في أولى محاضراته الرمضانية.. السيد القائد يشدد على الرجوع إلى هدى الله في شهر رمضان المبارك
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
يمانيون/ خاص
أطلَّ السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في أولى محاضراته الرمضانية لهذا العام 1445هـ، والتي ستستمر طوال هذا الشهر الكريم، مستهلاً حديثه عن التقوى، ومؤكداً على أن المحاضرات الرمضانية لهذا العام ستتركز في الحديث عن التقوى، في المحاضرتين الأولى والثانية، ثم سينتقل ـ بإذن الله ـ إلى القصص القرآني.
وأشار السيد عبدالملك في محاضرته إلى أن إدراك شهر رمضان من جديد يعتبر فرصةً ثمينةً ومهمةً ومتجددةً للإنسان.. مؤكداً أن الإنسان في مسيرة حياته هو يسير إلى الله، ومصيره الحتمي إلى الله سبحانه وتعالى، وأنه مهما كان معانداً، وعاصياً، ومغروراً، وغافلاً، ومبتعداً عن نهج الله هذا لن يعفيه أبداً من هذا المصير.. مضيفاً أن الإنسان معني، إذا كان يريد الخير لنفسه، أن يتذكر مسؤوليته أمام الله سبحانه وتعالى تجاه أعماله.
وأكد السيد عبدالملك أن من أهم ما ينبغي أن نركز عليه في شهر رمضان هو الإقبال على هدى الله، وأن نفتح قلوبنا لهدى الله، من واقع الشعور بالحاجة إلى هدى الله سبحانه وتعالى، مشدداً على أن المؤمن ينتفع بالتذكير للخروج من حالة الغفلة خصوصاً في شهر رمضان المبارك بما فيه من بركات وبما فيه من أجواء تساعد الإنسان للانتفاع بهدى الله سبحانه وتعالى.
ولفت السيد القائد إلى أن شهر رمضان يعتبر فرصة عظيمة للإنسان لأنه يتهيأ فيه من إصلاح وتزكية والسعي للرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة والإنابة، مجدداً التأكيد على أنه في مقدمة ما يحرص الإنسان عليه من بداية شهر رمضان، هو إصلاح علاقته مع هدى الله ليكون ممن يتذكَّر.
وحذر السيد عبدالملك من حالة خطيرة على الإنسان، إذا أصبح في واقعه لم يعد يتفاعل مع هدى الله، لأن الإنسان ينبغي عليه أن يحرص هو على تهيئة نفسه ومشاعره لتلقي هدى الله تعالى، والانتفاع به، مؤكداً أن حالة الإعراض هي الحالة التي يتجه الإنسان إليها بعد أن يفقد العلاقة الإيجابية مع هدى الله سبحانه وتعالى.
وأضاف قائد الثورة “على الإنسان أن يدرك أهمية هذه الفرصة وقيمة هذه الفرصة حتى لا يهدر أيام شهر رمضان ولياليه المباركة من دون استفادةٍ منها واغتنامٍ لها”.
وجدد السيد عبدالملك التحذير من حالة الإعراض مؤكداً أنها حالة سيئة بالنسبة للإنسان؛ لأنه يسيء إلى الله حينما يتجاهل آيات الله ربه، لافتاً إلى أنه مع الإعراض، مع التجاهل لهدى الله سبحانه وتعالى، مع الغفلة التي يتجه إليها الإنسان، يخذل بشكلٍ تلقائي.
وقال السيد القائد أن أحوال الناس تحصل فيها الكثير من المتغيرات، وهكذا تطرأ على الإنسان الكثير في نفسه، في أحواله، في ظروف حياته، ثم في الواقع من حوله، لكن مهما كانت هذه المتغيرات فإنها تأتي في إطار رحلة الإنسان ومسيرة حياته.
مؤكداً على أن الإنسان في مسيرة حياته وفي هذه الرحلة، وبما يطرأ فيها من متغيرات، فهو يسير إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مصيره الحتمي إلى الله “جلَّ شأنه”، إلى الله المصير، فهكذا يقول الله في القرآن.
لافتاً إلى أن الإنسان يرى أنه لا يبقى في وضعية واحدة، ولا في حالة واحدة، بل يرى نفسه فعلاً في رحلة هذه الحياة ومسيرة هذه الحياة يتجه إلى هذا المنتهى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}، فإلى الله المنتهى، وإليه الرجعى، والمصير إليه “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، كما قال في القرآن الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ}
مؤكداً أن الإنسان يتذكر في الآخرة يتذكر ولكن يتذكر متأخراً جداً، بعد فوات الأوان لأنه يدرك في اللحظة الأخيرة من هذه الحياة أنَّ الفرصة قد انتهت.
وقال السيد القائد أن الإنسان أمامه فرصة كبيرة في هذه الحياة ليقدِّم لحياته الأبدية، لمستقبله الأبدي، لمصيره في الآخرة، مذكراً بقوله “جلَّ شأنه”: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} فمصير كُلٌّ منَّا إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومسيرة حياته هي تتجه به إلى هذا المصير، والرحلة التي هي في هذه الحياة، يتنقل فيها الإنسان من حالٍ إلى حال، ومن مرحلةٍ إلى مرحلة، هي تتجه به إلى هذا المصير: إلى الله سبحانه وتعالى
وشدد السيد عبدالملك على اغتنام الفرصة الثمينة في شهر رمضان، وأن علينا جميعاً أن ندرك قيمتها وأهميتها. #التقوى#السيد القائد عبدالملك بدالدين الحوثي#شهر رمضان#هدى اللهالمحاضرات الرمضانية
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید عبدالملک السید القائد فی شهر رمضان أن الإنسان هذه الحیاة إلى الله على أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا تجب علينا المكابدة؟
كابَدَ يُكابِدُ مُكابَدَة فيكون الإنسانُ مُكابِدا. ويُقال كابَدَ الأمر أي تكبَّدهُ؛ فقاسى شدَّته وتحمَّل مشاقه، وركب هوله ومصاعبه. ويُقال كذلك كَبَدَ ابن آدم الأمر أي قَصَدَهُ. وكبَّد العدو خسائرَ أي أنزلها به وكلَّفه إياها. والكَبِدُ وسط الشيء ومعظمه، وهو العضو في الجانب الأيمن من بطن الإنسان، وإليه يُنسب الأولاد، كناية عن إنهم أعز ما وهبنا؛ فيُقال لهم: أفلاذ أكبادنا. وكبِدُ الأرض ما في بطنها من معادن نفيسة. ويوصف الإنسان بغلظة الكبد كناية عن شراسته، والشيء "يُفتِّت الأكباد" كناية عن تسبُّبه بحزنٍ شديد مُمض. وإذا قَدَر الإنسان على الفلاة؛ يُقال تكبَّدها. ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.
وقد وردت لفظة الكَبَد واشتقاقتها في القرآن الكريم مرَّة واحدة فحسب (سورة البلد؛ اﻵية رقم 4): "لقد خلقنا الإنسان في كَبَد"، بمعنى المشقَّة والشدَّة والعناء، وقيل بمعنى انتصاب القامة واعتدالها، وقيل القوة والقصد. وما من شيء يمنع جمع المقصد القرآني لهذه المعاني كلها؛ فلا تعارُض بينها في شأن الإنسان وحاله، بل هو تكامُل رباني معجز. فإن المكلَّف الذي ألقي به -حرفيّا- إلى داخل هذا التاريخ، ليحيا في مجال التجربة والخطأ، والذنب والتوبة والطغيان والأوبة؛ أي ليخوض غمار اختياره الإنساني -بمشيئة الله وتقديره- هو سائرٌ انتصبت قامته ابتداء -رغم معاناته- فلا تنكسر قامته، وينتكس في هذا السير القصدي الغائي؛ إلا بأن يوكل إلى نفسه والعياذ بالله. فإنه إن لم يَستَعِن صادقا بمن كلَّفه تكبُّد وجوده؛ لم ينَل معونة على ما كُلِّف وضاع.
والكبد والمكابدة هي -باختصارٍ غير مُخِلٍّ- فلسفة التاريخ الإسلامي، التي أشار إليها القرآن إجمالا في سورة البلد، وفصَّلها خاتما سورة العصر؛ إذ بسط مآل الخُسر التاريخي الحتمي وغايته في قوله جلَّ شأنه: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر". فإنه لم يجعل لهذا الخسر الحتمي الذي نُكابده، والتاريخ المحيق الذي نُعانيه؛ مآلا دنيويّا برانيّا مُعينا تنعقد عليه اليد، وإنما غيَّب المآل داخل التاريخ، وجعل التواصي هو كل ما يطمع فيه ابن آدم داخل هذا التاريخ: التصبُّر والتواصي، والتكاتُف في احتمال الخُسر الدنيوي البراني الحتمي؛ لئلا ينعكس انعاكسا انتكاسيّا على المجال الجواني له، فيرتد الإنسان -معاذ الله- من أحسن تقويمٍ إلى الانكباب على وجهه، باعتبار هذا الانكباب الضال المُضِل نقضا للكَبَد والمكابدة، وعكسا لطريق السير المنتصب القامة على صراط مُستقيم؛ قاصدا رب البرية. وبعبارة أخرى، فإن فلسفة الكَبَد التاريخيَّة هذه تعني أننا خلقنا للمشقَّة والمعاناة، ولاحتمال هذه المعاناة، وأن جوهر الإيمان هو التواصي على هذا الاحتمال بحول الله، والتكاتُف أثناء عبور هذه الدار؛ لنعرُج بهذه الآلام إلى الله، وقد أقمنا الحجة على أنفسنا بالسير في هذا الطريق الشاق بزاد التواصي.
ولهذا، فرَّق الإسلام تفرِقَة قاطعة بين المكب على وجهه لا يُبصر طريقه (سورة الملك؛ الآية رقم 22)، ومن يسير سويّا مُعتدل القامة على صراط الله المستقيم؛ إذ هما الطريقان الوحيدان، اللذان تتجسَّد فيهما هذه الفلسفة التاريخيَّة. ولا يستوي من يُقاسي الشدة ويعاني المشاق الحتميَّة، وهو لا يُبصر غايته، ومن يركب الهول والمصاعب، وهو يرى ربه العلي سبحانه؛ إذ تعلَّق بصره بما تجاوز الزمكان وعلا فوق التاريخ. جلَّ شأنه وتبارك اسمه ولا إله غيره. والعجيب أن هذا المصدر الفذ، يطوي من المعاني ما يوافق حال الإنسان في مسيره الدنيوي، ويطابق أموره كلها داخل هذا التاريخ. فإنك ترى المكب على وجهه -والعياذ بالله- قد غلظ كبده، وظهرت شراسته، وعمي إلا عما جُعل في كبد الأرض، وغفل بانكبابه عن النظر إلى كبد السماء، وما يمثله؛ فتفتَّت كبده لكل حزن يُصيبه، إذ أنه لا يرجو من الله ما يرجوه المؤمن، وإن كانت المصيبة تنزلُ بهما معا.
هذه المكابدة ليست موافقة إجمالا للنواميس الإلهية فحسب، بل هي أولا وقبل كل شيء مُفصَّلةٌ على مقاس إنسانيَّة ابن آدم وخصاله المركبة، ومجعولة له جعلا؛ فإنه الكائن الوحيد المكلَّف المفطور على الاختيار، وعلى مكابدة خياراته، ومكابدة وجوده كله -نتيجة هذه الحريَّة- لهذا؛ كانت المكابدة ناموسا لتحقُّق إنسانية الإنسان أولا، ثم لاكتمال إيمانه، وأخيرا لاتساقه مع فلسفة التاريخ الإنساني الموافقة لتركيبه وإيمانه.
