هل تمرد انقلابيو النيجر على الولايات المتحدة؟
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
في خطوة تبدو أنّها غير مسبوقة وغير متوقّعة في آن واحد، قرّرَ انقلابيو النيجر أو ما يعرف "بالمجلس الوطنيّ لحماية الوطن" الذي تشكّل بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في يوليو/تموز الماضي، إلغاءَ الاتفاقية العسكرية التي وقّعها الرئيسُ السابق "محمد إيسوفو" مع واشنطن عام 2012، بأثر فوري.
حيث سمحت لواشنطن بموجبها ببناء قاعدة عسكريّة للطائرات من دون طيار في أغاديز شمالًا، وعرفت باسم قاعدة 201، التي تمنح القوات الأميركية القدرة على المراقبة وشنّ هجمات ضد الجماعات المسلحة في دول الإقليم، وقد تم استخدامها بالفعل لاستهداف مقاتلي تنظيم داعش، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة، في منطقة الساحل، وكذلك جماعة بوكو حرام.
ولعلّ من المفارقة أن الإعلان "17 مارس/آذار" جاء بعد فترة وجيزة من زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في ومدير الأفريكوم للبلاد.
أسباب تصعيد قادة الانقلاب ضد واشنطنلقد ساق المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر، مجموعة من المبررات "الشكلية " لهذا القرار، منها عدم الاكتراث الأميركي بالمجلس الانتقالي، حيث لم يتم التنسيق معه بشأن موعد زيارة مولي في، وتشكيلة الوفد المرافق لها، وكذلك جدول أعمال الزيارة، فضلًا عن لغة التهديد والانتقام الأميركي، ضد المجلس العسكري، خاصةً ما يتعلق بضرورة تحديد موعد محدد للانتقال الديمقراطي.
وكذلك لرغبة واشنطن في تحديد إستراتيجية النيجر وحلفائها في التعامل مع ملف الجماعات الجهادية. وربما كل هذه العوامل، دفعت رئيس المجلس عبد الرحمن تياني لرفض مقابلة الوفد الأميركي.
التحالف الجديد، والدعم الروسي، سيمنحان قادة الانقلابات في هذه الدول وليس النيجر فحسب، القدرة على مواجهة الجماعات المسلحة في الداخل، وكذلك أية محاولة انقلابية مضادة تدعمها باريس أو واشنطن
وإذا كانت هذه هي الأسباب المعلنة لتبرير إلغاء الاتفاقية، فإن هناك مجموعة من الأسباب الأخرى التي تفسر أن القرار لم يكن عشوائيًا أو " رد فعل "، وإنما كان مدبرًا، وينتظر اللحظة المناسبة "فقط " للإعلان عنه، وهي:
أولًا: انتهاء فترة شهر العسل المؤقت بين واشنطن، وقادة الانقلابحيث لم تدم سوى قرابة ثلاثة أشهر فقط. ثم أعلنت واشنطن بعدها "وبصورة متأخرة عن فرنسا" أن ما حدث في البلاد يعد انقلابًا، وما يستدعيه ذلك من تعليق المساعدات العسكرية للبلاد والتي تقدر بحوالي نصف مليار دولار، وهو مبلغ ضخم لبلد يصنف أنه من أفقر البلدان عالميًا.
هذه الخطوة الأميركية جاءت بعد دعم واشنطن قادةَ الانقلاب، والتلكؤ في وصف ما حدث بأنه انقلاب، نكايةً في فرنسا، بل تردّد أن واشنطن استغلت نفوذها لدى الدول الفاعلة في منظمة "الإيكواس"، لحثّها على عدم التدخل العسكري ضد الانقلابيين، كما قامت بتعيين سفيرة لها في نيامي بعد أن كان المنصب شاغرًا قبل الانقلاب، ما تم تفسيره في حينها بأنه شبه اعتراف أميركي رسمي بالعسكر.
لكن يبدو أنّ الرهان الأميركي على الانقلابيين الجدد، اصطدم بالدعم الروسي اللامحدود لهم، ما دفع واشنطن للتصعيد عبر التلويح بضرورة وضع مدى زمني محدَّد للمجلس الانتقالي " حددته بعام ونصفٍ على الأكثر"، واعتبار ذلك شرطًا رئيسيًا لاستئناف المساعدات، وهو ما فسَّره المجلس بأنه بمثابة نوع من الإملاءات الأميركية، خاصة أن هذه اللهجة التصعيدية، باتت واضحة بعد إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون بدء سحب قوات بلاده من النيجر.
