تُعد الرسوم الجمركية من أقدم الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الدول لتنظيم تجارتها مع الخارج. فهي تمثل نوعًا من الضرائب التي تفرضها الحكومات على السلع المستوردة (وأحيانًا المصدرة) عند عبورها الحدود. وقد تعددت أهداف الرسوم الجمركية عبر التاريخ، من حماية الصناعات المحلية إلى تحصيل الإيرادات، لكن مع تطور التجارة العالمية وزيادة التشابك الاقتصادي بين الدول، أصبحت للرسوم الجمركية آثار أعمق وأبعد من مجرد دفع ضرائب على المنتجات.

في هذا المقال، نستعرض مفهوم الرسوم الجمركية وأنواعها، ودوافع فرضها، ثم ننتقل لتحليل تأثيرها على التجارة العالمية من منظور اقتصادي وسياسي، مع تسليط الضوء على أبرز الأمثلة والنزاعات التي شهدها العالم بسبب هذه السياسات.

أولًا: ما هي الرسوم الجمركية؟

الرسوم الجمركية (Tariffs) هي ضرائب تُفرض على السلع والخدمات التي تعبر الحدود الدولية، وعادة ما تُفرض على الواردات. تهدف هذه الرسوم إلى تحقيق عدة أهداف:

حماية الصناعة المحلية: من خلال جعل السلع الأجنبية أكثر تكلفة مقارنة بالمنتجات المحلية. زيادة الإيرادات الحكومية: خاصة في الدول النامية حيث تكون الجمارك مصدرًا رئيسيًا للدخل. التفاوض السياسي: تُستخدم كأداة ضغط في العلاقات التجارية بين الدول.

ثانيًا: أنواع الرسوم الجمركية

رسوم جمركية محددة: وهي رسوم تُفرض بمبلغ ثابت على كل وحدة من السلعة (مثلًا: 5 جنيهات على كل كيلوغرام من الأرز المستورد). رسوم جمركية نسبية (أو مئوية): تُحسب كنسبة مئوية من قيمة السلعة (مثلًا: 10% من قيمة السيارة المستوردة). رسوم جمركية مركبة: مزيج من النوعين السابقين (مثال: 100 دولار لكل وحدة بالإضافة إلى 5% من قيمة السلعة). رسوم انتقامية أو عقابية: تُفرض كرد على إجراءات جمركية لدول أخرى. رسوم مكافحة الإغراق: تُفرض عندما تثبت جهة حكومية أن بلدًا آخر يبيع منتجًا بأقل من تكلفته لإخراج المنافسين المحليين من السوق.

ثالثًا: دوافع فرض الرسوم الجمركية

الحمائية الاقتصادية: تستخدم الدول الرسوم الجمركية لتقليل المنافسة الأجنبية ودعم المنتجين المحليين، خاصة في القطاعات الناشئة أو الاستراتيجية. تصحيح الخلل في الميزان التجاري: إذا كان بلد ما يعاني من عجز تجاري كبير، فقد تفرض الحكومة رسومًا على الواردات لتقليل الاستيراد وتشجيع الإنتاج المحلي. الرد على ممارسات تجارية غير عادلة: مثل الدعم الحكومي أو الإغراق. المفاوضات التجارية: تُستخدم كأوراق تفاوضية في اتفاقيات التجارة الحرة.

رابعًا: تأثير الرسوم الجمركية على التجارة العالمية

تقييد التجارة وتراجع الكفاءة الاقتصادية

عندما تفرض دولة ما رسومًا جمركية، فإنها تقلل من تدفق السلع عبر الحدود. هذا يؤدي إلى تراجع التبادل التجاري، وتآكل مبدأ الميزة النسبية الذي يشجع الدول على التخصص في إنتاج السلع التي تتميز فيها. على المدى الطويل، يؤدي ذلك إلى خسارة في الكفاءة الكلية للاقتصاد العالمي.

زيادة أسعار السلع

يتحمل المستهلك النهائي عادةً تكلفة الرسوم الجمركية، حيث ترتفع أسعار المنتجات المستوردة. وبالتالي، يقل دخل المستهلك الفعلي ويؤثر ذلك على القوة الشرائية للمواطنين، خصوصًا في السلع الأساسية.

تشوه سلاسل الإمداد العالمية

أدى تطور التجارة العالمية إلى تكوين سلاسل توريد معقدة عابرة للحدود. الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى تعطيل هذه السلاسل، خاصة في القطاعات التقنية والسيارات، مما يسبب ارتفاع التكاليف وتأخير الإنتاج.

ردود الفعل والانتقام التجاري

عادة ما تؤدي سياسات الرسوم الجمركية إلى ردود أفعال من الدول الأخرى، مما يشعل “حروبًا تجارية” كما حدث بين الولايات المتحدة والصين في الفترة بين 2018 و2020. هذه النزاعات تُضر بجميع الأطراف وقد تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي.

تأثير على الدول النامية

بالنسبة للدول النامية التي تعتمد على تصدير السلع الأولية، فإن الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول المتقدمة يمكن أن تحد من وصول منتجاتها إلى الأسواق، مما يعرقل التنمية الاقتصادية.

خامسًا: أمثلة واقعية

الحرب التجارية بين أمريكا والصين:

في عام 2018، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على مئات المليارات من الدولارات من الواردات الصينية، ردًا على ما اعتبرته ممارسات تجارية غير عادلة. الصين ردت بإجراءات مماثلة، مما أدى إلى اضطراب الأسواق وارتفاع التكاليف العالمية.

الاتحاد الأوروبي والرسوم على المنتجات الزراعية:

يفرض الاتحاد الأوروبي رسومًا مرتفعة على واردات بعض المنتجات الزراعية لحماية مزارعيه. هذا يُعد من أسباب الخلافات التجارية مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الأفريقية.

سادسًا: اتجاهات مستقبلية

العودة إلى العولمة؟ رغم أن الاتجاه خلال العقود الماضية كان نحو خفض الرسوم الجمركية، إلا أن التوترات الجيوسياسية وتداعيات الجائحة والحروب الأخيرة أعادت فكرة “الاكتفاء الذاتي” إلى الواجهة. اتفاقيات التجارة الحرة: تسعى الدول لتجاوز الحواجز الجمركية من خلال توقيع اتفاقيات مثل “اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية” (NAFTA) أو “الاتحاد الجمركي الأوروبي”. الرسوم البيئية (الكربونية): اتجاه جديد يتمثل في فرض رسوم على المنتجات كثيفة الانبعاثات لحماية البيئة.

الرسوم الجمركية أداة قوية ولكن ذات حدين. فهي قد تحمي الاقتصاد المحلي على المدى القصير، لكنها قد تضر بالعلاقات التجارية وتؤثر على الاستهلاك والكفاءة الاقتصادية العالمية. في عالم يتجه نحو التداخل الاقتصادي، يصبح من المهم تحقيق توازن بين حماية الاقتصاد الوطني والانفتاح على التجارة العالمية لضمان تنمية مستدامة ومتوازنة.

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن منوعات منوعات منوعات منوعات اخبار الاردن منوعات منوعات اخبار الاردن الشباب والرياضة اخبار الاردن على التجارة العالمیة الرسوم الجمرکیة رسوم ا

إقرأ أيضاً:

ترامب يحث الاتحاد الأوروبي على خفض الرسوم الجمركية أو مواجهة جمارك إضافية

حث مفاوضو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجاريون الاتحاد الأوروبي على إجراء خفض أحادى الجانب للرسوم الجمركية المفروضة على السلع والبضائع الأمريكية، قائلين إنه بدون تلك التنازلات فإن التكتل الأوروبي لن يحرز تقدماً في المفاوضات الرامية إلى تجنب التعرض لرسوم الـ20 في المائة التبادلية الإضافية.

وكشفت مصادر قريبة الصلة بالممثل التجاري للولايات المتحدة، جيميسون جرير، لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، أنه يتأهب اليوم لإبلاغ نظيره في الاتحاد الأوروبي، ماروس سيفتشوفيتش، بأن المذكرة الإيضاحية الأخيرة التي أرسلتها بروكسل من أجل إجراء مباحثات لم تصل إلى ما توقعته الولايات المتحدة.

ولم تبد الولايات المتحدة رضاها عن كون الاتحاد الأوروبي لم يعرض سوى تخفيضات جمركية متبادلة بدلاً من التعهد بخفض الرسوم بشكل أحادي الجانب، مثلما اقترح بعض شركاء واشنطن التجاريين الآخرين.

كما تجاهل التكتل طلب الولايات المتحدة بفتح باب النقاش والتفاوض بشأن مقترحه الخاص بالضريبة الرقمية.

وقالت مصادر مطلعة على سير النقاشات، إن الاتحاد الأوروبي يدفع نحو صياغة نص حول إطار عمل مشترك متفق عليه لإجراء مباحثات، لكن الطرفين لا يزالان بعيدين كل البعد عن هذا الهدف.

ومن المقرر أن يلتقي جرير و سيفتشوفيتش في باريس الشهر المقبل، وهو الاجتماع الذي يتوقع أن يكون اختباراً رئيسياً لمدى قدرة الجابي على تجنب تصعيد الصراع التجاري فيما بينهما. وأصرت الولايات المتحدة في نقاشها مع بروكسل على ضرورة خفض العجز التجاري الإجمالي الذي بلغ 192 مليار يورو في عام 2024.

وشرع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في تبادل ملفات التفاوض فيما بينهما، غير أنه لم يحرز أي تقدم جوهري حتى الآن منذ إعلان ترامب مهلة تفاوض مدتها 90 يوماً. وقد أبدى مسؤول قريب من النقاشات عدم تفاؤله حيال إمكانية التوصل إلى أي اتفاق لتجنب فرض الولايات المتحدة لرسوم إضافية على الواردات الأوروبية.

وقال «إن تبادل الرسائل لا تمثل تقدماً حقيقاً. فنحن لانزال نقف في مكاننا ولم نبرحه».

كانت المملكة المتحدة توصلت إلى اتفاق أبقى على نسبة 10 في المائة التي فرضها ترامب كرسوم تبادلية، لكنها ضمنت حصصاً معفاة من الجمارك لصادراتها من الصلب، ونسبة أقل من 10 في المائة لـ100 ألف سيارة. كما أنها التزمت بالسماح بمزيد من الواردات الأمريكية من الإيثانول واللحوم إلى الأسواق البريطانية.

وفرضت الولايات المتحدة 20 في المائة كرسوم جمركية تبادلية على أغلب السلع والبضائع القادمة من الاتحاد الأوروبي في أبريل، وخفضتها إلى النصف حتى حلول 8 يوليو لإتاحة المزيد من الوقت للتفاوض والمباحثات. لكنها أبقت على نسبة 25 في المائة على الحديد والألومنيوم وقطع غيار السيارات، ووعدت بفرض نسبة مماثلة على الصناعات الدوائية، وأشباه الموصلات، وغيرها من السلع.

ويرى بعض الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي أن الولايات المتحدة ستبقى على نسبة 10 في المائة كحد أدنى في أي اتفاق- وهو التوقع الذي يعتبره العديد من وزراء التجارة في التكتل الأوروبي بأنه سوف يحض على التصعيد.

من وجهة نظر الولايات المتحدة فإن العرض المقترح من جانب الاتحاد الأوروبي، الذي يقضي بإزالة كافة الرسوم الجمركية على السلع الصناعية وبعض المنتجات الزراعية إذا قامت واشنطن بالمثل، يُعد مفضلاً ورائعاً بالنسبة لبروكسل لأنها تستخدم أسلوب معايير المنتج لحظر دخول المنتجات.

من جانبها، أرسلت الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي بنودها المعيارية لإبرام اتفاق، والتي تضمنت تسهيل دخول الشركات الأمريكية للاستثمار في الاتحاد الأوروبي، تقليص الإجراءات، وقبول المنتجات الغذائية الأمريكية ومعايير الإنتاج. كما طالبت بإلغاء الضرائب الرقمية الوطنية.

وقال مصدر مطلع على ردود الاتحاد الأوروبي لـ«فاينانشيال تايمز»، إن المسؤولة التجارية العليا بالمفوضية الأوروبية، سابين وياند، أبلغت السفراء في المفوضية الأحد أنها تأمل في "مواجهة الطلبات الأمريكية الأحادية باتفاقات تعاونية جماعية".

وقد عرضت في المفوضية الأوروبية مناقشة مسائل الاعتراف المتبادل للمعايير، وتخفيف الإجراءات الخاصة بتجارة المواد الغذائية والحيوانات، علاوة على التشديد على امتثال الواردات لمعايير حماية حقوق العمالة والبيئة، وهو مطلب أمريكي جوهري.

وقالت وياند إنه بينما كانت المفوضية تدرس اتخاذ إجراءات تصعيدية للرد على الرسوم، فإنها كانت توازن كل الجهود التي يتعين اتخاذها لتجنب حدوث ذلك. وقد أوقف الاتحاد الأوروبي فرض رسوم بقيمة 23 مليار يورو على السلع الأمريكية أثناء المحادثات، ويتشاور مع الصناعة والحكومات بشأن قائمة تضم سلعاً بقيمة 95 ملياراً أخرى، بما فيها طائرات «بوينج» ومشروبات «بوروبون» الكحولية.

من جانبه، قال المتحدث التجاري باسم الاتحاد الأوروبي، أولوف جيل، «إن أولوية الاتحاد الأوروبي هي أن يبحث عن اتفاق عادل ومتوازن مع الولايات المتحدة، اتفاق على قدر علاقتنا التجارية والاستثمارية الهائلة. فكلا الجانبين بحاجة إلى العمل على حل الوضع الراهن للرسوم الجمركية، علاوة على التنسيق استراتيجياً في المجالات الرئيسية للمصالح المشتركة للطرفين».

اقرأ أيضاًإدارة ترامب تمنع جامعة هارفارد من قبول الطلاب الأجانب

عاجل| ترامب: سنبحث مسألة الاستيلاء على أراضي أصحاب البشرة البيضاء في جنوب إفريقيا

مقالات مشابهة

  • فولفو ترغب في إجبار عملائها على تحمل الرسوم الجمركية
  • الرسوم الجمركية تحفّز ثورة ذكاء اصطناعي في سلاسل التوريد العالمية
  • “الصحة العالمية”.. اللقاحات خط الدفاع الأول صحياً وتجارياً ضد إنفلونزا الطيور
  • ترامب يخير اوربا بين الرضوخ او الرسوم الجمركية
  • ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي بـ50% من الرسوم الجمركية
  • ترامب يضغط على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية
  • اليابان تجدد طلبها للولايات المتحدة الأمريكية بضرورة إلغاء الرسوم الجمركية
  • ترامب يحث الاتحاد الأوروبي على خفض الرسوم الجمركية أو مواجهة جمارك إضافية
  • "أمازون": الطلب لم يتأثر بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب