نشأ الفن التكعيبي كمذهب وحركة فنية في أوائل القرن الـ20، في باريس، متأثرًا إلى حدٍ بعيد بالفنون الأفريقية ثنائية الأبعاد، بعد زيارة قام بها رائد المدرسة الرسام الإسباني بابلو بيكاسو لمتحف الفنون الأفريقية والأنثروبولوجيا في باريس.
بسبب ذلك، تميز الفن التكعيبي، تمامًا كالفنون الأفريقية، بأسلوبه الهندسي الرياضي الذي يستخدم الأشكال الهندسية البسيطة مثل المربع والمثلث والمخروط، حيث رفض رواد المدرسة النمط الرومانسي السائد وبدؤوا في استكشاف الأشكال الهندسية والتكعيبية للتعبير عن الجماليات والرموز الفنية بشكل يحقق التوازن والتناغم.
تكونت قاعدة المدرسة التكعيبية من فنانين مثل بابلو بيكاسو وجورج براك وفيرنان ليجير راؤول دوفي وألبرت غليسر. وجميعهم اعتبروا الأعمال الفنية الأفريقية، التي نقلت إلى أوروبا خلال الحملات الاستعمارية، مصدرًا للإلهام بسبب الجرأة والابتكار في الاستخدام المجرد للأشكال الهندسية والألوان الزاهية.
"ما وجه الإنسان؟ ومن يرى هذا الوجه بشكل صحيح؟ المُصوّر الفوتوغرافي أم المرآة أم الرسام؟، هل علينا أن نرسم ما يبدو على الوجه؟ أم ملامح الوجه؟ أم الكامن وراء الوجه؟" يتساءل بابلو بيكاسو في مقال مجلة التايم 1950
تهدف التكعيبية إذن، على حسب ما أعلنته الحركة، إلى إعادة تعريف الإنسان ومحيطه، عبر التخلص من إرث المفاهيم التقليدية للجمال المتأثرة بالمعايير الرأسمالية البرجوازية. وهذا نفسه ما أقر به أيضًا الناقد الفني الفرنسي لوي فيكسيل بعد مشاهدته للوحة بيكاسو "آنسات أفينيون | Les Demoiselles d’Avignon".
رسم بيكاسو لوحته الشهيرة "آنسات أفينيون" عام 1907، بإلهام من الفنون والأقنعة الأفريقية خلال زيارته لمتحف الأنثروبولوجيا في باريس من العام نفسه. وتصور اللوحة عددا من النساء في أشكال هندسية حادة ووحشية ولكن بسيطة وشديدة الشبه بالأقنعة الأفريقية.
الصورة عبارة عن بورتريه لـ5 نساء تم تصوير كل شخصية بطريقة مباشرة في مواجهة المشاهد بزوايا هندسية حادة ومفككة دون أدنى أثر لمعايير أو أشكال الجمال التقليدية. وفقا لبيكاسو نفسه، دفعه تأثره بالفنون الأفريقية إلى "أسلوب فني أصيل وحر تماما لدرجة وحشية"، على حد تعبيره.
موسيقى تكعيبية صامتةعمل آخر يعبر عن فلسفة المدرسة التكعيبية هي لوحة "الآلات الموسيقية | Musical Instruments"، التي رسمها جورج براك عام 1908، واللوحة مركبة من ألوان نابضة بالحياة وأشكال هندسية تخلق جوًا ديناميكيًا وحيويًا.
نجح براك في استخدام المنظورات المجزأة والأشكال المتداخلة ليصور الأدوات بطريقة متناسقة وجميلة، بدءا من الكمان إلى القيثارات، بحيث تمتزج جميعها بشكل متناغم.
ونرى في اللوحة ما يميز لوحات المذهب التكعيبي بشكل عام، وهو القدرة على دمج وجهات نظر متعددة في تركيبة واحدة متماسكة. حيث توفر الأشكال المجزأة والمنظورات المشوهة إحساسا بالعمق والأبعاد الثلاثية، مما يدعو المشاهد لاستكشاف اللوحة من زوايا مختلفة في خضم الألوان الزاهية وضربات الفرشاة الجريئة والحيوية العامة للتكوين.
الأمر نفسه ينطبق على لوحة "تاجر الماشية Cattle Dealer"، التي رسمها مارك شاغال عام 1926. وهي عمل تكعيبي يجسد جوهر الحياة الريفية التي اختبرها شاغال نفسه أيام طفولته في فيتيبسك في بيلاروسيا.
