موقع النيلين:
2024-06-12@08:35:01 GMT

محاورات الأسافير مع الوليد مادبو

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT


□ أرسلت إلى أخي وصديقي الوليد مادبو التسجيل الشهير الذي يتحدث فيه شخص لا يعرف نفسه، مناشدا جميع جماهير شباب ورجال جنوب الحزيرة، مهيبا بهم للتجمع في المناقل لحمل السلاح، حمايةً للعرض، مشيرا إلى مجمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مليشيات الجنجويد المجرمة في قرى جنوب الجزيرة، ذاكرا بالتحديد جرائم انتهاك الأعراض التي ارتكبتها هذه المليشيات المجرمة الجبانة تحت تهديد السلاح في مواجهة المدنيين العزل.


□□ أدناه المكاتبات والمحاورات التي جرت بيننا ما بين الأمس واليوم. وترد فيها حتى تلك التي دارت بيننا، وقد احتج الوليد لذكرها وكشفها، لكني كنت قد آليت على نفسي ألا أضع بالا لمثل هذه التحفظات، ذلك لأنه في الشأن العام لا توجد خصوصية، طالما كان الكلام عن الشأن العام.
***
[21/02, 10:14 pm] MJH:
صديقي الوليد، تحياتي! هل هذه [الجرائم المشار إليها أعلاه] ضمن حرب قوى الهامش التي تعنيها؟
[21/02, 10:30 pm] Al Walid Madibbu:
عزيزي محمد، سلامات واشتياقات. هذا يأتي كرد فعل للعنصرية التي تمارسها النخب المركزية، خاصة الشوايقة (كآلية سياسية وليس مجموعة عرقية)، الذين اعتادوا على الخديعة والمكر والخبث في محاولتهم لتسود المشهد السياسي والعسكري. لن يتعافى السودان قبل ان يتم استئصالهم تماماً. هم يساندون جيشاً ليس له نزاهة اخلاقية او وطنية او مهنية ولك ما حدث في الضعين من تدمير لآبار المياه والمساجد والمستشفيات وقتل الأبرياء وانا ارفض المفاضلة بين مجرمين اثنين هما البرهان وحميتي. وهذا موقفي ظللت متسقاً معه طيلة العشرة اشهر !!
[21/02, 11:32 pm] MJH:
*التساؤلات العشرة الوليد مادبو على أمل الحصول على تجاوباتها*
*محمد جلال أحمد هاشم*
جوبا – 21 فبراير 2024م
شكرا ليك للرد، وفي سبيل استجلاء مواقفك إسمح لي بأن أتوجه لك ببعض الاستفسارات على أمل أن أسمع منك إجابات لها.
اولا، النخب هي النخب، ونفس هذه النخب، بصرف النظر عن مرجعياتها الإثنية، هي التي دأبت على تجييش المليشيات والتنكيل بالمدنيين، دون أي مدعاة منطقية لأي فرز إثني بين هذه النخب.
ثانيا، متى كانت هناك قوة تحارب من أجل اهداف نبيلة مثل رفع التهميش تتجه للانتقام من المدنيين العزل الأبرياء وكمان من النساء وانتهاك أعراضهن، هل من النبل وبغرض رفع التهميش أن يتم بالاغتصاب والنهب واستهداف المدنيين، واتباع سياسة الأرض المحروقة؟ هل يمكنك أن تسمي لي حركة تناضل من أجل رفع التهميش تفعل هذا؟
ثالثا، هذا ما رأينا مليشيات الجنجويد المجرمة تفعله منذ لحظة تشكيلها وإلى الآن، فهل لا زلت تعتقد بأنها فعلا تخوض حرباً نبيلة من أجل أهداف نبيلة هي ما أشرت لها قبل أيام؟
رابعا، هل هذه الأفعال بدأت بعد قصف الضعين؟ أولم تحدث هذه الانتهاكات المركبة خلال هذه الحرب من قبل ميليشيات الجنجويد المجرمة في الجنينة ونيالا وزالنجي والخرطوم وامدرمان وبحري ثم مدني وقرى الجزيرة، وكل هذا قبل قصف الجيش للضعين؟
خامسا، وبموجب نص كلامك، إذن فهذه الانتهاكات قبل يوم لأعراض الحرائر في قرى اللعوتة والرِّبْع العوامرة وتخوم أبقوتة وغيرها، قد ارتكبتها ميليشيات الجنجويد المجرمة انتقاما لما جرى من قصف للضعين. حسنا! إذن هل هذا أنه اعتراف منك بمشروعية الانتقام من المدنيين وانتهاك أعراض الحرائر؟ خاصةً وانك قد ذكرته دون أن تصدر منك ولو كلمة إدانة واحدة له، بينما ينضح أسلوبك بالأسى والغضب لما حدث في الضعين؟
سادسا، هل نفهم من محمل موقفك هذا أنك بتصريحاتك الأخيرة من حيث إضفاء النبل وكل مخايل المقاصد السامية لحرب مليشيات الجنجويد المجرمة ضد الشعب السوداني وتوصيفها بأنها حرب تهدف لتحرير السودان من نخب بعينها، أن ميليشيات الجنجويد المجرمة هي التي شنت هذه الحرب؟ أم أنها بعد اندلاع الحرب قد اكتسبت نبل مقاصدها هذه التي تجلت في مجمل الجرائم النكراء التي ارتكبتها بقلب بارد ضد الشعب السوداني ممثلا في المدنيين وممثلا في معالم نظامية الدولة order of State حيث قامت هذه المليشيات بتجريدها من كل هذه المعالم؟
سابعا، هل موقفك هذا من مليشيات الجنجويد المجرمة هو نفس موقفك منها من قبل، وأثناء الحرب، وإلى الآن، وهو موقف تقفه بالأصالة عن كونك تنامي إلى أرومة الرزيقات بخاصةٍ ومجموع ما يسمى بالعطاوة بعموم؟