ثانيًا: شعور قادة الانقلاب بعدم الاستفادة العسكريَّة من واشنطنعدم القدرة على الاستفادة في مواجهة الجماعات المسلحة التي تشكل الخطر الأكبر على البلاد.. فاتفاقية 2012 الملغاة، لا تلزم "بحسب المجلس"، الجانب الأميركي بتقديم الدعم العسكري في مواجهة خطر هذه الجماعات المسلحة، بل هي اتفاقيَّة تخدم المصالح الأميركية فقط في تنفيذ هجماتها انطلاقًا من النيجر، ضد الجماعات المسلحة في دول الإقليم المختلفة، ما جعل قوى المعارضة تندد بها حين توقيعها قبل 12 عامًا، وتتهم الرئيس إيسوفو باستغلال ورقة الجماعات المسلحة لإبرام هذه الصفقات والتربُّح من ورائها.
ثالثًا: تشكيل التحالف الإقليمي "تحالف الساحل" أو تحالف إقليم "ليبتاكو-غورما"بين كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو لمواجهة خطر الجماعات المسلحة. وهو التحالف الذي يحظى بدعم ورعاية وتمويل وتدريب عسكري روسي في إطار الفيلق الأفريقي الذي أعلنت موسكو تشكيله أوائل هذا العام، ويتكون من قرابة 50 ألف مقاتل، معظمهم من قوات فاغنر السابقة، وينتشر في 5 دول من دول الإقليم منها الدول الثلاث لتحالف الساحل، فضلًا عن أفريقيا الوسطى، وليبيا المجاورة التي تم اختيارها لتكون مركزًا للقيادة المركزية لهذا الفيلق الجديد.
ولا شكّ أن هذه الخطوة أكسبت الانقلابيين ثقلًا كبيرًا في مواجهة واشنطن، خاصة أن موسكو لم تضع شروطًا لدول الانقلاب الثلاث التي يتشكل منها تحالف الساحل، لوضع جدول زمني للتحول الديمقراطي.
كما أن هذا التحالف الجديد، والدعم الروسي، سيمنحان قادة الانقلابات في هذه الدول وليس النيجر فحسب، القدرة على مواجهة الجماعات المسلحة في الداخل، وكذلك أية محاولة انقلابية مضادة تدعمها باريس أو واشنطن.
رابعًا: تراجع الإيكواس عن ضغوطها السابقة بشأن ضرورة عودة الرئيس بازوم للحكموكذلك تخفيفها الشهر الماضي من عقوباتها الاقتصادية " القاسية" ضد قادة الانقلاب، ما يعد انتصارًا من وجهة نظرهم في مواجهة هذه المنظمة التي كان تلوح بالتدخل العسكري، لإجبارهم على تسليم السلطة.
لكن يبدو أن انقسام دول الإيكواس بشأن هذا التدخل، فضلًا عن العقبات المرتبطة بمشكلة تشكيل القوات، وتمويلها، ومهامها، جعلت الأمر مستحيلًا، بل وجدنا في المقابل، إعلان النيجر مع كل من بوركينا فاسو ومالي، الانسحابَ من المنظمة، ما دفع الأخيرة لتخفيف لهجتها التصعيدية عبر تخفيف العقوبات، على أمل عودة هذه الدول مرة أخرى إليها.
هل تنسحب القوات الأميركية؟رغم أن الولايات المتحدة، قامت بالتصعيد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عبر توصيف ما حدث في النيجر بالانقلاب، فإنها أبقت الباب مواربًا مع قادة المجلس العسكري بشأن إمكانية استئناف المساعدات حال إعلانه عن فترة محددة للانتقال الديمقراطيّ، كما لم تلوح بسحب قواتها العسكرية من البلاد؛ نظرًا للأهمية الكبيرة التي توليها للنيجر وللقاعدة العسكرية الموجودة بها.
هذه الأهمية وردت في دراسة صادرة عن مركز أبحاث الكونغرس ونشرتها الجزيرة نت في أغسطس/آب الماضي، تكشف أن النيجر تعد قاعدة لكافة أنشطة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، كما أنها قاعدة انطلاق لتنفيذ المهام من خلال الطائرات المسيرة في بعض دول المنطقة " مثل ليبيا وبعض دول الساحل".
