قوى اقتصادية وتقنية وراء التحول إلى الطاقة المتجددة
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
ترجمة قاسم مكي -
من اليسير أن يغرق المرء في طوفان لا ينقطع من الأخبار المزعجة عن أزمة المناخ العالمية والتي تزداد سوءًا. كان العام الماضي الأشد حرارة على الإطلاق. فقد جلب معه قائمة كاملة من العواصف والفيضانات والجفاف وموجات الحر.
استمرت ظاهرة الحر غير العادي والمثيرة للقلق حتى هذا العام. في الأثناء يتواصل ارتفاع وليس انخفاض غازات الاحتباس الحراري التي يطلقها البشر في الغلاف الجوي.
ما هو أكثر من ذلك، تثير الانتخابات الرئيسية حول العالم قدرا كبيرا من البلبلة حول سياسات الطاقة والمناخ. لكن وسط كل هذا من الضروري أيضا الاهتمام بالأخبار الجيدة وتحديدا في المجالات التي تشهد إحراز تقدم حقيقي يمكن أن يساعدنا على تجنب أسوأ الآثار التي تترتب عن التغير المناخي.
أوضح ما يكون ذلك في مجال الطاقة النظيفة حيث تحل التقنيات مثل ألواح الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية باطِّراد محل الحاجة إلى موارد الوقود الأحفوري وتحدُّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
الزخم الذي يدفع قُدُمًا نحو الموارد البديلة يأتي ليس فقط من السياسات الحكومية ولكن من قوى أخرى مؤثرة اقتصادية وصناعية واستراتيجية وتقنية.
أول هذه القوى مبادئ الاقتصاد الأولية. فتقنية الطاقة النظيفة أصبحت قادرة على المنافسة في العديد من المجالات الرئيسية وتزداد تنافسيتها مع تزايد الإنتاج. لقد صارت المشروعات البرية لتوليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية أرخص من محطات الوقود الأحفوري في أي مكان حول العالم تقريبا.
في الأثناء يستمر سعر السيارات الكهربائية في الانخفاض وتزداد حصتها السوقية. ففي عام 2020 كانت هنالك حوالي سيارة واحدة تدار بمحرك كهربائي بين كل 25 سيارة بيعت حول العالم. وبعد سنوات قليلة فقط في عام 2023 كانت هنالك واحدة بين كل خمس سيارات. والسيارات الكهربائية الآن في قلب معظم الاستراتيجيات المستقبلية لشركات صناعة السيارات.
الوضع الحالي للسيارات الكهربائية إلى جانب الاستثمارات التي تتزايد بوتيرة متسارعة في صناعة البطاريات يجعل التراجع عنها غير محتمل وغير عملي.
أيضا تستفيد الطاقة النظيفة من موجة ابتكاراتٍ تقنيّة. فبعد المخاوف من احتمال عرقلة اختناقات إمدادات المعادن التي لا غنى عنها مثل الليثيوم إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية استجابت الصناعة بسرعة وطرحت تركيبات كيماوية جديدة للبطاريات في السوق ستقلل من اعتمادها على هذه المعادن المفتاحية.
يتحرك الابتكار بسرعة في تقنيات أخرى صاعدة تستهدف خفض الانبعاثات مثل أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين وعمليات جديدة لصناعة الصلب الأخضر.
هنالك قوة رئيسية أخرى تدفع نحو الموارد المتجددة هي أمن الطاقة. شكلت أزمة الطاقة العالمية التي اندلعت في عام 2022 ضغطًا كبيرًا على تكلفة المعيشة وكشفت هشاشة نظام الطاقة الحالي الذي تهيمن عليه موارد الوقود الأحفوري. كما سلطت الضوء على منافع أمن الطاقة من الموارد المتجددة والطاقة النووية والتقنيات ذات الكفاءة في استخدام الطاقة كالسيارات الكهربائية ومضخات الحرارة والتي تقلل من تعرض المستهلكين لأسعار الوقود الأحفوري المتقلبة.
هذه الاعتبارات المتعلقة بالاقتصاد وأمن الطاقة أبانت بوضوح أن مستقبل الطاقة وبالتالي مستقبل اقتصاداتنا وصناعاتنا يتموضع في التقنيات النظيفة. حفّز ذلك على إحياء السياسة الصناعية من جانب الحكومات حول العالم والتي تسعى لضمان أن تكون اقتصاداتها في مقدمة اقتصاد الطاقة العالمي الجديد الذي يتشكل الآن.
البلد الذي يقود نمو الطاقة النظيفة هو الصين والتي أضافت سعة طاقة شمسية في عام 2023 تساوي ما أضافه العالم بأسره في عام 2022. الصين أيضا أكبر لاعب في سلاسل التوريد العالمية لألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية وتقنيات كبرى أخرى. وهي تستثمر في الطاقة التصنيعية في مناطق أخرى من العالم أيضا.
إذا كانت البلدان ترغب في المنافسة مع الصين في صناعات المستقبل ستحتاج، بصرف النظر عن مواقفها فيما يخص السياسة المناخية، إلى مضاعفة جهودها في تنفيذ خطط الطاقة النظيفة وليس التراجع عنها.
الطاقة النظيفة أيضا مجال لإيجاد الوظائف. فصناعاتها بما في ذلك الموارد المتجددة والسيارات الكهربائية والمضخات الحرارية تشكل أكثر من نصف الوظائف في قطاع الطاقة على نطاق العالم. وهي تستمر في إضافة المزيد منها في كل الأوقات.
أخيرا وليس آخرا، الآثار المتفاقمة لاحترار الكوكب بسبب الانبعاثات الناشئة عن الوقود الأحفوري أساسا تتضح باطراد للمواطنين في مختلف بلدان العالم والذين بمرور الوقت سيطالبون حكوماتهم باتخاذ المزيد (وليس القليل) من الإجراءات المناخية.
لدينا أدلة وفيرة على أن الرحلة إلى انبعاثات صفر كربون (الحياد الكربوني) ستكون في الغالب مليئة بالمطبَّات. لكن أحداث الأعوام الأخيرة بما في ذلك الاضطرابات التي تسببت فيها أزمة الطاقة العالمية والارتفاعات الحادة في أسعار الوقود الأحفوري إلى جانب آثار الطقس المتطرف كلها تذكرنا بدواعي حاجتنا للمضي قدما إلى الأمام.
قد يؤثر التغيير في الحكومات حقا على إيقاع تحولات الطاقة (من الموارد التقليدية إلى الموارد المتجددة) بتسريعها في بعض الحالات وإبطائها في حالات أخرى. لكنه لن يغير الاتجاه الأساسي للرحلة نحو الحياد الكربوني.
فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية
عن الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الموارد المتجددة الوقود الأحفوری الطاقة النظیفة حول العالم فی عام
إقرأ أيضاً:
نواب: محطة الطاقة الهجينة ترسخ التحول الأخضر وتعزز أمن الطاقة في مصر
نواب البرلمان عن إنشاء أول محطة لإنتاج الكهرباء في مصر: نقلة نوعية تعزز أمن الطاقة وتفتح آفاق الاستثمار الأخضر ترجمة فعلية لرؤية الدولة في تعظيم العائد الاقتصادي من الطاقة المتجددةدفعة قوية لتوطين الصناعة الخضراء وتعميق المكون المحلي
أشاد عدد من أعضاء مجلس النواب بموافقة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك على إنشاء أول محطة لإنتاج الكهرباء في مصر بنظام هجين يجمع بين الخلايا الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية الحرارية المركزة (PV-CSP)، مؤكدين أن المشروع يمثل خطوة نوعية في مسار التحول إلى الطاقة النظيفة، ويعكس رؤية الدولة في تنويع مصادر الطاقة، ودعم الاستثمار، وتوطين التكنولوجيا الحديثة، بما يعزز أمن الطاقة والتنمية المستدامة.
قال النائب علي الدسوقي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، في تصريح خاص، إن موافقة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك على إنشاء أول محطة كهرباء في مصر بنظام هجين يجمع بين الخلايا الشمسية الكهروضوئية (PV) والطاقة الشمسية الحرارية المركزة (CSP) تمثل خطوة استراتيجية فارقة في مسار التحول نحو الطاقة النظيفة وتعزيز كفاءة المنظومة الكهربائية الوطنية.
وأكد الدسوقي في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن مشروع محطة أبو منقار الحرارية بالفرافرة يعكس توجه الدولة نحو تبني حلول تكنولوجية متقدمة قادرة على توفير كهرباء مستقرة ومرنة، خاصة في المناطق النائية، بما يدعم خطط التنمية الشاملة ويُحسن جودة التغذية الكهربائية ويزيد من ساعات الإتاحة.