ثامنا، هل تعني بموقفك الأخير هذا، وما انطوى عليه من حمية قبلية لا تخفى، ولا أظنك بمنكرها، اعترافا صريحا بأن مليشيات الجنجويد هي الرزيقات بخاصةٍ ثم العطاوة بعموم؟
تاسعا، أنت تقول: “… وأنا أرفض المفاضلة بين إثنين هما البرهان وحميتي. وهذا موقفي ظللت متسقا معه طيلة العشرة أشهر.”، وهذا يعني أن موقفك هذا رهين هذه الحرب، بحكم هذه الأشهر العشرة. حسنا! فهل انت أيضا ترفض المفاضلة والممايزة بين الجيش السوداني ومليشيات الجنجويد وتنظر إليهما كشيء واحد؟ دعنا، بموجب انحصارك في هذه أشهر الحرب العشرة هذه، نستكشف خفايا موقفك. الجيش الآن موجود في سنار وفي الدمازين وفي امدرمان وفي شندي وفي كريمة وفي الفاشر وفي القضارف وفي كسلا وبورسودان …، وقبلها كان في الضعين نفسها … إلخ. في هذه الحرب تحديدا، وخلال هذه المدة، هل هناك أحداث قام فيها الجيش بقصف الضعين قبل أن تستعصم مليشيات الجنجويد بأحيائها المدنية وبمدنييها، بالضبط مثلما فعلت هذه المليشيات الجبانة في الخرطوم وبحري وامدرمان، ثم في الجنينة ونيالا ومدني؟ لماذا لا تسال نفسك عن سبب امتناع مليشيات الجنجويد المجرمة في المكوث بالحاميات العسكرية التي أخلاها لها الجيش؟ لقد ظل الجيش ولأشهر في الجنينة ونيالا وزالنجي يتلقى القصف اليومي المدعوم بإمدادات دويلة الإمارات، دون أن يفكر أن يخليها ويحتمي بالمساكن وبالمدنيين، كما تفعل مليشيات الجنجويد المجرمة الجبانة. وقد تعرضت مناطق سكنية في الخرطوم وبحري وامدرمان ونيالا إلى القصف بعد أن ثبت لدى الجيش أن مليشيات الجنجويد الجبانة تحتمي بها وتتخذ من المدنيين دروعا بشرية. فلماذا هذه الغضبة المضرية حال قصف الضعين؟ هل لأنها حاضرة أهلك الرزيقات الكرام؟ وعلى من يفترض أن تتوجه غضبتك المضرية هذه؟ على الجيش الذي هدفه قصف مليشيات الجنجويد الجبانة المحتمية بالمساكن والمدنيين، أم كان ينبغي لغضبتك أن تتوجه إلى هذه المليشيات الجبانة التي زعمت أنك (ومعك من معك ممن تعنيهم بصيغة الجمع في حديثك) تمسك بقرونهم وتهدد بعاقبة إطلاق هذه المُقرنات المستوحشة، كما لو كانوا ثيرانا إسبانية قد أوغروها فاستوحشت؟
ثم هل لك، في هذه الحرب تحديدا، أن تذكر لنا أحداثا بعينها في كل المدن التي يوجد بها الجيش السوداني تحكي عن الاغتصابات الممنهجة لحرائر السكان المدنيين تحت تهديد السلاح كما ظلت تفعل مليشيات الجنجويد منذ اندلاع هذه الحرب؟
ألا ترى يا صديقي أنه هكذا ينبغي أن تنعقد المقارنات، أي بالإمساك بقرون الأحداث ومضاهاتها مع بعضها بعضا، ثم الخلوص إلى مثل مقولتك المقتبسة أعلاه، وليس عبر الإمساك بقرون أهلنا “البقّارة” كما لو كانوا هم أنفسهم البقر وليس ما يرعونه؟
عاشرا وأخيرا (وليس آخرا)، أفلا ترى أنك بموقفك هذا هنا وفي مقولات أخرى، فيما فهمه قطاع عريض من الناس بأنك قد كشفت عن حقيقة اصطفافك الجنجويدي المتخفي وراء الانتماء الإثني الرزيقي، قد اتخذت من أهلك دروعا بشرية تتوقى بها دون اصطفافك الجنجويدي هذا ولو كان فيما تفعله تعريض لأهلك كيما يتحملوا جرائم مليشيات الجنجويد المجرمة والجبانة؟ فقد ظلت صوت العقل الوطني والحضاري والإنساني يكرر ويقول بأن مليشيات الجنجويد هي مليشيات إجرامية، ومن يقاتلون في صفوفها مجرمون، ولا يمثلون خلفياتهم الإثنية بأي حال من الأحوال، ذلك لأن المجرم لا قبيلة له ولا حاضنة له. وقد تبنت قيادات الجيش نفسها هذا الخطاب الوطني والحضاري والإنساني. ثم ها أنت كما لو كنت تريد أن تنتكس بكل هذا إلى عصبية القبيلة، وهي عصبية منتنة، تنبي عن تخلف، ولو كان المتخلف هذا متقدما بأعلى الشهادات. فكما يقول أهلنا: “قلم ما بزيل بلم”، وكم صدقوا وأيم الله! فعل هذا ما انت عليه، يا صديقي، وما أنت بصدده؟ هل هذا ما يقوله المثقف ويتبعه ولو كان على حساب نفسه، أم هذا هو ما يقوله النخبوي الأفندوي صاحب الامتيازات التي هو مستعد للتضحية بأهله وشعبه ليستأثر بها ويستزيد منها؟ أمثقفٌ إنت يا الوليد أم مجرد أفندي نخبوي؟ فالظنُّ بك كان دائما أنك تقف على سنام مثقفينا، فهل كنا مخطئين في ذلك، لا قدّر الله؟
ويدوم الود والتقدير والاحترام الذي تعرف.
*MJH*
جوبا – 21 فبراير 2024م
[21/02, 11:45 pm] Al Walid Madibbu:
إن موقفي من الجنجويد معلن ومنشور منذ عام ٢٠٠٣ فلا داعي لألفاظ من مثل “اصطفافك الجنجويد المتخفي”!؟
[21/02, 11:54 pm] Al Walid Madibbu:
دي شنو ألفاظ عشاري دي ، كوننا اصدقاء لا يعني ان نتعدى على بعض بهذه الطريقة
[21/02, 11:57 pm] MJH:
