البشرية وهي تبتعد عن إنسانيتها
تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT
آخر تحديث: 7 مارس 2024 - 10:03 صبقلم: فاروق يوسف كنت شاهدا على حرب فيتنام غائبا عنها، وكنت شاهدا على الحروب على العراق حاضرا في مآسيها باستثناء حرب احتلاله. وها أنا ذا أعيش حرب غزة شاهدا غائبا ومغيبا، يبحث عن قيمة لصوته في خضم ضجيج أعمى. وبقدر ما عشته ورأيته وسمعت عنه وعانيته وسعيت إلى فهمه يمكنني القول إن البشرية لا تملك إرادة واضحة في الدفاع عن مبادئها الإنسانية في مواجهة غريزة وحشية لم تتمكن من تهذيبها والتحكم بها.
في كل لحظة انتهاك تندثر قيم، خُيل لنا في وقت ما أنها ستكون قادرة على الحد من شرور الإنسان في سعيه إلى توسيع مصالحه الضيقة على حساب حياة الآخرين وسبل الخروج بهم من مأزق الوقوع تحت ضغوط الفقر والجهل والعوز. لا يزال القوي يأكل الضعيف توهما منه بأن ذلك سيجعله أكثر قوة. لا يزال وهم “البقاء للأقوى” مسؤولا عن الانحراف بالمعادلة الإنسانية عن الحق. “المعذبون في الأرض” ما زالوا يؤثثون عذابهم بمختلف المظلات العقائدية بحثا عن طريقة للمواجهة، هي في حقيقتها مناسبة لصنع أسباب للاختلاف لا لردم الفجوة التي يسببها سوء الفهم المزمن. أولئك المعذبون لا يملكون سلاحا منطقيا، من شأن استعماله أن يقلل من عذابهم. وهو ما يتلذذ به دعاة الاستغلال والابتزاز والعدوان وصناع الحروب. البشرية لا تدافع عن نفسها حين تختار الهجوم وسيلة للرد. تلك وسيلة أثبتت فشلها. على سبيل المثال كان الإيحاء بالقوة الذي مارسه صدام حسين سببا استقوى به الأميركان في غزوهم للعراق وتدمير دولته. هناك أخطاء ترتكبها البشرية في الدفاع عن حقها في البقاء يستفيد منها دعاة الحرب. البشر يعاني من ازدواجية مريضة صار تجار الحروب يستفيدون منها. فالقوة ليست هي الحل كما أن التستر بالعقائد لن يضفي شيئا من العدالة على صراع، هدفه الحرب وإذا كانت الحرب كما كان يُقال هي آخر الحلول، هي الحل الذي يتم اللجوء إليه حين تفرغ السلة من الحلول فإن البشرية على عجلة من أمرها وليس لديها وقت إلا للإنصات لطبول الحرب والهتاف بالأناشيد التي لم تُكتب من أجل حرب بعينها بل كُتبت لتكون صالحة لكل الحروب. أما فكرة الحرب العادلة فقد مرغها محترفو الحرب في أوحال مكائدهم ودسائسهم وأكاذيبهم. فصارت واقعة نيويورك التي لا تزال الشكوك تحوم حولها سببا في تدمير بلدين (أفغانستان والعراق) ووقف القانون الدولي عاجزا عن منع ذلك. وما يحدث اليوم في غزة يعد ملحقا بما جرى بالأمس. يوم غزا الأميركان العراق خرجت الملايين في شوارع عواصم العالم غير أن صوتها لم يمنع القذائف من السقوط على بغداد ولم يربح العراقيون منها إلا الرثاء والشفقة. حين أسقط الأميركان قنابلهم على هيروشيما وناغازاكي كانوا يفكرون في السلام. وهي كذبة، كانت مجرد غطاء لتجريب السلاح النووي والانتقال بالحرب إلى عصر جديد. بعدها صارت الدول تتسابق من أجل امتلاك أسلحة الدمار الشامل تحت شعار “توازن الرعب”. المصطلح نفسه يفتح الباب على حياة، يكون الخوف أساسها. هل كانت الدول تخاف على شعوبها أم أن الشعوب كانت تخاف مما تخطط له دولها من مشاريع قتل تفتك بالثروات التي قُدر لها أن تكون مجرد حطب يُلقى في محرقة حرب قد تحدث في أية لحظة؟ ولم تتعلم الدول شيئا من سباق التسلح الذي أسقط دولة كبرى مثل الاتحاد السوفييتي. لقد وقعت الكثير من الحروب المدمرة تحت غطاء الحرب الباردة التي كان طرفاها الاتحاد السوفييتي بمنظومته الشرقية والولايات المتحدة بحلفائها الغربيين. حرب باردة استدعت الكثير من الحروب الساخنة التي سحقت آمال الملايين في حياة تليق بالبشر. ولكن أي بشر نحن وقد وهب الكثيرون منا قلوبهم للسلاح بعد أن اعتبروه صديقا. ما من فكرة أكثر تفاهة من تلك الفكرة التي تجعل الجبان ينتصر على الشجاع ويرديه قتيلا. أما العقائد وقد تصدرت أسباب الخلاف الذي تشن من أجله الحروب فإنها فقدت جوهرها الإنساني لتكون وسيلة بالعودة بالإنسان إلى ما قبلها، يوم كان يفكر بغرائزه وليس بعقله لحماية مصالحه. وليست الحرب الدائمة كما ينفذها الإيرانيون وأتباعهم سوى عودة إلى مرحلة ما قبل قيام الدول واستقرار المجتمعات في مناطق نفوذ معترف بها قانونيا. ما يفعله الحوثيون في البحر الأحمر على سبيل المثال يكشف عن أن إيران قد أطلقت العنان لأتباعها من قطاع الطرق ليستدعوا القوى الكبرى لإشعال حرب جديدة. فكرة إشعال المنطقة هي فكرة إيرانية لم تنفع معها محاولات تصفير المشكلات التي بذلتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بجهد رفيع.يعاني البشر من ازدواجية مريضة صار تجار الحروب يستفيدون منها. فالقوة ليست هي الحل كما أن التستر بالعقائد لن يضفي شيئا من العدالة على صراع، هدفه الحرب.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
هل كانت روسيا حليفًا متخاذلًا لإيران في اللحظة المفصلية؟
رغم معاهدة الشراكة التي وقعها الطرفان مطلع العام، فإنها لا تتضمن التزامات عسكرية مباشرة. اعلان
بعد اندلاع المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، والتي استمرت 12 يومًا، كانت الضربات متبادلة على نحو غير مسبوق. بدأت إسرائيل الحملة الجوية بادعاء تحييد البرنامج النووي الإيراني، لكن استهدافها لقيادات بارزة وعلماء نوويين أوحى بأهداف أعمق، ربما تصل إلى حد تغيير النظام، وهو ما أفصح عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمنيا بدعوة الشعب الإيراني للثورة على النظام، وتلويحه بإمكانية اغتيال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
التصعيد بلغ ذروته مع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، فشنت فجر 22 حزيران/ يونيو ضربات قوية استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية. إيران ردّت بهجوم على قاعدة العديد الأميركية في قطر، ثم انتهى التصعيد بإعلان وقف إطلاق النار. رغم الخسائر، اعتبرت طهران أنها صمدت وأثبتت قدرتها على الرد، لكن اللافت أن هذه المواجهة كشفت طبيعة تحالفاتها، خصوصًا مع موسكو.
روسيا: شريك صامت في لحظة مفصلية؟
رغم الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران، اكتفت موسكو بإدانة شكلية للهجمات الإسرائيلية، من دون تقديم دعم فعلي. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن استعداده للوساطة، دون أن يلوّح بأي تدخل. الكرملين حذّر من محاولة اغتيال خامنئي واعتبرها "غير مقبولة"، لكنه لم يوضح كيف سيرد في حال حدوث ذلك.
حتى تهديد ديمتري ميدفيديف بأن دولاً ثالثة قد تزود طهران بأسلحة نووية بدا بلا تأثير أو تبنٍ رسمي. ووفق قناة "دويتش فيله"، فإن روسيا لم تكن تنوي أصلاً دعم إيران عسكريًا رغم تحالفهاما العميق.
المواقف الروسية الباردة ليست جديدة. خلال الحرب السورية، سمحت موسكو لإسرائيل بضرب الميليشيات الإيرانية دون تفعيل دفاعاتها الجوية. كذلك، رغم إعلان صفقات لبيع طائرات "سوخوي 35" و"مي-28" لطهران، لم تحصل إيران فعليًا إلا على طائرات تدريب.
