحضور العسكري الميداني، بل تتجاوز ذلك إلى شبكة علاقات إقليمية متشابكة تمنحها هامش مناورة واسعًا، يصعّب على الغرب فرض عزلة حقيقية عليها. فالعلاقات الروسية مع تركيا وإسرائيل توفر لموسكو مساحة للتحرك وتبادل الأدوار، بعيدًا عن الضغط الأميركي والأوروبي.

إعلان

وهذه العلاقات التي تمزج بين التنسيق الأمني والمصالح الاقتصادية والميدانية -حسب مراقبين- تمكّن روسيا من البقاء لاعباً محورياً في الملف السوري، دون أن تُواجه بعزلة حقيقية، أو حتى تهديد مباشر من قبل القوى الغربية.

ويعكس هذا الدور المعقّد لروسيا في سوريا ما كشفته وكالة رويترز في فبراير/شباط الماضي، عن ممارسة إسرائيل ضغوطاً على واشنطن للإبقاء على الوجود العسكري الروسي باعتباره وسيلة فعالة لاحتواء النفوذ التركي المتنامي في سوريا.

وبحسب المصادر، ترى إسرائيل أن موسكو تساهم في منع قيام سلطة مركزية جديدة في سوريا مدعومة من أنقرة، تتبنى توجهاً إسلامياً يهدد أمن إسرائيل وحدودها، لا سيما في ظل توتر العلاقات التركية الإسرائيلية عقب الحرب على غزة.

وبالنسبة لتركيا، فقد ذكرت العديد من التقارير الغربية أنه رغم الخلافات القائمة بينها وبين روسيا في الكثير من الملفات الدولية، فإن الدولتين ما تزالان تشتركان بمصالح في سوريا، أهمها منع تنظيم الدولة من إقامة موطئ قدم له في ذلك البلد من جديد، والتصدي لأجندة واشنطن بما يخدم أهداف البلدين، ولهذا من المرجح أن يواصلا تعاونهما في الملف السوري وغيره من الملفات.

وتأكيدا على ما سبق، يوضح الباحث حمزة أن العلاقات الإستراتيجية -التي تربط روسيا بكل من إسرائيل وتركيا- تصعّب على الغرب فرض انسحابها.

فمن ناحية إسرائيل -حسب الباحث- تتواصل مع التفاهمات الأمنية رغم التوتر، أبرزها تفاهم ثلاثي (روسي أميركي إسرائيلي) عام 2019 سلّم موسكو إدارة الملف الأمني في سوريا مقابل ضمان أمن إسرائيل.

أما على الجبهة التركية، يقول حمزة إن العلاقة بين أنقرة وموسكو تقوم على شراكة معقّدة قائمة على المصالح المشتركة في مجالات الطاقة والتجارة والسياسة الإقليمية، مما ينعكس بشكل مباشر على الملف السوري ويُسهم في ترسيخ الوجود الروسي هناك.

إعلان الكرة في ملعب دمشق

يشير محللون إلى أن تجاهل الولايات المتحدة وأوروبا إدراج الانسحاب الروسي من سوريا ضمن شروط رفع العقوبات، لا يفسره فقط ببراغماتية الغرب أو تشابك مصالح روسيا الإقليمية، بل يبدو أيضاً انعكاساً لتحولٍ عميق في بنية القرار السوري ذاته.

وتحاول دمشق بعد سقوط النظام رسم ملامح علاقة جديدة مع موسكو، تقوم على أساس المصالح المتبادلة لا التبعية. وهذا التحول جعل من الوجود الروسي في سوريا مسألة خاضعة لإرادة دمشق، لا لإملاءات الخارج.

وبينما ترتبط المصالح الروسية بقضايا أوسع مثل قاعدتي حميميم وطرطوس والديون القديمة، يشير الرئيس أحمد الشرع في أكثر من مناسبة إلى أن العلاقة مع روسيا ستُعاد هيكلتها بما يخدم المصلحة الوطنية.

وأوضح الشرع، في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، أن "هناك اتفاقيات جائرة بحق سوريا تمت بين روسيا والنظام السابق" مؤكدا العمل على إعادة النظر فيها.

وفي هذا السياق، يرى الباحث الروسي ديمتري بريجع أن السنوات المقبلة قد تشهد نموذجاً سورياً جديداً، تكون فيه القواعد الروسية خاضعة لإشراف قانوني، وتشارك موسكو في إعادة الإعمار ضمن مشاريع مشتركة، في حين تفاوض دمشق بندّية، بمنطق الشراكة لا بمنطق الطلب.

وبهذا المنطق ـ يتابع بريجع ـ يصبح تجاهل مطلب الانسحاب الروسي في المفاوضات الغربية مفهوماً ضمن هذا السياق الجديد، حيث لم تعد موسكو الطرف الوحيد الذي يُملي شروطه، ولا الغرب الجهة القادرة على فرض مسارات على دمشق، التي تمتلك اليوم ولأول مرة منذ عقد فرصة نادرة لرسم خريطة تحالفاتها وشكل وجود الحلفاء على أرضها.

واتسمت التصريحات الروسية تجاه الإدارة الجديدة في دمشق بالإيجابية، والرغبة في بناء علاقة شراكة إستراتيجية بين البلدين.

وكان المبعوث الروسي إلى سوريا ميخائيل بوغدانوف أكد في أول زيارة إلى سوريا بعد سقوط النظام أن "روسيا حريصة على وحدة واستقلال وسلامة الأراضي السورية" مضيفا أنّ الزيارة تأتي في سياق "تعزيز العلاقات التاريخية بين روسيا وسوريا وفق قاعدة المصالح المشتركة".

إعلان

مقالات مشابهة

  • بريطانيا تعلن استعدادها لمواجهة مسلحة مع روسيا
  • البُعد الأخلاقي في مسيرة الابتكار الإنساني (1- 3)
  • التحول الغربي
  • إيران تتحدى الغرب: لن نتخلى عن حقنا في التخصيب النووي
  • هل نصر الله الحق بأيدي الغرب وأضاعه العرب؟
  • ما سبب الخلاف بين نتنياهو وقادة الغرب‎؟
  • بعد تجاهل شرط انسحابها.. هل أقر الغرب بدور لروسيا في سوريا؟
  • ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي
  • ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطين "واجب أخلاقي"
  • ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطينية بشروط واجب أخلاقي ومطلب سياسي