يا صديقي عبّرت لك عما قد يكون عليه موقفك وفقما أصبح الكثيرون يتساءلون، ولهذا شفعت لك هذا بصيغة التسآل والاستفهام، والسائلُ لا يُجرّم. كما ختمت بحسن ظني بك، وإلا لما استقبلتك متسائلا.
وبعد، هل لي أن اظفر منك بردود لما تجشّمتُ فيه عناء الكتابة؟ يا ريت والله!
ويدوم الود والتقدير والاحترام الذي تعرف.
****************
□□ ثمار جاء رد الصديق الوليد مادبو على محاورتي له بأسئلتي له أعلاه:
“الحجة الدامغة في مواجهة نيران المدفعية الآثمة” (بتاريخ 22 فبراير 2024م) على الرابط:
https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d8%a9-%d8…/
وهنا أيضا جرت بيني وبينه مجموعة تساؤلات وتجاوبات تجدونها أدناه:
[22/02, 11:51 am] MJH:
يا صديقي صباح الخير! هل هذا هو ردك على أسئلتي؟
[22/02, 12:01 pm] Al Walid Madibbu:
هذا موقفي الفكري من اللغط الذي دار مؤخرا
[22/02, 12:01 pm] Al Walid Madibbu:
نعم يمكن تعتبره الرد
[22/02, 12:20 pm] Al Walid Madibbu:
واذا امكن نشر تساؤلك او ردك كي تعم الفائدة
[22/02***
*معقولة يا الوليد! معقولة!*
*ما هكذا تُمسكُ قرونُ البقر يا الوليد!*
*محمد جلال أحمد هاشم*
جوبا – 22 فبراير 2024م
شكرا لك يا صديقي الوليد!
إذن فهذا هو ردك لأسئلتي، ذلك بموجب قولك: “نعم، يمكن تعتبره ردي”، مردفا ذلك بقولك لي: “هذا موقفي الفكري من اللغط الذي دار مؤخرا”. حسنا! أدناه المزيد من الأسئلة الحيرى والاستفسارات، علها تظفر منك بما لم تظفره حتى الآن من ردود ومناقشة.
أولا، في هذا المقال المعنون “الحجة الدامغة في مواجهة نيران المدفعية الآثمة” (بتاريخ 22 فبراير 2024م) على الرابط:
https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d8%a9-%d8…/
أراك تقول: “… مثله مثل الدعم السريع الذي احتمى ببيوت المواطنين بعد أن أخرجهم منها عنوةً واقتدارا”؟ معقولة؟ إذ إنه لمن نافلة القول إن صيغة “عنوةً واقتدارا” تقال لمن ناضل حق النضال وكسب المعركة عنوةً واقتدارا؛ فكيف جاز لك أن تستخدم هذا التعبير فيمن احتمي جبنا وخورا بمنازل المدنيين العزل، ثم قام، لمجرد استفراده بحمل السلاح دونهم، بمهاجمة المدنيين العزل ونهبهم بغرض التغنيم (وهي كلمة مخففة في معنى ‘السرقة’ بلا حياء وبلا مروءة). ثم لم يقف عند ذلك، كونه يحمل السلاح في مواجهة المدنيين العزل، بل شرع في انتهاك الأعراض واغتصاب حرائر النساء والفتيات؟ أين العنوة والاقتدار هنا؟ وماذا تركت مليشيات الجنجويد المجرمة لكل مخايل انعدام الرجولة والمروءة، والتنكب الكامل لكل القيم الإنسانية وللأخلاق السودانية؟ فهل تعني باستخدامك لكلمة “عنوة” معنى قهر المدنيين تحت التهديد بفوّهة البندقية؟ معقولة! هل هذا هو فهم الاقتدار عندك؟
ثانيا، ألا تلاحظ معي أن عنوان المقال لا يزال يقف شاهدا ودليلا على أنك مسجون في حادثة قصف الضعين دون سواها، حيث إنه ليس فقط لم تصدر منك في مقالك هذا ولو أقل الإدانات تجاه جرائم انتهاك الأعراض وترويع المواطنين في الجزيرة التي جرت مؤخرا، وعليها تحديدا دارت محاورتي معك حيث وجهت لك مجمل أسئلتي؟ لقد دارت محاورتي معك بخصوص التسجيل الذي يحكي عن جرائم ارتكبتها مليشيات الجنجويد بجنوب الجزيرة خلال اليومين الماضيين فقط، وهي جرائم يندى لها الجبين، جبين الأحرار والشرفاء، خجلا واستنكارا. فكيف جاز لك أن تقفز فوق مفاصل محاورتي معك، لتعبّر عن كظيم غضبك من قصف الضعين؟ أولا تستحق حرائر النساء والرجال في قرى الجزيرة ممن ورد ذكرهم في التسجيل المرسل لك ولو كلمة إدانة خجولة، ذلك من باب الخدمة الشفاهية؟
ثالثا، أراك تقول في مقالك هذا، بعد دفعك بحجة أن الجيش السوداني نفسه عبارة عن مليشيا قبلية (وهو مجرد ادعاء لم تقم عليه الدليل، حتى الآن على أقل تقدير): “… مثله مثل الدعم السريع الذي انتهت إليه قبائل شتى، بيد أن قيادته تتصف بنوع من الانسجام الأهلي والقبلي”. أفلا ترى معي أن قولك هذا، بينما يثبت وبطريقة مباشرة هذا الانسجام القبلي في قيادة مليشيات الجنجويد المجرمة (وهذا وحده يقف دليلا قاطعا على التكوين المليشيوي فيها)، ينفي بطريقة غير مباشرة وجود هذا الانسجام القبلي في الجيش، كونك قد حصرت هذه الصفة في مليشيات الجنجويد فقط؟ وعليه، كيف يمكنك الزعم (بلا دليل منك في مقالك هذا حتى الآن) بالطبيعة المليشيوية القبلية للجيش، بينما لم تتمكن من إثبات أن قيادته قبلية؟ فهل تعني أن “المليشيوية القبلية” في الجيش تكمن في جنوده؟ أم صف ضباطه؟ أم صغار ضباطه؟ فهذه الفئات الثلاث تمثل ما تقرب نسبته من 80٪ في أي جيش. هذا باعتبار انك قد نفيت هذه الصفة عن قيادة الجيش (ما نسبته حوالي 15٪ بينما الوظائف غير القتالية تساوي ما نسبته تقرب من 5٪)! والأمر كهذا، كيف يستقيم عندك وصف الجيش بأنه مليشيا قبلية، شأنه في ذلك كشأن مليشيات الجنجويد التي أثبتّ أنت طبيعتها هذه (وهي طبعا مما لا يمكن إنكاره)؟ ولعلمك، أنا هنا لا أنفي عن الجيش السوداني الصفة المليشيوية والقبلية، كما لا أثبّتها؛ أنا هنا أناقش استقامة المنطق من اعوجاجه في حديثك المرسل، غير المقيد هذا. فهلا أوضحت لي تأسيساتك المنطقة التي بنيت عليها كلامك دون أن تبيّنها لنا؟
رابعا، أراك تقول: “إن هؤلاء الكتاب الأفاضل الذين تفضلوا بنقد مقالتي ولقاءاتي على بؤسهم الفكري والذي يعزى لضعف تكوينهم العلمي لم يصطحبوا مواقفي في العشرة أشهر الماضية …”. يا صديقي في ماذا يعنيني كلامك هذا من حيث المحاورة التي جرت بيني وبينك بموجب تسجيل بعينه أرسلته لك وطلبت فيه استيضاح موقفك منه تحديدا؟ يا صديقي ألا تلاحظ معي أنك حتى الآن لم تعلق ولو بكلمة على مفاصل محاورتي معك، دع عنك تسجيل أي إدانة منك، ولو من باب الخدمة الشفاهية، لهذه الجرائم النكراء التي تقع تحت طائلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم ارتكبتها مليشيات الجنجويد المجرمة، دون أن تتمكن أنت من إنكارها (أعني الجرائم المحددة التي طلبت منك إيضاح موقفك منها)، ودون أن تتمكن حتى الآن من ذكر أي جرائم مماثلة يمكنك أن تنسبها للجيش في هذه الحرب تحديدا؟
هل هكذا يدور النقاش والنقد، وأنت مَن أنت من حيث الثراء الفكري ومتانة التكوين العلمي (بافتراض أنك على معكوس ما اتهمت به من انتقدوا مواقفك)؟ فمتى وكيف كان الكلام العمومي، المرسل دون تقييد، يصبح من “النقد” في شيء، هذا بينما متانة العلم وأصالة الرأي قد أثبتت أن “النقد” لا يصبح نقدا إذا جاء بطريقة البيع والشراء بالجملة، ذلك لأن النقد هو التوصيف التفصيلي الأشبه بالتشريح؟ فالنقد يتبع منهج البيع بالقطاعي، وليس بالجملة. فكيف يمكن أن يُقبل ممن يطعن في التماسك العلمي لناقديه أن يقوم بتحرير مقال عمومي في معرض الرد على أسئلة محددة ومرقمة، من قبيل ما حررته أنت هنا؟ برأيك، هل يمكن اعتماد مقالك هذا على أنه أدخل في النقد دون أن يكون قد استوفى شروط النقد؟ فحتى الجزار يتبع منهجا علميا في تقطيعه لجَزوره، فما بالك إذا كانت صفات التشريح التجزيئية، التفصيلية هي من أشرط شروط النقد؟ كيف فات عليك أنه لا يمكن الرد على نقد مجموعة من النقاد بحمل ما قالوه على الجملة، ودون استعراض نقاط ومفاصل احتجاج كل واحد منهم على حدة؟
خامسا، لماذا يا صديقي تعود بنا القهقرى إلى ما قبل هذه الحرب، وكنا قد حصلنا أنفسنا في العشرة أشهر الاخيرة؟ لماذا تعود بنا إلى عام 1956م لتدبيج الإدانة للجيش فيما نعرفه جميعا، وبما سينظر إليه الكثيرون على أنه من باب التماهي مع الخطاب الجنجويدي الملتبس والكاذب والمتعلق بالفلول وبدولة 56؟ فالجميع يعلم أنه لو كانت هناك “فلّةٌ” واحدةٌ تمشي بيننا الآن وتعيث فساداً عيانا بيانا من جميع “فلول” دولة الكيزان، فهي مليشيات الجنجويد المجرمة. كل هذا نعلمه، وكذلك نعلم أن هذه المليشيات (وغيرها كُثْرٌ) قد خرجت من رحم الجيش.
لكن يا صديقي ما يعنيني هنا فيما يليني ومحاورتك هو لماذا التنكيل بالمدنيين ونهبهم وانتهاك حرماتهم وأعراضهم، ثم حرقهم أحياء وكذلك دفنهم أحياء، مما ارتكبته، ولا تزال ترتكبه، مليشيات الجنجويد المجرمة هذه، وبالأخص جرائمها الأخيرة قبل يومين أو ثلاثة (والتي لا تزال مستمرة حتى الآن)؟ هذه هو مناط التحاور معك كما تشهد بهذا السطور التي خططتها لك! وفي هذا جاءت إجابتك في ردك الأول حيث قلت لي: “هذا يأتي كرد فعل للعنصرية التي تمارسها النهب المركزية، … ولك ما حدث في الضعين …”. وعندما راجعتك في هذه النقطة تحديدا، أراك، لست فقط قد مررت عليها في مقالك هذا مرور الكرام دون مناقشتها ومراجعة نفسك فيها، بلل أردفت عليها في مقالك الأخير هذا مقولة “… وها هو شعب الجزيرة اليوم يعاني الآمرين [الأمرّين]: مكر الإنقاذ وصلف وتفلتات الدعامة …”. إذن فتكييفك لكل جرائم مليشيات الجنجويد في الجزيرة هي فقط مجرد صلف وتفلتات؟ معقولة!
فهل لنا أن نعتمد ردك هذا بوصفه موقفك النهائي من هذه الجرائم: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟ معقولة يا الوليد! معقولة!
ثم يا صديقي، كيف جاز لك أن تذكر “الشوايقة” أولا بالتعميم، لتنتهي بالتخصيص؟ كيف فات عليك أن النخب هي نخب دولة ما بعد الاستعمار، وهي في أخطر مكوناتها ناتج النظام التعليمي غير الوطني، وأنهم عادةً ما يتدرّعون ويتوقّون بإثنياتهم من باب الخداع والتمويه تكتيكا، ذلك بحيث ينتهي أي شخص يواجههم إلى مواجهة إثنياتهم؟ كيف فات عليك هذا؟ أم أنه أيضا صدر منك كرد فعل لمن يذكرون كرام أهلنا الرزيقات والمسيرية والتعايشة … من باب اسستهداف المجموعات الثقافية؟ وإذا كان هذا كهذا، أولا تؤسس أنت بقولك هذا لمشروعية انتقام زرقة دارفور من عربها، ببُداتهم وشتاتهم؟ هل هذا هو الحل؟ أفلا تعلم بأن مثل هذه المقولات المرسلة، غير المقيدة بأي تحليل منطقي، ومثلها مما ورد عنك بخصوص إمساكك وآخرون بقرون “البقّارة” (كما لو كانوا بقراً وليسوا سُعاة بقر)، ثم تكرار تهديدك بحرب أهلية لا تُبقي ولا تذر، هو نفسه مما يقع داخل دائرة تأجيج سُعار هذه الحرب؟
كيف تكرر منك هذا وقد ذكرتُ لك صراحا بواحا في محاورتي معك بأن مليشيات الجنجويد هي عصابات إجرامية لا قبيلة لها، كما ليس لها أي حاضنة اجتماعية؟ هل فاتت عليك هذه المقولة الغراء التي تمثل الآن الخطاب الوطني الأقوى والتي تنزّه المجموعات الثقافية مما ارتكبته مليشيات الجنجويد المجرمة من فظائع؟ هل فعلت ما فعلت، وقلت ما قلت، تجاوزا لهذا الخطاب الأغر بسبب مفارقتك المنهجية له، أم بسبب ردود الأفعال والانسياق وراء مقولات الغوغاء وسفهاء الناس؟ أين نحن هنا يا ترى من ذلك الوليد المثقف الذي يا طالما تفيّأنا بظلال المفاكرات الظليلة معه، وها قد سامَنا الوليد الآخر بحَرّاه، حرَّى الغبائن، هذا الوليد النخبوي، الأفندوي، الشعبوي، ووا أسفاه؟
سادسا، أراك تقول: “عجبت وأنا أسمع للبرهان وهو يخاطب بعض الجنود المستنفرين من الزرقة ويقول لهم دون استحياء: هؤلاء هم من قتلوكم، يقصد عرب دارفور! من الذي وفر الذخائر، المعلومات الاستخباراتية وتبرع بدك القرى بالطائرات والمدرعات قبل أن تستبيحها الخيالة التي أطلق عليها من بعد مصطلح الجنجويد”؟ ألا ترى يا صديقي أنك بقولك هذا قد وقعت فعلا في الحمى؟ هل تعتقد أن استخدامك غير التكييفي لشبه الجملة المبنية على المجهول “… التي أطلق عليها من بعد مصطلح الجنجويد …” سوف تعفيك من مغبة الاستطراد المنطقي لمقدمة كلامك؟ فنتائج الكلام تصبح محمولة على مقدماته، ذلك لأن هي حمّالة منطق الكلام كله! ومقدمة كلامك، حمّالة منطقه هي: “عجبت وأنا أسمع للبرهان وهو يخاطب بعض الجنود المستنفرين من الزرقة ويقول لهم دون استحياء: هؤلاء هم من قتلوكم، يقصد عرب دارفور”. ومحمول هذا الكلام منطقيا هو: “من الذي وفر الذخائر، المعلومات الاستخباراتية وتبرع بدك القرى بالطائرات والمدرعات قبل أن تستبيحها الخيالة [من عرب دارفور]؟” هذا هو المحمول المنطقي لمقدمة كلامك، وما ذكرك لجزئية “… التي أطلق عليها من بعد مصطلح الجنجويد …” إلا من باب التخلُّص. وفي هذا قال الفقهاء “التخلّص من الشيء مهما برَع، فيه ثباتُه”!
ثم دعنا نأخذ قولك هذا على علاته، فهنا أيضا ألا ترى أننا سوف نقع على حكم الهوى؟ فجزئية “… يقصد عرب دارفور”، وبحسب منطوق اللفظ، هي من عندياتك، تفسيرا وتأويلا. فكيف جاز لك هذا يا صديقي؟ فلو أن أي امرءٍ وقف موقف الحق مما تقول، عندها لقال: “عجبت وأنا أسمع للبرهان وهو يخاطب بعض الجنود المستنفرين من الزرقة ويقول لهم دون استحياء: هؤلاء هم من قتلوكم، *يقصد ميليشيات الجنجويد*”. وهنا يكون المستفاد من الكلام كشف التحيّز غير المستتر لمليشيات الجنجويد، دونما أي مساس بأي مجموعة إثنية ثقافية، فالشعوب (فيما جرى به قولنا)، لا تُلعن، كما لا تُدان. فهل هذا ما تعنيه فعلا بقولك هذا، لكنك تتدرّع وتتوقّى بإثنيتك (كما هو العهد بنخب الأفندية مقطوعة الطاري)، أم خانك التعبير يا صديقي؟
يا صديقي هذه أسئلة حيرى أخرى، أتبعها بأسئلتي لك، تلك الأولى التي لم تُحِر لها جوابا حتى الآن. وفي الحقِّ، يمكنني أن استنسل، إلى ما لا نهاية، خيوط الأسئلة الحيرى والمقلقة من مقالك الأخير هذا. ولكني اكتفي بهذا على أمل أن أسمع منك ردودا لها.
ولتلاحظ يا صديقي كيف تعاملت مع أسئلتي، ليس فقط بطريقة البيع بالجملة، ودون ذكر أي نقطة من نقاطي، بل شملتني مع آخرين لا علم لي بهم، ذلك بما أنك لم تكلف نفسك ذكر أسمائهم، دع عنك استعراض مفاصل احتجاجهم. وكما قلت لك، ها أنذا أقول لك: ما هكذا تورد الإبلُ يا الوليد!
ويدوم الود والتقدير والاحترام الذي تعرف؛؛؛

