يعد مشروع نقل الغاز التركماني عبر الأراضي الأفغانية إلى باكستان والهند "تي إيه بي آي" (TAPI) أحد أهم المشاريع التي طال انتظارها في آسيا الوسطى.

وتحاول تركمانستان منذ سنوات تحقيق حلمها ولكن الأسباب الأمنية في المنطقة والخلافات بين الدول المشاركة حالت دون ذلك.

وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، طالبت حركة طالبان تركمانستان باستئناف العمل على مد الأنابيب وبدء العمل داخل الأراضي الأفغانية.

وشكلت الداخلية الأفغانية قوة خاصة لحماية وحراسة المشروع، وستكون الحكومة الأفغانية التي تتزعمها حركة طالبان من الفائزين الرئيسيين إذا تحقق، لأن المشروع يدر أموالا طائلة لخزينتها.

وحسب مصادر حكومية أفغانية، فإن روسيا وإيران لا ترغبان في نقل الغاز التركماني إلى دول جنوب آسيا.

ويقول وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي للجزيرة نت: "طلبت في الزيارة الأخيرة إلى تركمانستان من المسؤولين بدء العمل على مشروع نقل الغاز، لأن الظروف مواتية الآن".

وأضاف متقي "سنوفر الحماية الكاملة للمشروع ونسعى لإنجاحه، وهو مشروع إقليمي يربط هذه الدول ويوفر الأمن والاستقرار إضافة إلى العائد المالي".

تنافس على المشروع

وطرح إنشاء خط أنابيب الغاز في تسعينيات القرن الماضي، وتنافست شركتا يونيكال الأميركية وبريداس الأرجنتينية فيما بينهما على إدارة خط أنابيب الغاز الذي يبلغ طوله 1814 كيلومترا.

وتمكنت يونيكال -بدعم من واشنطن- من توقيع عقد مع حركة طالبان للاستثمار بمشروع نقل الغاز من تركمانستان عام 1998، ولكنها أجلت بدء العمل بحجة أن طالبان بحاجة لتشكيل حكومة معترف بها دوليا، إضافة للتنافس الإقليمي.

شركة يونيكال تمكنت بدعم من واشنطن من توقيع عقد مع طالبان للاستثمار في مشروع نقل الغاز من تركمانستان عام 1998 (الجزيرة)

ويقول وزير الخارجية الأفغاني الأسبق وكيل أحمد متوكل للجزيرة نت: "إن حكومة تركمانستان آنذاك كانت تحت التأثير الروسي، وفضلت شركة بريداس الأرجنتينية، وكانت إيران ترغب في مد الأنابيب عبر أراضيها، وروسيا لم تكن تريد أن تتولى شركة أميركية أعمال المشروع، والتنافس الإقليمي حال دون تنفيذ المشروع".

وكانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون تولي اهتماما بالمشروع، وحاولت إقناع طالبان بتشكيل حكومة وطنية لبدء العمل وتلقي المساعدات المالية من البنك الدولي.

وسافر وزير المناجم في حكومة طالبان الأولى أحمد جان إلى الولايات المتحدة لمناقشة المشروع مع شركة يونيكال ومسؤولين أميركيين، لكن المفاوضات انهارت في يوليو/تموز 2001، قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول وقبل الإطاحة بالحركة.

وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تم استئناف التخطيط لهذا المشروع، في مايو/أيار 2002، واتفق رؤساء أفغانستان وتركمانستان وباكستان على مد أنابيب الغاز، وانضمت الهند 2008 إلى المشروع.

وكانت اتفاقية خط أنابيب الغاز التي وقعها ممثلو الدول المشاركة في إسلام آباد في 25 أبريل/نيسان 2008، قد نصت على أن يبدأ أعمال البناء في 2010 وينتهي منه بعد 5 سنوات لكن الخطة لم تكتمل بسبب الوضع الأمني في أفغانستان.

وبدأت أفغانستان في 23 فبراير/شباط 2018 بأعمال الحفر وبناء الأنابيب ولكن الانسحاب الأميركي وسقوط الحكومة الأفغانية السابقة تسبب بوقف العمل في ولاية هرات المجاورة لتركمانستان.

وأدى صعود حركة طالبان إلى السلطة لمناقشة مستقبل مشروع أنابيب الغاز من جديد لأن المشروع اقترن باسم طالبان منذ 27 سنة.