هذا التحقُّق يلزمه -أولا- أن تكون المكابدة مُكابدة للنفس دوما، وقبل كل شيء؛ لفجورها وهواها، وضعفها وسقوطها، وشهواتها وإخلادها. فهذه المكابدة الذاتية أصل الفطرة السليمة، ومبتدأ حفظها وشحذها، فإذا انتكست -والعياذ بالله- شرعت في مكابدة السوى، وتمخَّضت عنها أعراض مرضيَّة تُبرئ النفس الأمارة وتعُدُّ الآخرين هم الجحيم -كما ذهب سارتر وأضرابه مثلا- إذ صار الغير أصل كل سوء وبلية. وهذه النفسيَّة نفسيَّة انكباب لا ترى الوجود على حقيقته، ولا تستوعب معنى التكليف، ولا تُدرك حقيقة الحريَّة؛ مُدلَّلة تحسب أنها مركز الكون، وأنها تستحق كل الخير بذاتها ولذاتها، وبمجرد وجودها. فهي دائمة الشكوى من كل شيءٍ وكل أحد، إذا لم تنل ما يوافق هواها من الدنيا؛ فإنما أفسدها توهُّمها المتأله، وإغفالها ثمن حريتها في الاختيار، وغفلتها عن عبوديتها لخالق مُحيط، وعن أن حريَّتها التي أرادها الخالق ابتلاء ومسؤولية؛ لتُميز الباطل من الحق وتختار طريقها بين العناصر التي رُكِّبَت منها أولا؛ فإما الإخلاد إلى الطين أو السمو إلى آفاق الروح.
وانظر إلى إدراك السلف البصير، إذ يقول الجاحظ في المجلَّد الأول من سفره الماتع: "الحيوان"؛ في الفصل الذي عنونه مصلحة الكون في امتزاج الخير والشر: "اعلم أن المصلحة.. امتزاج الخير بالشر، والضار بالنافع.. ولو كان الشر صِرفا هلك الخلق، أو كان الخير محضا سقطت المحنة، وتقطَّعت أسباب الفكرة، ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز.. ولم تكُن للنفس آمال ولم تتشعَّبها الأطماع. ومن لم يعرف كيف الطمع؛ لم يعرف اليأس، ومن جهل اليأس؛ جهل الأمن.. ولو استوت الأمور بَطُل التمييز، وإذا لم تكن كلفة لم تكن مثوبة، ولو كان ذلك لبطلت ثمرة التوكُّل على الله تعالى، واليقين أنه الوزَرُ والحافظ والكالئ والدافع.. وأنه يقبلُ اليسير ويهب الكثير".
أي أن امتزاج الخير والشر ضرورة لتعمل آلة التمييز المفطورة في بني آدم، ويتحقَّق تكليفه، وتتحقَّق إنسانيته الربانية المركَّبة. ولو كان الشر صرفا لا خير معه لهلك الخلق لشدَّة وطأته، ولو كان الخير محضا لا شر معه سقطت المحنة وانتفى التكليف؛ فإما جحيم أرضي من الشر أو فردوس أرضي من الخير، وفي الحالين يصير الإنسان إلى القهر؛ مثله في ذلك مثل الملائكة أو الحيوان! إذ ستنقطع مع جدليَّة الخير والشر أسباب التفكير وتضمُر حكمة المعرفة، وينعدم التمييز؛ إذ استوت الأمور وصار الإنسان مقهورا بالجهل والغريزة كغيره من المخلوقات. وقد قرر أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب أن من لم يعرف الجاهليَّة؛ لم يعرف الإسلام. فمن لم يعرف شرور الجاهليَّة؛ لم يُدرك حجم الخير الذي يطويه الإسلام لاستنقاذ الإنسان من نفسه ومن طينه، بغير الجور على هذا الطين أو إلغائه، وهذا هو مكمن المعجزة في الشريعة المحمدية: معونة على الاختيار وتوفيقٌ وسداد، يخلق التوازُن بين البواعث والغايات، ولا ينكر طينك كما لا يُطلق له العنان، بل يدفعك لتُكابده موفقا مسددا بحول الله؛ تغلبه تارة بمكابدتك ويغلبك أخرى بقعودك. والله يهدي من يشاء.
x.com/abouzekryEG
facebook.com/abouzekry