العشر الأواخر من رمضان هي آخر ليالي شهر رمضان المبارك وعند مقارنتها بأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، نجد أن الامام ابن باز -رحمه الله- ذكر أن العشر الأواخر من رمضان هي أفضل من جهة الليل لوجود ليلة القدر فيها وهي أفضل الليالي في العام، أما العشر الأوائل من ذي الحجة فهي أفضل من جهة النهار وذلك لأن فيها يوم عرفة ويوم النحر وهما أفضل أيام الدنيا على الإطلاق وهو المعتمد عند المحققين من أهل العلم.
تبدأ العشر الأواخر من بعد صلاة العشاء لليلة إحدى وعشرين سواء كان الشهر تاماً أم ناقصاً ويتم فيهها إحياء الليل بالاجتهاد في عبادة الله والعمل الصالح وتحرِّي ليلة القدر فيها كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام “تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ”(صحيح البخاري)، ومعنى الوتر منها أي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وجميع هذه الليالي بما فيها الوترية ليالِ خير وبركة ورحمة ومغفرة وعتق من النيران بفضل الله وأكد ذلك النبي عليه الصلاة والسلام في قوله “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” وقوله “وإنَّمَا الأعْمَالُ بالخَوَاتِيم”(أخرجهما البخاري).
ومن أفضل الأعمال المُستحبة في هذه الليالي قيام الليل وتلاوة وتدبر القرآن والإلحاح في الدعاء والبعد عن المعاصي والذنوب، وتشجيع وإيقاظ الأهل للعبادة والقيام، والاعتكاف في المساجد كما قالت عائشة رضي الله عنها أن النَّبيَّ عليه الصلاة والسلام كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوفَّاهُ الله تَعَالى، ثم أعتكف أزواجه من بعده، (متفق عليه)، ويُستحب أيضا الحرص على الأعمال الصالحة والخَيِّرة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة.
وكان عليه الصلاة والسلام يستعد أفضل استعداد لهذه العشر المباركة كما في حديث عائشة رضي الله التي قالت فيه “كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَليهِ وَسَلَّم إذَا دَخَل العَشْرُ الأواخِرُ مِنْ رَمَضَانَ، أحْيَا اللَّيْلَ وأيقَظَ أهْلَهُ، وجَدَّ وشَدَّ المِئزر”(متفق عليه)، ناهيك عن الليلة المميزة في هذه العشر وهي ليلة القدر التي لا تتكرر في كل عام هجري إلا مرة واحدة وقد جعل الله لها فضل عظيم وسورة في القرآن الكريم قال فيها { لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ* تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بإذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ * سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ} (القدر 3-5)، لأن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر أي خير من عبادة أكثر من 83 سنة، وذكر ابن كثير في التفسير أن في هذه الليلة يكثر تنزَّلُ الملائكة للأرض ويكون عددهم أكثر من عدد الحصى لكثرة بركتها وتنزل معهم البركة والرحمة بفضل الله.
وأما المقصود بالروح فهو جبريل عليه السلام، وقوله {مِّنْ كُلِّ أمْر} قال فيها قتادة: أي يقضي فيها الله ما يكون في السنة إلى مثلها (تفسير الطبري)، وأما قوله {سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ} فقال عنها الشعبي: هي تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى طلوع الفجر، وقال قتادة ويزيد عن ذلك أنها كلها خير وليس فيها شر إلى مطلع الفجر (تفسير ابن كثير).
وأختم بخير وصف لليلة القدر والذي ذكره لنا نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى عندما قال عنها “إنَّ أمارةَ لَيلةِ القَدرِ أنَّها صافيةٌ بَلْجةٌ”، أي: مُشرِقةٌ، ومنه تَبَلَّجَ، أي: ظَهَرَ نُورُه، بلا سَحابٍ ولا غُبارٍ، بل هي واضِحةٌ وغَيرُ مُغبَرَّةٍ، “كأنَّ فيها قَمَرًا ساطِعًا”، أي يَكونُ ضَوءُها هادئًا مِثلَ ضَوءِ القَمَرِ الساطِعِ في نُورِه، “ساكِنةٌ ساجيةٌ”، أي: هادِئةٌ أصواتُها، فهو تأكيدٌ لِلأوَّلِ، “لا بَردَ فيها، ولا حَرَّ” فهي مُعتَدِلةُ الحَرارةِ “ولا يَحِلُّ لِكَوكَبٍ أنْ يُرمى به فيها حتى تُصبِحَ”، لِعَدَمِ الحاجةِ إلى ذلك، لِأنَّه إنَّما تُرمى الشياطينُ بالشُّهُبِ والكَواكِبِ عِندَ إرادةِ استِراقِ السَّمعِ، وهم في هذه اللَّيلةِ لا يَجرُؤونَ على ذلك، لِكَثرةِ المَلائِكةِ في جَميعِ بِقاعِ الأرضِ والسَّماءِ “وإنَّ أمارَتَها أنَّ الشَّمسَ صَبيحَتَها تَخرُجُ مُستَويةً، ليس لها شُعاعٌ، مِثلَ القَمرِ لَيلةَ البَدرِ” فتَطلُعُ الشَّمسُ مُستَديرةً لا يَشوبُ دائِرَتَها شُعاعٌ كالمُعتادِ، بل تَكونُ كالقَمَرِ لَيلةَ البَدرِ، فيَنتَشِرُ ضَوْءُها بلا شُعاعٍ.
كما يُضيءُ القَمَرُ بلا شُعاعٍ “لا يَحِلُّ لِلشَّيطانِ أنْ يَخرُجَ معها يَومَئِذٍ” ففي هذا اليَومِ لا يَخرُجُ معها الشَّيطانُ كعادَتِه، فقد جاءَ في الصَّحيحَيْنِ: “فإذا طَلَعتِ الشَّمسُ فأمسِكْ عنِ الصَّلاةِ؛ فإنَّها تَطلُعُ بَينَ قَرنَيْ شَيطانٍ” ولكِنَّه في هذا اليَومِ لا يَستَطيعُ فِعلَ ذلك؛ لِكَثرةِ المَلائِكةِ في الأرجاءِ.
اللهم بلغنا جميعا ليلة القدر في أحسن الأحوال وأعنا على الصلاة القيام والدعاء فيها وحسن تلاوة القرآن ولا تحرمنا أجرها وخيرها وبركتها.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: علیه الصلاة والسلام العشر الأواخر من لیلة القدر فی هذه
إقرأ أيضاً:
جبل في السعودية ضمن قائمة أعظم 100 موقع جيولوجي عالمي.. فما السبب؟ (صور)
السعودية – يتواجد جبل القدر في السعودية ضمن قائمة أعظم 100 موقع جيولوجي عالمي التي أصدرها الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية بالتعاون مع منظمة اليونسكو، فما سبب دخوله هذه القائمة؟
ويشكل”جبل القدر” الواقع في حرة خيبر البركانية شمال منطقة المدينة المنورة، أحد أبرز الشواهد على الجيولوجيا البركانية الحديثة في شبه الجزيرة العربية، مما أهّله ليكون ضمن قائمة أعظم 100 موقع جيولوجي عالمي، تقديرا لقيمته العلمية والجمالية والثقافية.
وأبانت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية أن الجبل يمثل موقعا جيولوجيا فريدا يتميز بنشاطه البركاني الحديث وتكوينه الجيومورفولوجي النادر، ويمتاز بمخروط بركاني واضح المعالم يرتفع نحو 400 متر، ويعد من أحدث البراكين النشطة تاريخيًا في المملكة، حيث وقع آخر ثوران له قبل نحو ألف عام.
وتشير بيانت الهيئة إلى أنه نتج عن هذا النشاط البركاني تدفقات هائلة من الحمم البازلتية والمواد الفتاتية البركانية، عبر شبكة معقدة من الأنابيب البركانية، مكونة مشهدا جيومورفولوجيا بديعًا وفريدا على مستوى المنطقة.
كما أن هذه التدفقات البركانية قد غطت منشآت حجرية ضخمة تعرف بـ”الطائرات الورقية الصحراوية”، وهي هياكل حجرية أثرية واسعة الانتشار يرجّح أن تعود إلى العصر البرونزي قبل حوالي 5000 عام، مما يكشف عن تداخل فريد بين النشاط الجيولوجي الطبيعي والأنشطة البشرية القديمة، ويُضفي على الموقع طابعا علميا وتراثيا مزدوجا.
ووفق وكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن هذا التميز الجيولوجي والبصري والقيمة الأثرية المتداخلة جعلا من جبل القدر مقصدا مهما للباحثين الجيولوجيين، وموقعا واعدا لتطوير السياحة الجيولوجية في المملكة.
المصدر: “واس”