جاذبية قطاع الطاقة للاستثمارات الخاصة
وأشار إلى أن هذا القرار يعزز جاذبية قطاع الطاقة للاستثمارات الخاصة، ويدعم تطبيق الشبكات المصغرة الذكية، ويُسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، موضحًا أن المشروع يُعد نموذجًا يمكن تعميمه مستقبلًا لتوسيع نطاق المشروعات الهجينة على مستوى الجمهورية.
وشدد النائب علي الدسوقي على أن البعد التنظيمي للقرار يؤكد الدور المحوري للجهاز في تنظيم سوق الكهرباء وضمان استدامة الإمداد، بما يتماشى مع استراتيجية مصر للطاقة وزيادة الاعتماد على المصادر المتجددة، ووضع البلاد على مسار أكثر تقدمًا في مجالات الإنتاج اللامركزي والشبكات المتطورة.
وفي السياق ذاته، أكدت النائبة مرفت الكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تصريح خاص، أن الموافقة على إنشاء أول محطة كهرباء في مصر تعمل بنظام هجين يجمع بين الخلايا الشمسية الكهروضوئية (PV) والطاقة الشمسية الحرارية المركزة (CSP) تمثل نقلة استراتيجية في إدارة موارد الطاقة من منظور اقتصادي ومالي رشيد.
وأوضحت الكسان في تصريح خاص لـ"صدى البلد أن هذا النوع من المشروعات يعكس توجه الدولة نحو تعظيم كفاءة الإنفاق العام من خلال الاعتماد على تكنولوجيات حديثة تقلل تكلفة التشغيل على المدى المتوسط والطويل، وتحد من الاعتماد على الوقود التقليدي، بما يخفف الأعباء عن الموازنة العامة للدولة ويعزز استدامة المالية العامة.
وأضافت أن تنفيذ المحطة في منطقة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد يحقق عدالة توزيع الاستثمارات ويدعم التنمية في المناطق الأكثر احتياجًا، مشيرة إلى أن المشروعات الهجينة توفر نموذجًا اقتصاديًا مرنًا يجمع بين الاستقرار التشغيلي والعائد الاستثماري، ويشجع مشاركة القطاع الخاص دون تحميل الدولة أعباء إضافية.
وشددت النائبة مرفت الكسان على أن المشروع يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق أمن الطاقة وتعظيم القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، مؤكدة أن لجنة الخطة والموازنة تدعم بقوة التوسع في مثل هذه المشروعات التي تجمع بين الجدوى الاقتصادية وحماية البيئة، وتُسهم في تحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030.
كما قالت النائبة إيفلين متي، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، في تصريح خاص، إن إنشاء أول محطة كهرباء في مصر تعمل بنظام هجين يجمع بين الخلايا الشمسية الكهروضوئية (PV) والتقنية الشمسية الحرارية المركزة (CSP) يُعد خطوة صناعية محورية تفتح الباب أمام توطين تكنولوجيات الطاقة المتقدمة وتعميق التصنيع المحلي في قطاع الطاقة المتجددة.
وأكدت متي في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن هذا المشروع لا يقتصر أثره على إنتاج الكهرباء النظيفة فحسب، بل يمثل فرصة حقيقية لنقل التكنولوجيا وبناء سلاسل إمداد صناعية جديدة، تشمل تصنيع المكونات، ورفع كفاءة الكوادر الفنية والهندسية، ودعم الصناعات المغذية المرتبطة بمحطات الطاقة الشمسية.
وأضافت أن اختيار منطقة الفرافرة لتنفيذ المشروع يعكس توجه الدولة نحو ربط التنمية الصناعية بالطاقة النظيفة في المناطق الواعدة، بما يسهم في جذب الاستثمارات الصناعية، وخلق فرص عمل مستدامة، وتحفيز إقامة مشروعات إنتاجية تعتمد على مصادر طاقة مستقرة وصديقة للبيئة.
وشددت النائبة إيفلين متي على أن لجنة الصناعة تدعم بقوة التوسع في المشروعات الهجينة، باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق التنافسية الصناعية، وخفض تكلفة الإنتاج، وتعزيز قدرة المنتج المصري على النفاذ إلى الأسواق الإقليمية والدولية، بما يتماشى مع استراتيجية الدولة للتحول الأخضر وتعظيم القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.