وهو ما أكده جود ديفيرمونت، مدير الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأميركي، لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأن بلاده ليس لديها أي نية لمغادرة النيجر، " إذا غادرنا النيجر، فلن يتعلق الأمر بأمن النيجر فقط. وستكون هناك عواقب أيضًا بالنسبة لغانا وتوغو وبنين… للولايات المتحدة فرقة قوامها حوالي ألف رجل في النيجر مخصصة لمكافحة الإرهاب، وليس لديها أي نية لتسريحهم وتقليد فرنسا في هذا الشأن".
ومعنى هذا أن واشنطن كانت تستهدف من تصعيدها ضد المجلس والتلويح بورقة المساعدات، مزيدًا من خضوعه لها، والابتعاد عن موسكو.
ماذا وراء تصعيد الانقلابيين؟وفي المقابل نجد أن المجلس العسكري، ورغم إعلانه الأخير عن إنهاء الاتفاقية العسكرية، لم يطالب " وحتى كتابة هذه السطور " بسحب القوات الأميركية من البلاد. ما يعني أنه ربما يستهدف أيضًا العمل بقدر من الاستقلالية عن واشنطن، والضغط عليها لاستئناف تقديم المساعدات دون اشتراط فرض مدة زمنية محددة عليه للانتقال الديمقراطيّ "حددها المجلس بثلاث سنوات كأحد أقصى عبر الحوار الوطني".
ويبدو أنَّ واشنطن قد تضطر للاستجابة لضغوط قادة الانقلاب، خشيةَ مزيد من ارتمائهم في أحضان الروس من ناحية، وحرصًا على مصالحها الأمنية في هذا البلد الذي رغم فقره الشديد، يعد من الدول العشر الأولى في احتياطيات اليورانيوم على مستوى العالم، والسابعة في إنتاجه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الجماعات المسلحة فی المجلس العسکری قادة الانقلاب القدرة على من النیجر فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
بسبب غزة وأوكرانيا.. بريطانيا تبتعد عن مسار الولايات المتحدة
ذكر تقرير في صحيفة "واشنطن بوست" لمدير مكتبها في لندن، ستيف هندريكس، أن حكومة حزب العمال البريطانية تقوم، بهدوء، بفصل أجزاء من دبلوماسيتها، إلى جانب سياساتها التجارية والأمنية، عن إدارة ترامب.
وأضاف، أنه، بعد ساعات قليلة من تلميح الرئيس دونالد ترامب إلى أنه لن يفرض المزيد من العقوبات على روسيا هذا الأسبوع، انضمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في فرض المزيد من العقوبات على روسيا.
وفي اليوم نفسه، اتخذت بريطانيا خطوة أخرى انحرفت عن مسار لندن الموحد التقليدي مع السياسة الأمريكية. علق وزير الخارجية ديفيد لامي المحادثات التجارية مع إسرائيل يوم الثلاثاء، واستدعى سفيرتها، وأدان سلوك إسرائيل في غزة بعبارات أشد قسوة - "مقززة"، "وحشية"، "غير مبررة أخلاقيا" - من أي عبارات صادرة عن واشنطن.
وأوضح التقرير، أنه في كلتا الحالتين، كانت لندن تتصرف بشكل أكثر انسجاما مع الكتلة الأوروبية، التي فرضت أيضا عقوبات على "أسطول الظل" الروسي من ناقلات النفط في البحر الأسود هذا الأسبوع بينما تحاول أيضا الضغط على إسرائيل بشأن حصارها لغزة. وبينما تتحركان جنبا إلى جنب، تتصرف بريطانيا وأوروبا بشكل مستقل عن واشنطن بطرق كان من الصعب تصورها قبل عام.
وأشار إلى أن هذه التحركات تعكس محاولات حكومة حزب العمال في المملكة المتحدة لفصل أجزاء من دبلوماسيتها بهدوء - كما فعلت في أجزاء من سياساتها التجارية والأمنية - عن إدارة ترامب التي تواصل قلب المعايير عبر الأطلسي رأسا على عقب.
وقالت أوليفيا أوسوليفان، رئيسة برنامج المملكة المتحدة في العالم في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث في لندن: "هذه إشارة أخرى على أن المملكة المتحدة أكثر استعدادا لاتخاذ مواقف منفصلة عن الولايات المتحدة وأقرب إلى حلفاء آخرين. إنهم أكثر استعدادا للتحدث والتصرف بشكل أكثر استقلالية مع معايرة العلاقة مع الولايات المتحدة بعناية".
ولا تتوقع أي من الحكومتين حدوث انقطاع حاد. بريطانيا والولايات المتحدة حليفتان تتعاونان وتنسقان في أغلب الأحيان في مواجهة الأزمات الدولية.
وقد حظي رئيس الوزراء كير ستارمر بإشادة لنجاحه في إدارة الأشهر الأولى المضطربة من ولاية ترامب الثانية دون إثارة موجة من الاستهجان الرئاسي، وتجنبه أسوأ الرسوم الجمركية في الحرب التجارية العالمية التي يشنها الزعيم الأمريكي.
وأوضح تقرير الصحيفة، أن بريطانيا تجد طريقها الخاص في كثير من الأحيان، حيث تتفكك المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة، التي كانت متزامنة كأسنان السحّاب لعقود، بسبب انفصال ترامب عن عقيدة التجارة والأمن للتحالف الغربي.
وقد يكون تراجع التزام الرئيس تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) وميله نحو روسيا بعد غزوها لأوكرانيا أبرز الأمثلة على ذلك. تتطلع بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى بعضهما البعض لتعميق العلاقات الدفاعية ورسم مسارهما الخاص في الدفاع عن أوكرانيا. أعلن الجانبان هذا الأسبوع عن تكامل جديد في التمويل والمشتريات العسكرية.
وقبل يوم الاثنين، ألمح ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستنضم إلى حملة ضغط تقودها تلك الدول لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو وقف إطلاق النار، لكن بعد مكالمة هاتفية "ممتازة" استمرت ساعتين مع بوتين، أبلغ ترامب القادة الآخرين أنه يتراجع، قائلا إن الأمر متروك لكييف وموسكو للتوصل إلى عملية سلام، وفقا للصحيفة.
ومضت بريطانيا قدما في فرض 100 عقوبة جديدة تستهدف سلاسل الشحن والبنوك والإمدادات العسكرية الروسية، كما فرض الاتحاد الأوروبي أيضا عقوبات واسعة النطاق.
وأصبح التباين بين الحلفاء واضحا عندما وصف وزير الخارجية ماركو روبيو مثل هذه الإجراءات بأنها غير مجدية في هذا الوقت.
وقال روبيو في ظهور له في مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء: "الآن، إذا بدأت بالتهديد بفرض عقوبات، فسيتوقف الروس عن التفاوض".
وضغط بعض الأوروبيين، بمن فيهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على ترامب لإعادة النظر.
وقال وزير الخارجية الألماني يوهان وادفول لرويترز يوم الثلاثاء: "نتوقع أيضا من حلفائنا الأمريكيين ألا يتسامحوا مع [تباطؤ بوتين]".
وأوضح التقرير، أن حكومة ستارمر التزمت الصمت، واستمرت في تكتيك إدارة ترامب المتمثل في عدم الترويج أبدا لاتفاقياتها مع البيت الأبيض بأي شيء قد يبدو بمثابة انتقاد.
داخليا، قالت أوسوليفان إن المسؤولين البريطانيين "يتحدثون عن استراتيجية عدم إثارة المشاكل. ولكن نظرا لتقلب إدارة [ترامب] وعدم القدرة على التنبؤ بها، هناك مجال لاتخاذ مواقف مختلفة دون تهريج".
كما أبرمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاقيات أمنية جديدة يوم الاثنين، بما في ذلك اتفاقية دفاع مستقلة عن حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتقاسم الوصول إلى تمويل وشراء الأسلحة. كانت هذه الصفقات جزءا من اتفاقيات واسعة النطاق تُمثل أوثق علاقات بريطانيا بالقارة منذ تصويتها على مغادرة الاتحاد الأوروبي قبل ما يقرب من عقد من الزمان.
وسعى ستارمر وفق التقرير، إلى روابط أوروبية أوثق؛ فقد خاض حزب العمال الذي ينتمي إليه حملته الانتخابية على أساس إيجاد "إعادة ضبط" للعلاقات مع أوروبا. لكن إعادة الترابط السريع في العلاقات عبر الأمن والتجارة والدبلوماسية يمثل تأثيرا مفاجئا لترامب، نظرا لدعم الرئيس الصريح لبريكزت وكراهيته المعروفة للكتلة الأوروبية.