وعندما دُمرت أنظمة دفاع جوي إيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، لم تبادر روسيا لتعويضها، ورفض بوتين لاحقًا الإقرار بطلبات دعم جديدة من طهران.
في هذا السياق، تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن إيران طلبت رسميًا من روسيا تزويدها بأنظمة دفاع ومساعدة في ترميم شبكة الطاقة النووية، دون أي تجاوب يُذكر حتى الآن.
Relatedوزير الدفاع الأميركي: تسريب التقرير الاستخباراتي هدفه التشكيك في نجاح الضربة بإيران والنيل من ترامب مستذكرًا تجربة الاتحاد السوفيتي.. وزير بولندي: هكذا يمكن إسقاط حكم فلاديمير بوتينالموساد يشيد بـ"العملية التاريخية" ضد إيران ويشكر الاستخبارات الأميركيةمنطق الحسابات الروسية: أين المصلحة؟
رغم معاهدة الشراكة التي وقعها الطرفان مطلع العام، فإنها لا تتضمن التزامات عسكرية مباشرة. ويبدو أن روسيا وجدت في الحرب فرصة لصرف أنظار الغرب عن أوكرانيا.
فقد استغلت انشغال واشنطن وأوروبا، وشنّت هجومًا واسعًا على كييف أسفر عن عشرات القتلى. بحسب "دويتش فيله"، فإن موسكو ترى في هذه الحرب خدمة مجانية لمصالحها في صراعها الأساسي شرق أوروبا.
علاوة على ذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 15% نتيجة الأزمة شكّل مكسبًا قصير الأمد لروسيا، التي تسعى إلى التخفيف من الأعباء الاقتصادية الناجمة عن حربها الطويلة في أوكرانيا.
ووفق تحليل نشرته "ذي أتلانتيك"، فإن موسكو لا تتحمس لفكرة امتلاك إيران لسلاح نووي. إيران بالنسبة لها شريك طموح، وليس تابعًا، وهي تدرك أن تجاوز طهران للعتبة النووية سيجعلها منافسًا إقليميًا لا يمكن تطويعه. كما أن موسكو تحرص على موازنة علاقاتها مع إسرائيل والخليج، ما يجعلها حذرة من دعم عسكري مباشر لطهران قد يستفز هذه الأطراف.
في الوقت نفسه، تراجعت حاجة روسيا إلى طائرات إيران المسيّرة التي اعتمدت عليها في البداية بحربها ضد أوكرانيا، إذ باتت تصنع نماذجها المحلية وتستورد المكونات من مصادر أخرى.
التوازن الصعب
المفارقة أن روسيا تدخلت بقوة لإنقاذ الأسد في سوريا، لكنها لم تُبدِ الرغبة ذاتها تجاه إيران. بوتين عرض اللجوء للأسد بعد سقوطه ولم يتحرك عسكريًا. وسبق أن امتنعت موسكو عن دعم أرمينيا – رغم اتفاق دفاع مشترك – حين تعرضت لهجوم أذري عام 2023، ما دفع يريفان للانفتاح على الغرب.
موسكو ببساطة لا ترى في أي من هذه الساحات اليوم ما يستحق المغامرة. بالنسبة لبوتين، فإن خسارة حليف أقل كلفة من خوض حرب جديدة غير مضمونة، قد تُظهر روسيا بمظهر الضعف بدل أن تعزز نفوذها.
يتّضح أن السياسة الروسية إزاء إيران تقوم على مزيج من البراغماتية والحذر. موسكو لا ترغب بانهيار النظام الإيراني، لكنها لا ترى مصلحة في المغامرة لحمايته، خصوصًا أنه لا يتصرف على أنه تابع بل شريك ندي. في المقابل، فإن توازنات روسيا مع الخليج وإسرائيل وأولوية معركتها في أوكرانيا تجعل دعمها لطهران محدودًا، سياسيًا وعسكريًا.
في نهاية المطاف، لم تكن الحرب اختبارًا للقوة الإيرانية فحسب، بل كانت أيضًا لحظة كاشفة لحدود التضامن الروسي، وأسئلة جوهرية عن قيمة التحالفات.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة