قبل أربعة أشهر من تسلمه منصب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في "مايكروسوفت" قال مصطفى سليمان لصحفيين إن "التوقف المؤقت في تطوير التكنولوجيا قد يتعين النظر فيه"، معبّرا بذلك عن مخاوف تنتابه بشأن القطاع الذي يخوض فيه والثورة التي يعاصرها.

وبينما لم يستبعد اتخاذ مثل هذه الخطوة في غضون 5 سنوات أشار من جانب آخر إلى نماذج مثل "تشات جي بي تي"، وأوضح خلال "قمة الذكاء الاصطناعي"، في نوفمبر 2023، أنها "لا تشكل تهديدا خطيرا ولا تسفر عن أي أضرار كارثية".

من خلال الاستماع إلى مقابلات سليمان وقراءة تصريحاته وبالنظر إلى مواقفه، وهو بريطاني من أصل سوري، سرعان ما تتكون ملامح شخصية رائد أعمال طموح وجامح و"مؤسس تكنولوجيا متسلسل"، حسب الوصف الذي يطلقه على نفسه.

وكان متميزا عندما كان طفلا في المدرسة، إلى أن طرق قبل يومين أبواب أحد عمالقة التكنولوجيا في العالم "مايكروسوفت".

ويواجه الآن تحديا لطالما تطرق إليه خلال السنوات الماضية وعندما كان يصعد بالتدريج على سلم "الذكاء الاصطناعي"، الذي كان أول من التمس درجاته وسارع الخطى لمواكبته. 

من هو؟ وماذا يعني تسلمه منصب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في "مايكروسوفت"؟ وما الذي دفع الشركة لاستقطابه في الوقت الحالي؟

"سؤال الحذر والرغبة"

في بيان "مايكروسوفت"، الأربعاء، ربطت الشركة تعيين سليمان بالعام الثاني من تحول منصتها للذكاء الاصطناعي، وما يترتب على ذلك من القدرة على الابتكار والتعلم والجمع بين العلوم والهندسة والمنتجات والتصميم.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا: "عرفت سليمان منذ سنوات طويلة، ولدي إعجاب كبير به كمؤسس شركات، وكصاحب رؤية وصانع منتجات مميزة، كما أن لديه قدرة كبيرة على بناء فرق عمل تسعى وراء تحقيق إنجازات رائدة".

وسيشغل سليمان منصب الرئيس التنفيذي لـ"مايكروسوفت إيه آي" وهو القطاع الجديد الذي يشمل أبرز منتجات الشركة، وأهمها "كوبايلوت" و"بينغ" و"إيدج".

كما سيكون عضوا في فريق الإدارة العليا، وتحت رئاسة ناديلا مباشرة ضمن الهيكل الإداري.

وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إنه سيطرح الآن وبعد توليه المنصب سؤال تشوبه حالة من الحذر والرغبة، وتتعلق بما طرحه خلال  قمة الذكاء الاصطناعي الأخيرة في "بلتشلي بارك" التي تقع بين العاصمة البريطانية لندن ومدينة ليستر.

"سيتعين عليه الآن أن يوازن بين حذره والرغبة في الابتكار والتسويق"، حسب الصحيفة، وتضيف أنه مثل العديد من رواد الذكاء الاصطناعي كان يعرب دائما عن مخاوفه بشأن التكنولوجيا التي لعب دورا مهما في تطويرها.

وسعى سليمان ليصبح رائد أعمال منذ أن كان في المدرسة، وإلى تحقيق طموحاته، وقد نجح بشكل مذهل في كل المراحل، وفق تقرير لموقع "SPYSCAPE".

ورغم أنه تحول متأخرا إلى عالم علوم الكمبيوتر، أصبح شيئا فشيئا أحد الشخصيات الرائدة في صناعة الذكاء الاصطناعي وأحد أهم الأصوات الداعية إلى اتباع نهج مسؤول أخلاقيا لتطوير التقنيات الجديدة. 

وباعتباره رائدا يحظى بصدى واسع لدى أكبر شركات التكنولوجيا في العالم فهو "في وضع جيد وفريد لتوجيه مستقبل الذكاء الاصطناعي وهناك عدد قليل من الأشخاص المؤهلين بشكل أفضل للقيام بذلك"، حسب "SPYSCAPE".

ولد مصطفى في لندن عام 1984، وكان والده مهاجرا سوريا لا يتحدث سوى الإنكليزية الضعيفة ويقود سيارة أجرة، بينما كانت والدته ممرضة إنكليزية.

ومع أن الظروف التي عاشها كانت متواضعة حسبما تورد وسائل إعلام بريطانية سرعان ما بدأ مصطفى في تمييز نفسه بالخصائص التي حددت مسيرته المهنية الأخيرة؛ ريادة الأعمال والتألق الأكاديمي والنشاط الاجتماعي.

روح المبادرة هي أول ما ظهر عندما بدأ مصطفى في شراء الحلوى بالجملة ثم بيعها لزملائه الطلاب بربح كبير. ورغم نجاحه، لم يرضي هذا المسعى طموحاته، كما يورد تقرير لموقع "بزنس إنسايدر". 

ولذلك اتجه إلى مهمة أكثر وعيا اجتماعيا، حيث استعار كرسيا متحركا وقام بجولة في مناطق الجذب والأماكن العامة في لندن لتقييم إمكانية وصول المستخدمين المعاقين إليها، ثم نشر النتائج في دليل سياحي مكون من 80 صفحة.

وفي الوقت نفسه، تنوعت مهاراته الأكاديمية وقادته إلى كلية مانسفيلد في جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة، وهو الموضوع الذي يعتقد أنه علمه أساسيات التفكير المنهجي، والذي مكنه من الكثير من أعماله اللاحقة، وفق "SPYSCAPE".

"مؤسس استثنائي"

بالاستماع إلى محادثات سليمان على موقع يوتيوب "ستدرك بسرعة أنه ناشط ذو ميول يسارية يريد أن يجعل العالم مكانا أفضل للجميع"، كما يورد تقرير "بزنس إنسايدر".

وسليمان هو أحد المؤسسين الثلاثة لـ"ديب مايند"، وهو مختبر للذكاء الاصطناعي (AI) في لندن.

وكانت "غوغل" قد استحوذت عليه في عام 2014 مقابل 400 مليون جنيه إسترليني، في عملية استحواذ هي الأكبر التي تقوم بها الشركة العملاقة في أوروبا حتى الآن.

واستمر في العمل هناك حتى عام 2022، عندما غادر لإنشاء موقع "إنفيكشون دوت إيه آي" مع ريد هوفمان، المؤسس المشارك "للينكدإن"، في محاولة لتأسيس برنامج ذكاء اصطناعي لا يتبع أي سلوك عنصري أو جنسي أو عنيف.

وعندما كان سليمان طفلا قرأ الكثير من الكتب، وقد أدى ذلك إلى تطوير حبه المبكر للفلسفة.

وفي غضون ذلك كان لديه أيضا شغف بالأعمال التجارية وريادة الأعمال أيضا، وقال لـ"بزنس إنسايدر" في عام 2018: "منذ أن كنت طفلا، كنت أبدأ دائما مشاريع صغيرة وأحلم أنها ستنمو يوما ما".

يقر سليمان بوجود مخاوف حقيقية بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، وكان قد شارك في تأليف كتاب بعنوان "الموجة القادمة"، عن الحاجة إلى الحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي المحتملة.

ورغم أنه سمح مع شركائه لـ"غوغل" بالاستحواذ على شركته الناشئة (ديب مايند) اشترط عليها في السابق أن تنشئ مجلسا داخليا لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وذلك للإشراف على التطورات عبر المؤسسة بأكملها.

ولا يُعرف سوى القليل عن مجلس الأخلاقيات الغامض، لكن سليمان قال في مؤتمر بلومبرغ في عام 2015 إنه يريد من غوغل الكشف عن أعضاء مجلس الإدارة.

وكتب سليمان في مجلة Wired في أغسطس 2019: "إن القيام بهذه الأمور بشكل صحيح لا يقتصر فقط على وجود نوايا حسنة".

وأضاف: "نحن بحاجة إلى القيام بالعمل الشاق والعملي لمعرفة ما يعنيه الذكاء الاصطناعي الأخلاقي حقا. إذا تمكنا من جعله يعمل لصالح الناس والكوكب، فيمكن أن تكون التأثيرات تحويلية".

تطور وتهديد

يصف سليمان نفسه عبر موقعه على الإنترنت بأنه "رجل أعمال متسلسل في مجال التكنولوجيا".

ويورد في كتابه (الموجة القادمة) أن التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا الاصطناعية ستقدم "تقدما طبيا جديدا غير عادي واختراقات في مجال الطاقة النظيفة، مما يخلق ليس فقط أعمالا جديدة ولكن صناعات جديدة وتحسينات في نوعية الحياة في كل مجال يمكن تصوره تقريبا".

لكن على الجانب الآخر يمكن أن يشكل ذلك تهديدا ويؤدي إلى مخاطر. ويضيف سليمان: "إنه (الذكاء الاصطناعي) قد يفتح مسارات أمام هجمات سيبرانية هائلة، وحروب آلية تدميرية، وهندسة لأوبئة".

ويظهر سليمان عبر وسائل إعلام بريطانية وأميركية للحديث بشكل منتظم عن الذكاء الاصطناعي والثورة التكنولوجية.

وسبق وأن تولى دورا كمستشار سياسي لعمدة لندن بشأن قضايا تتعلق بحقوق الإنسان.

