سياسة نتنياهو إزاء الحرب على غزة تعزز انقسام الشارع الإسرائيلي
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
القدس المحتلة- عشية الشهر السادس للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بدت إسرائيل منقسمة على نفسها بشأن أولويات الحرب، لكنها مجمعة في ما بينها على استمرار قتال فصائل المقاومة الفلسطينية -وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- على أن تكون بوصلة ذلك استعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين الموجودين في القطاع.
تشكل الرأي العام بين الجمهور الإسرائيلي الداعم للحرب نتيجة للصدمة الجماعية التي تلقاها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع بدء معركة "طوفان الأقصى"، والتي شكلت شعورا بالتهديد الوجودي، وبالتالي إجماعا واسع النطاق على أن إسرائيل تخوض حربا بلا خيار، وهذا ما روج له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وعلى أساس التأييد الشعبي الإسرائيلي الواسع للغاية لأهداف الحرب وللعمليات البرية للجيش الإسرائيلي المتمثلة في إعادة جميع المحتجزين وتدمير الترسانة العسكرية للمقاومة الفلسطينية وإنهاء حكم حماس، ناور نتنياهو لإطالة أمد الحرب، وهو ما تلاقى مع مصلحته السياسية الشخصية بالبقاء على كرسي رئاسة الوزراء وتجنب المحاكمة بتهمة الفساد.
لكن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجنود الإسرائيليين عكس حالة الفشل الإسرائيلي بالقضاء على حماس عسكريا وسياسيا، وشكّل ذلك تحديا كبيرا لقدرة المجتمع الداخلي على الصمود، وسط اتساع الاحتجاجات المطالبة بإبرام صفقة تبادل شاملة تضمن إعادة جميع المحتجزين، وهو ما ألقى بظلاله على المشهد السياسي والحزبي بإسرائيل.
في ظل الحرب والسجال المتواصل بشأن تحقيق أهدافها وحالة الصدام في المسارين الدبلوماسي والسياسي مع البيت الأبيض ودول الغرب تشهد الخارطة السياسية الإسرائيلية حالة من الانقسام، ما بين التأييد المطلق والداعم لنتنياهو وبين المعارضة لسياساته في إدارة الحرب وملف المحتجزين.
فمن جهة، يحظى نتنياهو بدعم مطلق من كل من الائتلاف الحاكم برئاسة حزب الليكود، والمعسكر الحريدي ممثلا بحزب "شاس" برئاسة أرييه درعي، وحزب "يهودية التوراة" برئاسة موشيه غافني، ومعسكر اليمين المتطرف ممثلا بحزب "عظمة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، وتحالف "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه بتسلئيل سموتريتش.
وفي الجانب الآخر، تبدي كتلة المعارضة تحفظا على نهج نتنياهو في إدارة الحرب وتضع ملف المحتجزين في سلّم الأولويات متمثلة بكل من حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لبيد وحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان وحزب العمل برئاسة ميراف ميخائيلي.
وعلى بعد من جميع مكونات الخارطة السياسية الإسرائيلية تقف الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست معارضة للحرب، وهي "الجبهة والتغيير" برئاسة أيمن عودة والقائمة الموحدة برئاسة منصور عباس، وتدعو إلى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، والبدء بعملية سياسية من أجل إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو/حزيران إلى جانب إسرائيل.
فشل نتنياهووفي قراءة لتباين هذه المواقف، يقول المحلل السياسي عكيفا إلدار "إن الاستمرار في الحرب والتيقن باستبعاد تحقيق أهدافها -خاصة إنهاء حكم حماس مدنيا وتحرير المحتجزين- عززا الاعتقاد السائد في المشهد السياسي الإسرائيلي بأن نتنياهو يوظف إطالة أمد الحرب لمصالحة الشخصية للبقاء في الحكم".
وأوضح المحلل السياسي للجزيرة نت أن "نتنياهو -الذي لن يتردد بتفكيك حكومة الطوارئ والاستغناء عن التحالف مع المعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس– يحظى حتى الآن بدعم الائتلاف الحكومي الذي يعتمد على اليمين المتطرف والأحزاب الحريدية، حيث يبدو هذا الائتلاف المكون من 64 عضوا في الكنيست متماسكا، باستثناء موقف وزير الأمن يوآف غالانت الذي يعارض سياسات نتنياهو في إدارة الحرب".
ولفت إلى أن التقاء مصالح الائتلاف الحاكم يمنح طوق نجاه لنتنياهو، ويمكنه من مواصلة المناورة والاستمرار بالحرب وتحدي الإدارة الأميركية التي تراهن على غانتس كورقة ضغط داخلية، فهو يلتقي مع واشنطن بكل ما يتعلق في أولويات الحرب.
