في كل أحوالها تبقى الذكرى مؤلمة؛ ذلك لأن اللحظة الحاضرة بحمولتها السارة أو المحزنة، في غمضة عين، تتحول إلى ذكرى وهذه الذكرى، في حالتيها، تبقى ثقيلة على النفس؛ لأنها تشعرنا وكأن شيئا انسل سريعا من بين أيدينا وبغير حول منا ولا قوة، وكأن هناك من يسلبنا ذات اللحظات المتوارية مع الزمن، وذلك أيضا لأن ذروة الحدث الذي نعيشه ينسينا أنه في قبضتنا أشياء مهمة مهما صغرت، وأن التفريط فيها خسارة كبيرة، ولأننا كذلك مرتهنون بالزمن، والزمن لحظة هاربة أيضا، فهل نقاضي الزمن؛ أو نقاضي أنفسنا التي لم تستوعب هذه المعادلة الخاسرة بين لحظة حاضرة بكل تفاعلاتها، وبين لحظة هاربة بكل آلامها؟
تُشحن الذاكرة بصور المخيلة الاجتماعية؛ كأكبر مخيلة في تاريخ البشرية، وذلك عائد إلى جملة الصور والمواقف، والتضاد والتصالح، ولأن هذه المخيلة لصيقة جدا بحيواتنا اليومية، فإنها تؤرخ لصورها ولا تفرط فيها كتاريخ محفوظ عبر هذه الذاكرة، وإن كان الاحتماء من آفة النسيان ليس يسيرا بالمطلق، ولذلك لا يكاد الفرد منا يتجاوز محنة ذكرى ما، إلا وتشرف على القدوم ذكرى أخرى، وهكذا تتنقل المخيلة من ذكرى إلى أخرى، فلا تدع هذا الإنسان على حاله مستقرا آمنا على حدود نفسه، إلا وتغرقها في مستويات كثيرة من القلق، والتوتر، وعدم الاطمئنان، ربما هناك من ينحاز إلى الذكرى السعيدة؛ ويعلل أن ذكراها لا تكون مؤلمة كالمحزنة، بينما الحقيقة هي الأخرى تأخذ نصيبها من إضفاء القلق على النفس، لأن السعادة مساحة من الأمان، وفقدانها يورث الألم، وأتصور أن ألمها كثر حدة، ذلك لأنها تركت أثرا فيه الكثير من الجمال والسعادة في لحظتها العابرة.
والأهم في ذلك كله، ما هو باستطاعتنا تخليده من أفعال، وأقوال، ومواقف، وتعاون، وتكامل، وتفان، فمتى تحقق كل ذلك أو جزء منه، لن تكون اللحظات التي قضيناها في أي شيء من ذلك «خسارة» لأن الأثر باق، ولا تتوقف المسألة عند هذا الحد فقط، بل تشعرنا بكثير من الغبطة، لأنها تعبر عن مساهمتنا في الحضور الإنساني، وأننا لسنا عبئا على مخيلة الآخر، ولعلنا نسترجع قول القائل:
«ما مات من زرَع الفضائلَ في الورى؛ بل عاش عمرًا ثانيًا تحت الثرى
فالذِّكْـرُ يُحيي ميتًا ولرُبما؛ مات الذي ما زال يسمع أو يرى» ومما ينقل عن جيفارا قوله: «هذه الحياة لن تقف لتراعي حزنك، إما أن تقف أنت وتكملها رغم انكسارك أو أنك ستبقى طريحا للأبد».
تبقى المراوحة بين النقيضين: الألم الفرح، الفقر الغنى، السرور الحزن، هي من السنن التي يتعايش معها الإنسان، ولعله يجد في المسافة الفاصلة بينهما شيئا من استرجاع النفس، فتذهب به المخيلة إلى استحضار الكثير من المقارنات بين النقائض، وتلهمه الكثير من الدروس والمراجعات سواء على مستواه الشخصي، أو على مستوى علاقاته بالآخرين من حوله، ولذلك لا أتصور أن هناك إنسانا تتراكم عبر مخيلته هذا الكم الهائل من الذكريات طوال سنوات عمره، ولا يستفيد منها شيئا، يتاح له الفرص الكثيرة من حمائل المراجعات، ويتخذ حيالها الكثير من المواقف والآراء، فيضيف ويحذف ويستبدل، فالإنسان في حقيقته ليس «إمعة» وإنما هو صاحب موقف ورأي، وهذا الموقف وهذا الرأي لا يأتي هبة من خيال، وإنما يستخلص من تجربة حياة يعتصر فيها الإنسان من خلال ما يمر عليها من لحظات سعيدة، وأخرى مؤلمة، وتجمعها له الذكرى مختمرة ليستخلص منها ما يشاء.