تلفت اللوحة انتباه المشاهد على الفور بألوانها الزاهية وتكوينها الحالم. كما يضفي استخدام شاغال للألوان الجريئة الحياة على اللوحة القماشية مما يخلق إحساسا بالطاقة والحركة في جميع أنحاء المشهد.
ويصور شاغال في "تاجر الماشية" سوقا تقليدية للماشية وهي جانب مركزي من الحياة الريفية في مسقط رأسه. ينصب التركيز الرئيسي على سائق العربة الموجود في المقدمة بثيابه الحمراء النابضة بالحياة في حين تظهر الماشية نفسها بمزيج من الأشكال العضوية والهندسية التي تبدو كتركيبة متماسكة ولافتة للنظر في آن.
هذا بالتحديد ما يجعل اللوحة عملا فنيا ساحرا يجسد بشكل جميل روح الحياة الريفية ويثير مجموعة واسعة من المشاعر حتى ولو كان مرسومًا بأسلوب تكعيبي غير مألوف للمشاهد، فاللوحة كعمل فني تكعيبي، وبألوانها الحيوية وتكوينها الذي يشبه الحلم وتصويرها لمشهد ريفي بسيط بطريقة عميقة، تعد شهادة على قدرة الفن التكعيبي على تصوير كل ما يطاله بعمق وبساطة في آن، ليس هذا فقط، بل وبطريقة استثنائية يتشابك فيها الواقع مع الخيال.
باختصار، يعتبر الفن التكعيبي حركة فنية مهمة استخدم فيها الفنانون الأشكال الهندسية البسيطة والألوان الزاهية لإنشاء أعمال فنية تعكس التوازن والتناغم.
ومع مرور الوقت، تطور الفن التكعيبي وأصبح مصدر إلهام للفن الحديث وطالت تطبيقاته مجالات مختلفة، وقد تميزت الأعمال الفنية التكعيبية بكونها متعددة الأبعاد تعبيرا عن التنوع البشري وثرائه، وتميزت ببساطتها أيضا رغم هذا التنوع والثراء.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
منتخب الطائرة الشاطئية يغادر إلى المغرب للمشاركة في البطولة الأفريقية
غادر القاهرة صباح اليوم الاثنين المنتخب الأول للكرة الطائرة الشاطئية (رجال وسيدات) إلى دولة المغرب، للمشاركة في البطولة الأفريقية للكبار خلال الفترة من 23 وحتى 30 يونيو الجاري، والمؤهلة إلى بطولة العالم في نوفمبر 2025 بأستراليا.
ويرأس البعثة اللواء خالد أبو زينة، نائب رئيس الاتحاد، وتضم البعثة كلاً من: المدير الفني للسيدات عاطف عادل، ولاعبتي المنتخب مروة مجدي وندا حمدي، والمدير الفني للرجال أحمد عطا، ولاعبي المنتخب يوسف الصافي، يوسف زكي، يوسف ناصر، وجورج موريس.
من جانب آخر حرص المهندس ياسر قمر، رئيس الاتحاد المصري للكرة الطائرة، على استقبال الوفد العُماني للكرة الطائرة، وذلك بحضور الكابتن حسن عابد، المدير التنفيذي للاتحاد.
ويأتي ذلك في إطار تنفيذ سياسة مجلس إدارة الاتحاد المصري للكرة الطائرة، القائمة على دعم المنتخبات العربية للعبة، وتوفير معسكرات تدريبية ومباريات ودية للمنتخبات المصرية خلال الفترة الحالية، التي تشهد استعدادات مكثفة للمنتخبات القومية للمشاركات الدولية المختلفة.
من جانبه، أكد المهندس ياسر قمر أن المنتخب الوطني الأول يستعد حالياً بكل قوة للمشاركة في بطولة العالم للرجال، المقرر إقامتها في العاصمة الفلبينية مانيلا خلال الفترة من 12 إلى 28 سبتمبر المقبل.
وقد أسفرت قرعة البطولة عن وقوع المنتخب المصري في المجموعة الأولى إلى جانب منتخبات الفلبين، إيران، وتونس.
وفي سياق متصل، يستعد منتخب السيدات للمشاركة في بطولة العالم المقرر إقامتها في تايلاند خلال الفترة من 22 أغسطس إلى 7 سبتمبر المقبل.
وأسفرت قرعة البطولة عن وقوع منتخب السيدات ضمن المجموعة الأولى، التي تضم إلى جانبه منتخبات تايلاند، هولندا، والسويد.