○ محمد جلال أحمد هاشم
*MJH*
○ جوبا – 22 فبراير 2024م

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المدنیین العزل الجیش السودانی هذه الملیشیات الولید مادبو عرب دارفور فبرایر 2024م هذه الحرب فی مواجهة هذا موقفی فی الضعین حتى الآن من باب لک هذا هذا هو کما لو هل هذا فی هذه هذا ما دون أن

إقرأ أيضاً:

الوقائع الخفية لتفريغ السجون .. كيف قام الجنجويد بإطلاق سراح أخطر العناصر الإرهابية في السودان

الوقائع الخفية لتفريغ السجون .. كيف قام الجنجويد بإطلاق سراح أخطر العناصر الإرهابية”1 – 2″

المحقق: عزمي عبد الرازق

كانت ليلة 21 أبريل/2023 من أصعب الليالي على ضباط السجون في الخرطوم، وأبردها على قلب زينب، تلك الفتاة الجميلة، قيد المحاكمة في سجن النساء، وهى تأمل بعد أن سقطت أسيرة للفكر الداعشي، أن تخلصها ميليشيا الدعم السريع من وحشة سجن التائبات، وأُخريات وجدن أنفسهن فجأة في العاصمة القديمة، يواجهن مصيرهن الغامض، وكذلك عُتاة المجرمين والعناصر المتطرفة، لا ضير من تسميتهم، وتقصي أثر هروبهم الكبير، خطوة خطوة، حد انخراطهم في صفوف القتال إلى جانب كتائب الجنجويد، ومدى فداحة الأمر، والخرق المتعمد لقوانين السجون، وهو ما سوف نتطرق إليه بالصور والأسماء في (المحقق)، دون أن نغفل صراحة الإجابة على السؤال المهم: كيف حدث ذلك؟

صيحات الخوف والرصاص
في خضّم القِتال الذي كان يدور وسط الخرطوم، أيام الجمعة والسبت تحديداً، قبل الذهاب إلى هدنة أولى رعتها الوساطة، مكنت الميليشيا من المزيد من التوغلات، هنيهة وانقطعت المياه، تلتها صيحات الخوف ودوي الرصاص، ثم ما لبث أن ذوى التيار الكهربائي شيئاً فشيئاً، غرقت الأسوار العالية للسجون في الظلام، بينما انخرطت ميليشيا الدعم السريع لتوها، أو قبل ذلك، بتدابير غير عفوية، في حملة انتقامية مسعورة، طالت سجون الخرطوم كلها، بدءاً بالهدى وسجن سوبا، وليس إنتهاءاً بكوبر، 25 آلاف سجين خارج الزنازين، حررتهم هكذا بلا مقدمات، وإذ ما يبدو كان ذلك للانتقام، أو لتعويض فشل مغامرة حميدتي العسكرية. لتعم الفوضى إذن، أو يُهجّر الناس من بيوتهم بالإكراه لتسكنها القطط، والسجون كذلك، كما أقسم قائد الجنجويد صادقاً، وقليلاً ما يصدُق.
أنفق جهاز المخابرات العامة ما يربو على الثلاث أعوام، نفّذ فيها أكثر من (17) عملية أمنية اعتراضية ضد تنظيمات إرهابية، استهدفت، بصورة دقيقة جداً، أوكار الخلايا النائمة، في المدن والصحارى، لتنظيمات خطيرة، من بينها داعش والقاعدة وحركة حسم، وقد أسفرت تلك الحملة عن توقيف ما يفوق المائة إرهابي ومتطرف، إلا أن الميليشيا، آلت على نفسها أن تفاقم الأوضاع سوءاً، بتحرير أولئك، وضمهم إليها لتعزيز سيناريو الفوضى، وترويع الآمنين، وهو عمل متعمد لإشاعة الجريمة، لا مناص من الرضوخ لحقيقته الماكرة.