في اللحظة الحاضرة تسافر بنا المخيلة عبر عشرات من السنين التي قضيناها -من كرم الله وبركته- ونقول في أنفسنا لو رجع بنا الزمن لغيرنا الكثير من مساراتنا التي طويناها، ولأخرنا هذا وقدمنا ذاك، ولأن هذا لا يمكن أن يستجلب ذاك، فإننا نكون أمام خيارين: الأول أن نحمد الله تعالى أن أهدانا هذا العمر حتى هذه اللحظة، والثاني: أن تنهمر دموعنا لأننا فقدنا الكثير، وخسرنا الأكثر، وهذا هو مبعث الألم في هذه القصة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
نصوص زيارة أم البنين - دليل شامل للزيارة وما يُقال في ذكرى أمّ العباس
نصوص زيارة أم البنين، تُعدّ زيارة أمّ البنين (فاطمة بنت حزام الكلابية) من أهم المناسبات الروحية لدى محبي أهل البيت، حيث تُستحضر مكانتها ودورها في خدمة الرسالة المحمدية وتربيتها للأبطال الذين استشهدوا في كربلاء. وبينما تتزايد عمليات البحث على محركات جوجل عن نصوص زيارة أم البنين كاملة، يبحث الكثيرون عن الصيغة الصحيحة للزيارة وأفضل الأدعية المتداولة في هذه المناسبة.
من هي أمّ البنين؟ ولماذا تُزار؟أمّ البنين هي زوجة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ووالدة العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان الذين استشهدوا جميعًا في واقعة كربلاء.
تكتسب الزيارة أهميتها من كونها:
رمزًا للوفاء والتضحية
قدوة للأمهات في التربية والإيمان
امرأة ارتبط اسمها بالبطولة من خلال أبنائها الأربعة
شخصية محورية في الذاكرة الحسينية
لذلك يبحث الكثيرون عن زيارتها المكتوبة للتقرب إلى الله واستلهام قيم الولاء والصبر.
نصوص زيارة أمّ البنين كاملة:فيما يلي أشهر نصوص زيارة أمّ البنين المتداولة بين المؤمنين، وهي نصوص تُقرأ عند زيارة قبرها أو في المنازل والمساجد والحسينيات:
???? النص الأول – زيارة أم البنين المشهورة
السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ بِنْتَ حِزامٍ الْكِلابِيَّة، يا أُمَّ الْبَنِينَ، السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمُؤْمِنَةُ الصّابِرَة، السَّلامُ عَلَيْكِ يا مَنْ رَبَّيْتِ الْأَبْطَالَ وَقَدَّمْتِهِمْ قُرْبانًا لِلْحُسَيْنِ (ع).
أَشْهَدُ أَنَّكِ أَخْلَصْتِ النِّيَّةَ للهِ، وَوَفَيْتِ بِالْوَعْدِ، وَصَبَرْتِ عَلَى الْبَلاءِ، وَنَصَرْتِ دِينَ اللهِ بِأَبْنَائِكِ الطَّاهِرِينَ.
فَلَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكِ، وَجَعَلَكِ اللهُ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ فاطِمَةَ الزَّهْراء وَالْحُسَيْنِ وَشُهَدَاءِ كَرْبَلاء.
السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه.
???? النص الثاني – زيارة مختصرة
السلام عليكِ يا أمَّ البنين، يا أمَّ العباس، يا شريكة الحسين (ع) في المصاب.
السلام على قلبكِ الصابر، وعلى دموعكِ الجارية، وعلى موقفكِ العظيم بعد كربلاء.
نسأل الله بجاهكِ أن يفرّج همومنا ويقضي حوائجنا.
???? النص الثالث – زيارة ودعاء
اللهمّ بحق أم البنين وبحق أولادها الشهداء، فرّج عن كل مهموم، واشفِ كل مريض، واقضِ حوائج المؤمنين والمؤمنات.
يا أم البنين، يا وجيهة عند الله، اشفعي لنا عند الله.
كيفية أداء زيارة أم البنين:تختلف طريقة الزيارة حسب البلد والمكان، لكن الصيغة العامة تشمل:
1. النية
القيام بالزيارة تقربًا لله واستلهامًا لمواقف أم البنين.
2. قراءة الزيارة المكتوبة
إما الزيارة الطويلة أو المختصرة.
3. قراءة الفاتحة
إهداءً لروحها ولأرواح شهداء كربلاء.
4. الدعاء وقضاء الحوائج
يُستحب الدعاء بعدها بطلب الفرج وقضاء الحاجات.
مكان دفن أم البنين
تُشير الروايات التاريخية إلى أن مدفن أم البنين يقع في البقيع في المدينة المنورة، بالقرب من قبور أئمة أهل البيت (ع)، ما يجعل زيارتها جزءًا من رحلة المؤمنين إلى المدينة.
جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025