يقول رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان سهيل شاهين للجزيرة نت:" إن مشروع نقل الغاز، هو مشروع ذو أولوية طويلة المدى، وتدعمه الحكومة الحالية بالكامل".

وأضاف رئيس المكتب السياسي لطالبان "منذ وصولنا إلى السلطة زار مسؤولون من تركمانستان أكثر من مرة لمناقشة بدء العمل وقدمنا تأكيدات لتأمين المشروع داخل الأراضي الأفغانية".

مشروع نقل الغاز التركماني واحد من أهم المشاريع التي طال انتظارها في آسيا الوسطى (الجزيرة)

وسيمتد خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 1814 كيلو مترا من تركمانستان عبر الأراضي الأفغانية والباكستانية إلى الهند. ووفقا للعقد الذي مدته 30 عاما، ستقوم تركمانستان بتصدير ما يصل إلى 33 مليار متر مكعب من الغاز "90 مليون متر مكعب يوميا" سنويا.

وسيتم توزيع هذه الكمية بين أفغانستان والهند وباكستان، حيث ستحصل كل من الهند وباكستان على 38 مليون متر مكعب، وأفغانستان على 14 مليون متر مكعب من الغاز، وحسب التقديرات فإن تكلفة تنفيذ هذه الخطة ستبلغ نحو 12 مليار دولار.

ويبلغ طول خط أنابيب الغاز في تركمانستان 147 كيلومترا و735 كيلومترا في أفغانستان ويمر عبر 4 ولايات -هرات، فراه، هلمند وقندهار- وسيصل إلى الهند بعد 800 كيلومتر في باكستان.

ويقول المتحدث السابق باسم وزارة المناجم الأفغانية محيي الدين نوري للجزيرة نت: "سيتم تركيب 12 مضخة ضغط على مسار خط الأنابيب، و5 منها تقع داخل الأراضي الأفغانية، وتبلغ قيمتها مليار دولار أميركي، وتساعد هذه الكمية من الغاز في لعب دور مهم في قطاع الغاز في أفغانستان".

وبموجب الاتفاق بين الدول الأربع ستحصل أفغانستان سنويا على 500 مليون دولار أميركي لعبور الأنابيب من أراضيها إضافة إلى توفير فرص عمل لأكثر من 12 ألف شخص.

ويؤكد وكيل وزارة المناجم السابق أكبر باركزاي للجزيرة نت: "المشروع سيوفر لأفغانستان ولمدة 30 سنة كمية كبيرة من الغاز وستحصل عليها في 3 مراحل: في العقد الأول ستكون حصة أفغانستان 500 مليون متر مكعب سنويا، وفي الثاني مليار متر مكعب، وبالعقد الثالث 1.5 مليار متر مكعب".

التحديات الجيوسياسية

ووفقا لخبراء، فإن مشروع نقل الغاز التركماني عبر الأراضي الأفغانية له هدفان اقتصادي وسياسي، هدفه الاقتصادي هو تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة لحوالي 2.3 مليار شخص يعيشون في جنوب آسيا والصين، وهدفها السياسي هو الحد من التوتر والمساعدة في تطبيع العلاقات في المنطقة.

ويقول الخبير في العلاقات الدولية عبد الخبير كاكر للجزيرة نت: "في الواقع يعتبر مشروع نقل الغاز أو ما يعرف محليا بـ(TAPI) أكثر من مجرد خطة، والخطوة الأولى هي توحيد المنطقة، لكنه في الوقت الحالي يواجه تنفيذه تحديين الأول: موقف المجتمع الدولي من الاعتراف بحكومة طالبان، والثاني العلاقات الثنائية بين الهند وباكستان".

ودائما ما كان تمويل هذا المشروع موضع تساؤل دائما، لأنه يحتاج إلى 12 مليار دولار، وقد وافق بنك التنمية الآسيوي أن يمول المشروع ولكن عدم الاعتراف بحكومة طالبان تسبب في وقف تمويله.

ويقول مصدر -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت "قضية عدم الاعتراف بالحكومة الأفغانية الحالية أمر مقلق، وأن البنك أوقف تمويله ولكن المشروع مهم بالنسبة لتركمانستان وتتطلع إلى تمويله على الأقل في أفغانستان".

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن موقف روسيا وإيران قد يعقّد المشهد، لأن كلا منهما تعتبران أن هذه الخطة تنافس خططهما المنشودة وتقومان بتصدير الطاقة إلى دول جنوب آسيا، وترغب إيران في بيع غازها إلى باكستان والهند كجزء من خطة أنابيب السلام، وأن روسيا وإيران دولتان لهما تأثيرهما على التطورات الإقليمية وخاصة أفغانستان.

ويقول الكاتب والباحث السياسي عبد الله كاموال للجزيرة نت: "تدعم الولايات المتحدة مشروع نقل الغاز التركماني عبر الأراضي الأفغانية لتقليل اعتماد دول جنوب آسيا على الغاز الروسي والإيراني، وباكستان لا تستطيع تجاهل موقف واشنطن بشأن مشاريع الطاقة في المنطقة، وأن إيران وروسيا تخضعان حاليا للعقوبات الدولية".

الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية

مشروع نقل الغاز التركماني بلا شك واحد من أهم المشاريع التي طال انتظارها في آسيا الوسطى، ولا يمكن تجاهل تأثيراته الجغرافية والاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، وترى طهران أن المشروع ينافس أنابيب السلام الإيراني.

من جهة أخرى، يمكن أن يؤدي المشروع لصراع على السلطة بين الهند والصين، في حين ستكون الحكومة الأفغانية بزعامة طالبان أحد الفائزين الرئيسيين بفوائده العديدة، من تعويض عجز الطاقة لديها وتعزيز الموقف الدولي.

ويقول الباحث والكاتب السياسي هارون نوري للجزيرة نت: "مشروع نقل الغاز، تستفيد منه الدول المشاركة فيه، تركمانستان تستفيد منه في زيادة الدخل وتنويع التصدير".

كما أن باكستان والهند -كما يضيف نوري- "تعوضان العجز في الطاقة، وستكون أفغانستان بمثابة جسر بري يربط طاقة آسيا الوسطى بجنوبها، إضافة إلى أنه (المشروع) يلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية بأفغانستان".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحکومة الأفغانیة خط أنابیب الغاز ملیون متر مکعب من ترکمانستان فی أفغانستان آسیا الوسطى حرکة طالبان للجزیرة نت فی المنطقة جنوب آسیا من الغاز الغاز فی

إقرأ أيضاً:

البنك الدولي يستعد لتمويل أول مشروع في سوريا منذ 30 عامًا

صراحة نيوز-بدأ البنك الدولي رسميًا، مناقشة تمويل أول مشروع في سوريا منذ أكثر من 14 عامًا، بعد استئناف المشاورات الفنية مع الحكومة السورية الجديدة، عقب تسوية مستحقات مالية معلقة منذ عام 2011.

ويحمل المشروع، اسم “برنامج إعادة تأهيل البنية التحتية لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا” (SEEP)، تبلغ قيمة التمويل المقترح له 146 مليون دولار، ويدخل حاليا مرحلة التفاوض النهائية ضمن جدول البنك الدولي للمشاريع، تمهيدًا لعرضه رسميا على مجلس المديرين التنفيذيين بتاريخ 24 حزيران 2025.

ويهدف المشروع إلى تحسين استقرار تزويد الكهرباء في سوريا وتعزيز قدرات المؤسسات الحكومية المعنية بإدارة القطاع، من خلال تنفيذ حزمة من الأعمال تشمل إعادة تأهيل خطوط النقل ومحطات التحويل عالية الجهد التي تضررت خلال سنوات النزاع، إلى جانب دعم فني لتطوير السياسات وتنفيذ الإصلاحات المؤسسية اللازمة، وفقًا لأحدث وثائق البنك الدولي.

يتكون المشروع من أربعة مكونات رئيسية؛ يركز المكون الأول على إعادة تأهيل خطوط نقل الكهرباء بقدرة 400 ك.ف، والتي تربط الشبكة السورية بكل من الأردن وتركيا، في خطوة تهدف إلى إعادة ربط سوريا بالشبكة الكهربائية الإقليمية، وتحسين استقرار الشبكة المحلية وتقليل الانقطاعات المتكررة.

أما المكون الثاني فيشمل إصلاح محطات التحويل وتزويدها بالمعدات وقطع الغيار اللازمة، لتحسين تدفق الكهرباء وتقليل الخسائر الفنية، خصوصًا في المناطق المتضررة ذات الكثافة السكانية العالية. ويُعنى المكون الثالث بتقديم المساعدة الفنية للحكومة لتطوير استراتيجيات القطاع وسياساته وخطط الاستثمار متوسطة وطويلة المدى، إلى جانب دعم بناء القدرات المؤسسية لوزارة الكهرباء.

أما المكون الرابع فيغطي جوانب إدارة المشروع، من خلال تمويل تكاليف التنفيذ وتعيين شركة استشارية دولية متخصصة للإشراف الفني والإداري والمالي على مراحل التنفيذ كافة.

وزير المالية السوري يسر برنية، أكد أن هذه المنحة تُعد الأولى التي يتلقاها الجانب السوري من البنك الدولي منذ نحو ثلاثين عاماً، وتمثل تحولاً مهماً في مسار التعاون الدولي مع سوريا، في مرحلة يسعى فيها البلد لإعادة تأهيل بنيته التحتية الحيوية.

وأوضح برنية أن اجتماعات المناقشة يشارك فيها ممثلون فنيون وقانونيون عن وزارة المالية، ووزارة الطاقة، ومصرف سوريا المركزي، إلى جانب خبراء مستقلين، في حين يشارك من جانب البنك الدولي فريق موسّع من الخبراء الماليين والقانونيين والمتخصصين في قطاع الكهرباء، بالإضافة إلى مساهمين عن بعد من مكاتب البنك في باريس وواشنطن.

وأشار الوزير إلى أن الجانب السوري حريص على إنهاء الترتيبات الفنية والقانونية تمهيداً لعرض المشروع رسمياً على مجلس إدارة البنك الدولي لإقراره، مؤكدا التزام الحكومة السورية الكامل بنجاح تنفيذ مشروع المنحة بكفاءة عالية، مشيراً إلى أن هذا النجاح سيمهّد للحصول على منحة مضاعفة خلال العام المالي المقبل الذي يبدأ في تموز 2025.

وتتولى تنفيذ المشروع “المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء” (PETDE) التابعة لوزارة الكهرباء السورية، بالتعاون مع وحدة إدارة المشروع التي سيتم إنشاؤها بدعم مباشر من الشركة الاستشارية الدولية، والتي سيتم التعاقد معها عبر مناقصة دولية مفتوحة.

عودة هذا النوع من التمويل تأتي بعد أن أكد البنك الدولي، في أيار 2025، أن الحكومة السورية سددت كامل ديونها المتأخرة تجاه المؤسسة، وهي خطوة قادتها السعودية وقطر ضمن مبادرة إقليمية أوسع لإعادة دمج سوريا في المؤسسات المالية الدولية.

وأكدت مصادر رسمية في البنك أن تسوية الديون فتحت الباب أمام دراسة مشاريع تمويلية جديدة، على أن تراعي أعلى معايير الشفافية والمساءلة والامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية.

وكانت سوريا قد استُبعدت من الحصول على أي تمويل مباشر من البنك الدولي منذ عام 2011، واكتفى البنك خلال تلك الفترة بإصدار تقارير تحليلية وتقديرات اقتصادية من دون تنفيذ مشاريع تشغيلية. لكن مع تزايد المبادرات الدبلوماسية الإقليمية، عقد وفد سوري رسمي أول اجتماع له منذ أكثر من عقد مع مسؤولي البنك وصندوق النقد الدولي في واشنطن خلال نيسان 2025، لبحث آفاق الدعم الفني والمالي، وفق تصريحات رسمية صدرت عقب الاجتماع.

مقالات مشابهة

  • جراد يقتحم حفل زفاف في تركمانستان ويُفسد الاحتفال
  • أمير منطقة حائل يفتتح مشروع جسر السمراء
  • شركةUCC القابضة تتسلم موقع مشروع محطة الطريفاوي في حلب
  • %40 من العاملين في أفغانستان أطفال.. والفتيات يعملن في الخفاء
  • رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع عقد مشروع شركة "أورسا- UR-SA" التركية للمنسوجات الصناعية والتغليف البلاستيكي
  • محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع سترة
  • اقتصادية قناة السويس توقع عقد مشروع جديد مع أولوسوي التركية لصناعة الغزل والخيوط
  • هاني استقبل وفدا من مشروع Seed Lebanon
  • رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع عقد مشروع جديد مع شركة أولوسوي التركية لصناعة الغزل والخيوط
  • البنك الدولي يستعد لتمويل أول مشروع في سوريا منذ 30 عامًا