واستذكر إلدار التوتر والخلافات بين نتنياهو وغالانت بكل ما يتعلق في سير الحرب، والتجاوب مع مطالب الرئيس جو بايدن بشأن صفقة التبادل وتنفيذ وقف مؤقت لإطلاق النار، وإحداث تغييرات في تركيبة الائتلاف الحكومي.
ويعتقد المحلل السياسي أن نتنياهو -الذي يواجه أزمات داخلية متعددة تتمحور حول فشله في تحقيق أهداف الحرب- يجد نفسه قبالة محطة مفصلية في مسيرته السياسية بسبب قانون تجنيد الحريديم، وهو القانون الذي يحظى بدعم أغلبية الأحزاب السياسية من الائتلاف والمعارضة.
أثر الحرببدوره، يقول المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير إنه "مع مرور الوقت وتكشف حقيقة عدم تحقيق أهداف الحرب واحتدام المعارك والاشتباكات في شمال ووسط القطاع -وهي المناطق التي زعم الجيش الإسرائيلي السيطرة عليها- تباينت المواقف بشأن أولويات الحرب حتى داخل حكومة الطوارئ".
وأوضح كلير -وهو ناشط في الحراك الداعي لتحرير المحتجزين ووقف الحرب- للجزيرة نت أن "هذه الخلافات تعكس تصاعد الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي والمطالبة بوقف الحرب واستعادة جميع المحتجزين مهما كان الثمن، وساهمت بتقويض التضامن الاجتماعي العام والمرونة، وباتت تلقي ضوءا سلبيا على ملف المحتجزين والدعم الشعبي للمجهود الحربي".
وأضاف أن "الحرب الطويلة والإخفاق العسكري في تحقيق أهداف الحرب ساهما في إحداث تصدعات في الإجماع الشعبي الإسرائيلي بشأن استمرار الحرب التي توسعت إلى جبهات إضافية، وأصبحت معقدة مع بقاء الأغلبية العظمى من المحتجزين في الأسر".
وأشار كلير إلى أن "المعارضة تختلف مع نتنياهو في أولويات الحرب وليس في مبدأ القتال، وتضع ملف تحرير المحتجزين في سلّم الأولويات، لكنها تسعى لاستغلال الأزمات والضغوطات الخارجية وكافة الظروف التراكمية من أجل استبدال نتنياهو في الكنيست الحالي أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في ظل الحرب والانقسامات".
شرخ مجتمعيفي الآونة الأخيرة عادت الخلافات والانقسامات السياسية إلى الواجهة في الخطاب العام الإسرائيلي، بحسب تقدير موقف صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، مما يشكل تحديات كبيرة أمام المرونة الاجتماعية في إسرائيل.
ووفقا لتقديرات الجنرال مائير ألران المساعد السابق لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) والمتخصص في علم الاجتماع عنات شبيرا اللذين صاغا تقدير الموقف لمركز الأبحاث، فإن "استمرار الحرب وعودة الخلافات والانقسامات أظهرا تقويض التضامن الاجتماعي وقللا الثقة في الأنظمة والمؤسسات الإسرائيلية المختلفة وطريقة اتخاذ القرارات، وألقيا ظلالا من الشكوك على دوافع منظمات المجتمع المدني والأحزاب".
ويعتقد ألران وشبيرا أنه "يتعين على صانعي السياسات والسياسيين في إسرائيل توخي الحذر الشديد لتجنب الخطاب السياسي السام والمهين، وتجنب التصويت باستقطاب سياسي في القضايا الحساسة المتعلقة بالحرب والتي طفت الخلافات بشأنها، مثل قضية المحتجزين، الأمر الذي من شأنه أن يعمق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي ويظهر هشاشة الجبهة الداخلية".
باختصار، يقول ألران وشبيرا في تقدير الموقف إن "عودة الخطاب السياسي المسموم والانقسام قد يكونان عاملين سلبيين كبيرين في بناء القدرة الاجتماعية اللازمة لتعافي المجتمع الإسرائيلي من الأزمة الحادة وتداعيات الحرب والآثار والتراكمات السلبية، مما من شأنه أن يسهم بتعميق الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، حتى بالقضايا المتعلقة بالحرب والمحتجزين".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تحقیق أهداف الحرب جمیع المحتجزین أولویات الحرب نتنیاهو فی
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: من يقف وراء سياسة ترامب الخارجية المعادية لأوروبا؟
قالت صحيفة واشنطن بوست إن إستراتيجية الأمن القومي الأميركية، التي كشف عنها الأسبوع الماضي، تزعم أن الهجرة إلى أوروبا ستؤدي إلى "محو حضاري"، وتساءلت: كيف يمكن صياغة بيان للسياسة الخارجية لرئيس أميركي يقود بحدسه أكثر مما يقود بالمؤسسات؟
وتناولت الصحيفة -في مقال تحليلي بقلم الكاتب أندرو روث- الخلفيات الفكرية والسياسية لإستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، التي أثارت صدمة واسعة لدى الحلفاء الأوروبيين بسبب لغتها الحادة ومضامينها غير المسبوقة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"العودة إلى الأرض".. حي سكني للبيض فقط في أركنساس بأميركاlist 2 of 2وول ستريت جورنال: الجيش الأميركي يغير أدواته وتكتيكاته استعدادا لحرب المحيط الهاديend of listورأى الكاتب أن الوثيقة، التي صيغت إلى حد كبير على يد مايكل أنتون، أحد أبرز منظّري تيار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (ماغا)، تصور الهجرة إلى أوروبا باعتبارها تهديدا وجوديا يؤدي إلى "محو حضاري"، وتعيد تعريف أولويات السياسة الخارجية الأميركية بعيدا عن الشراكة التقليدية مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكتب كريستوفر لانداو، نائب وزير الخارجية الذي يقود جهود الترويج لأهداف الإدارة في مجال الهجرة، بعد وقت قصير من صدور الوثيقة: "إما أن تكون الدول الأوروبية الكبرى شركاء لنا في حماية الحضارة الغربية التي ورثناها عنها، أو لا تكون. لكن لا يمكننا التظاهر بالشراكة بينما تسمح تلك الدول لبيروقراطية بروكسل غير المنتخبة وغير الديمقراطية وغير التمثيلية بانتهاج سياسات انتحار حضاري".
طلاق سياسيونبه المقال إلى أن الإستراتيجية الجديدة تمثل قطيعة مع عقود من الإجماع الأميركي الذي اعتبر أوروبا شريكا أساسيا في مواجهة القوى الكبرى مثل روسيا والصين، وهي تحول التركيز من المنافسة الجيوسياسية إلى اعتبار الهجرة الخطر الأكبر على الغرب، مع استعداد واشنطن للتقارب مع قوى أوروبية غير ليبرالية.
إعلانوقد دفع هذا التحول قادة أوروبيين إلى اعتبار التشكيك الأميركي في أوروبا عقيدة رسمية، مما أثار شعورا بأن العلاقة عبر الأطلسي تدخل مرحلة "طلاق سياسي". وقال ماكس بيرغمان، مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية "إن الأمر يشبه الطلاق. هم لا يريدون أن ينتهي الزواج. يبحثون عن إشارات تدل على أن الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بهم، وهذه الوثيقة تأكيد بأن الأمر انتهى".
مضمون الإستراتيجية يعكس بوضوح حدس ترامب السياسي وخطابه الرافض للتعددية الثقافية (…) وهي تبدو أقرب إلى بيان أيديولوجي صاغه مستشاروه لمنح إطار فكري لغرائز الرئيس، أكثر من كونها خطة تنفيذية دقيقة
ويشير الكاتب إلى أن مضمون الإستراتيجية يعكس بوضوح حدس ترامب السياسي وخطابه الرافض للتعددية الثقافية، وهو ما أكده في تصريحات لاحقة هاجم فيها سياسات الهجرة الأوروبية، وبهذا المعنى تبدو الوثيقة أقرب إلى بيان أيديولوجي صاغه مستشاروه لمنح إطار فكري لغرائز الرئيس، أكثر من كونها خطة تنفيذية دقيقة.
ورغم التشكيك في قدرة هذه الإستراتيجية على توجيه السياسات الفعلية -كما يقول الكاتب- تظهر مؤشرات على ترجمة أفكارها عمليا، من خلال توجيه السفارات الأميركية لجمع بيانات عن جرائم المهاجرين، وتشديد الخطاب الرسمي ضد الاتحاد الأوروبي، وإعادة صياغة تقارير حقوق الإنسان بما ينسجم مع رؤية الإدارة.
وخلص الكاتب إلى أن أهمية هذه الإستراتيجية لا تكمن فقط في تأثيرها الفوري، بل في كونها مسودة فكرية لسياسة خارجية محتملة طويلة الأمد لحركة ماغا، قد يتبناها قادة مستقبليون مقربون من ترامب، وهي تعكس تحولا عميقا في النظرة الأميركية إلى أوروبا والعالم، وتكشف عن صراع أوسع حول هوية الولايات المتحدة ودورها الدولي في مرحلة ما بعد الليبرالية.