كان نشر كتاب (الإبانة) في اللغة العربية لأبي المنذر سَلَمة بن مُسلِم العوتبي الصحاري (ق5هـ) فتحا في مسيرة نشر كتب التراث العماني، وقد حظيت تلك النشرة التي صدرت سنة 1420هـ/1999م بتحقيق لجنة من أعضاء مجمع اللغة العربية بالأردن باهتمام بالغ في الأوساط العلمية والبحثية في البلاد العربية، ولعل كتابَي العوتبي (الإبانة) و(الأنساب) من بين أكثر الكتب العُمانية التي لقيت قبولا في لدى الباحثين العرب.
ذكر محققو الإبانة أبرز مصادر العوتبي في الكتاب ومنها مؤلفات ابن قتيبة: الشعر والشعراء وأدب الكاتب وعيون الأخبار، ومنها (العين) للخليل بن أحمد، والجمهرة لابن دريد، والكامل والمقتضب للمبرد، وكتب الجاحظ وكتب ابن جنّي، ومعاني القرآن للفرّاء ومعاني الأخفش والنحاس، وبعض كتب الأمثال ودواوين الشعر، وغيرها.
والكتاب معجم لغوي، لكننا نتعرض هنا إلى حضور عُمان في نص المؤلف، والعوتبي -كما هو معلوم- من أهل صحار وينسب إلى بلدة عوتب من أعمالها. ولعل موضوع الكتاب من جهة ومصادر المؤلف فيه من جهة أخرى كانت وراء قلة ورود اسم عمان وكذا بلده صحار، لكن الكتاب لم يَخلُ من ذلك في مواضع يمكن أن نقسمها بين ما جاء في ذكر لغة أهل عمان في بعض ألفاظ المعجم، وبين ما جاء في أخبار أهل عمان وأعلامهم ومناقبهم. فمن القسم الأول قوله مثلًا: «واليمن وأهل عُمان يقولون للشمس: الضِّح. ولغة أهل عمان موجودة كثيراً في القرآن وفي الأشعار»، وتعريفه لمفردة «البرْخ» المستعملة حتى اليوم:«البرْخُ بلغة أهل عمان: الرخيص، ويقال: البَرْخُ: الجرف. ويقال: كيف أسعارهم؟ فيقال: بَرْخ، أي رخيص»، ونقله عن الفرّاء: «أهْلُ عُمان يُسَمُّونَ القاضي: الفَتَّاح. والفَتَّاح والفَتْحُ: القَضاء، ومنهُ قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا}، أي: يقضي. {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}».
أما من القسم الآخر في أخبار أهل عمان فقد نقل نصا عن الجاحظ استشهد به نور الدين السالمي في كتاب (تحفة الأعيان): «قال عمرو بن بحر: لربما سمعت من لا علم له يقول: ومن أين لأهل عمان البيان؟ وهل يعدون لبلدة واحدة من الخطباء والبلغاء ما يعدون لأهل عمان؟ منهم: مصقلة بن رقبة، أخطب الناس قائما وجالسا ومنافسا ومجيبا ومبتدئا».
وفي معرض ذكره لخطباء أهل عمان نجد العوتبي قد أقرّ عمانية صحار بن عباس العبدي (ت:60هـ) وعدَّه من خطباء أهل عمان، كما عدَّد من خطباءهم صعصعة وزيدا ابني صوحان وأخاهما ووصفهم بقوله: «خطباء مصاقع»، وذكر أيضاً مرة بن التليد الأزدي وقال عنه: «لم يكن في الأرض أجود منه ارتجالا وبديها، ولا أعجب فكرا وتحبيرا منه.
وكان رسول المهلب إلى الحجاج، وله عنده كلام محفوظ»، وذكر أيضا عرفجة بن هرثمة البارقي، وبشر بن المغيرة بن أبي صفرة، ووصفه بأنه لم يكن في الأرض عماني أنطق منه، ثم قال بعد كلام: «فالذي ينكر أن يكون بعمان خطباء ليس يقول ذلك بعلم».
وذكر العوتبي من أعلام اللغة في عمان: الخليل بن أحمد (ت:175هـ)، وأنه خرج إلى البصرة وأقام بها، فنسب إليها، ووصف كتابه العين بقوله: «هو إمام الكتب في اللغة، وما سبقه إلى تأليف مثله أحد، وإليه يتحاكم أهل العلم والأدب فيما يختلفون فيه من اللغة، فيرضون به ويسلمون له»، ثم استطرد في ذكر مناقب الخليل: «وهو صاحب النحو وإليه ينسب، وهو أول من بوبه وأوضحه ورتبه وشرحه. وهو صاحب العروض والنقط والشكل، والناس تبع له، وله فضيلة السبق إليه، والتقدم فيه».
وفي وصف أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت:321هـ) يقول: «وهو صاحب كتاب "الجمهرة"، وله مصنفات كتب عدة. وهو الخطيب المذكور، والشاعر المشهور، والفصيح الذي يقف عن كلامه البلغاء، ويعجز عن آدابه الأدباء، وتستعير منه الفصحاء، وتستعين بكلامه الخطباء. وهو خطيب في شعره، ومصقع في خطبه، وقدوة في أدبه، وحكيم في نثره، ومجيد في شعره، لا زيادة عليه في فنون العلوم والآداب»، ثم يستدرك العوتبي بعد ذكر هؤلاء الأعلام بقوله: «وليس هذا مما وضعت له هذا الكتاب، ولكن يذكر الشيء بمثله».
وعدّد العوتبي أسواق العرب العشرة في الجاهلية وذكر منها صحار ثم دبا، وقال عنها: و«كانت إحدى فرضتي العرب». ومما نقله أيضًا خبر رجل من مهرة منزله بصحار عُمان يسمى الصحاري رآه هنيد التميمي بسوق عكاظ والناس يسألونه عن أنسابهم وهو يفسر لهم، وقد جاء في الخبر وصفه بأنه كان من أعلم الناس، كما جاء نقل محاورة طويلة بينه وبين عطارد بن حاجب الرازي.
ولغيره من أهل عمان أخبار أخرى وردت في مواضع يسيرة في الكتاب نُعرِض عنها اتقاء الإطالة.
* باحث في التراث العماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أهل عمان
إقرأ أيضاً:
جامعة ذمار تحتفي باليوم العالمي للغة العربية
الثورة نت/ رشاد الجمالي
نظمت جامعة ذمار اليوم فعالية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية 2025 بعنوان (اللغة العربية… الهوية وآفاق المستقبل) والذي نظم قسم اللغة العربية في كلية الآداب بالجامعة الذي يصادف الـ 18 من ديسمبر من كل عام.
وفي الفعالية التي حضرها نخبة من الأكاديميين ونواب رئيس الجامعة وأعضاء هيئة التدريس أشار الدكتور رئيس جامعة ذمار محمد الحيفي إلى أهمية الاحتفاء بيوم اللغة العربية وجعله يوماً عالمياً.
وبين أن اللغة العربية مصدر قوة للأمة العربية وتمثل في ذات الوقت لغة القرآن الكريم ولغة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، مؤكدًا أن اللغة العربية هي لغة الماضي والحاضر وهي اللغة الأولى والأقدم تحدثا في العالم وتعتبر لغة الحوار والتواصل مع الملايين من البشر وهي ذات جذور وأصول قوية ولها علاقة وارتباط وثيق بتطور وإنتاج العلم والمعرفة.
وأكد الحيفي إلى أهمية دور اللغة العربية في تكوين الوعي الإيماني والجهادي وتعزيز الجوانب القيمية في الشعر والتعبير عن قضايا وهموم الأمة والدفاع عنها.
بدوره أشار عميد كلية الاداب والألسن الدكتور امين الجبر، إلى أهمية إحياء يوم اللغة العربية العالمي كونها لغة القرآن الكريم ومصدر التشريع ولغة الرسول الكريم.
وشدد على أهمية دور اللغة العربية والشعراء والفنانين في حمل قضايا الأمة والتعبير عنها من خلال مخاطبة العقول والضمائر الحية واستنهاض الهمم لمواجهة الغطرسة الصهيونية التي ترتكب أبشع مجازر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ونوه بأن اللغة العربية هي الركن الأول في عملية التفكير والإبداع ووعاء المعرفة والوسيلة الأولى للتواصل والتفاهم والتخاطب بين الشعوب وبث المشاعر والأحاسيس عن القضايا المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وفي الفعالية استعرض الدكتور عبدالله عصبة نبذة تعريفية عن اللغة العربية ومزاياها وخصائصها ومنزلتها لدى الأمم والتحديات التي واجهتها في القرون الماضية.
وأكد أن اللغة العربية لغة حية تساير العصر ولها ثراء معرفي وثقافي وتعد من أغنى لغات العالم بالمترادفات والمفردات والاشتقاق وغنية بالعروض والصفات والنعت ولديها روافد وطرائق عديدة تسمح لها بتوليد الكلمات والمفردات والإضافة والقياس والإيجاز والتخفيف والإعراب وغيرها من علوم اللغة.
وخلال الفعالية قدم الشاعر ادريس عبدالرزاق قصيدة شعرية، فيما قدم الطالبان صقر القحيف ووديع الدفيني، مسرحية نالت استحسان الجميع.
وفي الختام كرم رئيس جامعة ذمار، عميد كلية الاداب والالسن السابق عميد كلية الشريعة والقانون الدكتور عبدالكريم البحلة، بدرع الثقافة والادب والإبداع والتميز.