إستياء من نواب نساء في لبنان.. ما السبب؟
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
تسودُ أجواء من الإستياء في أوساط مؤسسة "سمير قصير" لحرية الصحافة وذلك إثر "تجاهل" نواب في البرلمان حلقة نقاشٍ مهمة حول حماية الصحافيات وتكريس دعمٍ مهم لهنّ لاسيما على الصعيد التشريعي والقانوني من قبل الدولة.
وقالت مصادر معنية بالملف إن النواب خصوصاً النساء، لم يلتفتوا إلى أهمية حلقة النقاش المرتبطة بمضمون دراسة أعدتها المؤسسة بشأن ما تتعرض لها العاملات في قطاع الصحافة من انتهاكات.
المصادر عينها قالت إن ما جرى هو أنّ حلقة النقاش تمّت بحضور ناشطين وباحثين ومهتمين، فيما أرسلت نائبة واحدة وهي حليمة القعقور ممثلاً عنها من دون أن تحضر الأخيرة شخصياً في تصرّف أثار أيضاً نوعاً من الإنزعاج. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الصحافة البناءة
ما بين مفهوم الإيجابية المطلقة التي تغفل المشكلة، والسلبية المطلقة التي تضخمها تبرز الصحافة البناءة كمفهوم إعلامي تتزايد أهميته في ظل الطوفان الهائل من الأخبار التي تميل إلى طرفي النقيض. فالإعلام كما يبدو في صورته الحالية يتأرجح بين خطاب يميل إلى تلميع الواقع، وخطاب آخر يعيش على الأزمات، ويعيد إنتاج الخوف وعدم اليقين. وبين هذين الخطين تظهر الحاجة إلى صحافة واقعية وناضجة لا تكتفي بعرض الوقائع كما هي، ولا تنزلق نحو التهويل أو التجميل، بل تقدم القضايا في سياقها الحقيقي مستندة إلى الحقائق والأرقام، وباحثة في الوقت نفسه عن حلول ممكنة تسهم في توجيه الرأي العام نحو فهم أعمق وأكثر توازنًا.
وفي ظل هذا التحول نحو خطاب إعلامي أكثر وعيا يبدو المشهد الإعلامي اليوم أكثر ازدحامًا من أي وقت مضى؛ فقد دخلت عليه أصوات كثيرة لا تمت للمهنة بصلة، فاختلط فيه العمل الصحفي بالانطباعات الشخصية، وتحوّل جزء كبير مما يسمى وسائل إعلام إلى ساحات تسعى خلف الإثارة قبل المعلومة. ولأن الأخبار المثيرة تجذب المشاهد وتزيد من نسب المتابعة؛ تتشكل حالة من الفوضى تترك الجمهور أمام سيل من المعلومات المشتتة التي لا تساعده على رؤية الصورة الكاملة.
ولذلك تبرز الحاجة إلى إعلام قادر على الموازنة بين السلب والإيجاب، إعلام لا يتجاهل المشكلات، ولا يبالغ في تضخيمها. وهذا في رأيي هو جوهر الصحافة البناءة أن تسهم في تقديم رؤية متوازنة ترى المشكلة كما هي، وتضع في الوقت نفسه الحلول الممكنة على الطاولة. فالصحافة البناءة لا تهرب من النقد، لكنها أيضًا لا تقع في أسر التهويل. إنها تبحث عن سياق أعمق، وتقدم للقارئ ومجتمع القرار أدوات تساعدهم على التعامل مع ما يجري بدلًا من الاستسلام لضجيج العناوين المثيرة.
ولتقريب الصورة يمكن النظر إلى قضية الباحثين عن عمل بوصفها مثالًا واضحًا لطريقة تناول الإعلام للقضايا العامة والصحافة البناءة؛ فالطرح السلبي يغرق القارئ في تفاصيل المشكلة ويضخم آثارها، ويزرع شعورًا بأن الأزمة أكبر من أن تُحل. وفي كثير من الأحيان يدفع هذا النوع من الطرح الناس إلى تبني موقف متشائم لا يملك سوى ترديد المشكلة دون النظر في أسبابها أو البدائل المتاحة. وفي المقابل؛ يظهر الطرح الإيجابي المفرط الذي يتعامل مع القضية وكأنها ظاهرة عابرة، ويكرر الأرقام الإيجابية والجوانب المشرقة مانحًا القارئ صورة غير مكتملة لا تساعده على فهم حجم التحديات أو رؤية جذورها.
أما الصحافة البناءة فهي تتبنى منهجًا مختلفًا يبدأ بالاعتراف بحجم المشكلة دون تهويل، ثم ينتقل إلى تحليلها بحثًا عن حلول قابلة للتطبيق. ففي قضية الباحثين عن عمل يمكن للصحافة البناءة أن تقدم دورًا محوريًا من خلال رصد بيانات سوق العمل، وتحليلها، وإبراز الفرص المتاحة، وتسليط الضوء على التجارب الناجحة، وتشجيع الشباب على التدريب والتأهيل إضافة إلى تحفيز الحوار المجتمعي والضغط المهني على الجهات المعنية لوضع سياسات أكثر فاعلية.
وبذلك تتحول الصحافة من مجرد ناقل للأزمة إلى طرف فاعل في معالجتها، ومن خطاب يزيد التشاؤم إلى خطاب يساعد على رؤية الطريق الممكن نحو الحل.
إن الصحافة البناءة ليست توجهًا تكميليًا، بل ضرورة مهنية في المرحلة الراهنة. فهي تمنح الجمهور فهمًا أوضح، وتساعد المؤسسات على اتخاذ قرارات أفضل، وتبني نقاشًا عامًّا أكثر نضجًا وواقعية. وفي زمن يتداخل فيه الخبر بالضجيج، وتفقد فيه الحقائق بريقها أمام الإثارة يبقى الإعلام المسؤول هو القادر على تقديم الصورة الكاملة، وعلى أداء دوره الحقيقي في التنمية والتطوير. وهذا هو في تقديري دور الصحافة التي نحتاج إليها اليوم: صحافة تنير الطريق.