ثم استغل هذه الخبرة في شركته الاستشارية الخاصة، Reos Partners، التي تسعى إلى معالجة قضايا اجتماعية باستخدام تقنيات مستوحاة من حل النزاعات.

وفي هذا الدور عمل كمستشار لمنظمات متنوعة مثل الأمم المتحدة والصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، حسب "بزنس إنسايدر".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار السياسي: هل حان وقت التغيير؟

صراحة نيوز- بقلم / عبد الملك عوجان

في زمن تزداد فيه تعقيدات القرارات السياسية، لم يعد المنهج التقليدي في صناعة القرار كافيًا لوحده. فالعالم يتغيّر بوتيرة متسارعة، وتحليل البيانات بات ضرورة لا ترفًا.
هنا، يدخل الذكاء الاصطناعي كأحد أقوى الأدوات التي يمكن أن تُحدث ثورة حقيقية في طريقة فهم الواقع وصياغة السياسات.
.فهل آن الأوان لأن تتبنى الحكومات – وخاصة في العالم العربي – الذكاء الاصطناعي كعنصر فاعل في إدارة شؤون الدولة؟

ما هو الذكاء الاصطناعي في السياق السياسي؟
للذكاء الاصطناعي منظومات تحليلية قادرة على:
دراسة أنماط سلوك المواطنين،
تحليل توجهات الرأي العام،
توقع الأزمات قبل وقوعها،
تقديم توصيات دقيقة مبنية على ملايين البيانات.
تخيّل لو أن قرارًا اقتصاديًا في وطننا الحبيب مثل رفع الدعم، يُتخذ بناءً على تحليل ذكي لتأثيره التفصيلي على الفئات المختلفة، مترافقًا مع سيناريوهات تنبؤية مدعومة بالذكاء الاصطناعي… كم كنا سنوفر من أخطاء سياسية وإدارية؟

كيف يمكن للحكومات استخدام الذكاء الاصطناعي بذكاء؟
تحليل البيانات الضخمة:
البيانات موجودة في كل وزارة، لكنها مشتتة وغير مستغلة. الذكاء الاصطناعي يستطيع ربطها وتحليلها، مما يمنح صانع القرار صورة أوضح وأكثر شمولًا.
محاكاة سيناريوهات السياسات:
قبل اتخاذ قرار حاسم، يمكن استخدام خوارزميات لتوقع النتائج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي اختيار البديل الأقل تكلفة وأكثر فاعلية.
رصد الرأي العام والتوجهات المجتمعية:
من خلال تحليل المحتوى في مواقع التواصل، يمكن فهم نبض الشارع بشكل دقيق وفي الوقت الفعلي، بدلًا من الاعتماد على استبانات تقليدية محدودة.
مكافحة الفساد الإداري:
أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على كشف الأنماط غير الطبيعية في التعيينات، المشتريات، والإنفاق الحكومي.

لماذا العالم العربي متأخر في هذا المجال؟
أسباب التأخر ليست تقنية فقط، بل سياسية وإدارية. هناك خوف من الشفافية، وضعف في البنية التحتية للبيانات، بالإضافة إلى مقاومة لأي تغيّر تقوده الخوارزميات لا البشر.
لكن الدول التي لن تتبنى الذكاء الاصطناعي ستجد نفسها تتخذ قرارات خاطئة، بطيئة، ومكلفة.

الذكاء الاصطناعي لا يلغي الإنسان..
من المهم التأكيد أن الذكاء الاصطناعي لا يحلّ مكان العقل السياسي البشري، بل يدعمه. يبقى القيم، والحدس، والقيادة، صفات بشرية لا يمكن استبدالها. لكن السياسات الذكية في 2025 وما بعدها، يجب أن تستند إلى أدوات ذكية.

نحن في الأردن نمتلك طاقات شبابية تقنية جبارة، وجيلًا واعيًا سياسيًا. لماذا لا نبادر لتأسيس أول وحدة ذكاء اصطناعي في رئاسة الوزراء مثلًا؟

مقالات مشابهة

  • جوجل تطلق نموذج الذكاء الاصطناعي لتوليد الفيديوهات فيو 3
  • إلى كتبة الذكاء الاصطناعي: ارحمونا!
  • الذكاء الاصطناعي يزحف على المكاتب.. نصف الوظائف في خطر!
  • هلاوس الذكاء الاصطناعي.. خبير يحذر من معلومات مضللة مغلفة بالدقة
  • الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار السياسي: هل حان وقت التغيير؟
  • «كهرباء دبي» تعزّز كفاءة العمليات باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • كارمن سليمان تطرح “حب إيه يا حسرة”.. أولى أغاني ألبومها الجديد “أصح غلطة”
  • تعرف على خطة غوغل التي استغرقت 25 عاما للوصول إلى الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يكتب ملاحظات المجتمع في منصة إكس
  • العلماء قلقون: الذكاء الاصطناعي يتلاعب ويكذب