الميليشيا تبحث عن عناصرها المُتطرفة
من المهم الإشارة إلى أنّ السُلطات السودانية سلّمت بعض الأجانب_المطلوبين في قضايا إرهابية_ إلى دولهم، بينما احتفظت بالبقية إلى حين محاكمتهم، إذ أن خطورتهم متعدية، فكثير منهم ينتمي إلى داعش، بقناعات جنونية، بينهم فتيات في مقتبل العمر، والبعض الأخر يعملون في تجارة المُخدرات والسلاح، وقِلة تتحرك في مسارات الاتجار بالبشر، وليس من قبيل المصادفة، أن يكون لهؤلاء علاقة بنشاطات جُبلت عليها الميليشيا نفسها، بعيداً عن الأضواء، فالأمر لم يعد سراً اليوم، وإلى جانب إطلاق سراح علي رزق الله السافنا، المتهم بجريمة قتل عمد، ومحيميد وأبو الدقير، فقد جلب آل دقلو أيضاً مئات المرتزقة من مناطق أفريقية تنشط فيها جماعات بوكو حرام وداعش، وسمتهم الطباع العنيفة في القتال، وأفتضحت أمرهم تلك النزعة المتطرفة التي لا تكترث لقوانين الحرب، أو اتفاقية جنيف لحماية المدنيين.!
ولعل احصائية من تم تسليمهم لدولهم من العناصر الإرهابية بلغت (47)، جميعهم من الذكور، فيما بلغ عدد الموقوفين في انتظار المحاكمات (26) إرهابياً، وسواء كانت تلك العناصر التي تم تسليمها أو لا تزال في قائمة الانتظار، فهى عموماً عناصر مُدربة على القتال، شديدة الخطورة، ولن يترددوا إطلاقاً من الانخراط في أي أنشطة غير قانونية، فذاك دأبهم، إذ أن الجزء الأكبر منهم ينتمي إلى خلية جبرة، بتخصص العديد من أفرادها في صناعة المتفجرات، ولذلك تم التحفظ عليهم تحديداً في معتقلات جهاز المخابرات، ولم يتم إطلاق سراحهم عندما فتحت الميليشيا كافة السجون، في ولاية الخرطوم، لأن واجب الجهاز يحتم عليه القيام بدوره في حماية المجتمع وتنحية الخطر، والحد من الجريمة المنظمة، أو العابرة للحدود، مهما كان الثمن.

الهروب الكبير
ليس ثمة ما يدعو لعدم الريب في نية قوات التمرد من الوصول إلى أسوار تلك المعتقلات، وتدوين المباني بقصد فتح ثغرات تمكن مَن تريد وقوعهم في أحضانها، وقد بدا المشهد شبيهاً بـ”ذا شاوشانك” أو بالأحرى قصة “الهروب من ألكتراز”، وهو ما أدركه أمجد فيصل، أحد القادة الذين التحقوا بتنظيم داعش في سوريا، حين وجد من يعينه على الفرار، فهو بالرغم من أنه ليس في عمر يسمح له بالهروب، إلا أنه كان يحفر بأظافره، ضمن مجموعة الأربعة التي كانت تنام وتصحى تحت وطأة القصف المتواصل، لعدة أشهر، حتى منتصف يناير 2024، حين تسللوا عبر فتحات السقف، في ذلك اليوم تحديداً تعرض مبنى المخابرات لموجة كثيفة من النيران، وهى في الحقيقة تغطية لهجمات معلومة المقاصد، وقد أدى التدوين الكثيف إلى حدوث أضراراً بالغة في هيكل المبنى، وتسبب أيضاً في تدمير كامل للسور الخارجي، وتساقطت المقذوفات داخل غرف المعتقلين أنفسهم، بشكل تسبب لهم بإصابات مباشرة.
استبسل أفراد الحراسة، في صد ذلك الهجوم، إذ أن واجبهم كان يحتم عليهم منع هروب المساجين، لكن الهجوم كان عنيفاً متواصلاً، والأسلحة غير متكافئة، نجم عنه استشهاد العديد من الضباط والجنود المنوط بهم تأمين المعتقلين، وقد بدأ الأمر بزحف عناصر الميليشيا نحو المنطقة المحيطة بالمباني، ومن ثم ضربوا، بعد ذلك، حصاراً محكماً عليها، ومنعوا وصول أي تعزيزات تساعد في تماسك القوة التي تقوم بمهام الحماية والتامين، واستعانت قيادة الدعم السريع بالطليعة الأولى المتطرفة الهاربة لتحرير البقية، وصناعة كتيبة إرهابية تضمر من الشرور ما يقُضُّ المضاجِع، فما الذي حدث بعد ذلك.؟

نواصل

كيف قام الجنجويد بإطلاق سراح أخطر العناصر الإرهابية وتفريغ السجون “2 -2”

خلال الـ”10″ أشهر الماضية تعرضت مُعتقلات جهاز المخابرات العامة، أو بالأحرى مواقع حبس العناصر المُتطرّفة في الخرطوم، إلى هجمات متواصلة، وكان الهجوم الضاري، وسط نباح الكلاب المسعورة آواخر الليل، مسنوداً بكتيبة إنقاذ، الهدف منه، بلا مواربة، تحرير المجموعة الإرهابية، حبيسة الجدران، لتنضوى بالمرة تحت لواء مليشيا الدعم السريع، في نسخته النهائية المتوحشة.

هجوم وراء هجوم
خلقَ ذلك الهجوم المتكرر حالة من الفوضى، مكّنت مجموعة الأربعة، أمجد فيصل، الوحي الإمام، أحمد إبراهيم، صلاح سالم، من الهروب، عبر فتحة قيصرية أوقعتها قنبلة يدوية، في جدران الحمام المُلحق بالسجن المُخابراتي.

في مارس 2024 قامت الميليشيا بهجوم آخر ليلي عنيف، مصحوب بتدوين، على كافة المعتقلات، مما أدى، مرة ثانية، إلى هروب مجموعة تضم 13 من العناصر الإرهابية، وقد تم التمهيد، لكل ذلك القتال المفضي لمكيدة جهنمية، بتسلل كتيبة من مليشيا الدعم السريع، لتطويق المبني تماماً، تعينها في مهمتها، خلية الأربعة الهاربة، والتي اتضح لاحقاً أن بعض عناصرها التحق بمقرات الجنجويد في بحري.

كان ضمن المجموعة الأخيرة رجل متخصص في صناعة المتفجرات اسمه أبوعبيدة، وشاب آخر في مقتبل العمر، حليق اللحية، إن لم يكن بالأمرد، تشيء ملامحه بأنه صومالي، فضلاً عن أحد قادة تنظيم داعش في سيناء، وهو موسى حمدان، ممن ينتمون إلى خلية جبرة، تلك التي فقد فيها جهاز المخابرات بعضاً من عناصره في العام 2021، وعلى رأسهم “الجوكر”، ذلك الفتى صاحب القدرات المهولة والخارقة في عالم الشبكات وتفكيك جرائم المعلوماتية.

معقل الإرهاب والجاهزية
بعد هروب المجموعة الآخيرة، ونعني بها مجموعة الـ”13″، أصبح مجمل العناصر الإرهابية التي قامت الميليشيا المتمردة بتهريبهم “17” معتقلاً، وتبقى فقط قائمة تضم “9” أفراد، فيما لا تزال الميليشيا، إلى اليوم، تضرب حصاراً عليهم، دون أن يتوقف دوي مدافعها وبنادقها صوب تلك المعتقلات، كما لو أن إطلاق الإرهاب من قمقمه ليعاود نشاطه في بلاد النيلين، أمر في غاية الأهمية بالنسبة لهم، وهذا بالضرورة لا يحتمل أكثر من تفسير، سيما وأن عملية نشر الفوضى، والهجوم على معتقلات الإرهابيين لم تكن نزهة، وقد أستشهد فيها بفدائية، أي تلك المعارك، “5” من الضباط، و”9″ أفراد من أطقم الحماية والتأمين.

من المهم الإشارة أيضاً إلى أنه منذ بداية التمرد أطلقت الميليشيا نحو “40” شخصاً من أخطر الإرهابيين والمجرمين، يمكن تصنيفهم وفقاً لمحابسهم، كالأتي: “23” من السجون العامة، و”17″ من معتقلات جهاز المخابرات، بشكلٍ يوحي، بل تكاد تكون حقيقة ناصعة، وهى أن العثور على هؤلاء، بعد فرزهم وتحريرهم، ليس من قبيل الصدفة، وإنما كان هو الهدف الأساسي الذي تم التخطيط له بعناية فائقة من البداية، وربما قبل الحرب، مروراً بحملات تجنيد المرتزقة الذين تم جلبهم من غرب أفريقيا والساحل، أي تلك المناطق التي تنشط فيهم داعش والقاعدة وبوكو حرام.

موالاة أصحاب العمائم السوداء
عملية إطلاق سراح العناصر الإرهابية والمجرمين لم تكن هدية عيد ميلاد بلا مقابل، وإنما أمر دُبّر بليل، لتنضم ذات العناصر لقوات (الجاهزية) تعينها في القتال وترهيب الناس وصناعة المتفجرات لتعويض النقص في الأسلحة والذخيرة، ولذلك فإن أغلبهم – إلى اليوم – موجود في مقرات الميليشيا، أمثال بكر حقار، التشادي الذي ينتمي للقاعدة، والنور جمعة وعثمان يوسف ممن بايعوا داعش على السمع والطاعة العمياء.
فيما أجهزت الميليشيا على موسى نذير، وأطلقت سراح أبو خالد، وهو سوداني، مقابل فدية مالية تقدر بـ”13″ ألف دولار، دفعتها أسرته بعد مساومة وتهديد بتصفيته، أما البقية فلا تتوفر معلومات كافية عنهم، وعلى رأسهم أبو فاطمة، وزيدان صالح، والنسيم، وهؤلاء خليط من جنسيات عربية مُختلفة.

لكن الحقائق المؤكدة، وهى دافع الميليشيا في تحرير الخلايا الإرهابية، أنها أخضعت بعض العناصر لاستجوابات مكثفة، وابتزاز للقتال معها، ونجحت في تجنيد بعضهم، وعلى رأس هؤلاء الصومالي عثمان يوسف، وهو مسلك بالضرورة يتنافى مع القوانين الدولية وقواعد الحرب في التعامل مع العناصر الإرهابية والمجرمين، حد ضمهم لصفوف القتال، دون أن تشعر، مليشيا التمرد، بالحرج وهى تنتعل حذاء الديمقراطية وترتدي قميص حقوق الإنسان الملطخ بدم الأبرياء، بصورة فاقعة، وهو الأمر نفسه الذي دفع المليشيا للتهرب من هذه التهمة، مولاة أصحاب العمائم السوداء، لتنسل منها وترمي بها أطفال قرية ود النورة.

عزمي عبد الرازق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الوليد مادبو وهو يعوي!
  • مزمل: وليد مادبو أسوأ منتج (بعد مليشيات الدعم السريع) لدولة 56!
  • ???? الوليد مادبو: حميدتي ما عادش عندو الكنترول الكان عندو في السابق
  • جرائم الجنجويد في منطقة الجزيرة ضد المدنيين خطة عسكرية
  • هل الحرب ضد البرهان أم الكيزان؟
  • لا أمل ومستقبل للبلاد ألا بكسر بندقيه الفلول وتشليع الجيش وأعاده بناءه وحل الجنجويد
  • الوقائع الخفية لتفريغ السجون .. كيف قام الجنجويد بإطلاق سراح أخطر العناصر الإرهابية في السودان
  • أكبر أكذوبة تدور في الفضاء السياسي أن الجنجويد ولدوا من رحم الجيش
  • نبش قبر والدة ضابط كبير في الجيش الوطني من قبل مليشيات حوثية بصنعاء والسبب صادم!
  • وشهد شاهد من أهلها