وكانت هناك إشارة إلى ضرورة منع بريطانيا من الانزلاق "مرة أخرى إلى فلك الاتحاد الأوروبي". في مشروع 2025، قائمة أمنيات السياسة المحافظة التي يُنظر إليها على أنها دليل لولاية ترامب الثانية، كما أشارت أوسوليفان. "لا أعتقد أن هذه هي الطريقة التي توقعوا أن تسير بها الأمور".
كما اتخذت بريطانيا خطوة بعيدا عن واشنطن، واقتربت من العديد من الحكومات الأوروبية، في تقديم أقوى توبيخ لها حتى الآن لسلوك إسرائيل في غزة. أعرب ترامب عن قلقه بشأن الأزمة الإنسانية، لكنه تعرض لانتقادات لعدم ممارسته المزيد من الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ولكن وسط تحذيرات شديدة من المجاعة الجماعية، انضم ستارمر يوم الاثنين إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني في المطالبة بأن توقف إسرائيل توسيع العمليات العسكرية والسماح بتدفق المساعدات الطارئة إلى غزة وإلا "سنتخذ المزيد من الإجراءات الملموسة ردا على ذلك".
وعلقت لندن المفاوضات التجارية مع إسرائيل. تم استدعاء السفيرة الإسرائيلية تسيبي هوتوفلي إلى وزارة الخارجية وأُبلغت رسميا أن الحكومة البريطانية تعتبر الحصار الغذائي الإسرائيلي على غزة لمدة 11 أسبوعا "قاسيا ولا يمكن الدفاع عنه".
كما فرضت المملكة المتحدة عقوبات وحظر سفر على العديد من المستوطنين الإسرائيليين والمنظمات الاستيطانية في الضفة الغربية.
وظهر لامي لاحقا أمام مجلس العموم لمدة 90 دقيقة اتسمت بالغضب، حيث قوبل بتصفيق من أعضاء حزبي المحافظين والعمال على حد سواء، حيث أدان سلوك إسرائيل الأخير في غزة ووصفه بأنه "غير مبرر أخلاقيا، وغير متناسب تماما، ويؤدي إلى نتائج عكسية تماما".
وقال إن رفض السماح بدخول مساعدات كافية يُعد "إهانة لقيم الشعب البريطاني".
وتحدث لامي وسط صيحات "إبادة جماعية"، وهي كلمة رفض استخدامها، حتى عندما طلب منه ذلك أكثر من نائب، كما أنه لن يُلزم حكومته بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في اجتماع للأمم المتحدة في حزيران/ يونيو، على الرغم من أنه قال إنه يتشاور مع حلفاء مقربين. ويُقال إن فرنسا وكندا تدرسان مثل هذه الخطوة.
وقال نائب من حزب العمال إن الكثيرين في الحزب سعداء برؤية الحكومة تنأى بنفسها، ولو قليلا، عن واشنطن بشأن قضية غزة.
وقال العضو، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة ديناميكيات الحزب: "لقد تمسك حزب العمال بدعم إسرائيل، لكن هذا لن يدوم طويلا إذا استمر [نتنياهو] في تدمير تحالفات إسرائيل الأمنية وسلطتها الأخلاقية"، وفقا للتقرير.
وقال مسؤولو الإغاثة في وقت متأخر من يوم الأربعاء إن 90 شاحنة محملة بالمساعدات دخلت غزة، وهي أول شحنات من المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات منذ أكثر من شهرين.
وبحسب مصدر دبلوماسي مطلع على مداولات السياسة البريطانية، فإن هذا التحول كان مدفوعا بـ "غضب حقيقي" من الكارثة التي تختمر في غزة من جانب ستارمر ولامي. لكنه عكس أيضا سهولة الحكومة المتزايدة في رسم مسارها الخاص في بعض الأحيان، حتى عندما يعني ذلك عدم التوافق مع واشنطن.
وقال هذا الشخص، الذي لم يكن مخولا بالتحدث علنا: "يبدو أن الصبر ينفد تجاه [نتنياهو]. ولكن أيضا هناك شيء من الثقة تعود [للسياسيين البريطانيين]".